Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليليا حسين ترصد مآسي مهاجرين جزائريين في "مرارة الهجرة"

رواية دخلت القائمة القصيرة لجائزة "غونكور" الفرنسية عام 2021

الروائية الفرنسية الجزائرية الأصل ليليا حسين (دار غاليمار) 

ملخص

رواية "شمس مرة" للروائية الفرنسية الجزائرية الأصل ليليا حسين صدرت في ترجمة عربية بعنوان مختلف هو "مرارة الهجرة". تتناول الرواية أحوال المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي.

تبدأ أحداث رواية "شمس مرة" Soleil amer  للكاتبة الفرنسية من أصل جزائري ليليا حسين التي صدرت مترجمة إلى العربية تحت عنوان آخر "مرارة الهجرة" (دار العربي – القاهرة) بتوقيع صابر رمضان، في منطقة أوراس في الجزائر في أواخر خمسينيات القرن الماضي، ثم تنتقل إلى فرنسا التي سافر إليها "سعيد" للعمل في أحد مصانع السيارات، على أمل أن يستقر في هذا البلد متأسياً بأخيه الأكبر "قادر" الذي أصبح في غضون أعوام قليلة، تلَت هجرته، يتمتع بوضع مادي مريح مع زوجته الفرنسية "إيف". يتوزع السرد على ثلاثة أجزاء ويتولاه راوٍ عليم بصورة تصاعدية، وتمتد الأحداث عبر سرد خطي لنحو أربعة عقود. وتنتمي هذه الرواية إلى تلك النوعية من الأعمال الأدبية التي تتناول مشكلات اندماج المهاجرين مع أهل البلد الذي هاجروا إليه، وهو هنا فرنسا.

وصلت "مرارة الهجرة" الفرنسية إلى القائمة القصيرة لجائزة "غونكور" عام 2021، وكاتبتها ، هي صحافية عملت في "لوموند" و"لو باريزيان" ونشرت روايتها الأولى "عين الطاووس" عام 2019. أما روايتها الثانية "مرارة الهجرة"، ففازت بجائزة مدينة كان الأدبية في 2023. وبعد خمسة أعوام على سفره، يقرر "سعيد" أن تنضم إليه زوجته "نجا" وبناته الثلاث، لتبدأ معاناة هذه الأسرة في سبيل الاندماج في مجتمع يختلف جذرياً، خصوصاً من الناحية الثقافية، عن مجتمعهم الأصلي في ولاية سطيف الواقعة في شمال شرقي الجزائر. عندما تبلغ الابنة الكبرى "مريم" الـ15 من عمرها، يعيدها والدها إلى مسقط رأسها لتتزوج بشخص لم يسبق أن ربطتها به أي عاطفة. لكن حين تبلغ الابنة التالية في الترتيب العمر نفسه، يتقبل "سعيد" على مضض ارتباطها بشاب فرنسي بطريقة لا تتسق مع ثقافة هذه الأسرة. وعندما حملت زوجته بتوأم، أقنعها "سعيد" بأن تتنازل عن أحدهما لزوجة أخيه "العاقر"، ومن هنا تبدأ أبرز مآسي تلك الأسرة، وهي التفكك، ومن ثم التلاشي.

التمييز العنصري

عندما ترقى "سعيد" في عمله وسط موجة من انتشار البطالة والاتجاه العام لتقليص العمالة، أثار ذلك حقد بعضهم عليه وبات عرضة للتمييز العنصري، حتى إن بعضهم كان ينعته بـ "العربي القذر". وتحت وطأة ذلك الضغط، يرفض "سعيد" الترقية، ويطلب من زوجته أن تعمل خادمة منزلية لتساعده في نفقة البيت. في تلك السنة أطلق جيسكار ديستان برنامج المساعدة في العودة الطوعية للجزائريين. وهنا يقرر جيران "سعيد" وأسرته في مجمع سكني للمهاجرين في إحدى ضواحي باريس انتهاز الفرصة. "نورا" وزوجها "أحمد" وأبناؤهما "محمد" و"خضر" و"فاطمة"،  ما إن يصلوا إلى الجزائر، تطلب منهم السلطات الجزائرية العودة من حيث أتوا، بدعوى أن قريباً لهم سبق له أن انضم إلى قوات المحتل الفرنسي لقتل عناصر مقاومة الاحتلال. بلغت "نور"، ابنة "سعيد" و"نجا" عام 1977 عمر الـ 18 سنة، فغادرت منزل الأسرة "للتحرر من قيودها". تركت "إيف" باريس وانتقلت إلى بريتاني، وهناك زاد شعور "دانيال" بالألم لابتعاده من شقيقه "أمير"، والولدان لا يعرفان أنهما أخان أصلاً. تراجع مستوى "دانيال" الدراسي، فيما زاد شغفه بالألعاب القتالية التي كان يجدها، وفق السارد العليم، "وسيلة للتنفيس عن غضبه ومشاعره السلبية".

رفاهية وفقر    

تبدأ الرواية باستهلال مؤرَّخ عام 1959، يسبقه اقتباس من "المركب السكران" لرامبو "الفجر مفجع، والقمر مخيف، والشمس مريرة"، ومن هنا جاء غالباً العنوان الأصلي للرواية. والجزء الأول يبدأ من 1964، والجزء الثاني يبدأ من 1969، فيما الجزء الثالث والأخير يبدأ من عام 1983 بموت "سعيد"، ويعقبه فصل يتولى فيه "دانيال" السرد وقد أصبح رباً لأسرة، ذهب بها إلى موطن أبويه في زيارة سياحية، شعر خلالها بأنه يعرف المكان جيداً وأنه ليس فيه مجرد سائح. خلال جنازة "سعيد"، بدت نجا "متصلبة". فحتى هذه اللحظة لم يعرف "دانيال" أن سعيد هو أبوه، كان يظن أنه عمه. التوأم، أحدهما يعيش في رفاهية والآخر يعيش في فقر. التحق "أمير" الموهوب في الرسم والمتفوق دراسياً بكلية الطب. لكن إقامته في مجمع سكني للمهاجرين، "يبدو أن المدينة تخلت تماماً عنه وكأنه ليس جزءاً منها"، ساقته إلى إدمان المخدرات ومن ثم ترك الدراسة قبل أن يموت بجرعة مخدر... أوصى "سعيد" قبل وفاته بجزء كبير من مدخراته لـ "دانيال"، فأنفقه على تعاطي المخدرات، بعد أن رفض أمير وأمه عرضه بأن يساعدهما مادياً.

تزوجت "سونيا" الابنة الثانية لـ"سعيد و"نجا" قبل عامين من وفاة أبيها من أحد أقاربها في الجزائر. بعد ستة أشهر من وصوله إلى فرنسا وبعد حصوله على الإقامة تركها وحيدة مفلسة. قررت أن تعيش بمفردها وتدير شؤونها من دون تدخل من أحد. حصلت على الإجازة العليا للمعلمين... "لم أعُد أحتمل هذا النفاق الذي يحثنا على التنديد بعنصرية الآخرين، بينما نمارسها في ما بيننا من دون أدنى مشكلة" ص 172. أما الجارة "نورا"، فكان ابنها نور الدين، "أول من أدخل المخدرات إلى المجمع السكني"، حيث تعيش "طبقة المهمَّشين في منازل يرثى لها ولا يمكن لباريسي أن يغامر ويسكن فيها. وبحسب السارد العليم، فإنه "كلما ابتعد الباريسيون من هذه الأماكن اتسعت الهوة وزادت الفجوة بين العالميْن، وزاد التعصب والعنصرية وكراهية الآخر والخوف منه".

مصائر مأسوية

طلبت "نجا" من "أمير" أن يعمل في المخبز الذي يملكه مهاجر آخر يدعى "جيلبير"، ورفضت عرض "إيف" أن تتكفل بمصاريف دراسته. "غالباً ما كانت، نجا، تنسى أن تلتقط أنفاسها، كما يفعل البشر العاديون. لم تكُن حياتها سوى نوبات من ضيق التنفس". وفي لحظة كاشفة تنهي "إيف" الجفاء الذي خيّم على علاقتها بسلفتها وتعترف لـ"نجا" بأنها قبل أن تتزوج "قادر"، أنجبت طفلة غير شرعية أسمتها "هيلين" لكنها ماتت غرقاً بعدما بلغت السادسة من عمرها. تحكي لها أنه عندما علم أبوها بأمر حملها من صديق لها، أرسلها إل قصر صديقه "جان – بيير" في الريف، حتى لا يعلم أحد بـ"هذه الفضيحة". وعندما تزوَّجت قادر لم تخبره شيئاً عن ماضيها وتركته يعتقد بأنها عاقر، مع أنه هو الذي لم يكُن قادراً على الإنجاب. لم يعُد "دانيال" يذهب إلى الجامعة. كان يشتري المخدرات يومياً من المال الذي ورثه عن "سعيد"، فيما أقرانه في الضواحي يعانون البطالة، ويعاني مجتمعهم تحت وطأة تعاطيهم المخدرات وارتكاب أعمال عنف هنا وهناك ربما احتجاجاً على ما يعانونه من تهميش على رغم أن معظمهم حاصلون على إجازات جامعية. وجد "أمير" في الخمر والمخدرات ما يخفف عنه وطأة الكوابيس التي يعيشها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأصبحت "نور" عارضة أزياء مشهورة، ولم تكُن الحياة المرفهة التي تحياها سوى وسيلة للهروب من الملل والمشاعر السلبية التي تجتاحها بين الفينة والأخرى. ص198. وعبر تقنية الـ"فلاش باك" نعرف من "نجا" أن والدها شارك عام 1945 في تظاهرات ترفع لافتة مكتوب عليها "نريد المساواة". كان كل ما يتمناه أن يُكافأ عشرات آلاف الجزائريين الذين شاركوا في الحرب مع فرنسا ضد القوات الألمانية وأن يمنحوا الجنسية الفرنسية ويتمتعوا بالحقوق والامتيازات نفسها التي يتمتع بها الفرنسيون. أحبَّت "نجا" فرنسا على رغم كل شيء. أما ابنتها "نور"، فكانت تشعر بغضب "تجاه البلد الذي اعتقل جدها واستنزف أباها وترك عائلتها تعيش في إحدى الضواحي المزرية".

هي لا تعرف شيئاً عن بلدها الأم ولا عن لغته. وبتصاعد الأحداث، استولى شباب الضواحي على أقبية جميع المباني "كي يتعاطوا فيها الهيروين وسط حال عامة من اللامبالاة". رفض "أمير" أن يكون "دانيال" منقذاً له من السقوط والتدهور "لأنه لن يستطيع أن ينقذه من نفسه". أما "قادر"، فأصبح يعيش في بلجيكا حيث يعمل في شركة شهيرة لصناعة الشوكولاتة. سافر إليه "دانيال" بطلب من أمه ليتعلم حرفة بعدما فشل في دراسته الجامعية. عام 1987 ظهر مرض انتشر في الأحياء الفرنسية كالنار في الهشيم، وكان "نور الدين" ابن "نورا" أول ضحايا هذا المرض بعدما استخدم حقناً ملوَّثة. أصيبت رفيقته "عائشة" هي الأخرى وكانت حاملاً في الشهر الثالث. نقل إليها العدوى عن طريق الاتصال الجنسي. ماتت "عائشة" بعد موت "نور الدين" بعامين. رفض أهلها في الجزائر تسلم جثمانها، وتبرؤوا منها واعتبروا أنها لم تأتِ إلى الحياة من الأساس.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة