Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحلام الغزيين في حياة كريمة تحطمت تحت وطأة الجوع والنزوح والمرض

أصدر الجيش الإسرائيلي تعليمات بإخلاء أكثر من ثلاثة أرباع مساحة غزة منذ السابع من أكتوبر

ملخص

تلقي منظمات الإغاثة الإنسانية العاملة في غزة بالمسؤولية على إسرائيل في ما يتعلق بمنع دخول ما يكفي من شاحنات الطعام، إذ قالت لجنة الإغاثة الدولية في واحد من بياناتها إنه "بصفتها القوة المحتلة في غزة، تقع على عاتق إسرائيل مسؤولية ضمان حصول السكان الخاضعين للاحتلال على الإمدادات الغذائية والطبية".

قبيل الحرب، كان طريق الطفلة نور جياب (10 سنوات) من منزلها وسط قطاع غزة إلى منزل جدتها في مدينة خان يونس مليئاً بالبهجة والضحكات، وعلى طول شارع الرشيد الواصل بين شمال القطاع وجنوبه كانت الصغيرة تخرج يديها النحيلتين المشرعتين إلى السماء من نافذة السيارة، تارة لرؤية الأراضي الزراعية الممتدة شرقاً وأخرى للاستمتاع برذاذ البحر ورائحته غرباً. وعلى رغم أن رحلتها لم تكن تتجاوز 15 دقيقة فإنها كانت بالنسبة إليها فسحة للاستمتاع بالجمال الخلاب في قطاع فقير ومحاصر.

وما إن اشتعلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إثر هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 ابتلع البحر حلمها وقذف في روحها نزفاً لا يبرأ، فكل الطرق القديمة لا تؤدي إلا إلى مزيد من الوجع يسلب فؤادها، بعدما اختفت ملامح الشارع وجرفت الأراضي الزراعية وتحولت إلى منطقة عشوائية تعج بخيم النازحين، وطغى صوت الباعة والمتسوقين على صوت البحر وتبقت بالكاد بضعة أمتار قليلة لمرور العربات التي تجرها الحيوانات. ومع استمرار الحرب ودخولها عاماً آخر يتكرر نزوح سكان قطاع غزة، إلا أنه في كل مرة بقصص أكثر ألماً وتعقيداً.

وحتى تاريخ الـ18 من أغسطس (آب) الماضي بلغ عدد سكان قطاع غزة مليونين و440 ألف نسمة، تشرد نحو 90 في المئة منهم وفق تغريدة نشرتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على منصة "إكس"، فيما قدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا) أن هناك ما بين 300 إلى 350 ألف شخص يعيشون في شمال المنطقة المحاصرة ولم يتمكنوا من الذهاب إلى الجنوب، في حين أفادت الأمم المتحدة بأن تسعة من كل 10 أشخاص في القطاع نزحوا لمرة واحدة في الأقل منذ بدء الحرب، وسط تقديرات بأن عددهم قدر بنحو 1.9 مليون شخص وأن 110 آلاف شخص غادروا غزة إلى مصر قبل إغلاق معبر رفح. وبحسب "أوتشا"، فإن "خلف هذه الأرقام أناساً لديهم مخاوف وشكاوى وربما كانت لديهم أحلام وآمال تتناقص شيئاً فشيئاً".

من أين وإلى أين؟

بعد أسبوع على بدء الحرب، أمرت إسرائيل جميع سكان شمال وادي غزة بالنزوح معلنة أن المنطقة الجنوبية من القطاع البالغة مساحتها 230 كيلومتراً (من أصل 360 كيلومتراً هي مساحة القطاع) منطقة آمنة، إلا أن الجيش وبعد اجتياح محافظة خان يونس مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2023 قلص المنطقة الآمنة لتصل إلى 140 كيلومتراً، وعند اجتياح رفح خلال مايو (أيار) الماضي عاد وقلصها إلى 79 كيلومتراً، وخلال أشهر يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) وأغسطس الماضية قلصها الجيش أكثر لتصل على التوالي إلى 60 كيلومتراً ثم 48 كيلومتراً ثم 35 كيلومتراً، بما يعادل 9.5 في المئة فقط من إجمال مساحة القطاع، وذلك بحسب بيان جهاز الدفاع المدني بغزة.

ووفقاً لإدارة الإمداد والتجهيز، فإن العدد الأكبر من النازحين في القطاع بات يتكدس في منطقة مواصي خان يونس الواقعة على شاطئ البحر غرب المدينة، وبين الأحياء الغربية لمدينة دير البلح وعدد من الأحياء الغربية لمدينة خان يونس. ويؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن إنهاك النازحين والتنكيل بهم وتضييق المنطقة الإنسانية عليهم يدل على أن إسرائيل "تحاول تدمير القطاع بالكامل وسحق أية فرص للحياة فيه". وأضاف أن "هناك سعي إسرائيلي لترسيخ احتلال قطاع غزة".

ويرى محللون أن "النزوح المتكرر والهرب الذي يضطر خلاله النازحون في كل مرة إلى إعادة ضبط حياتهم أصبح أداة للعقاب الجماعي، للضغط على "حماس" لتقديم تنازلات سياسية من شأنها إخضاع الحركة في المفاوضات وطلب وقف الحرب، لإعادة تشكيل القطاع سياسياً وديموغرافياً بما يحقق الأمن لإسرائيل". وكانت المتحدثة باسم وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) لويز ووتردج صرحت بأن سكان غزة يواجهون خلال الوقت الحالي "دائرة لا نهاية لها من الموت والتشريد". وأن كثيرين "فقدوا الأمل وقوة الإرادة، ويواجهون نزوحاً قسرياً متكرراً".

وأشار المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إلى أن الناس في غزة "يتركون أمام خيارين مستحيلين، إما الاضطرار للانتقال وعلى الأرجح لمرة ثانية أو ثالثة إلى مناطق ليس بها أية مساحة أو خدمات، أو البقاء في مناطق يعلمون أنها ستشهد قتالاً عنيفاً". وبينت التحليلات وصور الأقمار الاصطناعية أخيراً أن إجمال المناطق المخصصة كمناطق إخلاء تبلغ 281 كيلومتراً مربعاً، تعادل 77 في المئة من مساحة قطاع غزة. وفي وقت يقول فيه الجيش الإسرائيلي إن تعليمات الإخلاء هدفها "حماية المدنيين من خلال توجيههم إلى مناطق أكثر أمناً"، تؤكد الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأخرى عدم وجود مناطق آمنة في غزة، مشككة في مدى قدرة المناطق الآمنة التي حددها الجيش على استيعاب العدد الكبير من النازحين، والذين يقدر عددهم بأكثر من مليوني نسمة.


معركة المستشفيات

وبعد فاجعة المستشفى المعمداني التي وقعت خلال الأسبوع الأول من الحرب وأدت إلى مقتل نحو 500 فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال ممن لجأوا للاحتماء في المستشفى، أخرجت إسرائيل اثنين من مستشفيات شمال القطاع عن الخدمة، وحولت خمسة مستشفيات أخرى إلى ملاجئ لآلاف النازحين، وزعمت نائبة المتحدث باسم البنتاغون سابرينا سينغ أن حصار الجيش الإسرائيلي لمجمع الشفاء الطبي مطلع الحرب تزامن مع تقارير استخباراتية تفيد بأن "’حماس‘ وحركة الجهاد الإسلامي تستخدمانه وسيلة لدعم عملياتهما العسكرية واحتجاز الرهائن".
وبحلول الـ18 من ديسمبر 2023 كانت جميع مستشفيات شمال قطاع غزة خرجت عن الخدمة كلياً، وبقيت تسعة مستشفيات في كامل القطاع من أصل 36 مستشفى قادرة على تقديم العناية الطبية بالحدود الدنيا. وبعدما حاصر الجيش "مجمع ناصر الطبي" ومستشفى الأمل في الـ21 من يناير (كانون الثاني) الماضي، عاد الجيش مجدداً لاقتحام مستشفى الشفاء أو ما تبقى منه ليشن عملية عسكرية مفاجئة كان سبقها استهداف متعمد للأحياء المحيطة بالمستشفى، ونسف أكثر من ألف منزل إلى جانب اعتقال الطواقم الطبية والنازحين لأيام وأخضعهم للتحقيق والتعذيب، بحسب توثيق المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع.
ومن جهتها، أكدت وزارة الصحة الفلسطينية خلال مايو الماضي أن 80 في المئة من مستشفيات قطاع غزة خرجت من الخدمة نتيجة الاستهدافات الإسرائيلية للقطاع الصحي منذ بداية الحرب، معلنة خلال يونيو الماضي أن مستشفى "شهداء الأقصى" هو الوحيد الذي يقدم خدمات صحية لنحو مليون شخص حالياً في القطاع، وأن النقص الكبير في المستلزمات والكوادر الطبية لا يتيح أية فرصة لمعالجة أو استقبال جرحى جدد. وتؤكد صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن إسرائيل جعلت من المستشفيات "هدفاً رئيساً لحربها المستمرة على قطاع غزة"، موثقة 90 حادثة استهداف منذ بدء الحرب. إلا أن الجيش الإسرائيلي أكد في بيان أن استهداف المستشفيات في غزة كان لما سماه "ضرورات عملياتية". وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية ومعلومات مؤسسات الإغاثة الدولية والهلال الأحمر الفلسطيني نمطاً إسرائيلياً عسكرياً ظهر ضد سبعة مستشفيات في الأقل، يبدأ بحصار المبنى وصولاً إلى مداهمته دون منح أية فرصة لإخلاء المستشفيات. ومقابل ذلك، قالت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رافينا شامداساني إن ادعاء الجيش بأن منشأة طبية فقدت حمايتها نتيجة استخدامها في أعمال تضر بالقوات الإسرائيلية "يجب ألا يمنع التزامها بمبادئ الاحتياطات لحماية المدنيين".

الموت جوعاً

ومع تواصل الحرب الأطول في تاريخ الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، تؤكد المنظمات الدولية أن المساعدات الإنسانية التي تصل القطاع تبقى ما دون حاجات السكان. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن واحدة من كل أربع أسر في الأقل في غزة تواجه الآن مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي أو ظروفاً شبيهة بالمجاعة. وتقول المنظمة، إن أكثر من 46 في المئة من الأراضي الزراعية في غزة دمرت جراء الحرب، وأن 97 في المئة من المياه في القطاع غير صالحة للاستهلاك البشري. وبحسب تقارير وكالة الأونروا فإن المساعدات التي تدخل قطاع غزة توفر ما لا يزيد على ثلاثة في المئة فقط من حاجات سكان القطاع. واضطر شبان ممن فقدوا سبل كسب رزقهم إلى جمع وبيع النباتات البرية، فالظروف المعيشية خصوصاً في شمال القطاع وصلت إلى حال مزرية وتتدهور بصورة منهجية. ولم تتمكن الأمم المتحدة شمال وادي غزة من تقديم أية مساعدات على مدار أشهر منذ بدء الحرب، مما دفع كثيرين إلى اللجوء لأكل أعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.

وأفاد العاملون الإنسانيون التابعون للأمم المتحدة بأن قوافل المساعدات المتجهة إلى شمال غزة لا تزال تتعرض إلى إطلاق النار وتمنعها السلطات الإسرائيلية من الوصول. وبحسب تصريحات مسؤول الاتصالات في هيئة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) جوناثان كريكس لصحيفة "الغارديان" البريطانية فإن "الوضع في غزة أصبح كارثياً بالنسبة إلى الأطفال، بكل معاني الكلمة"، محذراً من أنه "حال الفشل في توفير المواد الطبية والغذائية اللازمة لعلاج سوء التغذية، فإن الهيئة لن تتمكن من علاج ما يربو على 3000 طفل في غزة". وبعد أن كانت أخبار موت الأطفال نتيجة سوء التغذية تأتي في العادة من شمال قطاع غزة، فإن وكالات الإغاثة تتحدث عن انتقال المجاعة جنوباً، منبهة إلى أن توغل الجيش الإسرائيلي في رفح يعوق وصول المساعدات إلى المناطق الجنوبية من غزة.

ووفقاً لتقرير أصدرته مجموعة التغذية العالمية، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية المعنية بالتغذية تقودها "يونيسيف"، يواجه 90 في المئة من الأطفال الذين تراوح أعمارهم ما بين ستة و23 شهراً والنساء الحوامل والمرضعات فقراً غذائياً حاداً، وإن ما لا يقل عن 90 في المئة من الأطفال دون الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية. وقال خبراء من جامعة كاليفورنيا إن انعكاسات مثل هذه الأزمة الغذائية الحادة التي تضرب سكان غزة ستطال الأشخاص الذين ولدوا خلالها وأبناءهم وأحفادهم، إلى جانب تأثيرات صحية طويلة الأمد.

ونفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع شبكة تلفزيون "سي أن أن" الأميركية وجود مجاعة في قطاع غزة، مؤكداً أن ما يقال عن أنه يقوم بتجويع الفلسطينيين في قطاع غزة، كوسيلة من وسائل الحرب اتهامات "لا أساس لها من الصحة".
وتلقي منظمات الإغاثة الإنسانية العاملة في غزة بالمسؤولية على إسرائيل في ما يتعلق بمنع دخول ما يكفي من شاحنات الطعام. إذ قالت لجنة الإغاثة الدولية في واحد من بياناتها إنه "بصفتها القوة المحتلة في غزة، تقع على عاتق إسرائيل مسؤولية ضمان حصول السكان الخاضعين للاحتلال على الإمدادات الغذائية والطبية". وأضافت أن الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب من خلال حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف، يعد "جريمة حرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إقفال المعابر

ولم يكترث لتلك الاتهامات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي أعلن مطلع الحرب فرض حصار كامل على القطاع، بهدف حرمان السكان من الغذاء والوقود والماء. وعلى رغم خطر المجاعة الذي فتك بأرواح ما لا يقل عن 40 طفلاً إضافة إلى 3500 طفل آخرين يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية ونقص المكملات الغذائية والتطعيمات، تصر إسرائيل على إغلاق معابر قطاع غزة ومنعت دخول البضائع، بينما سمحت بدخول كميات قليلة ومحدودة جداً من المساعدات الإنسانية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 عبر معبر رفح البري الحدودي مع مصر، قبل أن تسيطر عليه خلال السابع من مايو الماضي.

وعلى رغم ان أعداداً محدودة من الشاحنات التجارية دخلت جنوباً عبر معبر كرم أبو سالم فإنها لم تصل إلى شمال القطاع، وشهدت أسعار السلع في الأسواق ارتفاعاً كبيراً جعل سكان القطاع غير قادرين على شرائها. وبحسب ما أفاد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة فإن احتلال معبر رفح البري من قبل الجيش وإغلاق معبر كرم أبو سالم أدى إلى وقوع أزمات إنسانية مركبة، ومنع أكثر من 22 ألف جريح ومريض من السفر لتلقي العلاج خارج القطاع، وكذلك منع إدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات التموينية إلى غزة. وذكر المكتب أن الجيش يمنع إدخال الوقود وغاز الطهي والدواء ضمن سياسة الضغط على المدنيين والأطفال والنساء، في ظل ما وُصف بأنه "جريمة ضد الإنسانية"، مما أدى إلى توقف أكثر من 98 في المئة من مخابز قطاع غزة عن العمل بسبب انعدام غاز الطهي.
وأدى توقف أكثر من 700 بئر للمياه عن العمل في القطاع بسبب القصف والتدمير ومنع إدخال الوقود إلى تعميق المجاعة والعطش ضد المدنيين، وبخاصة الأطفال والنساء. وطالب المكتب الحكومي التابع لحكومة "حماس" المحكمة الجنائية الدولية وكل المحاكم الدولية الأخرى بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الهجوم الإسرائيلي على منطقة رفح جنوبي القطاع بهدف استئصال "حماس" بدد أي أمل كان يراود المدنيين الفلسطينيين المرضى والجرحى من الفرار من أتون الحرب، وأن استيلاء إسرائيل على معبر رفح الحدودي أغلق آخر منفذ متبق لهم للخروج من القطاع المحاصر.

إنزال جوي

إغلاق المعابر وشح المساعدات وشبح المجاعة الذي يلاحق سكان القطاع، دفع الغزيين إلى التهافت بصورة جنونية على ما يدخل من مساعدات إنسانية، ففي نهاية فبراير (شباط) الماضي وأثناء محاولتهم الحصول على مساعدات من شاحنات الإغاثة على الطرف الجنوبي الغربي من مدينة غزة، قُتل 112 شخصاً وأصيب أكثر من 760 آخرين، في ما وصف بين سكان غزة بـ"مجزرة الطحين". واتهمت "حماس" إسرائيل بإطلاق النار على المدنيين أثناء سعيهم لتأمين مساعدات لعائلاتهم، لكن إسرائيل نفت ذلك وقالت إن معظمهم "ماتوا" في "تدافع" بعد أن أطلقت طلقات تحذيرية. وبعد يوم من "مجزرة الطحين" أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن الإنزال الجوي الأميركي للمساعدات، إذ أسقط أكثر من 38 ألف وجبة بالمظلات بواسطة ثلاث طائرات عسكرية. وكانت الأردن أول من نفذ عمليات إنزال المساعدات جواً خلال السادس من نوفمبر 2023 وانضمت إليها في ما بعد مصر والإمارات وفرنسا وبريطانيا وعدد آخر من الدول.

ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، ينسق الأردن عمليات الإنزال الجوي مع إسرائيل التي توفر للطائرات نافذة يتم خلالها نقل البعثات بأمان، ويجري فحص الأشخاص على متن الطائرات بما في ذلك الزوار قبل منح الإذن، مؤكدة أن عمليات الإنزال الجوي "مكلفة للغاية"، فيما وصفها رئيس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني بأنها "الملاذ الأخير لتقديم المساعدة". وأضاف "بدلاً من إسقاط المواد الغذائية من الجو يجب ممارسة ضغوط قوية على الحكومة الإسرائيلية للسماح بتسليم المساعدات عبر قنوات تقليدية، تسمح بتسليم المساعدات على نطاق أوسع". وتشدد منظمات إنسانية ومسؤولون آخرون على أن أفضل طريقة لتوصيل المساعدات هي أن تفتح إسرائيل المعابر الحدودية وتسمح لقوافل الشاحنات بالدخول وإتمام عمليات التوصيل بصورة آمنة.
ويرى محللون وخبراء أن موافقة إسرائيل على إنزال المساعدات جواً تحقق لها أهدافاً بعيدة المدى، تتمثل من وجهة نظر كثيرين، في تقويض عمل منظمات الإغاثة الإنسانية على الأرض، وتصفية وكالة الأونروا بصورة أساس، مما قد يكرس سابقة خطرة في طرق التعاطي الدولي مع الآثار الإنسانية للحروب والصراعات.

رصيف عائم

ولتقديم المساعدات الإنسانية بحراً بدلاً من طريق البر والجو، وافق بايدن خلال مارس (آذار) الماضي على إقامة ممر بحري موقت بكلفة 230 مليون دولار تضمن إنشاء رصيف عائم، وعلى رغم أن تشغيله بدأ بعد شهرين فإنه سرعان ما تعرض لأضرار بسبب رياح وأمواج عاتية ضربته بعد نحو أسبوع من بدء تشغيله، لتتم إزالته لإجراء بعض الإصلاحات وأعيد استخدامه لنحو أسبوع آخر، لكن الأمواج العاتية وسوء الأحوال الجوية أجبرت القوات الأميركية على إزالته للمرة الثالثة خلال الـ28 من يونيو الماضي.
وعلى رغم تحذيرات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإن استخدام الممر البحري يقلل من أهمية جهودهم لفتح المعابر البرية لإدخال المساعدات إلى غزة. وكشفت مجلة "نيوزويك" نهاية أغسطس الماضي، نقلاً عن مجموعة مراقبة تابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أن الرئيس جو بايدن وافق مجدداً على بناء رصيف مساعدات عائم لسكان القطاع.
وفي وقت تشير فيه استطلاعات الرأي إلى عودة شعبية نتنياهو وحزبه إلى تصدر القائمة الانتخابية وتعطش الإسرائيليين للعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، أظهر استطلاع نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عشية رأس السنة العبرية قبل أيام، أن أكثر بقليل من ثلث السكان الإسرائيليين درسوا إمكانية مغادرة البلاد بسبب الحرب المستمرة منذ عام، وأنه يوجد خطر حقيقي على وجود إسرائيل، أو أنهم لا يعرفون مصيرها، وأنها ليست دولة يطيب العيش فيها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات