ملخص
يمكن أن تلغي الإدارة الجديدة قانون خفض التضخم الذي سنته إدارة بايدن ويوفر أكثر من نصف تريليون دولار لمشروعات الطاقة النظيفة
على رغم تفاؤل البعض بأن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سيتصرف بقدر من "العقلانية" أكثر مما كان عليه في فترة رئاسته الأولى السابقة فإن غالب المسؤولين الأوروبيين "لا يثقون في ذلك"، على حد تعبير كثير منهم، كما نقلت تقارير إعلامية في الأيام الأخيرة.
وقبل أيام من الانتخابات التي فاز فيها المرشح الجمهوري بصورة حاسمة كتب محرر موقع "بوليتيكو" نيكولا فينكور مقالاً في الإصدار الأوروبي من الموقع السياسي، مشيراً إلى أن أياً كان الفائز في الانتخابات، نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس أو الرئيس السابق دونالد ترمب، فإن العلاقة الخاصة عبر الأطلسي بين أميركا وأوروبا انتهت.
ومع فوز ترمب وسيطرة الجمهوريين على كل أذرع السلطة في الولايات المتحدة تقريباً أصبح من شبه المؤكد أن السياسات الأميركية في الفترة المقبلة ستضر بالمصالح الأوروبية بغض النظر عن تنفيذ ترمب كل تعهداته الانتخابية، أو حتى بقدر منها، ولا يقتصر الأمر على تكرار ما فعله ترمب في فترة رئاسته السابقة من تهديده بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما لم تدفع الدول الأوروبية الأعضاء فيه مزيداً للولايات المتحدة مقابل حمايتها العسكرية لهم. ولا حتى على استعداد إدارة ترمب الجديدة الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 مع كل ما يعنيه ذلك للتعاون في مجال مكافحة التغيرات المناخية والتحول في قطاع الطاقة بالنسبة لأوروبا، لكن هناك أيضاً مزيداً من الرسوم والتعرفة الجمركية على الصادرات الأوروبية للولايات المتحدة بما بين 10 و20 في المئة.
أكبر شراكة مهددة
إذا كان تركيز إدارة ترمب في صراعاتها التجارية والاقتصادية القادمة على الصين التي تعتزم واشنطن فرض رسوم جمركية إضافية تصل إلى نسبة 60 في المئة على صادراتها، فإن أحداً من شركاء أميركا الاقتصاديين لن يسلم من تلك السياسات الحمائية، من كندا والمكسيك إلى الهند وأستراليا، مروراً بأوروبا، لكن العلاقات الأميركية الأوروبية تظل الأهم، بالتالي الأكثر تضرراً حتى لو طبقت الإدارة الأميركية الجديدة الحد الأدنى مما وعد به ترمب في حملته الانتخابية، ذلك أن هدف إدارة ترمب سيكون "إعادة تشكيل سلاسل التوريد" تماماً بما يجعل "أميركا أولاً" في كل شيء من صناعات السلع والبضائع والتكنولوجيا إلى الخدمات المالية وغيرها.
تعد العلاقات التجارية والاستثمارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكبر علاقات اقتصادية حجماً بين طرفين في العالم، ويشكل الطرفان معاً نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي وثلث التجارة العالمية في السلع والخدمات. وبحسب أرقام عام 2022 بلغ حجم التجارة بين الطرفين 1.3 تريليون دولار، إذ كانت صادرات أميركا لأوروبا في حدود 592 مليار دولار، بينما صادرات دول الاتحاد الأوروبي لأميركا عند 723.3 مليار دولار، وبلغ حجم العجز التجاري لمصلحة أوروبا 131.3 مليار دولار.
هذا العجز التجاري مع الاتحاد الأوروبي هو ما ستستخدمه إدارة ترمب القادمة، كما هي الحال بالنسبة إلى العجز التجاري مع الصين، لتبرير حروبها التجارية مع الدول والشركات والكيانات الأوروبية، وسيكون الشعار الأعلى هو ما اعتاد ترمب ترديده في فترة رئاسته الأولى السابقة من أن شركاء أميركا "يسرقونها"، بالتالي لا بد من معاقبتهم مالياً واقتصادياً.
أخطر من "بريكست"
لن يقتصر الضرر على دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً الدول الكبرى فيه مثل ألمانيا وفرنسا، إنما سيصيب بريطانيا أيضاً على رغم أنها خرجت من الاتحاد الأوروبي "بريكست" عام 2020، ومع أن أنصار "بريكست" روجوا أن خروجها سيعني عدم تضررها من الصراع بين واشنطن وبروكسل، وأنه سيكون بإمكانها عقد اتفاق تجارة حرة مع أميركا، إلا أن ذلك لم يحدث، بل وربما يكون أكثر صعوبة مع وجود ترمب في البيت الأبيض.
ونشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريراً عن طلب رئيس الحكومة كير ستارمر من المسؤولين تقدير التأثير المتوقع على الاقتصاد البريطاني من الحرب التجارية التي يعتزم ترمب شنها، ويقدر المسؤولون البريطانيون أن الضرر على بريطانيا من الإجراءات الاقتصادية الأميركية القادمة سيكون أكبر من الضرر الذي تعرضت له البلاد نتيجة "بريكست".
كان مكتب مراقبة الموازنة قدر هذا العام أن الصادرات والواردات البريطانية تراجعت بنسبة 15 المئة عما لو كانت بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين في حكومة ستارمر قوله عن إجراءات ترمب "ستكون ذات تأثير هائل وسيكون تأثيرها بحجم تأثير "بريكست" أو أكثر إذا فرضت أميركا الرسوم التي وعد بها".
وإن كان البعض في بريطانيا ما زال يرى أن "العلاقة الخاصة" بين لندن وواشنطن، قد تخفف من تأثير حرب ترمب التجارية أو أن خروج بريطانيا من أوروبا ربما يقيها من الأضرار التي تنتظر بروكسل، لكن غالب المسؤولين، كما ذكر التقرير يعكفون حالياً على حساب الأضرار المتوقعة وكيفية مواجهتها في الفترة المقبلة.
القطاعات الأكثر تضرراً
على رغم أن حروب ترمب التجارية المتوقعة قد تشمل كل شيء من تجارة البضائع والسلع إلى الخدمات، ومنها الخدمات المالية والاستثمار، إلا أن هناك قطاعات ستكون أكثر تضرراً وصادرات وشركات ربما تعاني أكثر من غيرها، في مقدمة الشركات مثلاً يتوقع أن تكون شركة "مرسيدس بنز الألمانية" في مقدمة الشركات التي تطالها قيود التصدير والتعرفة الجمركية، ومن بين الصادرات ربما تكون صادرات الحديد والألمنيوم في المقدمة أيضاً.
بالنسبة لقطاع الطاقة ستكون سياسة ترمب إنتاج مزيد من النفط والغاز، ذلك حتى مع أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم بنحو 13.5 مليون برميل يومياً، وتصدر أكثر من 4 ملايين برميل يومياً لأوروبا وأسيا وغيرها. ووصل إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي العام الأخير إلى مستوى قياسي غير مسبوق، لكن إدارة ترمب ستلغي تجميد تصريحات مشروعات الغاز الطبيعي المسال الجديدة الذي فرضته إدارة جو بايدن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يخص الطاقة، وله علاقة بسياسة المناخ التي يتبناها ترمب يمكن أن تلغي الإدارة الجديدة قانون خفض التضخم الذي سنته إدارة بايدن ويوفر أكثر من نصف تريليون دولار لمشروعات الطاقة النظيفة من الشمس والرياح وغيرها، ومع أن ذلك قد يحسن فرص أوروبا التنافسية في مجال الطاقة المتجددة، إلا أن الدعم بالمليارات من القانون أفاد أيضاً شركات أوروبية تعمل في هذا المجال في الولايات المتحدة.
في حال نفذ ترمب رغبته بأن يكون له رأي في السياسة النقدية على حساب استقلالية البنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) فسيكون لذلك تبعات مباشرة على النظام المالي العالمي، وأخذاً في الاعتبار حجم الترابط المالي بين أوروبا وأميركا ستكون دول أوروبا من أكثر المتضررين من تلك الاختلالات المالية.
يقدر بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري أنه إذا نفذ دونالد ترمب نصف ما تعهد به في حملته الانتخابية من إجراءات سيشكل ذلك ضرراً هائلاً لاقتصاد أوروبا، وتوقع البنك أن إجراء فرض الرسوم والتعرفة الجمركية وحده يمكن أن يهوي بقيمة العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، مقابل الدولار الأميركي بنسبة 10 في المئة في الأقل، بينما ستنخفض عائدات مجموعة كبيرة من الشركات الأوروبية الكبرى بأكثر من 5 في المئة.
أيضاً من شأن وضع إدارة ترمب ضمن أولوياتها مراجعة القواعد المنظمة للأسواق المالية ومعايير القطاع المالي ككل وتخفيف كثير من القيود التي فرضت ما بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 أن يشكل ضغطاً على القطاع المالي والمصرفي الأوروبي. صحيح أن الأسواق الأميركية ستكون سعيدة بتخفيف الإجراءات والقواعد والقيود، لكت احتمال تجاهل إدارة ترمب لتطبيق "بازل 3" في شأن السلامة المالية للقطاع المصرفي والحيلولة من دون أزمة مالية كبرى سيزيد من أخطار تعرض النظام المالي في أوروبا لأزمة.