Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"باتريوت"... الوطن والسجن مزحتان في مذكرات نافالني

"في كل حياة يمكن لنا أن نتوقع حصول كل الأشياء السيئة، بما في ذلك أن يفترسك نمر"

كتاب "الوطنية" في مكتبة بلندن في أول يوم لصدوره  (أ ف ب)

"باتريوت" أو "الوطنية" هو عنوان مذكرات ويوميات المعارض الروسي أليكسي نافالني، التي صدرت اليوم الثلاثاء، ومتوافرة على "أمازون"، بغلاف يظهر نصف وجه الرجل في خلفية سوداء كأنما تعبر عن الحزن أو الفقد. وهي كما يأتي توصيف الناشر "المذكرات الملهمة ويوميات السجن السرية للزعيم الروسي المعارض الذي لا يعرف الخوف"، وقد جاءت الترجمة الإنجليزية عن الروسية من طريق المترجمين أرش تايت وستيفن دالييل.

يشير الناشر  إلى أن كتاب "باتريوت" يعبر عن "قصة مثيرة لحياة واحدة من أكثر الشخصيات إلهاماً وشجاعة في عصرنا، الذي أصبح رمزاً لملايين الأشخاص والتهديد السياسي الوحيد ضد فلاديمير بوتين".

الكتاب يجول في حياة نافالني وينقل عبر صوته الخاص، طفولته في الاتحاد السوفياتي سابقاً، كما يرسم لنا كيف تشكل وعيه السياسي وقصة زواجه وأسرته، والالتزام الذي قطعه على نفسه بمواجهة "نظام فاسد وحبه العميق لروسيا وشعبها"، إلى تعرضه لمحاولة اغتياله بالتسميم من قبل الأجهزة الأمنية الروسية عام 2020 ومن ثم إلى وفاته، في هذا العام في سجن سيبيري قاس. وقد بدأ في كتابة مذكراته هذه بعد تعافيه من التسمم، وينتهي الكتاب بيومياته في السجن، التي تنشر للمرة الأولى.

يأخذنا الكتاب إلى فهم الشعور الذي جعل الرجل يعود إلى بلده روسيا، على رغم كل المضايقات التي كان على علم بأنه سيتعرض لها، كما يعكس نافالني روح الدعابة في السجن التي يقاوم بها الحصار النفسي، وهي الفكاهة التي تبرز كمقاومة للقمع.

 

 

كتاب درامي

يقول الناشر، إن كتاب "باتريوت"، هو "كتاب درامي مثل حياة مؤلفه، مفعم بالأمل أن الخير والحرية سيسودان. إنها الرسالة الأخيرة لأليكسي نافالني إلى العالم، نداء حماسي لمواصلة عمله، وهو سرد إيجابي لحياة ستلهم كل قارئ".

وتصف أرملته الكتاب في بيان حول صدوره بأنه شهادة على حياة زوجها "والتزامه الثابت في مواجهة الديكتاتورية"، وأن مشاركة القصة "ستلهم الآخرين للدفاع عما هو صحيح".

الكتاب يجول في حياة نافالني وينقل عبر صوته الخاص، طفولته في الاتحاد السوفيتي سابقاً، كما يرسم لنا كيف تشكل وعيه السياسي وقصة زواجه وأسرته.

 

"في كل حياة يمكن لنا أن نتوقع حصول كل الأشياء السيئة، بما في ذلك أن يفترسك نمر"، بمثل هذه العبارات يقفز بنا نافالني في تقديم مذكراته إلى الحديث عن مواجهة الأخطار، بما يجعل الحياة نوعاً من التحدي والمغامرة.

بدأ نافالني كتابة مذكراته في مدينة فرايبورغ الألمانية، وأكمله في معتقله، إذ يتألف الجزء الثاني من رسائل في السجن، ما بعد عودته الدراماتيكية إلى موسكو في يناير (كانون الثاني) 2021، إذ اعتُقل في المطار بصورة مثيرة للغاية. ويشير إلى أنه بدأ في تسجيل يومياته هذه وهو يعلم أن الكرملين قد يقتله في النهاية، معلقاً "إذا قاموا بتصفيتي في النهاية، سيكون هذا الكتاب بمثابة نصبي التذكاري".

نبوءة نافالني

يشير المراسل الصحافي لصحيفة "الغارديان" لوك هاردينغ إلى أنه على رغم أن منتقدي نافالني كانوا يرون فيه مشبعاً بالقومية المستترة، فإن هذا الكتاب يكشف عن أنه من دعاة سحب روسيا لقواتها من أوكرانيا واحترام حدودها لعام 1991 ودفع تعويضات لها. ويقول في مقالة عن "باتريوت"، إن "نبوءة نافالني الكئيبة استغرقت ثلاث سنوات لتحقق، إذ توفي في فبراير من هذا العام، ومن المرجح أن جريمة قتله وقعت في مستعمرة عقابية في القطب الشمالي"، إذ ودع العالم وعمره 47 سنة، وتلمح وثائق السجن إلى أنه تم تسميمه، وأن السلطات أزالت الأدلة: ملابسه، القيء، وحتى الثلج الذي لامسه.

 

 

يكتب لوك هاردينغ أن الكتاب "شجاع ولامع ويقدم سرداً مشرقاً لحياة نافالني والأوقات المظلمة التي عاشها... إنه تحد من وراء القبر لحكام روسيا المدمنين على القتل"، ويشيد بمهارة المترجمين أرش تايت وستيفن دالييل في نقل صوته ببراعة لكأنك تسمعه يتكلم، إنه صوت يجمع بين المرح والخلو من الشفقة الذاتية مع الحدة، إلى آخر ما دونه في 17 يناير 2024، إذ كان يشع بروح الدعابة إلى آخر لحظة، كأنها سخرية في مواجهة المصائر. وكان يرى أن كتابه قد كتب تسويقه مسبقاً، فهو يتخيل مدى نجاح هذه المذكرات إذا قتل قبل النشر "لقد قتل مؤلف الكتاب على يد رئيس شرير، فماذا يمكن لقسم التسويق أن يطلب أكثر من ذلك؟".

القراءة والأمن الفيدرالي

ثمة سؤال يتم طرحه حول سبب قراره بالعودة إلى مكان يعرف أنه قد يلقى فيه النهاية، هنا سنجد الإجابة من خلال تفسيره للعودة إلى موسكو "النضال من أجل جعل روسيا دولة طبيعية كان عمل حياتي"، ويكتب أنه "لم يكن مستعداً للتخلي عن وطنه أو قناعاته"، وهكذا مضى الأمر وفي السجن كان على رغم كل شيء، يجد عزاءه في الأمل وفي القراءة، مفضلاً موباسان على فلوبير، كما كان يستمتع بقراءة "أوليفر تويست" الرواية الشهيرة الثانية لتشارلز ديكنز، متسائلاً "هل نجح ديكنز في إيصال حوار الطبقة العاملة"، في جانب نهم القراءة سيقرأ نافالني أيضاً مؤلف يوفال نوح هراري "21 درساً للقرن الـ21". ووسط هذا كان يأتي الحديث مع زملاء السجن، ولم يقف جهاز الأمن الفيدرالي عن عمله الروتيني في التجسس عليه، "حيث كان حراسه يرتدون كاميرات مثبتة على أجسادهم ويصدرون الأوامر بصوت عال".

 

في مقاله بـ"نيويورك تايمز" يكتب محرر الشؤون الخارجية ديفيد كورتافا "في مذكراته... أليكسي نافالني يتحدث من القبر"، مشيراً إلى عنوان الكتاب "الوطنية" بأن نافالني كثيراً ما يستخدم الكلمة "وطني" بسخرية، للإشارة إلى أعضاء الدائرة الداخلية لبوتين، يقول "وعلى رغم ذلك فهي تناسبه تماماً"، يقتبس له "أنا أحب اللغة الروسية، وأحب المناظر الطبيعية الكئيبة". وينبهنا كورتافا إلى النقطة المتكررة حول روح الدعابة في مقاومة واقع السجن، فإذا كان المرء يتوقع أن يقرأ كتابة ناشط مناهض للفساد وسجين سياسي يقضي أحكاماً متعددة تصل إلى أكثر من 30 عاماً، فإن الصورة المغايرة هي أنه "سيكشف لياقة السجين الأساسي وحسه الفكاهي الساخر وثباته المرح (في الغالب) في ظل ظروف من شأنها أن تسحق شخصاً أقل شأناً".

البطاطا وغورباتشوف

هناك كثير من القصص والسرديات من داخل التاريخ الروسي الحديث والاتحاد السوفياتي، تلك التجارب والقصص التي ينقلها نافالني سواء من قصص الصبا حول حصاد البطاطا والبنجر إلى رؤيته حول ميخائيل غورباتشوف، الذي يرى أنه لم يكن له من ذكر عظيم في عائلتهم على رغم أنه الرجل الذي بنظره كان سبباً في توحيد ألمانيا، وغيرها... القصص التي تجسد في العنوان الذي اختاره لمدوناته الأخيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مقال ديفيد كورتافا يتخيل سيناريو بديلاً في السطور الأخيرة عن مصير نافالني لو أنه بقي في السجن منسياً "لكن لو عاش، لكان بوسعه أن يخرج من الأسر رجلاً عجوزاً. ومثله كمثل نيلسون مانديلا، ربما كان بوسعه أن يصبح زعيماً لروسيا المنهكة من الحرب والقمع والمستعدة للتغيير". لكن يبدو أن هذا السيناريو تحتمله رواية متخيلة وليس الواقع الذي جرى بالفعل، فالذي حدث بالفعل أنه "بحلول وقت وفاته، كان قد تخلى فعلياً عن كل الالتزامات السياسية باستثناء الالتزامات الأساس. ففي دولة بوليسية استبدادية، فإن النضال من أجل إيجاد دولة طبيعية، على حد تعبيره، حيث يستطيع المواطنون أن يتشاجروا ويصوتوا بحرية، يشكل ثورة كافية".

 

 

"لن أرى أحفادي"

إذا كان قد كتب بالفعل "كل أعياد الميلاد فسيتم الاحتفال بها من دوني. لن أرى أحفادي أبداً. لن أكون موضوعاً لأي قصة عائلية. لن أكون موجوداً في أي صور". فليس من دليل على أن النبوءة حدثت بهذه الصورة أو الشكل المغاير. وفي كل الظروف ستظل صورة بوتين هي العذاب الذي يقابله نافالني بفكاهته "تجلس لبضع ساعات على مقعد خشبي تحت صورة لبوتين، هذا ما يسمى نشاطاً تأديبياً".

سوف يحتاج المرء إلى طاقة معينة لقراءة ما كتبه نافالني أو كما عبر عن ذلك ديفيد ريمنيك رئيس تحرير مجلة "ذي نيويوركر"، بأنه "من المستحيل قراءة مذكرات نافالني في السجن من دون الشعور بالغضب جراء معاناته ووفاته"، لكن هناك قصة أخرى مغايرة يمكن أن يسردها بوتين قد لا تحمل نفس الملمح ولا الهدف.

المزيد من كتب