Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونسيات يكسرن هيمنة الرجال على مهنة صيد الأسماك

نساء جزيرة قرقنة يشتغلن في غزل الشباك وينافسن الرجال داخل البحر على كمية الأسماك

رحلة شاقة في البحر لامرأة تونسية من أجل الظفر بنصيب من الأسماك (أ ف ب)

ملخص

يكتنف الغموض عدد النساء اللاتي يعملن في مجال الصيد البحري الذي يوفر وظائف لأكثر من 44 ألف صياد في تونس خلال عام 2023، بحسب ما نشره المرصد الوطني للفلاحة آنذاك، وتشكل النساء 60 في المئة من العاملين في الاقتصاد الموازي.

في جزيرة قرقنة الواقعة جنوب تونس، تسحب الصيادة سارة السويسي يومياً قاربها وتنطلق في رحلة شاقة في البحر من أجل الظفر بنصيب من الأسماك، متحدية بذلك التغيرات المناخية التي تضرر منها مجال الصيد البحري في البلاد الواقعة شمال أفريقيا.

ومنذ عقود كانت مهنة صيد الأسماك حكراً على الرجال، وكان دور النساء يقتصر على المساعدة في تجهيز أدوات الصيد وغير ذلك، من دون أن يكون لهن دور محوري في الصيد.

وقالت السويسي في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" إن "هناك تغييراً جذرياً طرأ على البحر في تونس، ففي السابق كان صيادو الأسماك يستعملون الشرفية، وهي وسيلة صيد تقليدية تبنى بسعف النخيل وفق خطة مدروسة، ومن أقدم وسائل الصيد البحري، وكان الصيد وفيراً والبحر جيداً، لكن الأمر الآن بات مختلفاً بسبب التلوث والتغيرات المناخية".

وتابعت المتحدثة أن "ظهور سلطعون البحر أيضاً الذي نطلق عليه 'داعش البحر' تسبب في متاعب كبيرة بالنسبة إلينا، وشخصياً أصبحت أفقد بصورة يومية شباك الصيد الذي أستعمله بسبب انتشار السلطعون الناتج من التغيرات المناخية".

تحد للمجتمع والصعوبات

وتُصر السويسي على أنها ستواصل العمل في مجال صيد الأسماك "حتى لو أن المجتمع لا يتقبل فكرة أن تتولى المرأة هذه المهنة، وحتى لو كان ذلك يجعلني عرضة لصعوبات".

 

 

وأردفت المتحدثة أن "كلفة الشباك في تونس التي تخرج عن الخدمة بسبب سلطعون البحر أو غيره تُقدر بأكثر من 200 دينار (67 دولاراً)"، لافتة إلى أنه في "قرقنة كان البحارة يستعملون وسائل تقليدية من أجل الصيدن مثل الحجر وأدوات أخرى تصنع في المنازل بدلاً من شرائها، لكن الآن كل شيء تغير".

ويُعد مجال الصيد البحري قطاعاً حيوياً في تونس لكنه ظل حكراً على الرجال طوال عقود، ولا سيما عند الحديث عن الصيد بالقوارب والسفن.

وبحسب دراسة حديثه أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) فإن المرأة التي تقوم بـ "دور متنوع ونشط في مختلف الفروع في الصيد البحري لا تزال لا تحظى بالتقدير المستحق".

ويُمثل صيد الأسماك مع تربية الأحياء المائية في تونس نحو 13 في المئة من الناتج الداخلي الخام، بحسب إحصاءات رسمية، ولكن الغموض يكتنف عدد النساء اللاتي يعملن في مجال الصيد البحري الذي يوفر وظائف لأكثر من 44 ألف صياد في تونس عام 2023، بحسب ما نشره المرصد الوطني للفلاحة آنذاك، فيما تشكل النساء 60 في المئة من العاملين في الاقتصاد الموازي التونسي".

 

 

وبحسب الدراسة التي أصدرتها "فاو" أخيراً فإن "الصيادات لا يعتبرن في أحيان كثيرة عاملات فعليات من نظرائهن الرجال، ولا تُتاح لهن مساعدات وفرص تدريب وقروض مصرفية بالقدر نفسه الذي يحظى به الرجال، بل يُصنفن على أنهن مقترضات بأخطار عالية".

تعويل على الذات

في المقابل تقطع تيسير مغديش (55 سنة)، وهي أيضاً صيادة من جزيرة قرقنة، نحو 20 كيلومتراً سيراً على الأقدام بصورة يومية من أجل امتهان مهنة دأبت عليها منذ 30 عاماً، وقالت مغديش "في كل موسم أعمل على نوع مُحدد من الأسماك على غرار القرنيط وحساء الحلزون، وأحاول التعويل على نفسي بعيداً من الوسطاء، وأقوم بتحضير الأسماك التي أقوم بصيدها وأتولى بيعها بنفسي، ومع مرور الوقت أصبحت أقوم بعمليات تصدير إلى الخارج لدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت أن "المشكلة في تغيرات المناخ التي ألقت بظلالها على مزاولتي لمهنتي، فأحياناً يكون الطقس متقلباً بفعل الأمطار والرياح العاتية، ومع ذلك لا أتغيب أبداً لأن ذلك مورد رزقي وقد درّست ابني بفضل هذه المهنة التي أحبها".

وتعمل منظمات في المجتمع المدني في تونس على مساعدة النساء على التحرر من الوسطاء عند مزاولة نشاط الصيد البحري، إذ يقوم هؤلاء الوسطاء بشراء الأسماك بأسعار زهيدة مما يكبد النسوة العاملات في الصيد البحري خسائر مقارنة بالأسعار التي تُباع بها منتجاتهم في الأسواق الأوروبية.

عنصر مؤثر

وعلى رغم المكاسب التي حصلت عليها منذ بناء الدولة الحديثة إثر استقلال البلاد عام 1956 عن فرنسا، إلا أن المرأة في تونس لا تزال تكافح من أجل اقتلاع حقوق أخرى في ظل الأدوار الصعبة التي تضطلع بها، سواء في مجال الزراعة أو الصناعة أو الصيد أو غير ذلك.

 

 

ويقول النقابي في مجال الصيد البحري الساسي علية إن "المرأة تعتبر عنصراً مؤثراً ومهماً في قطاع الصيد البحري في تونس، وعلى رغم أن نسبة النساء اللاتي يمارسن الصيد ضئيلة جداً إلا أن نساء وبنات البحارة يعتبرن عاملاً مهماً ومكملاً لعملية الصيد".

وأوضح علية أن "هذا العامل يأتي من خلال رتق وتركيب شباك صيد الأسماك، وكذلك صنع درايين صيد السلطعون، فهذه الأنشطة المهمة تشغلها النساء بـ 90 في المئة، كما أنهن يشغلن معامل تثمين الأسماك بنسبة 100 في المئة، ولذلك تلعب المرأة دوراً مهماً وكبيراً في قطاع الصيد البحري التونسي".

اختلال مواسم الصيد

وكشأن الرجال تعاني المرأة العاملة في مجال الصيد البحري في تونس من متاعب جراء التغيرات المناخية، إذ أدى التلوث والاحتباس الحراري وغير ذلك إلى اندثار كثير من أنواع السمك، ونتيجة لذلك حظرت الحكومة التونسية عام 2020 جمع وصيد عدد من الأسماك التي تأثرت بصورة كبيرة نتيجة التلوث والاحترار المناخي.

 

 

وقال علية، "كانت التغيرات المناخية مؤثرة جداً في قطاع الصيد البحري، إذ لاحظنا ارتباكاً في مواسم الصيد مع تأثر التنوع البيولوجي، إذ هاجرت أسماك وجاءت أسماك جديدة مثل سلطعون البحر الذي بدوره أثر في صيد البحارة ومعداتهم".

واعتبر المتحدث أن "التلوث البحري في خليج قابس معضلة كبيرة أسهمت في تراجع قطاع الصيد البحري، إذ تقوم 27 وحدة صناعية بصب فضلاتها في بحر قابس، وتقدر تلك الفضلات بقرابة 19 ألف طن من الفوسفوجيبس يتم صبها يومياً".

وشدد علية على أن "هذا الأمر أدى إلى تصحر القاع البحري ونقص مردودية القطاع بنحو 80 في المئة، مما أثر في الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبحارة، كما أن معظم البحارة يعانون أمراضاً مزمنة مثل السرطان وضيق التنفس وبعض الأمراض الجلدية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي