Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طابور الرجال المخلوعين يتمدد... في مصر

متوسط سن الطلاق ينحصر بين الأزواج الشباب ومتخصصون يلومون على التقاليد الظالمة و"مدربي الخراب" ويستبعدون الأزمة الاقتصادية

طابور طويل من الرجال المخلوعين وعزوف ينمو بصورة ملحوظة في دوائر عدة عن قرار الزواج برمته خوفاً من نماذج الفشل المحيطة بالشباب في مقتبل العمر (اندبندنت عربية)

ملخص

أحدث الإحصاءات الرسمية في مصر تشير إلى زيادة ملحوظة في عدد حالات الخلع، وانخفاض معدل سن الطلاق، فهل تغيرت الشخصية المصرية بالفعل، وهل يعد الطلاق قراراً صعباً وثقيلاً مثلما كان في السابق، أم هو تصرف اضطراري بعد استحالة العشرة؟

على رغم انتشار الاستشارات الأسرية في مصر سواء تلك المقدمة في مراكز حكومية، أو التي يلجأ إليها المتزوجون على نفقتهم الخاصة، لا تزال الظواهر السلبية المرتبطة بهدم الأسر متزايدة بصورة نوعية، وفي اتجاهات لم تكن سائدة من قبل في المجتمع. وبحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن النسبة الأعلى بين المطلقين هي للفئة العمرية الشابة، التي تراوح أعمارهم ما بين 25 و30 سنة، وهو متوسط سن الزواج في مصر وفقاً لإحصاء سابق للمركز نفسه.

ما رصده التقرير يشير إلى أن الزيجة تنتهي في مهدها، فلا مجال للصبر والنقاش، واختبار المحاولات بهدوء، فهل تغير المجتمع ولم يعد ينظر إلى الطلاق على أنه شر ينبغي اتقاؤه؟ أم أن الزيجات من الأساس بُنيت على معايير خاطئة، وطرفاها لم يكونا مؤهلين لعلاقة جادة؟ لنرى طلاقات سريعة وأيضاً قرارات متوالية برفع قضايا خلع من قبل الزوجات للتخلص من الرباط المقدس، إذا ما وجدن مماطلة.

والنتيجة عدد متزايد من الأمهات العازبات، وطابور طويل من الرجال المخلوعين، وعزوف ينمو بصورة ملحوظة في دوائر عدة عن قرار الزواج برمته، خوفاً من نماذج الفشل المحيطة بالشباب في مقتبل العمر، وفي حين تقول وثائق المحاكم إن غالبية قضايا الطلاق ويندرج تحتها الخلع، تأتي بسبب الخيانة الزوجية والعنف البدني وغياب الزوج وأيضاً الأمراض، فإن الأسباب المجتمعية التي تؤدي إلى تلك التصرفات من الأساس بحاجة إلى تشريح.

دعوات مضللة

الطلاق بالطبع قد يكون في بعض الأوقات هو الحل الأسلم، للطرفين وحتى للأبناء إذا كانت العلاقة تشوبها أزمات غير قابلة للإصلاح، مثل عدم التكافؤ، مما يسبب الضرر على أكثر من مستوى، فتستحيل العشرة، لكن رأي الأستاذة في قسم بحوث الاتصال الجماهيري بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الدكتورة سوسن فايد، أن هناك فوضى كاملة في هذا الملف، وأن مجهودات التوعية "لا تذهب في طريقها الصحيح". معتبرة أن طلاق النساء وهن لا يزلن عروسات "أزمة كبيرة وغيرة مسبوقة، وفي كل عام تصبح أكثر سوءاً مقارنة بما قبله إذ يتدنى متوسط سن الطلاق أكثر وأكثر".

وألقت فايد باللوم على المسؤولين عن الأحوال الأسرية في مصر، وأيضاً على الشابات اللاتي يقعن فريسة لأفكار مضللة تماماً، يفتح لها الإعلام ذراعيه، وفقاً لقولها، إذ لا تتحدث فايد هنا عن الظروف الطبيعية التي قد تفضي إلى طلاق حتمي، وبخاصة أنه قد يكون وسيلة أفضل لتعايش الأبناء، إنما صنع "مناخ سام" يشجع على الانفصال من دون مراعاة أي عوامل وظروف، ومن دون أن يطرف لأصحاب هذا القرار القاسي جفن.

طابور الرجال المخلوعين

وفقاً للبيانات الرسمية فإن عدد حالات الطلاق العام الماضي في مصر وصل إلى 265606 حالات، مقارنة بـ 269834 في عام 2022، فيما زادت عقود الزواج على 961 ألفاً في مقابل 930 ألفاً عام 2022، لكن ما لفت النظر هو  زيادة نسبة الخلع بأكثر من 3.3 في المئة من جملة أحكام الطلاق، وهي نسبة كبيرة تظهر للمرة الأولى في الإحصاءات المتعلقة بعدد حالات الطلاق في البلاد، فهل هذا هو السبب الذي يجعل أستاذة علم النفس الاجتماعي الدكتورة سوسن فايد، ترى أن النساء يقع عليهن السبب الأكبر في ارتفاع نسبة الطلاق، أم أن النساء لا يلجأن للخلع أصلاً إلا بعد أن تضيق بهن السبل وتصبح العلاقة الزوجية خطرة وتشكل ضرراً غير محتمل؟

تشير رئيسة قسم الاتصال الجماهيري السابق بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلى أن المرأة هي عمود المنزل، وهي المستهدفة الأولى بمخططات هدم كيان الأسرة المصرية. مضيفة أن هناك ثقافة منتشرة هدفها اللعب بعقول السيدات، موضحة "الاستقلالية والقوة والطموح أمور إيجابية لا تتنافى أبداً مع بناء أسرة صحية، بها تفاهم من الطرفين، كذلك لا يمكن أبداً أن ندعو إلى الاستمرار في علاقة غير متكافئة أو تحمل ظلماً للمرأة، لكن من واقع الخبرة العملية، ومن صميم الحالات والنماذج التي نتعامل معها، فهناك أزمة كبيرة سببها الفهم المقلوب لدعوات تمكين المرأة، البعض يعتقد أن التمكين يعني التمسك بالعند والاستقواء".

تراث الظلم الاجتماعي

لكن في اتجاه آخر فإن النساء في مصر عانين على مدى عقود طويلة، وفقاً لوقائع لا يمكن طمسها، وبخاصة في ما يتعلق بالنظرة المجتمعية إليهن، وفي ما يتعلق بطريقة التربية نفسها، التي أسهمت في حدوث خلل في الوعي، لذا حينما وجدن متنفساً ربما جرى الانسياق إليه بصورة متسرعة، من قبل البعض نفضاً لتراث طويل من السلبيات التي عايشوها بالتحديد في قضية الزواج والطلاق، الفكرة تتضح بصورة أكثر تركيزاً ضمن كتاب "تراث الاستعلاء بين الفولكلور والمجال الديني" لأستاذ علم الاجتماع والمتخصص في الأنثروبولوجيا الثقافية، الدكتور سعيد المصري، الذي شدد في أطروحته البحثية على أن العائلات دأبت على تشجيع بناتها على الزواج والإنجاب كطموح أول ورئيس لهن، بل جرى حصرهن في تلك المهمات، وما يترتب عليها من رعاية أطفال وأعمال منزلية فيما الزوج هو المنوط به العمل خارج المنزل. مشيراً إلى أن تلك التقاليد تنتشر بصورة أكبر في الريف مقارنة بالحضر، حيث العائلات الممتدة لا يزال لها وجود ملحوظ.

لكن مع قلة الاحتكاك بالحماة في هذا العصر، إذ بات الأزواج الشبان يميلون إلى العيش بمفردهم بعيداً من الأهل، إذ تتقلص الأسر الممتدة المكونة من عدة أجيال، بصورة ملحوظة لا تزال أيضاً نسبة الطلاق في ازدياد، لا سيما في الحضر الذي يستحوذ على أكثر من 56 في المئة من نسبة حالات الطلاق، على رغم أن مبدأ الأسرة "النووية" أي المستقلة عن العائلة الكبرى ينتشر في المدن عنه في الريف بطبيعة الحال، كما أنه وفقاً لنشرة الزواج والطلاق الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أقل نسبة طلاق جاءت في محافظة جنوبية، وهي أسيوط (1.2 في الألف)، وأعلاها جاءت في محافظة ساحلية حضرية هي بورسعيد (5 في الألف).

وهنا تشير الدكتورة سوسن فايد إلى أنه على رغم تلاشي مفهوم الأسرة الممتدة بمعناه التقليدي بصورة عامة في مصر، فإن عدم وجود الحماة وأهل الزوج في المنزل نفسه مع ابنهم المتزوج لا يعني عدم وجود تأثير، لافتة إلى أنه قد تكون الحماة أو أشقاء الزوج مصدراً لشحن الزوج، لإفساد حياته والعكس بالطبع ينطبق على أهل الزوجة.

الظروف الاقتصادية ليست عذراً

اللافت أن هناك ارتباطاً حقيقياً ما بين الموروثات المعروفة والمتطلبات المتشعبة التي باتت تفرض على النساء وفقاً لطبيعة العصر والظروف، سبب أزمة في الواقع الفعلي، إذ تجد بعض النساء نفسهن، مطالبات بالمهمات التقليدية، وأيضاً بالعمل والإسهام بأجرهن في الإنفاق على البيت والأبناء بخلاف ضغوط تحقيق الذات والاستقلالية المالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول إحدى السيدات، التي تعمل في مجال المبيعات، إن زوجها يتعامل مع كونها امرأة عاملة مهتمة بشؤون البيت كافة وتربية الصغار والمذاكرة لهم على أنه أمر مسلم به. مضيفة أنها تنفق كل راتبها للمساعدة في كلف المعيشة، ومع ذلك إذا حدث تقصير غير مقصود في أمور النظافة والتنظيف يتهمها بأنها مهملة ومدللة، وتابعت أنها أخذت هدنة من تلك العلاقة، وذهبت لبيت أسرتها لتفكر في القرار الأسلم لها ولأبنائها، رافضة اتهامها بالسعي إلى خراب منزلها، في حين أن الطرف الآخر في رأيها لا يقدر أبداً التضحيات، ولا يعترف بأنها تبذل مجهوداً بدنياً ونفسياً أكبر منه بكثير، وفقاً لهذه الحالة يمكننا الإشارة إلى الأزمة الاقتصادية التي استحكمت حلقاتها على كثير من الأسر خلال العامين الأخيرين بطريقة زادت من الأعباء، وهو أمر لا تنكر أستاذة علم النفس الاجتماعي سوسن فايد، تأثيره، إلا أنها مع ذلك تقلل من إسهامه في رفع معدلات طلب الخلع أو الوصول إلى هذا العدد من حالات الطلاق في سن صغيرة، مذكرة بأنه تاريخياً اختبر المجتمع المصري كثيراً من الأزمات الاقتصادية الحادة، ومع ذلك كانت تلك الظروف تقوي الروابط، مستشهدة بالأسر الفقيرة للغاية التي تحافظ على استمرارية الزواج على رغم ضيق ذات اليد، ومنوهة إلى قدرة النساء الفطرية على التدبير والتوفير.

جهل اجتماعي

بعد مرور نحو ربع قرن على بدء تطبيق قانون الخلع في مصر، الذي يتيح للزوجات الحصول على الطلاق السريع بدعوى قضائية إذا ما امتنع الزوج عن الامتثال لطلبهن الطلاق، لكن هذا في مقابل التنازل عن حقوقهن المادية والشرعية، بما فيها مؤخر الصداق والنفقة بأنواعها، سجل عام 2023 أكثر من 8 آلاف حالة خلع من إجمالي حالات الطلاق، بنسبة زيادة تتجاوز الـ80 في المئة على أساس سنوي، فهل تغيرت سمات شخصية المرأة المصرية بالفعل؟ ولم تعد النساء يشعرن بالوصمة الاجتماعية، التي كانت تلصق بالمطلقات، وبخاصة أنه خلال أعوام قليلة انخفض متوسط سن الطلاق بصورة ملحوظة، إذ كان في عام 2020 يصل إلى 40 سنة، طبقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ليقل بمعدل 10 سنوات دفعة واحدة على مدى ثلاثة أعوام فقط.

يرى أستاذ الصحة النفسية الطبيب هشام ماجد، أن هناك أسباباً نفسية بالفعل تسهم مع عوامل أخرى في الوصول إلى هذه الحال، وبينها عدم وجود تهيئة نفسية للزوجين قبل قرار الارتباط الرسمي، بسبب ضعف الثقافة في هذا الجانب بصورة عامة، كذلك الجهل الاجتماعي في ما يتعلق بمعرفة المسؤوليات والواجبات، وانتقل إلى نقطة أكثر أهمية، بحكم ملاحظته لحالات كثيرة، وهي أن بعض العائلات قد تخفي إصابة أبنائها بأمراض نفسية تؤثر بصورة سلبية في استمرارية العلاقة، وهو ما يكتشف بعد الزواج، ويسبب تصدعات كبيرة لتنتهي العلاقة عادة بالطلاق. مشيراً إلى أن كثيراً يهتمون بالكشف العضوي ويجعلون الصحة النفسية في مرتبة متأخرة. معتبراً أن برامج التأهيل ما قبل الزواج مهمة للغاية إذا ما جرى تطبيقها بصورة سليمة، لكنه يعيب عليها عدم انتشارها بصورة كافية لتغطي أكبر مساحة في مصر.

اللافت أن المشاريع الرسمية لحل الخلافات الزوجية والاستشارات الخاصة التي تقدم مجاناً، بهدف الحد من اللجوء إلى الخلع أو الطلاق بصورة اعتيادية، بدأت في مصر منذ نحو 15 عاماً، ومع ذلك لا تزال غير كافية، وبحاجة إلى انتشار جغرافي أكبر، إذ إن هناك نحو 27 مركزاً للم الشمل تابعاً للأزهر، وأخرى تابعة لوزارة التضامن بخلاف الاستشارات الرقمية.

لكن أستاذة علم النفس الاجتماعي الدكتورة سوسن فايد تقول إنه إذا لم تتخذ خطوات جدية في مشروع بناء الشخصية المصرية، وإعادة الأمور إلى نصابها، فكل محاولات حل المشكلات الأسرية، ستبقى مجرد ترقيع. مشددة على أهمية التوافق النفسي والاجتماعي في العلاقة، لكن قبل ذلك وجود وعي وثقافة، ومناخ يعمل بجدية على تحييد مسببات المشكلة، كما طالبت بدور أكثر إيجابية للإعلام والمؤسسات الدينية.

مدربو الخراب

في ما يتعلق بمنصات الإعلام التقليدي أو المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، لا أحد ينكر أن هناك نبرة قوية في دعم قرارات الاستقلالية والتخلص من العلاقات السامة، لكن في بعض الأحيان قد تفهم تلك الدعوات خطأ على أنها دعوة لهدم البيوت المستكينة والمستقرة والناجحة، تحيل الدكتورة سوسن فايد الأمر إلى ما سمته خطة طويلة الأمد يقوم عليها أعداء خارجيون للإضرار بالمجتمع، وفقاً لتسميتها، إذ تعتبر أنه جرى بنجاح تصدير ثقافة خطرة فتحت لها "السوشيال ميديا" الأبواب بسهولة بخلاف الدراما العالمية، مما أدى في رأيها إلى اختراق ثقافي أسهم في التفكك الأسري، مبدية دهشتها من عدم التفات الجهات المعنية لتوصيات المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الذي حذر من كل تلك العواقب ووضع حلولاً قبل عقود طويلة، كما وصفت بعض المهن التي يزعم أصحابها مساعدة النساء على تجاوز صدمات الانفصال بأنهم خراب ووبال على المجتمع، وأنهم يسقطون تجاربهم الشخصية الفاشلة على الآخرين لتشجيعهم على اتخاذ خطوات مماثلة.

في المقابل ترى "خ. ع"، أم لطفلين في المرحلة الابتدائية، أن "اللايف كوتش" أو المستشار الشخصي، التي تتعامل معها كانت أمينة للغاية وساعدتها بالفعل على تخطي عدة عقبات كادت تعصف بزواجها. مشيرة إلى أنها شاهدت نماذج سلبية بالفعل لمستشاري العلاقات الزوجية، وبعضهم تسبب في إفساد حياة صديقات لها، لكنها كانت محظوظة في تجربتها، إذ إن من أقدمن على الطلاق ندمن بعد وقت قصير، وبخاصة أنهن دخلن في دوامة قضايا ومحاكم أثرت بصورة سيئة في حياة أبنائهن الذين حرموا من العائلة الطبيعية.

هذا الأمر يحيل الحديث إلى قانون الأحوال الشخصية، إذ يصفه أستاذ الطب النفسي وعلاج الإدمان هشام ماجد بأنه كارثة، وأنه تسبب في عوار ملحوظ بنسيج المجتمع المصري، معتقداً أن هذا القانون أدى إلى ارتفاع حالات الخلع، إذ حول الحياة الزوجية من مشاركة ومودة وتعاطف إلى صراع ما بين الزوج والزوجة، كما يرى أنه قانون جائر على الأب في ما يتعلق بحقوق الرؤية والحضانة. مطالباً بسرعة اعتماد التعديلات على هذا القانون، ومشيراً إلى أن هناك توجهاً عاماً يشجع على المكايدة وتفوق طرف على آخر، ملقياً باللوم على القانون وعلى الدعوات المجتمعية في عزوف الشباب عن الزواج، وهو ما نبهت إليه أيضاً الدكتورة سوسن فايد نفسه، مشيرة إلى أنها قابلت حالات كثيرة للغاية لشباب يتخوفون من فكرة الارتباط الرسمي للأسباب ذاتها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات