ملخص
غالبيتها تصب في اتجاه تعديل نصوص قانونية إما بالتغيير أو التتميم، مما يشكل أكثر من 83 في المئة من المبادرات المتقدم بها، في حين أن المبادرات المتعلقة بإحداث قانون جديد لا تتجاوز 10 مقترحات.
تتفوق أحزاب المعارضة على أحزاب الغالبية الحكومية في مجلس النواب المغربي من ناحية عدد مقترحات القوانين المقدمة خلال العام الثالث من الولاية التشريعية الـ11، وفق تقرير حديث للمجتمع المدني صاغته جمعية "سمسم مشاركة مواطنة".
ورصد التقرير استمرار ظاهرة غياب النواب عن الحضور لجلسات البرلمان، إذ بلغت نسبة الغياب 63 في المئة عن جلسات السنة التشريعية الماضية، مما يسهم وفق مراقبين في تكريس ظاهرة العزوف السياسي.
أرقام التفوق
وأفاد التقرير المذكور بأن أحزاب المعارضة في مجلس النواب تقدمت بـ59 مقترح قانون خلال السنة التشريعية الماضية، بينما أحزاب الغالبية الحكومية المشكلة من ثلاثة أحزاب رئيسة، هي "الأحرار" و"الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة"، لم تقدم سوى 10 مقترحات قوانين فقط في الفترة الزمنية ذاتها.
ووفق المصدر عينه، تصدر حزب "الاتحاد الاشتراكي" المعارضة البرلمانية في تقديم مقترحات القوانين بـ27 مقترح قانون، ثم حزب "الحركة الشعبية" بـ22 مقترح قانون، وحزب "العدالة والتنمية" بـثمانية مقترحات قانون، وحزب "التقدم والاشتراكية" بمبادرتين تشريعيتين اثنتين.
وبالنسبة إلى أحزاب الغالبية، جاء حزب "الاستقلال" بـخمسة مقترحات قوانين، متعادلاً مع حزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي يقود الحكومة الحالية، غير أن حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يشكل الضلع الثالث في الحكومة لم يقدم أي مقترح قانون طوال السنة التشريعية الماضية.
وتبعاً لما رصده تقرير المجتمع المدني، فإن غالبية مقترحات القوانين تصب في اتجاه المواضيع التي تندرج ضمن اختصاص كل من لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان ولجنة الداخلية والسكن وسياسة المدينة، في حين لم تتلقَّ كل من لجنة مراقبة المالية العامة ولجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية أي مقترح قانون.
واسترسل المصدر عينه أنه من خلال رصد مقترحات القوانين التي تقدمت بها الأحزاب البرلمانية داخل مجلس النواب، يلاحظ أن غالبيتها تصب في اتجاه تعديل نصوص قانونية إما بالتغيير أو التتميم، مما يشكل أكثر من 83 في المئة من المبادرات المتقدم بها، في حين أن المبادرات المتعلقة بإحداث قانون جديد لا تتجاوز 10 مقترحات.
دينامية برلمانية
ويعلق الباحث في الشأن السياسي والحزبي عبداللطيف أكماخ على حيثية تفوق أحزاب المعارضة في تقديم مقترحات القوانين على أحزاب الغالبية الحكومية، بالقول إن الأمر يتعلق برغبة المعارضة في خلق دينامية تشريعية، لا سيما أن مقترحات القوانين تُعدّ مصدراً رئيساً لصياغة القوانين، وفق ما نص عليه الدستور المغربي.
ويورد في هذا الصدد الفصل 78 من الدستور المغربي المعدل عام 2011 أنه "يحق لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء التقدم باقتراح القوانين"، بينما الفصل 79 ينص على أنه "للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون، وأن كل خلاف في هذا الشأن تبته المحكمة الدستورية في أجل ثمانية أيام، بطلب من أحد رئيسي المجلسين (النواب والمستشارين)، أو من رئيس الحكومة".
وأردف الباحث ذاته أن تفوق أحزاب المعارضة في هذا الجانب على أحزاب الغالبية مرده أيضاً إلى محاولة هذه الهيئات السياسية إنعاش أدائها الذي تطاوله انتقادات عدة متمثلة في الضعف وعدم النجاعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق أكماخ، مقابل تفوق المعارضة في تقديم مقترحات القوانين داخل مجلسي البرلمان معاً، هناك توجه للحكومة نحو حصر الموافقة على عدد محدد لمقترحات القوانين التعديلية، بينما هي (الحكومة) تدفع مشاريع القوانين نحو المصادقة عليها بفضل ما تملكه من غالبية داخل البرلمان.
وبالنسبة إلى التقرير، "نسبة مقترحات القوانين التي تتم المصادقة عليها تكون منخفضة مقارنة بمشاريع القوانين المقدمة من طرف الحكومات بسبب محدودية الأدوات المتاحة للبرلمانيين في إعداد وتقديم تلك المقترحات، أو لأن هذه الحكومات غالباً ما تفضل الاستحواذ على المبادرة التشريعية".
وتبعاً للمصدر، "تبقى مقترحات القوانين وسيلة أساسية للبرلمان للتعبير عن رؤيته والتفرد ببعض جوانب العملية التشريعية، وكذلك لتقييم أداء النخب البرلمانية، كما تكمن أهمية هذه المقترحات في أنها تمنح السلطة التشريعية دوراً أكبر في صياغة القوانين، وتعزز مشاركة مختلف الأطراف البرلمانية في النقاش العام حول السياسات التشريعية".
ظاهرة النفور
وفي سياق ذي صلة، سجل التقرير استمرار ظاهرة غياب النواب البرلمانيين عن حضور الجلسات خلال السنة التشريعية الماضية بما يعادل 63 في المئة، بمعنى أن نسبة حضور النواب كان بحدود 37 في المئة.
ورصد المصدر عينه أن أعلى نسبة حضور في البرلمان المغربي وصلت إلى 59.24 في المئة لمناسبة المصادقة على مشروع قانون المالية لعام 2024 في "القراءة الأولى"، بينما كانت أقل نسبة حضور في جلسة للمصادقة على نصوص قانونية بلغت 25 في المئة، بمعنى حضور زهاء 100 برلماني فقط من أصل 395 نائباً من مجموع "نواب الأمة".
ويسجل مراقبون زيادة ظاهرة غياب النواب في البرلمان المغربي، على رغم ترسانة قوانين النظام الداخلي التي تزجر ظاهرة عزوف النواب عن الحضور للجلسات التشريعية، ومن ذلك الخصم من التعويضات (الرواتب) الشهرية وتلاوة أسماء النواب المتغيبين عند بداية كل جلسة برلمانية عامة، بهدف ردع المتغيبين عن الغياب، لكن الملاحظ أن ظاهرة "العزوف" هذه تتواصل من دون حلول جذرية.
وفي المادة 146 من القانون الداخلي للبرلمان المغربي ورد مثلاً أنه يتعين على النواب حضور جميع الجلسات العامة، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة إلى رئيس الجلسة مع بيان العذر قبل انعقاد الجلسة، كما تنشر لائحة الحاضرين والتغيبات في النشرة الداخلية لمجلس النواب وموقعه الإلكتروني.
بينما المادة 147 من القانون الداخلي ذاته تشير إلى أنه "إذا ثبت تغيب عضو عن جلسة عامة من دون عذر مقبول، يوجه الرئيس تنبيهاً كتابياً إليه، وإذا ثبت تغيبه مرة ثانية من دون عذر عن جلسة عامة في الدورة نفسها يوجه إليه الرئيس تنبيهاً كتابياً ثانياً، ويأمر بتلاوة اسمه في الجلسة العامة التالية، وفي حال ثبوت غيابه من دون عذر للمرة الثالثة أو أكثر يقتطع من التعويضات الشهرية الممنوحة له، مبلغ مالي بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب من دون عذر مقبول".
وفي هذا الصدد يرى أستاذ القانون الدستوري عثمان زياني أن ظاهرة غياب النواب عن الجلسات التشريعية لم تعُد ظاهرة عابرة أو سلوكاً فردياً، بل ظاهرة بنيوية متجذرة، جراء ضعف أو غياب "الالتزام الحزبي والسياسي" وتنفيذ الوعود التي قطعها البرلماني أمام ناخبيه في فترة الانتخابات.
وعزا زياني هذا الغياب أيضاً إلى "شعور البرلماني بعدم تأثيره الفعلي في الأدوار التشريعية والدستورية الموكلة إليه بسبب هيمنة الحكومة على تقديم مشاريع القوانين والمصادقة عليها".