ملخص
"نبتون ميموريال ريف" هي مقبرة فريدة تحت الماء قبالة شاطئ ميامي، تحوي حتى الآن على رفات نحو 1500 شخص سكبت في منحوتات بحرية تمزج بين الفن والبيئة
على بعد نحو ثلاثة أميال (أقل بقليل من 5 كيلومترات) من شاطئ ميامي في الولايات المتحدة - تحديداً تحت مياه خليج "بيسكاين بي" - يوجد ملاذ فريد من نوعه لرفات أشخاص متوفين.
الموقع الذي أطلق عليه اسم "نبتون ميموريال ريف" Neptune Memorial Reef يقع على عمق 40 قدماً تحت الماء، ويمتد على مساحة واسعة تبلغ قرابة 16 دونما، ويحوي رفات نحو 1500 فرد. وقد أعيد سكب بعض من رماد الجثامين التي أحرقت، في منحوتات فنية تأخذ شكل نجوم البحر والحوريات والأصداف البحرية وأسماك القرش والسلاحف وخراف البحر والأخطبوطات، لترقد في مثواها الأخير، وتصبح جزءاً من شعاب مرجانية صناعية.
قام بتصميم هذه المقبرة التذكارية تحت الماء النحات كيم برانديل من جنوب فلوريدا، وتم بناؤها على شكل أعمدة وأقواس كتلك التي توجد على الطرقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وغالباً ما تقيم عائلات الأفراد المتوفين مراسم وداعهم على متن قارب الشركة، قبل الغوص تحت الأمواج لوضع رفات الأحبة الراحلين في البيئة البحرية النابضة. ثم يعمل الغواصون على تأمين الرفات باستخدام مادة الإيبوكسي تحت الماء، لضمان تثبيتها في مكانها بصورة دائمة. ويحدد المواقع بدقة على الخريطة، مما يسمح بأن يقوم الأهل بزيارات مستقبلية للمرقد.
هذه الخصائص مجتمعة تجعل من هذا الموقع تحت الماء إحدى أكثر المقابر تميزاً في الولايات المتحدة.
ويوضح مايكل تابرس مدير الموارد المجتمعية للمشروع في مقابلة أجرتها معه "اندبندنت" أن مشروع المقبرة التجريبية أطلق عام 2007، وكان الهدف منه في البداية إنشاء شعاب مرجانية اصطناعية، مستوحاة من "مدينة أتلانتيس المفقودة" Lost City of Atlantis [جزيرة أسطورية ذكرت في الفلسفة اليونانية القديمة، ولا سيما في كتابات الفيلسوف أفلاطون، وقيل إنها تمتعت بحضارة متطورة للغاية].
عندما شرع أصحاب المصلحة في تأمين الأذونات اللازمة لبناء المنشأة، اقترح أحدهم فكرة دمج نصب تذكاري، لجعل البقايا جزءاً لا يتجزأ من الشعاب المرجانية. وقد جرى نقل رماد الأشخاص المتوفين إلى مكتب المقبرة، إذ تم تحويله إلى منحوتات.
في العام نفسه، أقامت الشركة أول مراسم دفن في هذا الإطار. وتؤكد أن الموقع هو النصب التذكاري الوحيد تحت الماء على مستوى العالم، بحيث يوجد آلاف من الأشخاص حتى الآن على قائمة الانتظار للحصول على أماكن. يذكر هنا أن الطباخة الشهيرة جوليا تشايلد لديها نصب تذكاري على شكل نجمة البحر في تلك الشعاب المرجانية. وتوافدت عائلات من أوروبا وأميركا الجنوبية وكندا إلى هذا الموقع الفريد لتكريم أحبائهم من خلال دفنهم في تحت مياه المحيط.
ووفقاً لتابرس فإن الطاقة الاستيعابية للموقع تبلغ في الوقت الراهن قرابة 250 ألف فرد، مع وجود خطط للتوسع إذا لزم الأمر. وقد حصلت الشركة على حقوق تطوير غير محدودة لتلك المنطقة من خلال تصاريح من "فيلق المهندسين في الجيش" [وكالة فيدرالية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، مسؤولة عن مشاريع الهندسة والبنية العسكرية العامة] و"قسم إدارة الموارد البيئية في مقاطعة ميامي ديد" Miami-Dade County Division of Environmental Resources Management [وكالة حكومية محلية مسؤولة عن إدارة وحماية الموارد الطبيعية والبيئة في مقاطعة ميامي ديد في ولاية فلوريدا"].
وتصنف الشعاب المرجانية منطقة محمية، بحيث يحظر تثبيت مراسي القوارب عليها، ويتعين على الزائرين تجنب إزعاج الحياة البحرية فيها أو المساس بالنصب التذكارية.
تقوم الشركة في المتوسط بما بين ثلاثة وخمسة مراسم دفن في الأسبوع، وتستغرق العملية برمتها قرابة 60 يوماً بعد حدوث الوفاة.
ويقول تابرس الذي أمضى معظم حياته المهنية في مجال الجنازات إن "التجربة التي تعيشها الأسر في ’نبتون ريف‘ لا تشبه أي مراسم تقليدية. فالأجواء هنا والمشاعر هي مختلفة تماماً وأكثر استرخاء". ويضيف، "نكون على متن قارب، لذا يرتدي الجميع ملابس غير رسمية، ويمكن للمشاركين رؤية أفق ’ميامي بيتش‘ و’كي بيسكاين‘ في الخلفية".
وتقدم الشركة مجموعة متنوعة من الحزم لعملائها، تبدأ بـ9995 دولاراً. أما الخيارات الأعلى سعراً فهي باقات العقارات، بحيث يصل سعر باقة "مركز مدينة نبتون" Neptune City Center مثلاً إلى 9 ملايين دولار. وتشير الشركة إلى هذه القطعة باهظة الثمن، التي تتميز بتمثال لنبتون في عربة تجرها دلافين، باعتبارها "نصباً تذكارياً مذهلاً يليق بالملك نيبتون نفسه".
بالنسبة إلى الأفراد الذين يفضلون عدم وضع رفاتهم في منحوتة، فإن الشركة توفر خيار "النثر في البحر"، الذي يتضمن نثر الرماد في المحيط مع وضع لوحة نحاسية منقوشة تحمل اسم المتوفى، يتم تثبيتها على أحد الهياكل الموجودة في الشعاب.
وتعد هذه الشعاب طريقة صديقة للبيئة للتعامل مع رفات الموتى، وهي معتمدة من قبل "مجلس الدفن الأخضر" Green Burial Council، الذي يضع معايير الشهادات البيئية للمقابر ودور الجنازات ويحافظ على تلك المعايير.
يشار إلى أن مسؤولين حكوميين أجروا اتصالات بممثلي الشركة لاستكشاف إمكان إنشاء بنيات مماثلة في مواقع مختلفة حول العالم.
وتبين تعليقات العملاء على تقييمات محرك "غوغل"، أن هذا المفهوم اكتسب شعبية وحقق نجاحاً. وكتبت كاثلين أوريلي في شهر مايو (أيار) الماضي تقول: "على رغم أنني لا أستطيع التعليق على عملية حرق الجثث لأنني لم أمت بعد، فإنني وجدت أن شراء الخدمة سهل، ولها قيمة كبيرة".
وأدلى توني ستينمارك بتصريح مماثل في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2021 عندما قال "كثيراً ما أحببت الدلافين، والآن سأصبح أحدها حقا! بحيث سيتم دمج رمادي في منحوتة دلفين، توضع في موضع بارز أو زخرفي داخل الشعاب المرجانية".
حتى تابرس نفسه مدير الموقع التذكاري، اختار منحوتته الخاصة - طلب وضعها على أعلى عمود نصف قطري - وقام بالغوص لرؤية المكان الذي سيخصص له بعد وفاته.
ويريد تابرس أيضاً أن يوضع رماد كلابه - اثنان هما من فصيلة "شناوزر"، والثالث من فصيلة "شنودل" - قرب رماده. ويمكن في المقابل للعملاء اختيار شراء منحوتات تذكارية لحيواناتهم الأليفة، أو دمج رفاتهم البشرية مع رفات حيواناتهم المحببة إليهم.
وقد أصبحت الشعاب المرجانية موقع الغوص الأكثر شعبية في ميامي، وبات يجذب السياح الذين يأتون للحصول على متعة التفرج على مجموعة مذهلة من النصب التذكارية تحت المياه. ووفقاً لتابرس، فإن الأسر تجد العزاء في التدفق المستمر للزائرين على المكان، مما يعني أن أحباءهم لن تنقصهم رفقة الناس على الإطلاق.
© The Independent