ملخص
- يرى مراقبون أن المواجهات المسلحة التي وقعت بين الجيش المالي ومجموعة "فاغنر" من جهة والمسلحين الأزواديين من جهة أخرى، وصلت إلى مناطق قريبة من حدود الجزائر وموريتانيا، وباتت الدولتان بحاجة إلى التنسيق على المستويين العسكري والأمني لتفادي انتقال المعارك إلى أرضيهما.
ولفت هؤلاء إلى تحولات على مستوى التحالفات في منطقة الساحل دفعت البلدين إلى التقارب والتنسيق أكثر، خصوصاً مع تحالف عدد من الدول مع روسيا وفتح أراضيها أمامها، وكذا الحضور الاقتصادي الصيني.
دفعت التحديات الأمنية المحيطة بكل من الجزائر وموريتانيا إلى تسريع الخطى لتنسيق أمني وعسكري عبر آليات متعددة، والدفع نحو مزيد من التعاون في مجالات مختلفة، بعد بروز مؤشرات إقليمية في الساحل والصحراء الكبرى وضعت البلدين اللذين يتشاركان حدوداً طويلة ومناطق حساسة من الناحية الأمنية، أمام تحديات حقيقية فرضت عليهما تكثيف اللقاءات الثنائية تفادياً لأي أحداث غير متوقعة.
اضطرابات مستمرة
ودفعت الاضطرابات والتحولات في المنطقة الغربية من الساحل الأفريقي الجارتين موريتانيا والجزائر إلى مزيد من التنسيق العسكري لمواجهة أخطار قد تؤثر في استقرارهما، وهو العنوان الذي نزل به وفد عسكري جزائري رفيع المستوى ترأسه رئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة إلى نواكشوط في زيارة يوم الـ15 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وذكرت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان أن شنقريحة بدأ في اليوم نفسه زيارة إلى موريتانيا، "بدعوة من الفريق المختار بله شعبان، قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية"، مشيرة إلى أن اللقاءات "ستبحث تعزيز التعاون العسكري والمسائل ذات الاهتمام المشترك".
وترأس شنقريحة خلال زيارته نواكشوط التي دامت ثلاثة أيام وفداً يضم قادة عسكريين، بينهم رئيس دائرة الاستعلام اللواء بلقائم حسنات، والمدير المركزي للأمن العميد اجريبي محسن، وفور وصوله اتجه الوفد الجزائري إلى العاصمة الموريتانية وتحديداً إلى القصر الرئاسي، إذ أجرى محادثات مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وزار رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة كلية الدفاع لمجموعة دول الساحل الخمس، والمجمع متعدد التقنيات بنواكشوط، برفقة رئيس أركان الجيش الموريتاني الفريق مختار بله شعبان، مؤكداً أن "زيارة هذين المركزين التكوينيين شكلت فرصة للفريق أول والوفد المرافق له للاطلاع عن كثب على التجربة الموريتانية في مجال التكوين العسكري والعلمي عالي المستوى، وتابع عروضاً مفصلة عن هاتين المنشأتين، وقدمت له شروح وافية عن أقسامهما ومهماتهما التكوينية".
وكما هو معمول به في مثل هذه الزيارات ذات الطابع العسكري، لم يعلن البلدان تفاصيل ما اتفق عليه الفريق أول السعيد ونظيره الموريتاني الجنرال المختار شعبان، غير أن الجانبين أعلنا توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين أمن الجيش الجزائري وفرقة الاستخبارات والأمن العسكري للأركان العامة للجيوش في موريتانيا في مجال تبادل المعلومات، تتويجاً لمسار طويل من التعاون وتبادل الخبرات وتكوين الكوادر العسكريين، خصوصاً في الكليات والمعاهد العسكرية الجزائرية.
وتمكنت الجزائر وموريتانيا من تجاوز خلاف حاد وقع في 2016، إثر تشكيل وحدة عسكرية مشتركة بين دول "مجموعة الساحل" للتنسيق الأمني والعسكري ضد الإرهاب في المنطقة، بسبب إقصاء الجزائر من هذه المبادرة التي أطلقت في موريتانيا، على رغم أن مقر "هيئة أركان" هذه المجموعة موجود في مدينة تمنراست بأقصى جنوب الجزائر، لكن وساطة تونسية في نهاية العام نفسه أعادت الحوار العسكري بين البلدين لما كان عليه.
وأطلق البلدان مطلع 2024 منطقة للتبادل الحر وفتح معبران حدوديان بغرض التجارة في تندوف جنوب غربي الجزائر، وشهدت الحدود حركة نشطة للأفراد والسلع والبضائع في الاتجاهين، خصوصاً بعد إقامة "معرض للمنتجات الجزائرية" في نواكشوط خلال مارس (آذار) الماضي.
تحديات ميدانية
وتتعاون الجزائر وموريتانيا المرتبطتان بحدود برية طولها 460 كيلومتراً عبر آليات متعددة، أهمها التنسيق الميداني على الحدود المشتركة، إذ تتمركز جهود مكافحة التهريب وتسلل الجماعات الإرهابية. وعزز البلدان تبادل المعلومات الاستخبارية حول الأنشطة المشبوهة على الحدود، مع التركيز على تبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
إضافة إلى ذلك تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بهدف تحسين قدرات القوات الأمنية في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، كما تسهم الجزائر بخبرتها الواسعة في مكافحة الإرهاب، لا سيما عبر استضافتها لعدد من الدورات التدريبية للضباط الموريتانيين.
وتنسق الجزائر وموريتانيا عسكرياً في جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بالمنطقة، في إطار لجنة أركان عملياتية مشتركة أسست عام 2010 وتضم أيضاً دولتي مالي والنيجر.
وتعاني بلدان أفريقية عدة، خصوصاً مجموعة الساحل الخمس، نشاطاً متزايداً لتنظيمات متطرفة تشن من حين إلى آخر هجمات تستهدف ثكنات عسكرية وأجانب، كما تعاني دول في المجموعة انتشار الفقر ونقص التنمية والاضطرابات السياسية.
وتأسست مجموعة دول الساحل الأفريقي في نواكشوط عام 2014، وهي عبارة عن تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون يهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، كان يضم موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، قبل انسحاب الدول الثلاث الأخيرة منه.
ويرى مراقبون أن المواجهات المسلحة العنيفة التي وقعت بين الجيش المالي ومجموعة "فاغنر" الروسية شبه العسكرية من جهة والمسلحين الأزواديين من جهة أخرى، وصلت إلى مناطق قريبة من حدود الجزائر وموريتانيا، وباتت الدولتان بحاجة إلى التنسيق على المستويين العسكري والأمني لتفادي انتقال المعارك إلى أرضهما.
ولفت هؤلاء إلى تحولات على مستوى التحالفات في منطقة الساحل دفعت البلدين إلى التقارب والتنسيق أكثر، خصوصاً تحالف عدد من الدول مع روسيا وفتح أراضيها أمامها، وكذا الحضور الاقتصادي الصيني، إضافة إلى الضغوط التي يفرضها الغرب لمواجهة هذا الزحف الشرقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ظروف مثالية
وتعليقاً على زيارة الوفد العسكري الجزائري إلى نواكشوط، يقول المحلل السياسي الموريتاني إبراهيم تتا إن موريتانيا والجزائر دولتان تطلان على منطقة الساحل والصحراء التي باتت منذ عقود مجالاً ومكاناً لعشرات التنظيمات المسلحة بعضها يمكن وصفه بالمتطرف، وسبق لكلا البلدين أن تعرض لاعتداءات منها.
ويوضح إبراهيم تتا لـ"اندبندنت عربية" أن "الظروف الراهنة قد تكون مثالية لاستعادة هذه الجماعات والتنظيمات المتطرفة قوتها وقدرتها على المناورة وإعادة تنظيم صفوفها، كما أن فتح الصحراء الموريتانية المجاورة للجزائر أمام المنقبين عن الذهب، بعدما كانت منطقة عسكرية مغلقة، يفرض مزيداً من التنسيق الأمني وتبادل المعلومات لأن من الوارد أن يتيح وجود المنقبين غطاء لتحرك جهات مشبوهة في المنطقة الحدودية".
وأضاف المتحدث بأن "التحديات الإقليمية التي تواجه البلدين علاوة على البعد الأمني ذي الأولوية بالحسابات كافة في المنطقة المضطربة، هي تحديات متنامية، فليس سراً سعي البلدين إلى تعزيز شراكتهما الاقتصادية والتجارية، كما أن الجزائر التي مولت طريق تيندوف -الزويرات تسعى إلى أن تكون موريتانيا بوابتها على غرب أفريقيا، ونجاح هذا المشروع مرهون بالحفاظ على أمن الحدود المشتركة ووأد أي تنظيم أو شبكة إجرامية قد تهدد الأمن القومي للبلدين، وكما هو معلوم فإن أمن منطقة الساحل جزء من الأمن القومي للجزائر وموريتانيا".
آليات يقظة
من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بسكرة نور الصباح عكنوش إن "زيارة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي إلى نواكشوط تعتبر استراتيجية وتندرج في إطار الدبلوماسية العسكرية، لتقييم العلاقات بين البلدين في المجال الدفاعي وإعادة هندستها وفق محددات السياق الإقليمي الراهن على ضوء الوضع في منطقة الساحل والتهديدات الجيوأمنية الجديدة التي تواجهها المنطقة، في ظل تدخل فواعل خارجية تريد التأثير في الاستقرار النسقي والاستراتيجي في الإقليم".
وأوضح عكنوش في تصريح خاص أنه "يمكن اعتبار بروتوكول التعاون الثنائي على الصعيد المعلوماتي من حيث التبادل والتنسيق كآلية مستدامة لليقظة والجهوزية في ضوء تطور نوعي للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، التي تعرف جودة في العلاقات البنيوية والتنموية، وتتجه نحو تعزيز قيم الشراكة الاستراتيجية كاستجابة لطبيعة المرحلة أمنياً ودفاعياً التي يمر بها الإقليم، بما يتطلب تقييم الوضع وتقدير الأخطار، وبناء رؤية عملية للتعاون لتأمين المنطقة من أي متغيرات مقبلة تؤثر في الاستقرار".
وأضاف أن "قائمة تحديات مفتوحة تظهر في المنطقة على مستوى منطقة الساحل، مثالاً لا حصراً، إذ توجد بيئة حاضنة للتوتر المزمن بعد تدخل جهات تريد التموقع الاستراتيجي على حساب الدول الوطنية في المنطقة، وهو ما يتطلب المبادرة لجهد أمني ودفاعي على أعلى مستوى استراتيجي بصورة أكبر، لمواجهة سيناريوهات الفوضى جنوب الجزائر وموريتانيا من خلال محور حيوي وديناميكي مستدام لمواجهة تحديات الإرهاب والهجرة غير الشرعية والمخدرات وغيرها من أدوات التفكيك للمنطقة جغرافياً وهوياتياً ووجودياً لصالح قوى دخيلة على المنطقة، وهو ما انتبه له البلدان من خلال الزيارة الأخيرة لرئيس أركان الجيش الجزائري لنواكشوط في سياق إرادة سياسية قوية تتجه نحو تفعيل أكبر في المدى المنظور، بما يخدم الأمن والتنمية في المنطقة".