ملخص
هذا التوجه تكرس بخاصة في عهد الملك محمد السادس الذي أكد على تقوية الحضور الدبلوماسي للمرأة المغربية، وتجسد ذلك من خلال تعيين 13 سفيرة في مختلف دول العالم.
أحدثن بصمة في المسار الدبلوماسي أسهمت في إنعاش روابط البلاد، وفي نسج خيوط المصالحة السياسية بين المغرب وبعض الدول الأوروبية.
يراهن المغرب في الأعوام القليلة الأخيرة على اعتماد ما يسميه مراقبون "الدبلوماسية الناعمة"، ممثلة في تعيين نساء كسفيرات في العديد من الدول الكبرى والمحورية التي تربطها بالمملكة علاقات وطيدة وتاريخية وتعتبر حليفة لها، أو دول تحاول الرباط كسب ودها من أجل مناصرة قضايا مصيرية من قبيل ملف نزاع الصحراء.
ويرى مراقبون أن حرص المغرب على تعيين نساء سفيرات في بلدان ذات وزن إقليمي ودولي، يهدف إلى "إعطاء صورة عصرية وحديثة للمملكة"، فضلاً عن قدرة هذه الكفاءات النسائية المميزة على التواصل الدبلوماسي، وبالتالي الإسهام في نزع فتيل بعض الخلافات الطارئة، من قبيل حالتي فرنسا وإسبانيا.
مسارات دبلوماسية
وتتجه تعيينات العاهل المغربي الملك محمد السادس لهيئة الدبلوماسيين والسفراء في مختلف بلدان العالم، نحو إقحام العنصر النسائي بشكل لافت، إما للعمل سفيرات أو قنصلات أو ملحقات دبلوماسيات في سفارات الرباط بالعالم.
وقبل ذلك كان الملك الراحل الحسن الثاني قد قام بتعيين الأميرة "للا عائشة " سفيرة للمغرب في لندن، في الفترة الزمنية الممتدة بين مارس (آذار) 1965 وعام 1968، لتكون بذلك "أول سفيرة في العالم العربي".
وارتقت الدبلوماسية المغربية في الأعوام القليلة الماضية بمجهودات كفاءات نسائية بذلن طاقة لافتة في عملهن الدبلوماسي، واستطعن المساهمة في تغيير دفة العلاقات بين المغرب والبلدان التي يعملن بها.
ومن أبرز الأمثلة على السفيرات المغربيات اللواتي أحدثن بصمة في المسار الدبلوماسي أسهمت في إنعاش روابط البلاد، وفي نسج خيوط المصالحة السياسية بين المغرب وبعض الدول الأوروبية. كريمة بن يعيش سفيرة المغرب في إسبانيا التي عايشت فترة الأزمة بين الرباط ومدريد بسبب استقبال هذه الأخيرة زعيم "جبهة البوليساريو" إبراهيم غالي، ثم حضورها الوازن في فترة الإعداد لمرحلة "المصالحة الكبيرة" بين البلدين واعتراف مدريد بسيادة المغرب على الصحراء.
ونفس الحضور الدبلوماسي مثلته سميرة سيطايل سفيرة المغرب في فرنسا، حيث عاينت عن كثب "طبخة على نار هادئة" لإعادة العلاقات المغربية- الفرنسية إلى مسارها الصحيح بعد طول نفور سياسي، ليتم تتويج هذا الجهد بإعلان باريس في الصيف الماضي، الدعم الثابت لسيادة المغرب على صحرائه، وأيضاً التحضير لزيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للمملكة آخر الشهر الجاري.
ومن بين السفيرات اللواتي يسهمن في نسج "الدبلوماسية الناعمة" للمملكة، رجاء ناجي مكاوي السفيرة لدى "الكرسي الرسولي" في الفاتيكان، والتي تحمل معها ملف التعايش والتقارب بين الأديان، وأيضاً زهور العلوي سفيرة المغرب في برلين، وكنزة الغالي سفيرة المملكة في تشيلي، وسورية عثماني السفيرة في كندا، وأخريات...
صورة عصرية
يقول في هذا السياق الباحث محمد شقير إن تعيين نساء سفيرات يعتبر سلوكاً قديماً في تاريخ الدبلوماسية المغربية، ففي منتصف ستينيات القرن الماضي عُينت الأميرة للا عائشة سفيرة في كل من بريطانيا واليونان وإيطاليا، مما أعطى للمغرب وزناً إقليمياً خاصاً، وأظهره كدولة عصرية.
وتابع شقير أن هذا التوجه توالى مع تعيين السفيرة عائشة بلعربي، وكذا المندوبة الدائمة حليمة الورزازي، مما قوى هذا التوجه الحداثي الدبلوماسية المغربية على المستوى الدولي، غير أن هذا التوجه تكرس بخاصة في عهد الملك محمد السادس الذي أكد على تقوية الحضور الدبلوماسي للمرأة المغربية، وتجسد ذلك من خلال تعيين 13 سفيرة في مختلف دول العالم.
وأكمل المحلل أن وجود نساء سفيرات للمغرب في أكبر المحافل الدولية أضفى الطابع الأنثوي على الدبلوماسية المغربية، والتي كانت تتحكم فيها أبعاد تكريس البعد الحقوقي للمملكة، إذ برز من خلال تعيين حقوقيات مثل خديجة الرويسي وأمينة بوعياش كسفيرات في بعض الدول الأوروبية، في حين تم تعيين أخريات منتميات لأحزاب سياسية سفيرات، مثل لمياء الراضي سفيرة في النرويج، وكنزة الغالي في تشيلي وكولومبيا والإكوادور، بينما تم تعيين مقربات من القصر، مثل كريمة بنيعيش سفيرة في إسبانيا، وللا جمانة في كل من بريطانيا وأميركا، في حين تم تعيين آسية بنصالح كسفيرة متجولة.
ووفق الباحث عينه، يروم تعيين النساء سفيرات بخاصة في دول ذات مكانة دولية بارزة، "إعطاء صورة عصرية وحديثة للمملكة، ومحاولة رسم صورة منسجمة عن الحضور النسائي، ليس فقط ضمن دواليب الدولة الداخلية، كوزيرات ومديرات لمؤسسات عمومية اقتصادية وإدارية، بل أيضاً ضمن أجهزة الدولة الخارجية من سفارات وقنصليات عامة".
ولفت شقير إلى عوامل أخرى تدفع في هذا الاتجاه، تتمثل في كفاءات النساء في قدرتهن الفائقة على التواصل الذي تتطلبه الدبلوماسية"، مستدلاً بمثال تعيين سميرة سيطايل كسفيرة للمغرب في فرنسا، من أجل تجاوز تداعيات التوتر السياسي مع إدارة ماكرون، فضلاً عن تكريسهن لقيم المغرب في حسن الضيافة ونشر نموذج الأصالة المغربية سواء من خلال اللباس المغربي وغيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"اختراقات في ملف الصحراء"
الحرص على تعيين المغرب عدداً من الكفاءات النسائية سفيرات في دول مهمة ومحورية، لا يحقق الأهداف السياسية والدبلوماسية سابقة الذكر فحسب، بل أيضاً يعد "ضرورة دستورية" أيضاً.
يقول في هذا السياق حسن بلوان، محلل سياسي وأستاذ العلاقات الدولية، إن وجود "ذوات الأنامل الرقيقة" سفيرات في كبريات العواصم العالمية يأتي انسجاماً مع الدستور المغربي الذي ينص على إشراك النساء والسعي نحو تحقيق المناصفة في جميع مواقع المسؤولية الترابية والجهوية والوطنية، وكذلك على المستوى الدبلوماسي.
وينص في هذا الصدد الفصل 19 من الدستور المغربي المعدل عام 2011، على أنه "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية"، وفي فصل آخر يقول "تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء".
بالنسبة لبلوان، اعتماد المغرب على "الدبلوماسية الناعمة" ممثلة في الكفاءات النسائية يؤشر على الدور الفاعل والحيوي الذي تلعبه المرأة السفيرة في حسن تمثيل المملكة المغربية من جهة، والحفاظ على مصالحها العليا من جهة ثانية، بما فيها قضية الصحراء كقضية جوهرية بالنسبة للدبلوماسية المغربية وتحظى بالأولوية في السياسة الخارجية.
ولم يفت بلوان الإشارة إلى أنه "منذ تقلد المرأة المغربية مناصب رفيعة في السلك الدبلوماسي، والمغرب يحقق نجاحات واختراقات مهمة في قضية الصحراء وغيرها، كما أثمرت هذه المشاركة اعترافات دول عظمى ومؤثرة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية".
وخلص المحلل ذاته إلى أن "مشاركة المرأة الدبلوماسية أسهمت بشكل لافت في ارتفاع مؤشر القوة الناعمة بالنسبة للمغرب الذي تبوأ مكانة متميزة على المستويين الإقليمي والقاري وكذلك الدولي".