ملخص
بعد مرور 18 سنة على عملها في جنوب لبنان تواجه قوة "يونيفيل" التابعة للأمم المتحدة انتقادات لفشلها في كبح تسليح "حزب الله"، إذ كشفت الأحداث عن انتشار بنى تحتية وأنفاق للحزب قرب مواقعها. وعلى رغم تعزيز صلاحياتها عام 2022 لتشمل تنفيذ دوريات دون مرافقة الجيش اللبناني، فإن تأثيرها بقي محدوداً وسط تحديات سياسية وميدانية، أبرزها القيود على تفتيش المواقع والنفوذ السياسي لـ"حزب الله".
منذ صدور القرار الدولي 1701 عام 2006 بعد الحرب التي اندلعت بين "حزب الله" وإسرائيل أنيطت بقوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) مهمة دعم الجيش اللبناني لتثبيت الأمن في جنوب البلاد، ومنع دخول السلاح إلى المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، إلا أنه وبعد مرور 18 عاماً على وجودها تبين أن دورها في الحد من دخول السلاح لـ"حزب الله" كان محدوداً، إذ كشفت حرب لبنان الثالثة عن ضخامة البنى التحتية والترسانة العسكرية التي يمتلكها الحزب على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، مما أثار تساؤلات حول مدى فاعلية هذه القوات وحقيقة التحديات التي تواجهها في تنفيذ مهمتها.
وتزايدت التساؤلات مع اكتشاف أنفاق للحزب وبنى تحتية له على مقربة من مواقع "يونيفيل"، ما رفع حدة الانتقادات حول عملها طوال تلك السنوات، إلا أن العودة إلى تلك الحقبة يكشف عن عديد من التحديات التي واجهت قدرتها على أداء مهمتها الأساسية بمنع دخول السلاح إلى "حزب الله".
ولعل في طليعة هذه التحديات تبرز التفجيرات التي استهدفت عناصرها، وأكثرها دموية كان تعرض الوحدة الإسبانية التابعة لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان لتفجير في منطقة الخيام عام 2007 أدى إلى مقتل ستة عناصر، إضافة إلى المضايقات التي تعرضت لها باستمرار أثناء دورياتها في جنوب لبنان.
كما أن الصلاحيات الممنوحة لقوات "يونيفيل" لم تكن واسعة، فإن أي تفتيش للمنازل أو الأماكن التي قد يشتبه في وجود أسلحة فيها يتطلب موافقة الحكومة اللبنانية ووجود الجيش اللبناني، مما يقيد حرية تحركها ويحد من قدرتها على الوصول إلى المواقع الحرجة، إضافة إلى التأثير السياسي، إذ يسيطر الحزب سياسياً وأمنياً على أجزاء كبيرة من الجنوب اللبناني، ويشكل تهديداً لأي تدخل دولي أو محلي يستهدف مناطق نفوذه. هذا الأمر يفرض واقعاً معقداً يجعل من الصعب على "يونيفيل" التحرك بحرية أو فرض نفوذها على الأرض.
ومع استمرار الضغوط الدولية، قرر مجلس الأمن الدولي عام 2022 تعزيز صلاحيات "يونيفيل" بهدف زيادة فاعليتها، وشمل هذا التعديل إعطاء "يونيفيل" حرية الحركة لتنفيذ دوريات دون الحاجة إلى مرافقة الجيش اللبناني، وهو ما ووجه برفض واسع من قبل بعض القوى اللبنانية، بخاصة "حزب الله"، الذي اعتبرها محاولة "لتكريس الاحتلال الدولي".
وعلى رغم الانتقادات يرى متابعون للشأن اللبناني أن "يونيفيل" تبقى أداة دولية تهدف إلى تحقيق الاستقرار، إذ أسهمت نسبياً في الحد من التصعيد بين إسرائيل ولبنان خلال فترات محددة، ويعول في المرحلة المقبلة على تفعيل دورها وإعطائها الصلاحيات وتأمين الظروف السياسية والميدانية المناسبة لتطبيق مهامها.
تواطئ مع "حزب الله"؟
في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نظم الجيش الإسرائيلي جولة صحافية لإظهار كثير من الأنفاق التي حفرها "حزب الله" قرب موقع لـ"يونيفيل". وتم اكتشاف لاحقاً عشرات المخابئ المماثلة في منطقة عملها، بحسب الجيش الإسرائيلي.
وفي السياق أشار مدير "التحالف الأميركي الشرق أوسطي"، توم حرب، إلى "وجود جدية حول حيادية بعض أفراد قوات (يونيفيل)"، مشيراً إلى أن بعض عناصر "يونيفيل" يتعاونون مع "حزب الله"، ويسمحون له باستخدام مواقع قريبة منهم لبناء أنفاق أو إقامة نقاط مراقبة، معتبراً أن هذا "التعاون" يشكل تهديداً للمهمة الأساسية لـ"يونيفيل" في حفظ السلام، ويعزز من احتمال أن تستهدف إسرائيل مواقع يعتقد أنها تستخدم من قبل "حزب الله" حتى ولو كانت قريبة من مقار القوات الدولية.
وطالب توم حرب قوات "يونيفيل" بإجراء تحقيقات حول المقطع المتداول للنفق الذي يبعد أمتاراً قليلة عن أحد أبراجها، كاشفاً عن "معلومات بأن هذا النفق يتيح لعناصر 'حزب الله' استخدام أحد أبراج المراقبة لقوات يونيفيل لتحديد مواقع في شمال إسرائيل وقصفها، وذلك بالتنسيق مع عناصر قوات حفظ السلام وتقاضيهم رشى مالية".
وأشار إلى أن المواجهات بين إسرائيل و"حزب الله"، قد تتسبب في تضرر بعض عناصر قوات "يونيفيل" أو مواقعها. ويضيف أن "المسؤولية تقع على عاتق 'يونيفيل' لضمان عدم تسلل أو اقتراب عناصر مسلحة من مواقعها، مما يقلل من خطر تعرضها لأي عمليات عسكرية إسرائيلية محتملة". كما يرى أن "إسرائيل قد تتجنب قصف المناطق التي لا يدخلها مسلحو الحزب، مما يعكس رؤية متشددة تجاه دور القوات الدولية".
مراقبة وتبليغ
في المقابل أوضح المتحدث باسم "يونيفيل" أندريا تيننتي في تصريح صحافي أن "تنفيذ القرار 1701 هو مسؤولية الطرفين، لبنان وإسرائيل، ودور قوات يونيفيل هو دعم الأطراف تنفيذ القرار، وهي تراقب وتبلغ عن الانتهاكات ومنها حفر الأنفاق"، مؤكداً أن "الأنشطة والبنية التحتية التي لاحظنا فيها أنشطة مشبوهة أبلغنا مجلس الأمن بها"، مشدداً على أن انتشار الأسلحة خارج سيطرة الدولة في لبنان يعد انتهاكاً صارخاً للقرار 1701، لكنه يشير إلى أن "يونيفيل" غير مكلفة نزع سلاح "حزب الله" أو أي مجموعات أخرى بالقوة.
وكشف تيننتي أن "يونيفيل" تعرضت منذ بدء التوغل الإسرائيلي في لبنان في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لأكثر من 30 اعتداء من "حزب الله" وإسرائيل، معتبراً أن "تصرفات طرفي النزاع تعرض حفظة السلام للخطر، سواء من خلال النيران المتبادلة أو الأعمال المتعمدة". ولفت إلى أن "إسرائيل استهدفت مواقع يونيفيل مراراً، كما أن عمليات 'حزب الله' من مواقع قريبة من مواقع حفظة السلام عرضت أفراد قوات الأمم المتحدة للخطر".
وفي سياق التحقق من حادثة إسقاط طائرة مسيرة كانت موجهة إلى "يونيفيل" وعما إذا كان تابعة لـ"حزب الله"، أوضح تيننتي أنه في الـ17 من أكتوبر رصدت قوات حفظ السلام طائرة مسيرة من طراز UAV تحلق من الجنوب إلى الشمال فوق مقر البعثة في جنوب لبنان، باتجاه البحر ثم استدارت لتقترب مباشرة من إحدى سفن قوة المهام البحرية MTF قبالة ساحل الناقورة، إذ حدد حفظة السلام البحريون على متنها أن مسارها كان في نمط هجوم، وعندما وصلت على بعد 50 متراً من السفينة، استخدم إجراءات إلكترونية لمقاطعة إشارتها، فسقطت في الماء وانفجرت من تلقاء نفسها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حماية القرى المحايدة
من ناحية أخرى برزت مطالب أهالي القرى التي لم يخرج سكانها في قضائي حاصبيا ومرجعيون في جنوب لبنان، بنقل عدد من مواقع قوات "يونيفيل" إلى داخل تلك البلدات، وذلك بهدف مساعدتهم على الصمود وتأمين الإمدادات الإغاثية في ظل تصاعد الحرب المحيطة بمناطقهم.
وكشف رئيس إحدى البلديات في قضاء مرجعيون (طلب عدم ذكر اسمه)، أن عدداً من البلدات يطلب الحماية من "يونيفيل" كون بلداتهم ليست طرفاً في النزاع، فهم واقعون بين مخاوف من دخول عناصر "حزب الله" إليها، وبين إمكانية تعرض منازلهم للقصف الإسرائيلي، إضافة إلى صعوبة وصول المساعدات وسبل الحياة إليهم.
وبرأيه، فإن "حضور 'يونيفيل' والجيش اللبناني في تلك القرى، يسهم في حمايتها وصمود سكانها وبقائهم في قراهم"، مشيراً إلى أن "وجود القوات الأممية في بعض المواقع بات غير فعال، في حين أن وجودها في هذا الوقت بين السكان المسالمين يعزز دورها في حماية المدنيين".
الفصل السابع
من ناحية ثانية قال الباحث القانوني في المفوضية الأوروبية الدكتور محيي الدين الشحيمي إن "الولايات المتحدة تضغط بقوة لتغيير طبيعة عمل قوات 'يونيفيل'، وتسعى لنقل صلاحياتها إلى الفصل السابع، مما يسمح لها باستخدام القوة لفرض السلام. ومع ذلك، ترفض فرنسا هذا التوجه، مؤكدة أهمية دعم الجيش اللبناني ودور يونيفيل ضمن الفصل السادس، الذي يقتصر على حفظ السلام، وتعتبره إطاراً كافياً لتحقيق الاستقرار".
وأشار الشحيمي إلى أن "الولايات المتحدة وإسرائيل تريان في القرار 1701 وثيقة غير فعالة في الحد من نشاط 'حزب الله'، وتدفعان نحو تعديل مهام 'يونيفيل' لتحقيق أهداف أمنية أوسع. وفي المقابل تتمسك فرنسا بالإبقاء على يونيفيل كقوة دولية مساندة للجيش اللبناني وشريكة للدولة، مشددة على ضرورة تحصينها وضمان حمايتها لتتمكن من أداء مهامها بفاعلية". وأضاف الشحيمي أن "فرنسا تعد 'يونيفيل' جزءاً مهماً من منظومة حفظ السلام، وتدعم استمراريتها كقوة فاصلة تمنع التوغلات الإسرائيلية المتكررة. وتنسق باريس، مع الاتحاد الأوروبي، لتعزيز جهود تطبيق القرارات الدولية، من دون اللجوء إلى تعديل إطار يونيفيل أو تحويلها إلى قوة متعددة الجنسيات، نظراً إلى تعقيدات التوافق الدولي في مجلس الأمن، وحفاظاً على ما تم تحقيقه من استقرار نسبي في الجنوب".