Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ستتعامل أميركا مع غزو إسرائيلي محتمل للبنان؟

معركة فاصلة للإسرائيليين ومقاتلي "حزب الله" وواشنطن ستطرح مبادرة وتدعم تل أبيب

صواريخ القبة الحديدة تتصدى لصواريخ آتية من الجانب اللبناني، كما بدت من عكا، في 26 سبتمبر الحالي (رويترز)

ملخص

على رغم طرح إدارة بايدن مسودة اقتراح تهدف إلى وقف الصراع موقتاً فإنها لا تمتلك نفوذاً على "حزب الله"، ومن غير الواضح ما إذا كانت الجماعة ستلتزم بأي اتفاق لوقف القتال، وبخاصة أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وهو الداعم الرئيس للحزب حذر من أن قتل أعضاء الجماعة لن يؤدي إلى إجبارها على الركوع.

بينما تعمل الولايات المتحدة على التوسط في وقف إطلاق نار قصير الأمد بين إسرائيل و"حزب الله" على أمل تجنب حرب أوسع بالتوازي مع إحياء المفاوضات المتوقفة بين الدولة العبرية وحركة "حماس" في غزة، تتجه إسرائيل نحو غزو بري للبنان يعتقد خبراء عسكريون أنه بات وشيكاً، فماذا سيحدث إذا نفذ الإسرائيليون هذا الغزو؟ وكيف ستتعامل معه الولايات المتحدة؟

نذر الحرب

على رغم طرح إدارة بايدن مسودة اقتراح تهدف إلى وقف الصراع موقتاً فإنها لا تمتلك نفوذاً على "حزب الله" ومن غير الواضح ما إذا كانت الجماعة ستلتزم بأي اتفاق لوقف القتال، وبخاصة أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وهو الداعم الرئيس للحزب حذر من أن قتل أعضاء الجماعة لن يؤدي إلى إجبارها على الركوع، مما يشير إلى أن التوقعات بإمكانية التوصل إلى تسوية لا تزال بعيدة المنال في ظل إصرار إسرائيل على فرض شروطها بوقف هجمات "حزب الله" وانسحاب قواته إلى شمال نهر الليطاني.
ولأن إسرائيل تظهر مزيداً من التشدد وتشير إلى أنها تنوي المضي قدماً في خطط المعركة التي تهدف إلى القضاء على الحزب وإنهاء أشهر من تبادل إطلاق النار عبر حدودها الشمالية، يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استمرار العملية العسكرية في لبنان، بدعوى أن حكومته لن ترتاح حتى يعود سكان الشمال بأمان إلى ديارهم، كما يبدو أن إطلاق الحزب أول صاروخ باليستي على إسرائيل صباح أمس الأربعاء كان مثيراً للقلق "وحمل مغزى كبيراً لإسرائيل" بحسب ما يشير بنهام بن تاليبلو كبير الباحثين في مركز الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن.
وفي وقت استدعت فيه إسرائيل آلاف الجنود إلى شمال إسرائيل للقيام بمهام عملياتية على طول الجبهة الشمالية بما يسمح بمواصلة الحرب، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الاستعداد لغزو بري للبنان، وأن الهجمات الجوية الحالية تستهدف تمهيد التضاريس للهجوم البري، وخاطب مجموعة من الجنود على الحدود الشمالية لإسرائيل قائلاً إنهم سيدخلون أرض العدو والقرى التي أعدها "حزب الله" كمواقع عسكرية كبيرة، إذ توجد البنية التحتية تحت الأرض، ونقاط التجمع، ومنصات إطلاق الصواريخ على إسرائيل.


مناورة أم عملية برية؟

وفي حين يرى مركز دراسات الحرب في واشنطن أن الحملة الجوية المكثفة التي تشنها إسرائيل في لبنان هي جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع نطاقاً لهزيمة الحملات العسكرية المتعددة المدعومة من طهران والتي نفذتها مع ما يسمى "محور المقاومة" بعد هجوم "حماس" على إسرائيل خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تبدو هذه الاستراتيجية مقيدة بعدم إعطاء إيران ذريعة للانضمام إلى القتال من خلال ما كشف عنه مسؤولون إسرائيليون من توجيهات بتجنب الخطوات التي من شأنها أن تعطي إيران هذه الذريعة خلال الحرب ضد "حزب الله".

وربما يكون الاستنتاج الإسرائيلي تولد نتيجة تدخل إيران في السابق بصورة مباشرة في صراعات إقليمية عندما كان حلفاؤها الرئيسون مثل نظام بشار الأسد في سوريا معرضين لخطر الانهيار، ولهذا ربما تقرر إيران التدخل لدعم "حزب الله" ضد إسرائيل إذا قدرت أن الأخيرة تلحق أضراراً جسيمة بحليفها الأهم، على رغم ما نقله موقع أكسيوس بأن إيران رفضت في المرحلة الحالية التدخل عسكرياً لدعم الحزب.
ومع ذلك، فإن الصراع العسكري المتصاعد الآن الذي لم تصنفه إسرائيل حتى الآن رسمياً بأنه حرب مثلما فعلت مع "حماس" بعد السابع من أكتوبر إلا أنها ربطت ضرباتها ضد الجماعة بالحرب في غزة، كما يتحدث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بصورة متكررة عن حرب مستمرة مع إيران وحلفائها على جبهات عدة بما في ذلك لبنان.
ويعتقد المحلل العسكري في "كينغز كوليدج" أندرياس كريغ أن الإسرائيليين يحاولون إما أن يقولوا لـ"حزب الله" تعالوا إلى طاولة المفاوضات وسنحل هذا الأمر من خلال الدبلوماسية، أو سندفعكم إلى الزاوية حتى تبالغوا في رد فعلكم وستكون هذه حرباً شاملة، لكن مدير مركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية في جامعة تل أبيب عوزي رابي يرى أنه "لا بديل عن الحرب البرية، على رغم التصعيد الإسرائيلي الأخير".
وعلى مدى أعوام حذر الإسرائيليون من أن أية حرب مستقبلية مع "حزب الله" ستفرض على لبنان نفسه ثمناً باهظاً فتدمر البنية الأساس الحيوية وتدمر معاقل الحزب، وهو ما عرف باسم "عقيدة الضاحية" نسبة إلى المنطقة المزدحمة في جنوب بيروت (حيث يقع مقر الحزب) التي عانت دماراً شديداً خلال عام 2006، وفي الوقت نفسه أمضى "حزب الله" أعواماً في توسيع وتحسين ترسانته ويُعتقد أنه يمتلك ما بين 120 ألفاً إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة قادرة على ضرب جميع أنحاء إسرائيل.

مهمة معقدة

على رغم التدمير الهائل الذي لحق بقوات الحزب المدعوم من إيران وقياداته العليا وأدوات اتصاله وقتل أعداد كبيرة من قوات النخبة التابعة له المعروفة باسم "قوة الرضوان"، فإن تصريحات هاليفي لجنوده وضباطه تشير إلى أن عبور القوات الإسرائيلية الحدود الشمالية سيواجه عقبات سبق أن واجهتها من قبل، إذ أفصح أن الجنود الإسرائيليين عندما يواجهون عناصر الحزب سيظهرون لهم ما يعنيه مواجهة قوة محترفة وذات مهارات عالية وخبرة في المعارك، مؤكداً أن الإسرائيليين الآن قادمون بصورة أقوى بكثير وخبرة أوسع من قوات "حزب الله".
لكن الواقع هو أن أية حملة برية ستكون مهمة أكثر تعقيداً بكثير من الهجمات التي قادتها الاستخبارات الإسرائيلية والتي نجحت في تفجير أجهزة النداء (البيجرز) وأجهزة اللاسلكي (ووكي توكي) فقتلت وأصابت المئات، ثم استكملت ذلك بغارات جوية لمراكز القيادة وتخزين السلاح في أنحاء مختلفة من لبنان.

ماذا حدث عام 2006؟

يدرك الإسرائيليون دروس حرب 2006 عندما دخلت دباباتهم جنوب لبنان ووجدت خصماً تغير في وقت قصير بصورة كبيرة منذ انسحابهم من هناك عام 2000، إذ نظم قدراته وطورها في منطقة الحدود الوعرة التي تطل عليها التلال الصخرية شديدة الانحدار وأعد أنفاقاً قتالية، وتكيف مع تكتيكات وأسلحة جديدة قاومت القوات الإسرائيلية عند دخولها. وكانت الدبابات والمدرعات الإسرائيلية عرضة للصواريخ المضادة للدبابات، في حين أطلق مقاتلو كل من "حزب الله" والجماعة المتحالفة معه "حركة أمل" (يقودها رئيس البرلمان نبيه بري) قذائف هاون على وحدات المشاة الإسرائيلية المتقدمة أثناء شق طريقهم عبر البساتين والحقول الزراعية، على رغم أن الطائرات الحربية الإسرائيلية كما هو الحال اليوم سيطرت على الجو، وقصفت البنية الأساس ومواقع الحزب دون مقاومة، كما كانت الزوارق الحربية الإسرائيلية تقصف وتهدد الطريق الساحلي الرئيس يومياً، لكن عند الحدود كانت الصورة مختلفة تماماً بحسب ما يقول مراسلون عسكريون غربيون كانوا شهود عيان على حرب 2006.

وكما هو الحال الآن كان للحزب مواقع معدة جيداً، إذ كانت الصواريخ تنطلق من مواقع مخفية على سفوح التلال القريبة فتستدعي ضربات مضادة من جانب إسرائيل، سواء من الطائرات الحربية أو المدفعية على الحدود والتي كان من المستحيل نظرياً النجاة منها، ولكن في كثير من الأحيان كانت الصواريخ تطلق مرة أخرى بعد توقف لبضع ساعات من نفس المكان، فيبدأ تكرار الدورة.

إخفاقات الجيش الإسرائيلي

حددت لجنة فينوغراد التي شُكلت للتحقيق في نتائج حرب 2006 ما سمته بالإخفاقات الخطرة والتي دفع ثمنها ثلاثي من قادة الحرب الإسرائيليين عديمي الخبرة، وهم رئيس الأركان آنذاك دان حالوتس وهو طيار مقاتل سابق كافح لتنسيق الهجمات البرية على لبنان، وكذلك رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيريتس.
وفي الذكرى السنوية الـ10 لحرب 2006 كتب المراسل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هاريل في عام 2016، إن فرق الجيش الإسرائيلي انتقلت إلى جنوب لبنان بلا هدف وعجزت الحكومة والجيش عن تحديد المناورة التي كان من شأنها أن تفرض اليد العليا على "حزب الله".


الوضع الراهن

طور الجيش الإسرائيلي دروعه للدفاع بصورة أفضل ضد الأسلحة المضادة للدبابات المتنقلة وأصبح على أهبة الاستعداد للقتال في لبنان، واكتسبت قواته خبرة أكثر في القتال بعد أن شنت غزواً برياً على غزة قبل نحو 11 شهراً، في وقت فقد فيه "حزب الله" بعض المقاتلين ذوي الخبرة في الحرب الأهلية السورية، كما اغتيل عدد من قادته من ذوي الرتب المتوسطة والعليا خلال الأسابيع الأخيرة على يد إسرائيل، وهو ما سيكون له تأثير في قدرة الحزب على الرد في حال غزو سلاح المشاة الإسرائيلي، بحسب ما يشير المحلل العسكري أندرياس كريغ.

 ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان يمكن أن يتجنب التوغل البري الإسرائيلي المتوقع نفس المزالق، وبخاصة أن "حزب الله" الذي كان يقدر عدد مقاتليه قبل الهجمات الأخيرة بنحو 20 ألفاً ومثلهم كقوات احتياط بات أفضل تسليحاً الآن مما كان عليه عام 2006، وأصبح مقاتلوه أكثر خبرة في القتال داخل المناطق الحضرية بعد أعوام من الحرب المستمرة في سوريا، ويبدو أن جوهر "حزب الله" كقوة مدمجة محلياً منتشرة في المدن والقرى بمهمة واحدة ومفهومة جيداً وهي مقاومة القوات الإسرائيلية، ربما تجعل الغزو البري عسيراً ومكلفاً لإسرائيل.
وإضافة إلى ذلك تعاني إسرائيل من عيوبها الخاصة ليس أقلها الإرهاق المتزايد في قدرتها العسكرية ونقل عديد من نفس الوحدات التي كانت تقاتل في غزة إلى الشمال، واستنزاف الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية للقوات العسكرية مع استمرار الصراع في غزة، فضلاً عن الإرهاق داخل المجتمع الإسرائيلي بعد عام من الحرب.
وفي حين يتفاخر الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة بالقدرة على القتال في جبهات متعددة، فإن العملية الطويلة القاتمة ضد "حماس" لا تزال غير مكتملة ولا توجد خطة واضحة لليوم التالي، فيما أظهرت هذه الحملة أيضاً أوجه القصور في التفكير العسكري الإسرائيلي، وبخاصة الفكرة القائلة بأن حرب المناورة قادرة على إلحاق الهزيمة بالجهات الفاعلة غير الحكومية التي تتصرف أحياناً مثل القوات التقليدية، لكنها تلجأ أيضاً إلى الحرب غير التقليدية.

كيف ستتعامل أميركا؟

لا تزال إدارة بايدن تركز بشدة على إبقاء إيران على الهامش من خلال الدبلوماسية غير المباشرة عبر محادثات مع الدول التي تتواصل مباشرة مع طهران، وعلى رغم واقعية التهديد بحرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط اعترف الرئيس جو بايدن بأن الحرب الشاملة ممكنة، لكنه أضاف أنه لا تزال هناك فرصة للتوصل إلى حل مشروط بتغيير إسرائيل لبعض السياسات من أجل التوصل إلى تسوية يمكن أن تغير المنطقة بأكملها.

وبينما أوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الصراع المتصاعد بين إسرائيل و"حزب الله" يجب احتواؤه، يراهن البعض في واشنطن على أن التوغل البري الإسرائيلي المحدود قد يترك المجال لكلا الجانبين للتراجع، لكن إذا لم يتراجع الحزب فمن المرجح أن تحمله واشنطن مسؤولية التصعيد، ويكون ذريعة لمساندة ودعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً في مجلس الأمن، وبخاصة أن إدارة بايدن تبدو لكثيرين كـ"بطة عرجاء" لا تمتلك القدرة على ممارسة دور فاعل بينما لم يتبق على موعد الانتخابات الرئاسية والعامة سوى أقل من ستة أسابيع.
وإذا كانت الولايات المتحدة قادرة على فعل القليل فسيكون ذلك هو الضغط على نتنياهو وقادة الجيش الإسرائيلي كي يمتنعوا عن استهداف البنى التحتية اللبنانية حتى لا يزداد الوضع سوءاً، لكن السؤال هو ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي راغباً في الامتثال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


دروس الماضي

وتحذر رئيسة دراسات الشرق الأوسط في كلية ديكنسون ميريل ربيز من التداعيات المحتملة التي تشبه تجارب الماضي، ففي يونيو (حزيران) 1982 غزت إسرائيل لبنان في خضم الحرب الأهلية اللبنانية، وفرضت حصاراً على العاصمة بيروت وكانت النتائج كارثية بالنسبة للمنطقة بأسرها، ولم يسفر الغزو البري عن مقتل الآلاف من المدنيين فحسب بل أدى احتلال لبنان إلى دفع دولة هشة بالفعل إلى حال من الفوضى السياسية والاقتصادية الدائمة، وأدى إلى ولادة "حزب الله" الجماعة ذاتها التي تهدد شمال إسرائيل اليوم.
كان الجيش الإسرائيلي بقيادة وزير الدفاع أرييل شارون آنذاك يريد القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشئت عام 1964 وجندت ودربت بحلول منتصف السبعينيات أكثر من 20 ألف مقاتل شاركوا بنشاط في شن هجمات على إسرائيل من الأراضي اللبنانية، فدخل أكثر من 40 ألف جندي إسرائيلي مع مئات الدبابات لبنان عبر حدوده الجنوبية، ومن طريق البحر من ساحل صيدا، وقصف الطيران الإسرائيلي وادي البقاع وبيروت ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
وظلت بيروت تحت الحصار لمدة شهرين مع انقطاع المياه والكهرباء، ونتيجة للقصف العنيف وانعدام الوصول إلى الحاجات الأساس لقي ما يقدر بنحو 19 ألف مدني ومقاتل لبناني وسوري وفلسطيني حتفهم، بينهم 5500 مدني من غرب بيروت.
وبعدما ناشدت السلطات اللبنانية الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة المساعدة، شكلت هذه البلدان قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات صممت لاستعادة السلام في لبنان ومساعدة القوات المسلحة اللبنانية وإجلاء مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس، وبعدما نجحت هذه القوة في مهمتها بدأت في الانسحاب من لبنان ولكن تم استدعاؤها مرة أخرى مع اندلاع العنف.
ولا تزال هذه الأحداث وثيقة الصلة بالوضع الحالي، إذ أدى غزو إسرائيل واحتلالها للبنان وحصارها لبيروت والمذابح التي أعقبت ذلك إلى ولادة "حزب الله" باعتراف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق ورئيس الوزراء إيهود باراك في مقابلة أجريت معه عام 2006 إذ قال إن "وجود إسرائيل هناك هو الذي خلق ’حزب الله‘".
كما أدى غزو إسرائيل إلى تدهور علاقات لبنان مع الغرب، إذ اعتبر عديد من المسلمين اللبنانيين والفلسطينيين القوة المتعددة الجنسيات وخاصة الولايات المتحدة، "فاشلة ومتواطئة مع إسرائيل"، مما أدى إلى جعل الغربيين هدفاً، وخلال الـ23 من أكتوبر 1983 استهدف هجوماً إرهابياً ثكنات أميركية في بيروت مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص، بما في ذلك 220 من مشاة البحرية و18 بحاراً وثلاثة جنود، وبعد دقائق قتل هجوم انتحاري ثان 58 من المظليين الفرنسيين، وأعلنت حركة "الجهاد الإسلامي" مسؤوليتها عن الهجومين ويعتقد أن بعض أعضائها من بين أولئك الذين أسسوا "حزب الله" رسمياً خلال فبراير (شباط) 1985.

وخلال العقد التالي احتُجز أكثر من 80 أميركياً وأوروبياً كرهائن من قبل مقاتلي "حزب الله" وتعرض بعضهم للتعذيب لأشهر عدة ومات آخرون أثناء الاحتجاز.

مساعدة "حزب الله" في التجنيد

فشل غزو عام 1982 في تحقيق أهدافه المتمثلة في وقف الهجمات على إسرائيل من جنوب لبنان، بل كان له تأثير معاكس من خلال تحويل عديد من اللبنانيين ضد إسرائيل وخلق الظروف التي مكنت الحزب من تجنيد مزيد من الأعضاء.
وعلى رغم انسحاب إسرائيل من بيروت خلال أغسطس (آب) 1982 فإنها استمرت في احتلال جنوب لبنان حتى عام 2000، وخلال تلك الفترة اعتقلت بصورة غير قانونية عديداً من اللبنانيين المشتبه في مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي، واحتجزت بعضهم دون توجيه اتهامات إليهم في ظروف غير إنسانية، بينما نقل آخرون بصورة غير قانونية إلى إسرائيل.
وعلى هذه الخلفية، نمت شرعية "حزب الله" في نظر قطاع من اللبنانيين حتى إن السلطات اللبنانية وقعت عام 1989 في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية اتفاقاً يؤكد حق لبنان في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. وذلك وإن لم يكن يشير إلى "حزب الله" بصورة مباشرة، إلا أنه سمح لـ"حزب الله" بتفسير هذا البند على أنه يضفي الشرعية على قتاله المسلح ضد الاحتلال.
وبعد انتهاء الاحتلال عام 2000 اضطر الحزب إلى الادعاء بأنه سيواصل القتال ضد إسرائيل حتى تحرير مزارع شبعا المتنازع عليها ومرتفعات الجولان وفلسطين المحتلة. وخلال عام 2006 دخل "حزب الله" الأراضي الإسرائيلية للمرة الأولى، فقتل ثلاثة جنود وخطف اثنين مطالباً بالإفراج عن أسرى لبنانيين في المقابل.
ورداً على ذلك، هاجمت القوات الإسرائيلية لبنان جواً وبحراً وبراً ودخلت القوات البرية الإسرائيلية لبنان ونفذت عدداً من العمليات على الأراضي اللبنانية، ولم تشهد الحرب اللاحقة أي تبادل للأسرى ولكنها أسفرت عن مقتل نحو 1100 مدني لبناني و120 إسرائيلياً، معظمهم جنود.

هل يتكرر التاريخ؟

عندما هاجمت "حماس" إسرائيل خلال السابع من أكتوبر 2023 كانت هناك آمال في أن عقوداً من الأعمال القتالية بين لبنان وإسرائيل قد تكون على وشك التحول، إذ وقعت إسرائيل ولبنان خلال أكتوبر 2022 اتفاق حدود بحرية توسطت فيها الولايات المتحدة والتي فُسرت على أنها بداية لتطبيع العلاقات بين بلدين في حال حرب من الناحية الفنية.
لكن حجم الأزمة الإنسانية في غزة وسلسلة الأحداث التي تلت ذلك في لبنان أنهت مثل هذه الآمال خلال الوقت الحالي، وأدى تعهد "حزب الله" بالتضامن مع "حماس" إلى سلسلة من الهجمات المتبادلة مع إسرائيل والتي تصاعدت على مدار العام الماضي، وصولاً إلى سلسلة الأحداث التي شهدت الآن مقتل أكثر من 550 لبنانياً وتوسيع "حزب الله" النطاق الجغرافي لهجماته الصاروخية في إسرائيل.
وقد تكون الخطوة التالية في هذا التصعيد المميت هي غزو بري، ولكن خلال عام 1982 أسفرت مثل هذه العملية عن نتائج كارثية لجميع الأطراف المعنية ووضعت الظروف لعقود من الأعمال القتالية عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ومن المرجح إلى حد بعيد أن هجوماً مماثلاً اليوم سيسفر عن نتائج مماثلة، وبخاصة بالنسبة للشعب اللبناني.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير