ملخص
وجدت الصحيفة التي تتخذ من "الديمقراطية تموت في الظلام" شعاراً لها، نفسها في مرمى سهام المنتقدين من المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الذين قالوا إنها بعدم تأييد هاريس تقتل الديمقراطية في وضح النهار.
ما إن أعلنت صحيفة "واشنطن بوست" عدم تأييدها لأي من المرشحين الرئاسيين في أميركا حتى تعالت الأصوات المعارضة لخطوتها، بل وبدأت حملة إلكترونية تدعو القراء إلى إلغاء الاشتراك بسبب عدم دعمها لمرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، كما اعتادت منذ عام 1970 على دعم مرشحي الحزب بدءاً من جيمي كارتر.
وبحلول أمس الاثنين، ألغى أكثر من 200 ألف شخص اشتراكاتهم الرقمية في الصحيفة من إجمالي 2.5 مليون مشترك في النسختين الرقمية والمطبوعة، وهو ما اعتبره رئيس التحرير التنفيذي السابق للصحيفة ماركوس براوتشلي "رقماً هائلاً"، مشيراً إلى أن الناس لا يعرفون سبب اتخاذه هذا القرار، وفق "ان بي آر".
ودافع مالك الصحيفة الملياردير جيف بيزوس عن القرار بعدم تأييد أي مرشح رئاسي قائلاً إن واشنطن بوست والصحف الأخرى بحاجة لتعزيز مصداقيتها لأن "معظم الناس يعتقدون أن وسائل الإعلام متحيزة".
وأكد بيزوس في مقال رأي نُشر في وقت متأخر من يوم الاثنين أن القرار اتخذ من دون إخطار المرشحين أو استشارتهما، وأنه "لم يكن هناك مقابل"، نافياً وجود صلة بين القرار والاجتماع الذي عقد يوم إعلان القرار بين المرشح الجمهوري دونالد ترمب والرئيس التنفيذي لشركة بلو أوريجين التي يملكها بيزوس.
عودة للجذور
وأثار تبرير الرئيس التنفيذي للصحيفة وليام لويس بـ "أن هذا يمثل عودة لجذورنا بعدم تأييد مرشحين رئاسيين"، انتقادات واسعة من جمهور الصحيفة الليبرالي الذي ندد بقرارها البقاء على الحياد في أحد أكثر الانتخابات استقطاباً في تاريخ الولايات المتحدة.
ووجدت الصحيفة التي تتخذ من "الديمقراطية تموت في الظلام" شعاراً لها، نفسها في مرمى سهام المنتقدين من المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الذين قالوا إنها بهذا القرار قتلت "الديمقراطية في وضح النهار"، واعتبر الكاتب روبرت غرين في مجلة "ذا أتلانتيك" قرار "واشنطن بوست" وقبلها "لوس أنجليس تايمز" مفاجأة الخريف الكبيرة.
وتأتي حملة إلغاء الاشتراك من "واشنطن بوست" بعد نحو عام من تسجيل الشركة خسارة بـ 77 مليون العام الماضي، وعلى إثرها أعلنت في مايو (أيار) الماضي أنواعاً جديدة من الاشتراكات لتعزيز الدخل، وهي إستراتيجية مهددة إذا استمرت الحملة الحالية بالزخم نفسه.
مواقف متباينة
لا تعتبر الصحف الأميركية تأييد أحد المرشحين متعارضاً مع قيمة الحياد، نظراً إلى استقلالية قسم الرأي فيها عن غرفة الأخبار، كما هو معمول به في "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، وقد أعلنت "نيويورك تايمز" دعمها لهاريس في سبتمبر (أيلول) الماضي، ووصفتها بأنها "الخيار الوطني الوحيد للرئاسة، كما أعلنت صحيفة "نيويورك بوست" التي يملكها روبرت مردوخ تأييد المرشح الجمهوري، وقالت إن "أميركا مستعدة اليوم لعودة البطل دونالد ترمب للرئاسة".
لكن قيادات "واشنطن بوست" ولوس أنجليس تايمز" اللتين كثيراً ما دعمت الديمقراطيين، كانت لهما رؤية مختلفة لما يجب أن يكون عليه أسلوب وموقف مؤسستيهما، فبعدما أعد مجلس التحرير في "واشنطن بوست" مسودة تأييد هاريس التي أرسلت إلى مالكها منذ عام 2013 بيزوس في وقت سابق من الشهر الجاري، فوجئ أعضاء المجلس بقرار منع النشر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحمّل أنصار هاريس بيزوس المسؤولية، في حين قالت رئيسة التواصل كاثي بيرد إن "القرار صادر من واشنطن بوست". أما ناشر الصحيفة فأوضح أن القرار يجب ألا يُنظر إليه بأنه تأييد لمرشح على حساب آخر في هذا الموسم الانتخابي.
وقال لويس إنه لأسباب غير مفهومة عام 1976 غيرنا سياستنا القديمة بعدم دعم أي مرشح رئاسي وأيدنا كارتر، مشيراً أيضاً إلى سابقة دعم الجنرال أيزنهاور عام 1952، وأضاف في بيان أن وظيفة "واشنطن بوست" هي "توفير الأخبار غير الحزبية من خلال غرفة الأخبار لجميع الأميركيين، والآراء المثيرة للتفكير من فريق الرأي لدينا لمساعدة قرائنا في تكوين آرائهم الخاصة، والأهم من ذلك كله، وظيفتنا كصحيفة لعاصمة أهم دولة في العالم هي أن نكون مستقلين، وهذا ما نحن عليه وما سنكون عليه".
وعلى نحو مشابه فعندما كان مجلس التحرير في صحيفة "لوس أنجليس تايمز" يتأهب لنشر تأييده لهاريس وأنها يجب تكون الرئيسة المقبلة، تدخل مالك الصحيفة باتريك سون شيونغ الذي اشتراها عام 2015 في مقابل 500 مليون دولار، وأبلغ المجلس عبر وسيط بأن الصحيفة لن تقدم أية توصية في السباق الرئاسي، مما أثار غضب جمهورها الليبرالي وأدى لإلغاء آلاف القراء اشتراكاتهم، كما استقال ثلاثة أعضاء من هيئة التحرير، وطالب ما يقارب 200 موظف بتقديم تفسير للقرار.
الأسباب الخفية
وزعم بعض أنصار هاريس بأن صفقة ما عقدت بالخفاء بين بيزوس وترمب كانت وراء قرار "واشنطن بوست"، وهو ما تنفيه المؤسسة، وقال رئيس التحرير التنفيذي السابق مارتي بارون إن "الديمقراطية ستسقط ضحية لجُبن الصحيفة"، مشيراً إلى أن ترمب سينظر الى القرار "كدعوة ليمارس مزيدا من الترهيب بحق بيزوس".
أما عن قرار "لوس أنجليس تايمز" فكتبت ابنة مالكها، نيكا سون شيونغ (31 سنة) وهي ناشطة سياسية تقدمية اُتهمت مراراً بمحاولة التدخل في التغطية الإخبارية للصحيفة، إن قرار عدم التأييد جاء بسبب دعم هاريس المستمر لإسرائيل في حربها على غزة.
وقالت نيكا التي ليس لها دور رسمي في الصحيفة، في بيان لصحيفة "نيويورك تايمز"، "اتخذت عائلتنا قراراً مشتركاً بعدم تأييد أي مرشح رئاسي، وبصفتي مواطنة دولة تموّل الإبادة الجماعية علناً، ومن عائلة عانت الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كان التأييد فرصة لرفض مبررات الاستهداف الواسع النطاق للصحافيين والحرب المستمرة على الأطفال".
من جانبه أكد والدها بأن "نيكا تتحدث بصفتها الشخصية في ما يتعلق برأيها، كما يحق لكل فرد من أفراد المجتمع أن يفعل ذلك، وأنها لا تملك أي دور في 'لوس أنجليس تايمز' ولا تشارك في أي قرار أو مناقشة مع هيئة التحرير، كما أُوضح ذلك مرات عدة"، بينما أعلنت مسؤولة التحرير في "لوس أنجليس تايمز" مارييل غارزا استقالتها احتجاجاً على القرار.