ملخص
متخصصون يحذرون من تداعيات خطرة على شح السيولة وارتفاع التضخم المالي في البلاد
يعتزم البرلمان التونسي الموافقة على مشروع قانون جديد تقدم به 27 نائباً يقضي بإجراء تنقيح وتعديل عميق وجذري على القانون الأساس للبنك المركزي التونسي، في اتجاه تجريده من عدد الصلاحيات أبرزها التمويل المباشر لموازنة الدولة، مما كان ممنوعاً ويرفضه جل المتخصصين في البلاد.
ويعد هذا التعديل الثاني من نوعه في غضون عام، إذ جرى اللجوء في يناير (كانون الثاني) الماضي، بصفة استثنائية إلى تمويل جزئي لموازنة الدولة بقرض مباشر من البنك المركزي، بعدما صادق البرلمان على طلب حكومي للحصول على تمويل مباشر بقيمة 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار)، لسداد ديون خارجية.
وتمر تونس بأزمة اقتصادية حادة تتمثل في ديون تتجاوز 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتباطؤ في النمو الذي يتوقع أن يكون في حدود 1.2 في المئة هذا العام، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة في مستوى 16 في المئة.
ويعتقد متخصصون ماليون أن تلجأ الحكومة إلى طلب تمويل مباشر من البنك المركزي بما يصل إلى 8 مليارات دينار (2.6 مليار دولار) مدرجة في مشروع موازنة 2025، ولم تشر الحكومة إلى مصدرها.
وتقدم 27 نائباً بمجلس نواب الشعب بمبادرة تشريعية جديدة لتنقيح القانون (عدد 35) لعام 2016 المؤرخ في الـ25 من أبريل (نيسان) 2016 المتعلّق بضبط النظام الأساس للبنك المركزي التونسي بهدف إقراض مؤسسة الإصدار مباشرة لموازنة الدولة.
ويستهدف مشروع القانون تجريد البنك المركزي من السلطة الحصرية لتعديل أسعار الفائدة الرئيسة وسياسة الصرف ويقضي المقترح القانوني، بأنه يتعين أن يتخذ مثل هذا القرار فقط بالتوافق مع الحكومة، لكنه سيكون مطالباً بشراء سندات حكومية أو بتمويل مباشر لخزينة الدولة، وأظهر المشروع أنه لن يُسمح للبنك المركزي بتوقيع اتفاقات مع سلطات رقابة أجنبية، من دون موافقة رئيس البلاد.
إصلاح ضروري
وشمل تنقيح القانون الأساس للبنك المركزي وفق وثيقة اطلعت عليها "اندبندنت عربية" 11 فصلاً وإتمامها بثلاثة فصول انتقالية لمواءمة القانون مقتضيات دستور الـ25 من يوليو (تموز) 2022 ووضع الضوابط والشروط للتمويلات المباشرة لموازنة الدولة.
وبرر النواب أصحاب هذه المبادرة أن التشريع الحالي للبنك المركزي لا يخوله الإقراض المباشر لموازنة الدولة، إذ نصت الفقرة الرابعة من الفصل (عدد 25) أنه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزانة العامة للدولة التونسية تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة".
ومنذ تعديل قانون البنك المركزي التونسي عام 2016، اكتسب سلطة مطلقة في إدارة السياسة النقدية، من بينها نسبة الفائدة وسياسة الصرف والتصرف في الاحتياطات من العملة والذهب، في وضعية عدها الرئيس قيس سعيد "معقولة"، بعدما انتقد في سبتمبر (أيلول) 2023، بنوداً من قانون البنك المركزي التونسي تتعلق بالاستقلالية المطلقة للبنك، مؤكداً ضرورة المضي في إصلاح هذه الفصول من أجل تحسين إسهام مؤسسة الإصدار النقدي في التمويل المباشر لموازنة الدولة، وتابع بالقول "لا بد من تطوير النص ليلعب البنك المركزي دوره كمؤسسة عمومية وهو ليس مستقلاً بذاته".
فصل خطر ونتائج وخيمة
يرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي، أن تعديل الفصل (25) هو الفصل الأهم الذي يمسّ فعلياً باستقلالية البنك المركزي، إذ ينص في النقطة (4) "يتمّ آلياً تمويل خدمة الدين (أصل وفائدة) الخاصة بالقروض المقوّمة بالعملة الأجنبية باستخدام احتياطات العملة الأجنبية التي يحتفظ بها البنك المركزي من دون اللجوء إلى قروض جديدة.... شرط أن تكون الاحتياطات المذكورة أكبر أو تساوي 90 يوماً من الاستيراد في يوم الحجز".
هذا الفصل يعده المتخصص نوعاً من المجازفة التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج وخيمة حينما تفضل الدولة استخلاص ديونها على حساب ما يلزم للاقتصاد من مأكل ومشرب وأدوية وخصوصاً المواد الأولية ونصف المصنعة الضرورية للإنتاج".
وتابع "هذا ما حصل فعلاً عام 2023، إذ جنينا انكماشاً اقتصادياً بـ0.4 في المئة و0.6 في المئة في بداية هذا العام، فحذار من هذا الفصل، فهو يمس فعلاً من استقلالية البنك المركزي ويسيل لعاب الحكومة في التوسّع في نفقاتها الاستهلاكية وهذا ليس بالمفيد للاقتصاد".
تجنب إفلاس البلاد
واعتبر أن هذا التشريع أدى إلى نتائج عكسية وسلبية منها بالخصوص، خسارة تفوق 67 مليار دينار (22.3 مليار دولار) لدافع الضرائب التونسي (كلفة الفوائد وانخفاض قيمة الدينار)، إلى جانب خسارة تفوق 46 مليار دينار (15.3 مليار دولار) للاقتصاد التونسي (خروج عملة أجنبية بلا مقابل)، وارتفاع كبير في ديون تونس الداخلية والخارجية مما سيؤدي حتماً إلى إفلاس الدولة إن لم يتغير أي شيء وفق تصورهم.
وأضاف أن الوضعية الحالية أدت إلى اعتماد تونس على المانحين الأجانب مما أدى إلى فقدان سيادتها مع توجيه السيولة نحو تمويل الخزانة وليس نحو المشاريع مما خلق حالاً من الركود التضخمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد النواب أصحاب هذه المبادرة التشريعية أنه "لا بد من التفكير في الحلول التي لا تؤثر في التضخم على غرار اعتماد شراء البنك المركزي للسندات الحكومية التي تحتفظ بها البنوك كوسيلة أساسية لدى حاجياتها من السيولة، ثم خفض أسعار الفائدة لهذه السندات بعد شرائها إلى حد واحد في المئة، ويكون سدادها بالالتجاء إلى إصدار سندات جديدة من البنك المركزي تجاه الخزانة العامة".
ومن ضمن الحلول المقترحة أيضاً، تمويل الدين الخارجي من خلال استخدام احتياطات العملة الأجنبية مع الالتجاء إلى إصدار سندات جديدة من البنك المركزي تجاه الخزانة العامة مقومة بالدينار التونسي، إلى جانب تسهيلات نقدية قصيرة الأجل (240 يوماً) بنسبة فائدة سنوية بواحد في المئة، وفق ما يضيف.
وبخصوص النتائج المتوقعة من هذا التنقيح القانون الأساس للبنك المركزي، أبرز نواب البرلمان المُوقَعين على هذه المبادرة التشريعية أن يجرى تقديم تسهيلات مالية مباشرة لخزينة الدولة، انعكاس النسق التصاعدي للديون نحو الانخفاض السريع، بالتالي القضاء نهائياً على خطر إفلاس البلاد مع توفير للخزينة العامة عدة آلاف من ملايين الدنانير سنوياً، وانخفاض عجز ميزان الدفوعات كل عام علاوة على حل مشكلات السيولة لدى البنوك وتوجيه المدخرات التونسية الموجودة لديها نحو تمويل المشاريع الاستثمارية ولا تمويل ديون الخزانة.
مشروع خطر
وتعليقاً على هذا القانون المثير للجدل في أوساط الاقتصاديين في تونس، قال المتخصص المالي بسام النيفر، إن إقرار هذه المبادرة كان متوقعاً لأن مبلغ الاقتراض من السوق الداخلية في حدود 21.8 مليار دينار (7 مليارات دولار) من الصعب جداً الحصول توفيره.
وحذر في حديثه إلى "اندبندنت عربية" من أنه حال توفير هذا المبلغ الكبير سينعكس ذلك على شح السيولة المالية في البلاد مما يتطلب تدخلاً كبيراً من البنك المركزي لتوفير السيولة، مع إضافة أخطار تضخمية.
ومضى يقول" تعديل قانون البنك المركزي لغرض إقراض موازنة الدولة مباشرة يعد من الحلول السهلة وسيفرز تضخماً مالياً كبيراً في البلاد"، مضيفاً أن اللجوء إلى السوق الداخلية للاقتراض يندرج في إطار التزامات الدولة لتوفير العملة الأجنبية، خصوصاً مع تحديات بداية العام المقبل.
ومن جانب آخر نبه بسام النيفر أن خدمة الدين الداخلي آخذة في الارتفاع من عام إلى آخر، كاشفاً أنه بحلول عام 2027 ستشرع تونس في خلاص مليار دينار (330 مليون دولار) سنوياً بفعل الاقتراض الأول من البنك المركزي بقيمة 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار).
وقال إن "استقلالية البنك المركزي التونسي صارت في مهب الريح" مثنياً على دور مؤسسة الإصدار في الأعوام الأخيرة بفضل حماية الدينار في أصعب عام هو 2024، والمتسم بخلاص كم كبير من الديون الخارجية".
وخلص المتخصص المالي بالتأكيد إلى أن المساس باستقلالية البنك المركزي وتجريده من عدد الصلاحيات سيكون له تأثير سلبي وكبير في تصنيف تونس من طرف وكالات التصنيف العالمية والمؤسسات المالية الدولية.