Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يستحق "جوكر 2" الفشل الجماهيري؟

يستعرض الفيلم الصراع بين حقيقة الإنسان والأسطورة التي تلتف حوله حاصراً آرثر في أماكن مغلقة كالسجن والمحكمة

لقطة من فيلم "جوكر 2" (ملف الفيلم)

ملخص

لم ينل الجزء الثاني من "جوكر"، الذي يحمل عنوان "فولي أ دو"، النجاح الجماهيري المنتظر، في حين حقق الجزء الأول منه، الذي فاز بجائزة "الأسد الذهبي" في مهرجان البندقية (2019) إيرادات عالمية ضخمة تجاوزت مليار دولار. وكانت كلفته بلغت 55 مليون دولار، لم يجمع الجزء الثاني إلا نحو 200 مليون دولار بعد نحو شهر من انطلاقه في الصالات، مما يعني أنه سيصعب على الفيلم استرداد الموازنة التي استثمرت من أجله التي بلغت 200 مليون دولار.

خرج كثر من مشاهدي الجزء الثاني من فيلم "جوكر"،  من دور العرض بخيبة أمل، ربما نتيجة توقعاتهم العالية، فتحولت الآراء إلى كرة ثلج أطاحت العمل، خصوصاً في زمن وسائل التواصل حيث كل من هب ودب له منصة يطلق منها صواريخه بلا رحمة، وأحياناً من دون وجه حق. 

لكن على رغم كل ما قيل هنا وهناك عن سوء الفيلم ورداءته، فإن قراءة متمهلة لتفاصيله تضعنا أمام عمل قد لا يكون في مستوى الأول، إنما لا يمكن وصفه بأحط النعوت كما فعل بعضهم، وهو في نهاية الأمر أبعد ما يكون عن الرداءة والسطحية.

في هذا الجزء الثاني الذي شارك في مسابقة الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية، يعيد المخرج تود فيليبس صوغ الصراع بين الواقع والأسطورة بأسلوب غنائي معاصر، معتمداً على خلفيات عاطفية وقضائية ونفسية. يدمج المسرح والمحكمة والموسيقى ليجسد تحولات شخصية آرثر (واكين فينيكس)، الذي ينتقل من مجرد رجل منبوذ اجتماعياً إلى رمز للفوضى، وجد الحب والشعور بالأمان في شخصية تلعبها لايدي غاغا، فينجز عملاً يعكس الواقع الأميركي حيث الأسطورة عرض ثقافي واستهلاكي وسياسي مستمر.

 

الإثبات لهيئة المحلفين إن خللاً نفسياً دفعه إلى الجريمة، هو التحدي الذي تحمله محاميته (كاثرين كينر) على عاتقها، وكلها طموح إلى أن تخفف الحكم عنه. لكن كثراً لا يصدقون أنه مصاب بمرض نفسي، ومطلبهم هو إعدامه. في تلك الأثناء، تحول آرثر إلى بطل يرمز إلى الفوضى والعصيان. تبذل المحامية كثيراً من الجهد لإخراجه من شخصية جوكر التي باتت تتجاوزه، ونسب كل أفعاله إلى التروما التي عاناها في طفولته، وهي شخصية صنعت أسطورته وجذبت إليه الأنصار والمعجبين. هناك أسئلة عدة في هذا السياق: أين الحدود بين آرثر وذاته الأخرى؟ هل هذه الذات التي تجره إلى العنف قائمة في الأساس؟ وهل هي منفصلة تماماً عن إرادته الحرة؟ 

يقول الفيلم من بين ما يقول، إن كل شيء في أميركا يستمد شرعيته من الأسطورة ليتحول تدريجاً إلى استعراض، أكان ذلك للمتاجرة أو لنشر العقيدة. الأماكن كافة التي تجري فيها الأحداث تشهد على ذلك، من السجن الذي يمضي فيه آرثر محكوميته بعد قتله لستة أشخاص، إلى قاعة المحاكمة (مكان شديد الرمزية في السينما الأميركية) حيث تعاد محاكمته، فأستوديو تصوير البرامج التلفزيونية، وغيرها وغيرها. 

تفكيك الأسطورة

يسعى فيليبس إلى تفكيك الأسطورة عوضاً عن تمجيدها، وقد يكون هذا أكثر ما أزعج عشاق شخصية الجوكر الذين لا يزالون يستذكرون هيث ليدجر في كل مرة تم ذكرها. الجزء الأحدث يظهر جوانب معقدة من شخصية آرثر الذي يجد نفسه محط أنظار جماهير تهيم به كرمز للفوضى. الفيلم يستعرض الصراع بين حقيقة الإنسان والأسطورة التي تلتف حوله، حاصراً آرثر في أماكن مغلقة كالسجن والمحكمة. وعلى رغم أن المحامية تسعى إلى إظهاره ضحية لتجارب مؤلمة، فإن الشخصية التي بناها لنفسه، تغريه أكثر، لكونها تمنحه هوية وقوة رمزية داخل مجتمع يعشق الاستعراض.

خلافاً للجزء الأول المتناسق تماماً، يحرص الفيلم على خلط الأنواع السينمائية محاولاً صناعة شيء هجين. العناصر المساعدة تعوض عن فقر المخيلة. العلة أن الخيوط التي تحركها ظاهرة بوضوح، يحاول الفيلم إخفاءها بلا قدرة على ذلك. وعلى رغم أن الفيلم يجلب شعوراً بالتكرار، فهناك لمسات جديدة، كدمج عناصر مختلفة تخلق "ثلاثة أو أربعة أفلام في واحد"، وصولاً إلى مشاهد موسيقية تغدو سريعاً تحية للميوزيكالات الهوليوودية، وهذا أكثر جانب يطرح إشكالات. تحاول الموسيقى أحياناً إضفاء طابع ملحمي، لكنها تتسبب أيضاً في إبطاء الوتيرة.

يسعى الفيلم إلى ألا يكون مجرد تكرار للجزء الأول، بل مغامرة سينمائية مفتوحة تأتي بتفسير عميق ومختلف لشخصية "جوكر". أما ضم المغنية والممثلة لايدي غاغا إلى هذه المغامرة، فضمن لها حصتها من الهجوم. بعضهم اعتبر أنها لم تستغل كفاية، وكانت مجرد ديكور داخل الأحداث، فيما رأى آخرون أنها كانت أحد الأسباب المباشرة للفشل. رأيي أنها لم تضف شيئاً مهماً إلى الفيلم، لكن قد لا تكون السبب الرئيس في غرقه. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عن خيار جعل هذا الجزء الثاني ميوزيكالاً، يقول أحد المعلقين إن هناك سوء فهم بين المشاهد والفيلم، ويتابع المعلق: "لكن سوء الفهم هذا هو بالضبط ما يعكس عمقه وجرأته. كثيرون ينتقدون طابعه الميوزيكالي، إلا أن تود فيليبس أوضح منذ البدء أن هذا الجزء سيأخذ منحى مختلفاً. إنه ليس مجرد فيلم موسيقي تقليدي، بل الموسيقى تمثل مرآة لأفكار آرثر المهتزة والمتداعية، أي لرجل يعاني عدم استقرار عقلي شديد. الموسيقى هي عنصر أساس يسمح بالتقاط حالته النفسية. أداء لايدي غاغا يضفي على هذا الجنون المشترك بعداً مسرحياً مؤثراً. أما بالنسبة إلى الفكرة التي تقول إن هذه ’ليست أصول الجوكر‘، فهذه نقطة يخطئ فيها كثيرون. لم يكن آرثر يوماً الجوكر الذي نعرفه، إنه مجرد رجل يبحث عن معنى في عالم رفضه. ما نراه كصعود نحو العظمة في الجزء الأول، ليس سوى وهم، حلم بالعدالة الفوضوية التي لن ينجح أبداً في تحقيقها. في الفيلم الثاني، ندرك مأساته الحقيقية.

هذا الكشف الذي يتضح بصورة دقيقة في نهاية الجزء الثاني يعزز الرابط بين الفيلمين، ويقدم تأملاً حول كيف تتولد الأساطير من الأوهام والمآسي الشخصية. أما بالنسبة إلى المخرج، فبدلاً من الاستسلام لإغراء تكرار نجاح الجزء الأول، قام بخيار أكثر جرأة في تفكيك الشخصية بدلاً من تمجيدها. هذا فيلم يدفعنا للتساؤل حول افتتاننا بالفوضى، وكيف أننا نمجد، في كثير من الأحيان، شخصيات عنيفة ويائسة من طريق الخطأ". 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما