ملخص
تهدد تلك الآفة بخسائر تصل إلى 1.6 مليار دولار بحلول عام 2050
تلعب الوضعية البيئية للسواحل دوراً مهماً في ضمان الدخل للتونسيين وتحمل المدن والقرى الساحلية في البلاد أهمية كبرى ليس فقط للحفاظ على التنوع البيولوجي بل لتنمية الاقتصاد أيضاً، فهي مرادفة لإنتاج الثروة وخلق فرص العمل ومصادر الدخل في بلد تمتد السواحل فيه إلى 1148 كيلومتراً.
ويعيش غالبية التونسيين بالمناطق الساحلية ويبلغ عددهم 7 ملايين ساكن من مجموع السكان البالغ 11.8 مليون ساكن إلى حدود يناير (كانون الثاني) 2023، بحسب المعهد الوطني للإحصاء في إحصائية لسنة 2023، ويعتمد هؤلاء على المناطق الساحلية لكسب عيشهم. ويسهم القطاع السياحي مثلاً والأنشطة المرتبطة به وغالبها شاطئية بفرص عمل لنحو مليوني شخص، بنسبة 14.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغت قيمة صادرات منتجات الصيد البحري 845.5 مليون دينار (278.125 مليون دولار) العام الماضي، في وقت تؤثر سلامة المناطق الساحلية والبحرية بصورة مباشرة أو غير مباشرة على قطاعات أخرى وتعد وظائف الاقتصاد الأزرق (صيد الأسماك والسياحة) ذات أهمية خصوصاً للأسر ذات الدخل المنخفض، ومن شأن تضرر الشواطئ أن يقوض مصادر الدخل للاقتصاد، وتسببت هذه الآفة المتفاقمة في تآكل مساحات كبرى ومن المتوقع أن تتسارع مع تغير المناخ.
هشاشة السواحل التونسية
وكانت وزارة البيئة في تونس نبهت من الخسائر التي قد تنتج من هشاشة السواحل التونسية، وأفضت دراساتها إلى أن مستوى سطح البحر سيرتفع ليراوح ما بين 30 و50 سنتيمتراً بحلول عام 2050، مما يعني فقدان مساحات ساحلية بين 20 و135 سنتيمتراً سنوياً. وتهدد التغيرات المناخية بارتفاع معدل ملوحة المائدة المائية إلى جانب خسارة ما يقارب 16 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية. ويهدد ارتفاع مستوى ماء البحر وتآكل السواحل بالمعدلات المذكورة بتدهور القطاع السياحي وتكبده خسائر قد تصل إلى 55 في المئة، بسبب خسارة الفنادق المحاذية للشواطئ لقدرات تساوي تقريباً 30 ألف سرير نتيجة انحسار الشواطئ، إضافة إلى البنية التحتية المينائية.
قد تصل الخسائر إلى ملياري دينار (657 مليون دولار)، علاوة على انعكاسات مباشرة على القطاع الفلاحي المهدد بتراجع أدائه بنحو 45 في المئة، ما يساوي خسارة ما لا يقل عن 36 ألف موطن عمل في القطاعين الفلاحي والسياحي وخسائر سنوية إجمالية مقدرة بـ0.5 في المئة من الناتج القومي الخام في تونس.
أشار تقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية في تونس إلى أن التآكل الساحلي يمكن أن يكلف البلاد ما يصل إلى 1.6 مليار دولار بحلول عام 2050، مع آثار شديدة على الزراعة والسياحة والمناطق الساحلية.
وخلص تشخيص وزارة البيئة إلى أن 100 كيلومتر من جملة 500 كيلومتر من الشواطئ الرملية تشكو من الانجراف وتتطلب تدخلات عاجلة، ويمثل شاطئ الحمامات (الشمال الشرقي) والمنستير الوسط وقابس الجنوب، أمثلة بالغة الخطورة، ففي غضون 13 عاماً من 2006 إلى 2019 اختفى أكثر من نصف شاطئ مدينة الحمامات وداهمت أمواج البحر جدران المدينة العتيقة.
ونبه المتخصص في مجال المناخ حمدي حشاد من اتساع المساحات المهددة بالانجراف والاختفاء من المحافظات الساحلية التونسية في حال عدم التدخل الفوري بعمليات إنقاذ بالسواحل المتضررة، إذ تبلغ المساحات المهددة بالانجراف 250 كيلومتراً مربعاً وهي مهددة بالاندثار في غضون الـ25 عاماً المقبلة.
وذكر أنه اعتماداً على معطيات وكالة حماية شريط الساحلي في تونس، فإن أكثر المناطق التي ستتضرر من ارتفاع منسوب مياه البحر هي سواحل تونس العاصمة ومحافظة بنزرت بأقصى الشمال، إذ تواجه تونس التداعيات المباشرة نتيجة لذوبان الجليد الناتج من ارتفاع درجات الحرارة، وفي الفترة الفاصلة بين عامي 2002 - 2023 قدرت وكالة " NOAA " الأميركية أن كميات الجليد الذائبة تقدر بـ150 مليار طن سنوياً. ويرتفع منسوب مياه البحر تحت تأثير ظاهرة التمدد الحراري للبحار، وتتطلب الوضعية في تونس الانطلاق في إنقاذ الشواطئ من آفة التآكل باعتماد خطط مائية بيئية عاجلة، إذ يهدد إقليم العاصمة والسواحل الشمالية لتونس باختفاء ما يقارب 4 آلاف هكتار بينما تواجه جزيرة قرقنة (الوسط) أخطار اختفاء 12.7 في المئة من مساحتها خلال الـ25 عاماً المقبلة.
برامج وقائية من دون تمويلات
الأمر الذي دفع إلى وضع برنامج وقائي للسواحل التونسية من قبل وكالة تهيئة الشريط الساحلي هو كشف عن أن 45 في المئة من هذا الشريط مهدد بالانجراف البحري، وانطلق تنفيذ البرنامج وبموجبه جرى حماية 30 في المئة من السواحل، ثم مباشرة تنفيذ مرحلة جديدة من البرنامج تهم حماية سواحل إضافية مثل رفراف وسليمان وحمام الأنف (الشمال الشرقي).
اعتمدت تونس تدابير لمكافحة تآكل السواحل، بما في ذلك إقامة كيلومترات من أسوار الصنوبر لتثبيت الكثبان الرملية، ومع ذلك يجب أن تقترن مبادرات تثبيت الشواطئ وتغذيتها بتدابير فعالة لمنع استخراج الرمال بصورة غير قانونية وفق المتخصص البيئي ورئيس وكالة تهيئة الشريط الساحلي بقابس عصام الثليبي في حديثه إلى "اندبندنت عربية".
يعزى الانجراف إلى عوامل طبيعية تتعلق بالتغيرات المناخية وإلى عوامل بشرية تتعلق بممارسات المؤسسات والمتساكنين بالسواحل على حد السواء من طريق عدم احترام القوانين المنظمة للمسافات بين المباني والشواطئ ومحدودية الوعي بأخطار تقدم مياه البحر نحو الأحياء السكنية والأخطاء الفادحة في التعامل معه، وترتبت عن ذلك أخطاء عند تشييد عدد من موانئ الصيد في تونس، التي لم تأخذ بعين الاعتبار التيارات البحرية مما نتج منه ترمل من جهة وانجراف من ناحية أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف الثليبي أن معدل ارتفاع منسوب مياه البحر في تونس يبلغ أقل من سنتيمتر واحد في السنة حالياً، لكن في صورة تواصل هذا النسق من دون معالجة عاجلة أي عدم اتخاذ إجراءات وسياسات لمكافحة هذه الظاهرة والحد من تأثير التغيرات المناخية، سيصبح معدل ارتفاع منسوب البحر سنتيمتراً واحداً سنوياً بحلول عام 2030.
من المتوقع أن يسجل مستوى البحر ارتفاعاً يقدر بـ30 سنتيمتراً عام 2030 و50 سنتيمتراً عام 2050، أما المناطق المهددة فهي خليج تونس (العاصمة) وخليج الحمامات وجزيرة جربة، وستفقد عديد من الجزر التونسية جزءاً كبيراً من مساحتها.
وكشف الثليبي أن الدراسات توصلت إلى حلول متنوعة مناسبة لخصوصية المناطق لكنها تصطدم بتعطيلات إدارية عند تنفيذها أو عوائق متعلقة بالتمويلات، ويمثل إصلاح المنشآت المينائية من الأولويات لإنقاذ السواحل المجاورة، في حين انطلقت عمليات الإنقاذ في عديد من الشواطئ التونسية من طريق تقنيات متنوعة أهمها كاسرات الأمواج وأشرطة الحجر واللوح أو بناء الجدران مباشرة لحماية المدن كما هي الحال بمدينة الحمامات، وينتظر اعتماد هذا الأسلوب لحماية القرية السياحية المشهورة شمال تونس العاصمة سيدي بوسعيد التي ستنطلق عملية تشييد الجدار الحامي لها قريباً، والانطلاق في مشاريع مصدات الرياح بمنطقة قابس وهرقلة والمهدية (الوسط والجنوب).
في حين تواجه مشاريع أخرى صعوبات متعلقة بالكلفة المرتفعة على غرار أسلوب الاعتماد الموسمي لأكياس الرمال والمقترح لحماية شاطئ مدينة الحمامات، وهو شأن شواطئ القراعية والمنستير وصفاقس التي اتضح أن استراتيجية التغذية الصناعية للرمال غير مجدية لها بسبب كلفتها المرتفعة وعدم استدامتها، إذ يظل الإشكال الحقيقي هو غياب خطوط التمويل المخصصة والاعتمادات اللازمة لإعادة تهيئة الشريط الساحلي وإنقاذه بحكم محدودية المشاريع في هذا الصدد، التي اقتصرت على تمويلات خجولة مثل حماية الشواطئ التونسية، الذي انتفعت به محافظة بنزرت بتمويل من البنك الألماني وبالتعاون مع وكالة التعاون الألماني.