Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد 17 عاما على خطف الطفلة مادلين ماكان الحقيقة لا تزال غائبة

بعد تبرئة كريستيان بروكنر المشتبه فيه الرئيس في قضية ماكان من تهم اغتصاب في ألمانيا غير مرتبطة بمسألة اختفائها، يستعرض كاتب المقالة تفاصيل سنوات من تحقيقات لم تصل إلى نتيجة

كايت ماكان خلال مؤتمر صحافي في يونيو عام 2007 (غيتي)

ملخص

بعد 17 عاماً على اختفاء مادلين ماكان، لا تزال الحقيقة غائبة. الأخطاء المرتكبة في بداية التحقيق وتبرئة المشتبه فيه الرئيس كريستيان بروكنر من تهم غير مرتبطة بقضية الاختفاء تثير تساؤلات جديدة حول مصير الطفلة

بدا أن الادعاءات بأن كريستيان بروكنر البالغ من العمر 47 سنة، قد يكون المشتبه فيه الرئيس في قضية اختفاء الطفلة مادلين ماكان، قد ضعفت هذا الأسبوع، بعدما تمت تبرئته بالكامل من خمس جرائم جنسية غير مرتبطة بقضية اختفاء ابنة الأعوام الثلاثة - اثنتان منها تتعلقان بقاصرات - على أثر محاكمة بدأت في فبراير (شباط) الماضي واستمرت قرابة تسعة أشهر.

وعلى رغم الاهتمام الكبير بماضي كريستيان بروكنر، فإن الأحكام لم تكن مفاجئة بصورة كبيرة. وكان من المتوقع أن تصدر في يوليو (تموز) الماضي، عندما توصلت القاضية أوتا إنسي إنغيمان من محكمة براونشفايغ الإقليمية إلى استنتاج بأنه "لم يعُد هناك ما يكفي من أدلة لإثبات الاتهامات" الموجهة إلى بروكنر.

بروكنر لا يزال حتى الآن في السجن، حيث يقضي الأشهر الأخيرة من عقوبة لمدة سبع سنوات، بعد إدانته بتهمة اغتصاب امرأة أميركية كانت في الـ72 من عمرها. ووقعت تلك الجريمة عام 2005 أثناء سرقة منزلها في مدينة برايا دا لوز الساحلية في البرتغال، وهو المنتجع نفسه في منطقة ألغارف جنوب البلاد، حيث اختفت الطفلة مادلين ماكان بعدها بنحو عامين أثناء تمضية إجازة عائلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يُشار هنا إلى أن أربعة أعوام مرت على الإعلان للمرة الأولى عن أن كريستيان بروكنر هو "مشتبه فيه رئيس" في عملية مزعومة باختطاف مادلين وقتلها، قبل أيام قليلة من حلول عيد ميلادها الرابع، وحتى أبعد من ذلك، منذ أن أصبح شخصية محورية في التحقيق.

وكانت سرت تكهنات إعلامية كثيرة في شأن صلة بروكنر بقضية ماكان، زاد من وتيرتها الإبلاغ في كثير من الأحيان عن تفاصيل مثيرة خلال محاكمته الأخيرة. وأدركت القاضية إنغيمان إمكان وجود تحيز، وأكدت على أهمية الاستناد في القرار الذي تتخذه إلى الأدلة المقدمة فقط.

وأفيد بأنها شددت في ملاحظاتها الختامية على مبدأ التزام القضاة الحقيقة، قائلة إن "هذا الالتزام يعني أننا لسنا مجبرين على تكييف قرارتنا كي تنسجم مع آراء وسائل الإعلام أو تتأثر بها، أو بالمحادثات التي تدور في الحانات المحلية".

وأضافت أن "الجميع كانوا يربطون بينه وبين قضية مادي ماكان، وكانوا يعرفون أن مكتب المدعي العام سمى بروكنر مشتبهاً علناً منذ عام 2020. وعندما تصنف وسائل الإعلام شخصاً ما على أنه وحش جنسي ومنحرف، فإن ذلك من شأنه أن يؤثر في تصورات الشاهد".

تعليقات القاضية الألمانية أنهت الإجراءات القانونية التي اتسمت في بعض الأحيان بمشادات متوترة بين المدعي العام أوتي لينديمان، ومحامي الدفاع عن بروكنر فريدريش فولشر. وأعرب فولشر عن إحباطه من التكتيكات التي اعتمدها الادعاء، وانتقد القضاة وفريق الدفاع، وقال إنه "قلق خصوصاً من الضرر المحتمل" الذي قد يلحق بالمحكمة والمحاكمة.

وكان المدعي العام طالب بإصدار حكم يقضي بسجن كريستيان بروكنر لمدة 15 سنة، لكنه في النهاية لم يحقق ما أراده، على رغم أن الفرصة ما زالت متاحة لاستئناف قرار المحكمة.

قد يتفق بعضهم مع ملاحظات القاضية إزاء محاولة الادعاء التأثير في الرأي العام من خلال وسائل الإعلام. ففي حلقة من برنامج "بانوراما" الذي تعرضه شبكة "بي بي سي"، تم بثها في أواخر العام الماضي قبل وقت قصير من بدء المحاكمة الجديدة لبروكنر، كرر هانز كريستيان وولترز المدعي العام الرئيس في براونشفايغ القول: "إننا نعتقد بأن (بروكنر) متورط في اختفاء مادلين ماكان ونعتقد بأنه قام بقتلها".

مع ذلك، إذا كان هناك ما يكفي من أدلة تبرر مثل هذا الكلام العلني، فلماذا لم يتم مطلقاً توجيه الاتهام إلى بروكنر في ما يتعلق باختفاء الطفلة مادلين؟ كذلك إذا لم يكُن هناك من دليل، فلماذا يواصل المدعي العام التأكيد على اعتقاده بأن بروكنر مذنب؟.

معلوم أن كريستيان بروكنر هو ألماني متشرد له سجل إجرامي طويل، بما في ذلك ارتكاب جرائم جنسية ضد أطفال. وركزت محاكمته الأخيرة على حوادث مزعومة وقعت في برايا دا لوز في البرتغال، أو محيطها، في الفترة الممتدة ما بين عامي 2000 و2017. وواجه ثلاث تهم بالاغتصاب، وتهمتين بالاعتداء الجنسي على قاصرين. وفي إحدى قضايا الاغتصاب، ذكرت الضحية التي كانت تبلغ من العمر 20 سنة، أن مهاجمها كان يضع قناعاً طوال الوقت، لكنها ادعت أنها تعرفت على بروكنر من خلال عينيه. وكانت هناك أدلة على اعتراف له من زنزانته أثناء حبسه، إلى جانب شهادات أفراد سرقوا أشرطة فيديو من بروكنر، وزعموا أنها تظهر اعتداءاته على امرأتين. إلا أنه نظراً إلى عدم تقديم الأشرطة، فلم يكُن من الممكن إثبات صحة تلك الادعاءات. وتم إسقاط إحدى التهم بالاغتصاب، قبل صدور الأحكام النهائية.

الطبيب النفسي الدكتور كريستيان ريدمان رأى أثناء تقديم شهادته أمام الادعاء، أن بروكنر يشكل تهديداً كبيراً للمجتمع، وأن من المرجح جداً أن يرتكب جريمة مرة أخرى إذا ما جرى الإفراج عنه. لكن تم الكشف في وقت لاحق عن أن الطبيب النفسي لم يتعامل مع حالة بروكنر ولم يفحصه ويقيمه بصورة مباشرة، بعدما رفض الأخير مقابلته.

وكان صوت بروكنر غائباً على نحو ملحوظ طوال المحاكمة، فهو لم يقدم أي شهادة، ولم يتحدث إلا لفترة وجيزة في النهاية عندما سأله القاضي عما إذا كان لديه أي شيء يضيفه، ورد بهدوء: "لا، لا أرغب في ذلك".

ليس هناك من شك في أن بروكنر هو مجرم مدمن على العنف وذو سلوك تلاعبي. وكشفت محاكمته وإدانته عام 2019 - بتهمة اغتصاب امرأة تبلغ من العمر 72 سنة في برايا دا لوز - عن جانب سادي لديه يتمثل في استمتاعه بتلك الجريمة.

إلا أنه توضيحاً للوضع الراهن، فلم يتم مطلقاً توجيه أي اتهام إليه في ما يتعلق بقضية مادلين ماكان. وتحدث محاميه فريدريش فولشر بالنيابة عنه خلال برنامج "بانوراما" التلفزيوني العام الماضي، منتقداً ما سماها "محاكمة عبر وسائل الإعلام" Trial by Media تحيط بإحدى أكثر القضايا شهرة في العالم. ووصف فولشر الأدلة ضد بروكنر بأنها "واهية"، ورأى أنها "تفتقر إلى عناصر الإثبات". ونفى بروكنر نفسه باستمرار أي تورط له في اختطاف مادلين.

عبارة "محاكمة عبر وسائل الإعلام" ترددت بصورة واضحة في هذه القضية. وشاهد ذلك جيري وكايت ماكان والدا الطفلة منذ أكثر من 16 عاماً، عندما بدأت "الشرطة القضائية" البرتغالية التي توازي "إدارة التحقيقات الجنائية" Criminal Investigation Department (CID) في المملكة المتحدة - تسريب اتهامات مثيرة عنهما إلى الصحافة، قبل تصنيفهما في نهاية المطاف بأنهما موضع شبهة في اختفاء ابنتهما.

التفاصيل برمتها مألوفة على نحو مؤلم. ففي الثالث من مايو (أيار) عام 2007، كانت عائلة ماكان تقضي إجازتها في الشقة "5 أ" في منتجع "أوشن كلوب" في برايا دا لوز، وهي بلدة تقع على ساحل ألغارف جنوب البرتغال. وعلى غير العادة، لم يكُن المنتجع مسوراً وكان مفتوحاً أمام الجمهور. وفي ذلك الوقت، كانت مادلين التي كانت تفصلها تسعة أيام عن عيد ميلادها الرابع، نائمة في غرفة النوم الخلفية المواجهة للشارع.

كانت الفتاة الصغيرة مادلين تنام في أحد السريرين الفرديين في الغرفة، البعيد من النافذة، بينما كان شقيقاها التوأم (عمرهما الآن 18 سنة) في مهدي السفر الموضوعين بين السريرين. أما الوالدان فكانا خلال ذلك الوقت مع أصدقاء لهما في مطعم "تاباس" قريب. اختفت مادلين في إطار زمني تم تحديده بـ55 دقيقة، بين تفقد جيري الأطفال قرابة الساعة التاسعة وخمس دقائق مساءً وزيارة كايت الغرفة في الساعة العاشرة من الأمسية نفسها، عندما اكتشفت أن ابنتها مفقودة. وكان أحد أصدقاء العائلة تفقد الأطفال قرابة التاسعة والنصف مساءً لكن لسوء الحظ، لم يكُن متأكداً لاحقاً إن كانت مادلين لا تزال في السرير في ذلك الوقت.

وتوجهتُ إلى برايا دا لوز في صيف عام 2007 لتغطية القضية، وكنتُ هناك عندما أصبحت عائلة ماكان موضع شبهة. وأصبح المشهد المحيط بالتحقيق أشبه بسيرك، لجهة الفوضى والإثارة والمبالغة، إذ ركزت وسائل الإعلام العالمية كاميراتها على وصول عائلة ماكان إلى مقر "الشرطة القضائية" البرتغالية في بورتيماو للاستجواب. وكانت لذلك التحول آثار مدمرة ودائمة على التحقيق في اختفاء الطفلة مادلين، وعلى والديها.

وكما أوردتُ في تقريري آنذاك، ارتكبت "الشرطة القضائية" البرتغالية - تحت إشراف كبير محققيها المضلل جونكالو أمارال - خطأ كارثياً عندما "تخلت عن نظرية الاختطاف"، وقامت بدلاً من ذلك، ببناء قضية غير معقولة ضد جيري وكايت ماكان، بالاعتماد على قراءة خاطئة لآثار الحمض النووي الموجودة في صندوق سيارتهما (التي لم يستأجراها إلا بعد ثلاثة أسابيع من اختفاء مادلين)، ولإشارات اثنين من كلاب الشم البوليسية أحضرا من المملكة المتحدة، وتم اعتبار "تنبيههما" لمدربهما (إما إلى وجود أو آثار دماء أو رائحة جثة) في كل من السيارة والشقة بصورة غير صحيحة، بمثابة دليل قاطع على تورط الوالدين.

وبناء على تلك "الحقائق"، خرجت نظرية تقول إن الزوجين أعطيا مادلين عن غير قصد جرعة مميتة من مادة مهدئة، مما أدى إلى وفاتها في الشقة، وقاما بعد ذلك بالتخلص سراً من جثتها. وفي تحول غريب للأحداث، اقترحت السلطات على كايت ماكان أثناء استجوابها، عقد صفقة، تقوم بموجبها بالاعتراف بالجريمة وتمضية عقوبة بالسجن لمدة سنتين، مع السماح لجيري بالعودة إلى البلاد. لكنها رفضت بطبيعة الحال.

الثنائي كايت وجيري كانا طبيبَين، وكانا يقضيان عطلة مع مجموعة من أصدقائهما تعرف باسم "التاباس السبعة" The Tapas 7، فكيف يمكن أن يرتكبا مثل هذه الجريمة المروعة؟ وهل تمكّنا من إخفاء كل شيء عن أصدقائهما، أم أن هؤلاء الأصدقاء كانوا هم أيضاً متواطئين في المؤامرة؟. هذا المنحى لم يكُن منطقياً في ذلك الوقت، والآن أصبح أقل منطقية.

وفيما استفادت وسائل الإعلام من تسريبات "الشرطة القضائية" في ما يتعلق بالتناقضات المزعومة في تصريحات الزوجين عن اختفاء ابنتهما والنتائج التي توصلت إليها الكلاب وأدلة الحمض النووي، وجدتُ نفسي في كثير من الأحيان من ضمن الأفراد القلائل الذين لم يقفزوا إلى استنتاج مفاده بأن عائلة ماكان مذنبة - وهو الاعتقاد الذي انتقل بسرعة من البرتغال إلى المملكة المتحدة. وأتذكر في هذا الإطار نقاشاً أجريته مع أحد المحررين عن التورط المفترض للوالدين في "وفاة" مادلين، وطرحه عليّ السؤال الآتي: "لكن ماذا عن الكلاب يا ديفيد؟"، وقد أصر على أن الكلاب لا تكذب. ومع ذلك، فإن الكلاب في الواقع "كذبت".

وعاد الزوجان ماكان إلى إنجلترا بعد إلزامهما التقيد بـ"السرية القضائية" - وهو أمر رسمي يفرض عليهما التزام الصمت - لكن بدا واضحاً أن هذا الأمر لم ينطبق على السلطات البرتغالية التي قامت بتسريب كثير من المعلومات، بما فيها أسماء أفراد مجموعة عطلة ماكان بأكملها، كما تفاصيل الاتصالات معهم، إلى أحد المراسلين البرتغاليين المتعاونين مع الشرطة. وقال لي أحد الصحافيين المحليين إن "السرية القضائية تشبه الحد الأقصى للسرعة، الجميع يعرفه، لكن أحداً لا يتقيد به".

بعد وقت قصير من العودة للمملكة المتحدة، تمت دعوتي إلى منزل عائلة ماكان الكائن في قرية روثلي في مقاطعة ليسترشير، حيث انضممتُ إلى جيري ماكان لتناول مشروب في حانة قريبة. جلسنا في زاوية هادئة وناقشنا على مدى ساعتين إلى ثلاث ساعات الأحداث التي جرت، وكسرنا أمر السرية عندما أطلعني على ما حصل فعلاً في تلك الليلة.

أثناء الحديث، أخذ جيري دفتر ملاحظاتي وقام برسم مخطط للشقة التي نزلت فيها العائلة في المنتجع البرتغالي، مع تحديد غرفة نوم الأطفال، وإظهار كيف دخل الخاطف وغادر من دون أن ينكشف أمره. وعلى رغم أن بعض الأشخاص في الحانة بدا أنهم تعرفوا عليه، إلا أنهم تركوا جيري وحيداً في روايته. كان الضغط عليه واضحاً لكنه كان مصراً على التحدث. بعد ذلك، أوصلني إلى منزله، حيث انتظرتُ في المطبخ وصول سيارة أجرة. ولاحظتُ حينها أنه كان هناك على الثلاجة، مخطط للنجوم التي حصلت عليها مادلين، نتيجة نومها الجيد في الليل.

دفاعي عن عائلة ماكان، جعلني ألقي نظرة سريعة على الإساءات المستمرة عبر الإنترنت التي واجهها أفرادها لأعوام. فقد تم تصنيفي على أنني "مروج متحيز" للعائلة، وجرى اتهامي بتنفيذ "أوامرها"، وتعرضتُ للسخرية لكوني صحافياً استقصائياً ساذجاً. وأشرتُ إلى هؤلاء الأفراد في ذلك الوقت باسم أشباح الإنترنت الذين يتغذون من معاناة عائلة ماكان فيما يختبئون في الغالب وراء الهويات المجهولة على منصة "إكس"/"تويتر" وغيرها من وسائل التواصل. في إحدى الحالات المحزنة، انتحرت امرأة تُدعى بريندا ليلاند، بعدما كشفت قناة "سكاي نيوز" عن أنها الشخصية الحقيقية وراء حساب "سويبي فايس" Sweepyface الذي يهاجم عائلة ماكان، وكانت نشرت مئات الرسائل البغيضة ضد العائلة. والمؤسف أنها لم تكُن حتى الأسوأ بين الآخرين على الإطلاق.

وعلى رغم أنه بحلول عام 2008 لم تعُد عائلة ماكان موضع أي اشتباه رسمي من قبل "الشرطة القضائية" البرتغالية بعدما أغلق التحقيق، فإن المضايقات عبر الإنترنت التي واجهها أفرادها (من المتصيدين) لم تتوقف قط. وفي كل مرة كانت تعود القضية لدائرة الضوء، يعود المتصيدون للظهور بقوة، مستخدمين وسم "ماكان" mccann#، ويطلقون ادعاءات ظالمة على كيري من خلال مقارنته بقتلة الأطفال، وما إلى ذلك. لكن الزوجين أظهرا صلابة نادرة في مواجهة تلك الظروف القاسية، مكرسَين تركيزهما على رعاية شقيقي مادلين، إيميلي وشون. ونظمت إيميلي هذه السنة وقفة احتجاج تضامنية في ذكرى اختفاء شقيقتها.

لم يساورني أي شك في أن القضية تتعلق بما يُعرف - وفق المصطلحات الشائعة - باختطاف طفل على يد شخص غريب أو غير عائلي، من دون أن يكون للوالدين أي دور في ذلك. وبالنسبة لي، فإن الزوجين كانا يبذلان في تلك الفترة، أقصى حدود قدرتهما البشرية على التحمل، إذ كانت ملامح وجهيهما المتعبة والمنهكة تروي قصة عميقة عن الخسارة، وبلا شك عن الشعور بالذنب لعدم قدرتهما على حماية طفلتهما.

كثيراً ما تمسك والدا مادلين بالأمل، في ظل غياب أي دليل يثبت العكس، بأنها قد تكون ما زالت على قيد الحياة. وكما قال جيري في برنامج "كرايم ووتش" Crimewatch خلال ظهور علني نادر عام 2013، فإن هناك حالات يتم فيها الاحتفاظ بأطفال مختطفين على قيد الحياة. من الواضح أنه كان يستشهد بحالات مثل ناتاشا كامبوش التي استطاعت الهرب من خاطفها عام 2006، بعدما أمضت قرابة ثمانية أعوام في الأسر داخل النمسا، وهي في الـ18 من عمرها.

وعلى رغم ندرة حوادث اختطاف أطفال من قبل غرباء، فإنها قد تحدث في ظروف انتهازية. ولعل الموقع المكشوف لمنتجع "أوشن كلوب" أتاح فرصة مثالية لمجرم مترصد، يمكن أن يراقب عن كثب تحركات العائلة وروتين حياتها اليومية، ويحدد نقاط الضعف في ما يتعلق بموقع الشقة الكائنة في زاوية. وفي هذا الأسبوع، أشارت حلقة من برنامج "بانوراما" إلى روايات شهود عيان حول شخص مريب يُعرف بـ "الرجل المنقط" Spotty Man (ذو بشرة مبقعة)، وقامت بإعادة تمثيل مشاهد تظهره وهو يراقب مكان إقامة العائلة.

ربما يكون ملف الجاني ركز على متشردين محليين لديهم تاريخ من الجرائم الجنسية. ولو أن الشرطة أولت اهتماماً أكبر لهذا الأمر منذ البداية، لربما سلك التحقيق مساراً مختلفاً.

عام 2011، تولت "شرطة العاصمة البريطانية" القضية وأطلقت "عملية غرانج" Operation Grange من الصفر (بناء على طلب عائلة ماكان التي كانت غير راضية عن التحقيق البرتغالي). وركزت التقارير الإعلامية على أنماط متزايدة من عمليات السطو في منطقة برايا دا لوز خلال الأشهر التي سبقت وصول العائلة، إضافة إلى مشاهدات لأشخاص مشبوهين لم تُعرف هوياتهم في المنطقة قبل اختفاء مادلين وبعده.

وتم ذكر اسم كريستيان بروكنر في ملفات القضية، لكن لم يُجرَ التحقيق معه بجدية إلا بعدما أحالت "شرطة العاصمة البريطانية" القضية إلى السلطات الألمانية التي فتحت تحقيقها الخاص.

كذلك أعادت الشرطة البرتغالية فتح التحقيق في قضية اختفاء مادلين، وأرسلت وفداً إلى المملكة المتحدة حيث أفيد بأنها قدمت تحديثاً لوالدها جيري ماكان. وقال برنامج "بانوراما" إنها اعتذرت من عائلة ماكان عن الضرر الذي تسبب فيه تحقيقها الأصلي. وما إن تم الكشف عن الاعتذار، حتى قوبل بالتشكيك في صحته على منصة "إكس"/ "تويتر".

من المؤكد أن بروكنر يطابق الصورة المتوقعة التي يمكن تخيلها عن الجاني. فقد ارتكب أول جريمة ضد طفل، عندما كان لا يزال طفلاً هو نفسه، وكان عمره آنذاك 16 سنة. ويبدو أن له تاريخاً من النشاط الإجرامي الذي استمر معظم أعوام شبابه، حين كان يتنقل ذهاباً وإياباً ما بين ألمانيا والبرتغال، ويعيش في المنتجع نفسه في برايا دا لوز، حيث حصلت حادثة اختفاء مادلين.

وفي المكان نفسه، عام 2005، اغتصب امرأة كانت تبلغ من العمر 72 سنة. وخلال عمليات البحث، تم العثور على ناقل بيانات "يو أس بي" مدفوناً بالتراب، يحوي مواد إباحية لأطفال. ويقال إن المشتبه فيه كان يتحدث على الهاتف قرب منتجع "أوشن كلوب" عندما اختفت مادلين. بعد فترة وجيزة، قام بتغيير بيانات تسجيل سيارته، وواصل ارتكاب جرائم أخرى في كل من البرتغال وألمانيا.

لكن كما أظهرت تبرئة المتهم في محاكمته الأخيرة، فإن افتراض الذنب ومحاولة ملاءمة المشتبه فيه بالجريمة يُعتبران مسألة خطرة. ويمكن لهذا النوع من التفكير أن يؤدي إلى أخطاء جسيمة في تطبيق العدالة. إن الأدلة مهمة وتشكل العامل الأساس الذي يسعى جيري وكايت ماكان إلى الحصول عليه، ومن الواضح أنهما يستحقان ذلك.

لا شك في أن الزوجين هما من بين كثير من الأشخاص الذين ينتظرون معرفة ما سيحدث مع بروكنر، وما إذا كان المدعي العام الرئيس في براونشفايغ هانز كريستيان وولترز سيقوم برفع قضية ضده أمام المحكمة - وليس فقط في وسائل الإعلام.

© The Independent

المزيد من منوعات