Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هند عدنان ترسم كائنات عابرة على الورق

في العيون الواسعة أطياف مشاعر من أسى أو غضب وبهجة مؤجلة

لوحة للرسامة هند عدنان في المعرض (خدمة المعرض)

ملخص

يقيم "غاليري القاهرة" معرضاً بعنوان "قصائد مرئية" للفنانة هند عدنان في القاهرة، وبين الوجوه التي يضمها يطالعنا وجه دافئ الملامح مرسوم بأقلام الفحم على مساحة صغيرة من الورق الأبيض.

 تشف درجات اللون الواحد في لوحات الرسامة هند عدنان أو تتكثف على ورق الرسم، فتشي بأطياف أخرى من اللون. من بين الدرجات القاتمة للخلفية يتشكل وجه مستدير وعذب، وجه يتطلع إلينا كما نتطلع إليه في هيئة وديعة لفتاة. عينان واسعتان وشفتان ممتلئتان وحاجبان مرفوعان، وثمة غلالة شفافة من القماش ذات زخارف تحيط بهذه الملامح فتفصلها عن فراغ الخلفية الداكن. قد نلمح في هذه العيون الواسعة أطياف مشاعر من أسى أو غضب، قد نتبين علامات البهجة في ابتسامة خافية بين قسمات الوجه، أو ربما ننتبه إلى هذه الحيرة العابرة التي تسكن قلب الفتاة وتشي بها هذه العيون الساهمة.

في لوحات هند عدنان يتجمد الزمن في لحظات حاسمة كهذه، أو قد يتوقف عند مشاعر غير قابلة للتفسير. في هذه اللوحات تتراءى لنا المعاني وقد تجسدت أمامنا كالصور الشعرية التي قد نعجز عن وصفها أحياناً. قد تخبرنا الوجوه المرسومة هنا بكل شيء، أو ربما لا تفصح عن مكنونها أبداً لتظل محتفظة بسرها العالق في فضاء حجرة الرسم. تتكرر الوجوه واحداً تلو الآخر لنساء وفتيات أخريات، وجوه قادتها المصادفة إلى الجلوس بين يدي هند عدنان ليختزل حضورها الدمث والمهيمن آلاف النساء والفتيات الأخريات.

يتسع المشهد قليلاً ليكشف عن أجساد منهكة ومتراخية الأطراف، يختبئ بعضها خلف شرانق من القماش الشفاف، بينما تواجه أخريات العالم بقلب منكسر. تتسلل الانكسارات والهزائم الصغيرة كطيف عابر من الأسى فوق الملامح وتفاصيل الجسد المتثاقل. يزداد اتساع المشهد فيتوارى الوجه أمام الحضور الفاتن للجسد، حتى لا نكاد نتبين ملامح النساء والفتيات اللاتي ترسمهن هند عدنان بمزيج من الرقة والشغف. نساء وفتيات مطمئنات ومستسلمات للراحة، كأننا نختلس النظر إليهن في مخادعهن. في أعمال أخرى نرى هؤلاء النساء وهن يدرن ظهورهن إلى العالم، ونرى بعضهن وقد التصقن بالحائط، في إشارة ذات دلالة.

أجساد محلقة

هنا يمتد أفق المشهد إلى منتهاه، فتتخلص الأجساد من ثقلها تماماً، وتتوارى أشباح الانكسارات المخيمة على الوجوه. أمامنا جسد وحيد محلق في فراغ من الأزرق، جسد أنثوي مرسوم بخامة الألوان الزيتية على القماش. في حضور اللوحة تكاد تشعر بحركة الأطراف أو تموجات القماش المخملي للثوب وهو يتطاير بفعل الهواء. يشف الثوب أو يزداد قتامة أمام ناظريك فتعاود النظر مرة بعد مرة، باحثاً عن سر هذا الحضور الخلاب، عن هذا السحر الساكن بين التفاصيل ودرجات اللون. يتكرر ظهور الجسد نفسه في فضاءات لونية مختلفة ومساحات متفاوتة، يجمع بينها هذا التحليق والفراغ الممتد إلى ما لا نهاية.

عبر هذه الأجساد المحلقة تطلق هند عدنان ثورتها، أو هكذا تصفها هي في حديثها معي. الأجساد المستكينة داخل مساحة الرسم، التي كثيراً ما استسلمت للصمت وخضعت للقواعد التي تقتضيها الهيئة الكلاسيكية للبورتريه تنطلق هنا محلقة بلا هوادة. تتجسد هذه التجربة الأخيرة في مجموعة من الرسوم الصغيرة وبعض اللوحات الكبيرة المرسومة بمهارة.

هند عدنان رسامة واقعية بارعة، هي رسامة بارعة في معالجاتها اللونية وحبكتها التكوينية، وتتجلى مهارتها في ضبط النسب والأبعاد واهتمامها اللافت بالظل والنور. نتبين هذه البراعة في معالجاتها الأطراف والتفاصيل أو لانعكاس الضوء على خصلات الشعر المنسابة في فراغ اللوحة. تتبدى مهارتها كذلك في ضبطها أبعاد الجسد ومساحة الفراغ المحيط به، أو في طريقة خلطها الألوان واختيارها درجات اللون. إلى جانب هذه المهارة اللافتة في الرسم تمتلك هند عدنان القدرة كذلك على التوحد مع فتياتها ونسائها اللاتي ترسمهن. هي تمنحهن القدرة على البوح، وهن يمنحنها أرواحهن كي تخبئها بين ثنايا الخطوط وتحت طبقات اللون. عليها فقط البحث في كل مرة عن مساحة للتواصل قبل الشروع في الرسم والانخراط في هذا الحوار الصامت.

حين نتطلع إلى أعمال هند عدنان تصادفنا الوجوه المعبرة لنساء وفتيات أخريات، قد تتقلص المساحة أو تتسع، تتوشح بالدرجات المحايدة أو تتوهج باللون، لكن يظل هذا الحضور الأنثوي العذب هو المسيطر. النساء والفتيات اللاتي تجلبهن عدنان إلى هذه النافذة المشرعة على عالمها يملكن مفاتيح البوح. وهي نافذة أنثوية بالمعنى الصريح والمباشر، فكل واحدة منهن تختزل عديداً من المشاعر الأنثوية المتدفقة لنساء وفتيات كثيرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في أعمالها السابقة كانت تتوزع الأجساد الأنثوية على مساحة الرسم، مستلقية في سكينة ومستأنسة باجتماعها معاً. أما في هذه الأعمال المعروضة فتقتصر مساحة الرسم على عنصر واحد، امرأة أو فتاة وحيدة تشكل بحضورها تفاصيل العمل وتستدعي عديداً من المعاني المغزولة بالأسى والبهجة.

هند عدنان فنانة مصرية سورية تعيش وتعمل في القاهرة. تخرجت عدنان في قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1992، وشاركت منذ تخرجها في عديد من المعارض الجماعية في مصر وخارجها، ونظمت لأعمالها عدداً من المعارض الفردية مثل "أربع وجهات للهرم"، و"ثلاثية الشمس والقمر". ويستمر معرضها الحالي "قصائد مرئية" في غاليري مصر في القاهرة حتى السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة