ملخص
شكلت غزة على مدار عام كامل ساحة قتال رئيسة للجيش الإسرائيلي وفيها خاض حرباً متعددة المراحل بدأت بضربات جوية ثم توغل بري وبعدها تدمير بنية تحتية لـ"حماس" وتطهير المناطق من مقاتليها، وأخيراً تنفيذ عمليات بناء على معلومات استخباراتية دقيقة.
بعد عام من القتال المكثف أصدر الجيش الإسرائيلي تعريفاً رسمياً بأن قطاع غزة أصبح ساحة قتال ثانوية، ولكن ماذا يعني ذلك؟ وما أبعاده السياسية والعسكرية؟ وهل يتأثر المدنيون والنازحون بهذا التعديل؟
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ركزت المؤسسة الأمنية في إسرائيل اهتمامها ومواردها ضد غزة ووجهت الفرق القتالية لمواجهة عناصر "حماس" بهدف تدميرها، وفي الوقت نفسه كان جيشها يشن غارات على مناطق أخرى خارج حدود القطاع.
حرب متعددة الساحات
في بداية الحرب أعلنت "حماس" أن هذه المعركة متعددة الجبهات وأنها تجري بتنسيق مع ساحات مواجهة أخرى، وهذا شكل ضغطاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجعله يتحدى الحركة ويدخل في معركة متعددة الجبهات، وأعلن أن هدفها تغيير الشرق الأوسط.
وعلى رغم قتال الجيش الإسرائيلي في ساحات عدة مثل توجيه ضربات ضد الحوثيين في اليمن وقصف أهداف لـ"حزب الله" في لبنان وتحييد أهداف في سوريا أو إيران، فإن تركيز المؤسسة الأمنية كان منصباً على قطاع غزة ومواجهة "حماس" والقضاء على الحركة.
وشكلت غزة على مدار عام كامل ساحة قتال رئيسة للجيش الإسرائيلي وفيها خاض حرباً متعددة المراحل، بدأت بضربات جوية ثم توغل بري وبعدها تدمير بنية تحتية لـ"حماس" وتطهير المناطق من مقاتليها، وأخيراً تنفيذ عمليات بناء على معلومات استخباراتية دقيقة.
القضاء على "حماس"
وخلال العام الأول من الحرب استطاعت إسرائيل تحقيق إنجازات مهمة يلخصها وزير الدفاع يوآف غالانت "تمكنا من تفكيك كتائب ’حماس‘ في جميع محافظات القطاع، وقضينا على قدرات الحركة العسكرية ودمرنا بنيتها التحتية وأنفاقها، وكذلك قتلنا قياداتها في الصف الأول العسكري. لقد انهارت الحركة في غزة وسحقت".
ومن وجهة نظر غالانت فإنه بعد سحق "حماس" ليس من المهم تركيز جميع قدرات واهتمامات وموارد الجيش الإسرائيلي على غزة، ومن الأفضل نقل القوات لتحييد قدرات جبهة لبنان كما حدث في القطاع.
ودرست المؤسسة الأمنية في إسرائيل مرات سابقة اتخاذ قرار تحويل جبهة غزة من ساحة قتال رئيسة إلى أخرى ثانوية، لكن كان يؤجل مرات عدة، إذ كان يواجه الجيش مكامن قاسية من عناصر "حماس" بعد دراستها يتبين أن الحركة ما زال لديها قوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن بعد إتمام الجيش الإسرائيلي معظم عملياته العسكرية بدأت المؤسسة الأمنية في نقل اهتمامات الجيش إلى جبهة قتال ثانية، ووفق صحيفة "يديعوت أحرنوت" فإن وزير الدفاع بدأ بالفعل في التعامل مع غزة على أنها جبهة قتال ثانوية قبل شهرين، ومن دون قرار رسمي في شأن ذلك.
وتقول الصحيفة العبرية إن قرار تعريف غزة بأنها ساحة قتال ثانوية جاء بعد التأكد من عدة نقاط أمنية، ولكن ما التغيير الذي سيطرأ على غزة بعد هذا القرار؟
لا تأثير بالتصنيف الجديد
يجيب المتخصص في مجال العلوم السياسية تيسير عابد "بعد هذا التصنيف ستنخفض العمليات العسكرية والقصف على قطاع غزة، ولكن لا يتوقف بالمطلق، والدليل على ذلك أن الجيش الإسرائيلي ترك الفرقة الأمامية النظامية للقيادة الجنوبية للإغارة على جباليا في عملية عسكرية قد تمتد بضعة أسابيع".
ويقول عابد "الوضع في غزة لن يتأثر بهذه التصنيفات من حيث وطأة الاستهدافات الدامية، ربما هذا الإعلان بصورة أساس رسالة إلى الشعب الإسرائيلي، وقد يعود بالسلب على حكومة نتنياهو في ما يخص المماطلة في ملف الأسرى وعودتهم".
وحول ماذا يعني هذا التصنيف يضيف "يعني أن الجيش استنفذ جميع عملياته العسكرية الكبيرة والمهمة التي يمكن أن تكبده خسائر خارج حساباته، وهذا لا يعني أنه لا يستطيع إعادة تشكيل أو تهجير مناطق واسعة من القطاع كالطينة الحرة، ولكن عملياته لن تكلفه خسائر بشرية ومادية وسياسية كبيرة ومؤثرة".
ويوضح أن جميع صور المواجهة في غزة أصبحت ضمن الحد المعقول الروتيني المخطط له في المؤسسة الأمنية والذي يمكن تحمله، وأن سقف القتال العسكري الأعلى في غزة أصبح ثانوياً في تقييمات إسرائيل، إذ باتت "حماس" غير قادرة على إحداث تهديد كبير.
أبعاد سياسية
وحول ماذا يحمل هذا التصنيف الجديد من أبعاد سياسية يشير عابد إلى أن الأهداف السياسية الإسرائيلية من غزة أصبحت جاهزة ومرصودة لأي حل أو صفقة، وأن مشكلة القطاع الثانوية يمكن أن تقبل إسرائيل بحلها كذيل ضمن أية صفقة إقليمية رئيسة مع إيران.
ويبين عابد أن إعلان إسرائيل هذا يعني أنها استطاعت رسمياً إفشال مخطط المحور بوحدة الساحات، وأنها نجحت في الاستفراد بكل منطقة وذراع على حدة، وذلك نتيجة جبن وخوف هذه الأذرع التي فشلت في الهجوم الجماعي المبكر على إسرائيل، وجلسوا يشاهدون غزة وهي تذبح وحيدة، على حد وصفه.
التأثير في المدنيين
وعما إذا كان لذلك الإعلان تأثير في النازحين، يلفت المتخصص في مجال العلوم السياسية تيسير عابد إلى أن إسرائيل استخدمت الذكاء في هذا الأمر، وبهذا التصنيف فإن الضغوط الدولية عليها للتخفيف من الجرائم في غزة أصبحت لا تمثل أية مشكلة أو انتهت، وفي المقابل يمكن للجيش أن يقوم بأي قدر العمليات العسكرية من دون إثارة الرأي العام العالمي.
ويوضح أنه في مثل هذه التصنيفات العسكرية والسياسية التي تصبح فيها منطقة مثل غزة ساحة ثانوية، فإن هذا يجعل القطاع منطقة معلقة دون حل، وبهذا يصبح الوقت يعمل لمصلحة الجميع إلا المدنيين الذين يستنزفون مع الوقت من أرواحهم.
"حماس": غزة أساس كل شيء
وفي المقابل، عدت "حماس" نفسها في حرب طويلة ومفتوحة وحولت قتالها إلى استنزاف، فهي كانت تدرك أن القتال المكثف انتهى، ولكن يراوغ المتحدث باسم الحركة جهاد طه ويقول "ستبقى غزة مركز الصراع، لقد ذهبت جميع الساحات لهذه الحرب لنصرة القطاع".
ويضيف "لن يستطيع الجيش الإسرائيلي تحويل غزة لساحة قتال ثانوية، ستبقى غزة محورية ورئيسة في الحرب، وذلك بفضل مقاتلينا وما يملكونه من عتاد يستطيعون بواسطته تدمير قدرات مهمة للجيش في محاور توغله داخل القطاع".