ملخص
يرى كثيرون في لبنان أن دور الدولة بات يقتصر على إصدار البيانات ومناشدة الدول الصديقة والمعنية مساعدة لبنان، ويعتبر آخرون أن التماهي المدمر بين ما يفترض أن يكون دولة وبين اللادولة يقطع الطريق على إمكان توقع أي مسار إنقاذي.
أين هي الدولة اللبنانية؟ سؤال يلازم معظم اللبنانيين منذ إعلان "حزب الله" حرب الإسناد مع غزة التي يدفع لبنان ثمناً تصاعدياً باهظاً جراء الاستمرار فيها، وقد بلغ في الأيام الأخيرة سقفاً عالياً على مستوى الضحايا والأضرار والنزوح.
والبحث عن الدولة الممثلة في الحكومة ومجلس النواب تعزز مع بلوغ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان مستوى غير مسبوق في مقابل إصرار الحزب على الاستمرار في الحرب التي حولها إلى "معركة الحساب المفتوح"، كما وصفها نائب الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم.
ويصف سياسيون لبنانيون الحكومة الحالية بالغائب الأكبر والعاجز عن منع الحرب على لبنان، وهي غير قادرة على القيام بدورها الدبلوماسي والسياسي في المحافل الدولية، لأن قرار الحرب ليس بيدها بل في يد الحزب، ويرى كثيرون أن دورها بات يقتصر على إصدار البيانات ومناشدة الدول الصديقة والمعنية مساعدة لبنان، وأن تشديدها على رفض الحرب والالتزام بالقرار الدولي رقم (1701) هو لزوم ما لا يلزم طالما أنها غير قادرة على ترجمته، خصوصاً وأنها تبنت موقف الحزب بتأكيد إيمانها بأن الأعمال القتالية لن تنتهي قبل انتهاء حرب غزة.
الحكومة غير موجودة
ويقول نائب بيروت إبراهيم منيمنة في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "نعيش أسوأ حال في تاريخ لبنان من انعدام الوجود الرسمي وعلى المستويات كافة من دون استثناء"، ويرى أن الغائب الأكبر عن كل ما يحصل هو الحكومة اللبنانية كممثل للشرعية اللبنانية، معتبراً أن هذا بدأ في اللحظة التي قال فيها رئيس الحكومة إن قرار الحرب والسلم خارج الدولة وهو عند "حزب الله"، فبدا وكأنه سلّم بهذا الموضوع.
ويضيف النائب التغييري أنه "على رغم حقيقة امتلاك الحزب قرار الحرب والسلم، لكن هذا لا يعني أن تسلم الحكومة بهذا الموضوع وأن تتخلى عن دورها الدبلوماسي وقدرتها على المبادرة ونشاطها، خصوصاً وأن أدواتها مختلفة وهي غير متوافرة لدى أي فريق، وبالتالي لماذا لا تسعى إلى تفعيل هذا الدور؟".
ويستذكر منيمنة تجربة عام 2006 عندما كان قرار الحرب خارج الحكومة، وعلى رغم ذلك لم تتخل الحكومة التي كان يترأسها فؤاد السنيورة عن دورها، حتى إن رئيس مجلس النواب وصفها حينها بحكومة المقاومة، وخاضت مفاوضات دبلوماسية أوصلت الى القرار رقم (1701)، مضيفاً أنه "في عهد رئيس الحكومة رفيق الحريري أيضاً تمكنت حكومته من وضع تفاهم أبريل (نيسان) الذي سمح للمقاومة حينها بإعلان تحرير الجنوب".
ويتابع المتحدث أن "الحكومة اليوم ليست موجودة على المستوى السياسي، وليست ناشطة بين الفرقاء السياسيين وخصوصاً مع 'حزب الله' للضغط عليه، ولا على المستوى الدبلوماسي حين تحول حضورها إلى شكلي وبروتوكولي"، واصفاً دبلوماسية وزير الخارجية عبدالله بو حبيب بغير المجدية "مقارنة مع حراك وزير الخارجية بالوكالة طارق متري في حرب يوليو (تموز) 2006، والذي خاض آنذاك في أروقة مجلس الأمن مفاوضات عسيرة للتوصل إلى قرار وقف إطلاق النار في لبنان"، مشدداً على أن الحكومة اللبنانية كانت وقتها تعمل من أجل المصلحة الوطنية التي هي غائبة اليوم كلياً في حراك الحكومة.
وينتقد منيمنة افتقار الحكومة أيضاً إلى تفعيل العلاقات الخارجية مع الأشقاء العرب وغيرهم من الدول الصديقة، منتقداً أيضاً افتقادها للمواضيع المتعلقة بالإغاثة على رغم كل الكلام عن خطط طوارئ تبين أنها كلام في كلام.
ويكشف نائب بيروت عن أنه لمس غياب الدولة وأجهزتها بعد جولة في بيروت تبين له خلالها أن القرار هو للأحزاب، لافتقاد الحكومة إلى الأموال كما برر المسؤولون، معتبراً أن عدم توافر الأموال مرده تقاعس الحكومة في وضع الإصلاحات المطلوبة وهيكلة المصارف للتمكن من الانطلاق بالجباية وتحصيل أموال من الناس، وبالتالي فلا متابعة ولا حضور على الأرض، فيما الأحزاب وخصوصاً "حزب الله" هي من يدير العملية على الأرض.
زمن تقهقر فكرة الدولة
وعن أسباب عجز الحكومة وهل الأمر مرتبط باتهامها بالتبعية لـ "حزب الله"، قال عضو البرلمان اللبناني إن "هناك تقهقراً لكل فكرة الدولة ودورها في حماية المجتمع، وهذا الأمر تكرس منذ الانهيار المالي وقبله بعامين عندما بات المسؤولون غير معنيين، وتحولت الحكومات إلى منطق المحاصصة في غياب المحاسبة المعطلة في مجلس النواب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد منيمنة أنه "في غياب الرقابة تسمح الحكومة لنفسها التصرف كما تريد، متسلحة تارة بأنها حكومة تصريف أعمال وتارة بمتابعة الأمور الطارئة، وحتى خطة الطوارئ التي وضعتها عرضت على الهيئة العامة بعد إصرار النواب من باب رفع العتب، وتبين لاحقاً أنها خطة استعراض وهو ما ظهر في التخبط الحاصل حالياً على الأرض".
أما عن دور النواب في المحاسبة فيذكر النائب البرلماني أن المعارضة طالبت بجلسة لمناقشة الوضع في الجنوب وقرار الحرب، لكن رئيس المجلس رفض تحديد جلسة معبراً عن خوفه من أن يتكرس هذا الواقع فيصبح دور الحكومة وأجهزة الدولة ثانوياً في مقابل قوة الأحزاب وحضورها على الأرض، مطالباً بحكومة قوية وفاعلة تستطيع أن تفرض نفسها على كل الناس من دون استثناء، كونها الممثل الوحيد للشرعية اللبنانية التي تعمل من أجل المصلحة الوطنية.
التماهي المدمر مع اللادولة
ومن موقع الفاعلية في المجتمع المدني يتحدث المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني زياد الصائغ عن واقع الدولة اللبنانية في هذه المرحلة الخطرة، إذ تتقاطع فيها بحسب رأيه "تحديات خطف الدولة من قوة غير دولية بأجندة غير لبنانية، واعتداء إجرامي تقوده إسرائيل"، ويرى أن هذه "الدولة اللبنانية استسلمت إلى واقع ألا موقف دستورياً - سيادياً لها، ولا فعل دبلوماسياً - سياسياً"، مضيفاً "نحن نواجه حال انعدام هوية قانونية للدولة بكامل مؤسساتها الدستورية، ويمكن الاسترسال في تقديم نماذج عملية عن حال التشوه البنيوية التي تعانيها، مما عرض لبنان ويعرضه لأخطار كيانية وجودية."
وإذ يشير الصائغ إلى أن التماهي المدمر بين ما يفترض أن يكون دولة وبين اللادولة يقطع الطريق على إمكان توقع أي مسار إنقاذي حتمي في هذا الوقت العصيب، مضيفاً أن "الأمل الوحيد يكمن في توسيع رقعة التضامن الوطني مع الاستمرار في قول حقيقة أنه لا دولة في لبنان بشجاعة، والدفع باتجاه تأطير منظم للقوى السيادية مع القوى المجتمعية الحية، لإعادة استنهاض الشرعية الوطنية بالعودة للدستور الذي اغتيل بعنف انحياز من يمسك بزمام القرار لخيارات غير لبنانية".
ويعبر المتحدث عن "أسفه وحزنه جراء تأخر هذه القوى في تشكيل هذا التأطير المنظم حتى أمست في مربع رد الفعل وهذا مقتلة للبنان"، متابعاً أن "لبنان يحترق، إنه زمن توبة الضالين ومبادرة الضنينين بالقضية اللبنانية، إنه زمن تلاقي الديناميات الثلاث الوطنية والاغترابية والدبلوماسية لتحرير الدولة والعودة للدستور".
ماذا يقول الوزراء؟
أما في شأن الحكومة فالكلام عن ضعفها وغيابها مبالغ فيه، وفق عدد من الوزراء أعضائها، ويحيلنا مصدر مقرب من رئيس الحكومة إلى سلسلة الاتصالات التي تجريها الحكومة مع كل الجهات الدولية المعنية، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا وقطر وإيران، كاشفاً عن أن اتصالات الوفد اللبناني في أروقة مجلس الأمن تركز أيضاً على اليوم التالي لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان.
من جهته يؤكد وزير الصناعة جورج بوشكيان أن الحكومة كانت مع تطبيق القرار رقم ((1701 منذ اليوم الأول لبدء "حرب الإسناد"، وتعتبر أنه الأساس لحل النزاع مع إسرائيل، لافتاً إلى أن الحكومة بشخص رئيسها لم توقف الاتصالات الدولية التي أعربت خلالها عن تمسكها بالقرار الدولي، "وهذه الاتصالات هي التي أسهمت في تقطيع المرحلة الماضية بأقل أضرار ممكنة"، وفق قوله.
ويضيف بوشكيان أن الحكومة تعاطت ولا تزال بمسؤولية كاملة، ولم تتوقف عند عائق كونها حكومة تصريف أعمال، بل تصرفت وكأنها حكومة فاعلة.
وعن الغياب الدبلوماسي للحكومة أكد أن وزير الخارجية يقوم بدوره وهو موجود في كل اللقاءات والمحافل الدولية والاجتماعات العربية، ولبنان الرسمي ليس غائباً كما تتهمه المعارضة، بل هو فاعل في كل القنوات الدبلوماسية.
ويشرح الوزير أن توجه الرئيس ميقاتي إلى نيويورك بعدما فضل البقاء في لبنان جاء بعد اتصالات دولية، لمس خلالها نيات جدية في البحث في أروقة مجلس الأمن عن حل لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وبحسب بوشكيان فلا يمكن تحميل لبنان مسؤولية التصعيد الإسرائيلي وعدم التزام العدو بتعهدات نقلها بعض الوسطاء الدوليين إلى بيروت، معتبراً أن الوضع مختلف اليوم عن عام 2006 حين كان هناك دعم دولي وضوابط.
وحول قدرة الحكومة على الضغط على "حزب الله" لفصل الحرب في غزة عن لبنان، أوضح وزير الصناعة أن الأمر يتطلب توافر معطيات جدية وضمانات حتى تتصرف الحكومة، وميقاتي توجه إلى نيويورك بعد أن قيل له إن هناك معطيات جديدة.
ويرفض بوشكيان اتهام الحكومة بالتقصير على المستوى الإغاثي، معتبراً أن الكارثة التي حلت في يوم واحد هي أكبر من قدرة أية دولة على تحملها، لافتاً إلى جهوزية الحكومة على كل المستويات، حيث وُفرت مناطق للإيواء، والعمل جار لتأمين كل المستلزمات الأخرى، كاشفاً أنه اتصل بكل المصانع لتوفير كل ما سيحتاجه النازحون الذين فاق عددهم كل التوقعات.