Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعبد مؤتمر "عالم بلا جوع" الطريق لتحقيق واقع غذائي عادل؟

الأول من نوعه في أفريقيا وبحث سبل تطوير تقنيات مبتكرة وممارسات مستدامة وتعزيز التعاون والشراكات الاستراتيجية بين مختلف الجهات

العنف والصراع هما السببان الرئيسان وراء الجوع في أنحاء العالم (أ ف ب)

ملخص

القضاء على الجوع يتطلب استجابة عالمية موحدة ودعوات إلى العمل الجماعي من أجل ترجمة الالتزامات إلى أفعال ملموسة تعزز الأمن الغذائي وتدعم الابتكار في مواجهة تغير المناخ

جاء مؤتمر "عالم بلا جوع" الذي شهدته إثيوبيا الأسبوع الماضي في ظل ظروف إنسانية صعبة تعيشها مجتمعات عدة سواء نتيجة عوامل طبيعية مناخية أو بفعل البشر... فإلى أي مدى تعطي هذه المؤتمرات مصداقية عملية لتنفيذ ما يطرح من أهداف إنسانية وتوصيات؟.

عقد مؤتمر "عالم بلا جوع" في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الثلاثاء الماضي واستمر لغاية الخميس، بمشاركة عدد من الدول إضافة إلى شخصيات ومسؤولين معنيين. ويُعدّ المؤتمر الذي نظمته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) (هي وكالة متخصصة في منظمة الأمم المتحدة هدفها تعزيز وتسريع التنمية الصناعية في الدول النامية) بالاشتراك مع مفوضية الاتحاد الأفريقي وحكومة إثيوبيا، وبدعم فني من منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، الأول من نوعه في أفريقيا، والهدف منه بحث سبل تطوير تقنيات مبتكرة وممارسات مستدامة لضمان الأمن الغذائي من خلال تعزيز التعاون والشراكات الاستراتيجية بين مختلف الجهات.

الصراعات والحروب

تمثل الحروب والصراعات أولى الأزمات المسببة في انتشار الجوع وتفشيه، وفي حين تعمل جهات إنسانية عدة على توفير الغذاء لمن هم بحاجة له، يقف العامل السياسي والمصالح عقبة بدلاً من أن يكونا عامل استقرار، مما أجج الحروب وأدى إلى تشريد ملايين البشر وجعل أطفالاً ونساء وشيوخاً عرضة للجوع وسوء التغذية والأمراض.

يقول مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري إن "العنف والصراع هما في الواقع السببان الرئيسان وراء الجوع في أنحاء العالم كافة، كما أنهما من أهم مسببات انحراف العالم عن مسار القضاء على الجوع وسوء التغذية بحلول عام 2030".

وكان قادة العالم في قمة الأمم المتحدة عام 2015 تعهدوا بالقضاء على الجوع وسوء التغذية بحلول عام 2030 كأحد أهداف التنمية المستدامة.

وتشير تقارير أممية إلى أهمية مواجهة مشكلة الغذاء والتصدي لعمليات استخدام الغذاء كسلاح في أيدي الأطراف المتنازعة كما يحدث الآن في غزة من سياسات التجويع التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين، ويأتي السودان في المرتبة الثانية من خلال ممارسة ميليشيات "الدعم السريع" في محاصرتها لبعض المدن بغرب السودان كمدينة الفاشر التي يعاني فيها نحو مليوني شخص تداعيات الحصار، إضافة إلى استغلال الجماعات المسلحة معينات المساعدات الإنسانية في تأجيج القتال.

جهود متسقة

وشارك في مؤتمر أديس أبابا "عالم بلا جوع" عدد من رؤساء الدول وكبار المسؤولين والخبراء، إلى جانب ممثلين عن منظمات إقليمية ودولية معنية بالأمن الغذائي، وناقشوا على مدى ثلاثة أيام، عدداً من الملفات المقدمة من القادة والخبراء والمتعلقة بالتحديات الماثلة من تغيرات مناخية وصراعات وأزمات وغيرها.

ووصف المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) جيرارد مولر الجوع وانعدام الأمن الغذائي باعتبارهما "قضية عالمية تتطلب جهوداً دولية منسقة".

وأكد أن "القضاء على الجوع هدف يمكن تحقيقه من خلال السلام العالمي والحوكمة الفاعلة والاستثمارات الكبيرة في الزراعة المستدامة وسلاسل التوريد العادلة والتقدم في الابتكار والتصنيع"، مشيراً "إلى الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها أفريقيا"، لكنه شدد على ضرورة إقامة شراكات حقيقية، ودعا الدول الصناعية و"مجموعة السبع" إلى "الوفاء بالتزاماتها بما في ذلك تخصيص 0.7 في المئة من ناتجها للمساعدات وتمويل المناخ وتخفيف أعباء الديون عن أقل البلدان نمواً وضمان الوصول العادل إلى الأسواق المالية وظروف التجارة العادلة".

وأعرب عن التزام "يونيدو" التعاون مع الدول النامية لتعزيز التصنيع ودفع عجلة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، لافتاً إلى أن "ستة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم موجودة في أفريقيا بفضل القيادة الرائدة في دول مثل كينيا وإثيوبيا وسيراليون".

وأوضح أن "استثماراً إضافياً بقيمة 50 مليار دولار على مدى العقد المقبل يمكن أن يقضي على الجوع، مما يمثل اثنين في المئة فقط من الإنفاق العسكري العالمي السنوي".

استجابة عالمية

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن "القضاء على الجوع يتطلب استجابة عالمية موحدة"، داعياً إلى بناء أنظمة غذائية مستدامة وعادلة تضمن وصول الغذاء الكافي إلى الجميع، وشدد "على أهمية دعم المزارعين وتوفير بيئة تمكينية لهم تشمل تحسين الوصول إلى الأسواق وتقديم خيارات مالية شاملة وبناء القدرات، مما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي العالمي". وأشار "إلى ضرورة الاستثمارات الكبيرة والشراكات الاستراتيجية لتحقيق التغيير الدائم"، مؤكداً أن "إثيوبيا تبنت هذه المبادئ من خلال إصلاحات اقتصادية وزيادة الإنتاجية الزراعية وخلق بيئة تشجع على الاستثمار".

ولفت أحمد إلى "أهمية تشكيل خريطة طريق مشتركة للحكومات وبنوك التنمية والقطاع الخاص"، داعياً إلى "العمل الجماعي من أجل ترجمة الالتزامات إلى أفعال ملموسة تعزز الأمن الغذائي وتدعم الابتكار في مواجهة تغير المناخ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنعاش مبكر

وضمن الدول المتأثرة حالياً بظروف انعدام الغذاء، دعا السودان "إلى الإنعاش المبكر وإعادة إحياء القطاعين الزراعي والصناعي والاستثمار في الولايات الآمنة بالبلاد، إلى جانب الجهود المبذولة في تقديم المساعدات الإنسانية للسودان".

وأشار وزير الزراعة والغابات السوداني أبو بكر عمر البشرى إلى "أهمية دعم جهود بناء القدرات الوطنية على المستويات كافة بغرض تفجير الإمكانات الكبيرة للسودان في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية للإسهام في تحقيق الأمن الغذائي في الإقليمين العربي والأفريقى".

ودعا المؤتمر إلى "بناء شراكات فاعلة مع جميع أصحاب المصلحة ودعم المنظمات الدولية ذات الصلة بالأمن الغذائي لتعزيز إسهامها في تحقيق هدف القضاء على الجوع وسوء التغذية".

 التزامات فارغة

وفي ما يتعلق بجهود فعاليات المؤتمرات الإنسانية ومعالجة الأزمات المسببة للجوع ونقص الغذاء، يقول الناشط في العمل الإنساني المدير السابق لهيئة الأعمال الخيرية في القرن الأفريقي عادل عبدالماجد "لدى العالم تعهدات تدل على وعيه بما يحيط المجتمعات الإنسانية من أزمات. وكان مؤتمر روما حول الأمن الغذائي في الـ13 من نوفمبر 1996 من أهم المؤتمرات إذ عقد رؤساء العالم العزم على بذل جهود لتعبئة الموارد المالية والفنية واستخدامها على النحو الأمثل من أجل تنفيذ سياسات الأمن الغذائي المستدام".

وتابع أن "المؤتمر الذي شهده القرن الماضي خرج بعدد من التوصيات التي التزم بها رؤساء الدول كتعهد إنساني دولي"،

وأهمها:

 1- التكفل بتوفير بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية مواتية تستهدف إيجاد أفضل الظروف لاستئصال الفقر وإحلال السلام الدائم الذي يقود إلى تحقيق الأمن الغذائي المستدام للجميع.

 2- تنفيذ سياسات تهدف إلى استئصال الفقر وتحسين الفرص المادية والاقتصادية.

3- تحقيق التنمية الزراعية والممارسات المستدامة لتوفير الإمدادات الغذائية الكافية على المستويات الأسرية والقطرية والإقليمية والعالمية ومكافحة الآفات والجفاف والتصحر".

وفي ما يتعلق بـ"عالم بلا جوع"  (World Without Hunger) يضيف عبدالماجد أنه "كان هناك تعهد من رؤساء العالم بالسعي الجاد إلى تلافي الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ التي يتسبب بها الإنسان وإلى التأهب لمواجهتها وإلى سد الحاجات الغذائية العابرة.

ويقول "على رغم أن هذه المعالجات وضعتها وأشرفت على تتبعها دول ومنظمات دولية ذات وزن عالمي، فإن هناك خللاً ما بين الرؤية والتنفيذ، سواء في تعهدات لها علاقة بالطبيعة أو تلك التي هي من صنع الإنسان، كما أن هناك أموراً تتعلق في ما تنتهجه بعض الدول من سياسات لا تراعي التزامات إنسانية أو حتى مواثيق تكون قد شاركت في وضعها"، ويوضح أن "حالات كثيرة تتغلب فيها المصالح على الحقوق الجماعية، سواء حقوق الإنسان أو الحقوق الطبيعة وفق التزامات تضعها اجتماعات ومؤتمرات عدة".

 ويؤكد عبدالماجد أن "هناك عقبة كبيرة تحول دون القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي تتمثل في الصراعات التي يعجز العالم عن القضاء عليها أو التخفيف من وطأتها، والنجاح في إغلاق بؤر الصراعات التي تتجدد بين الحين والآخر".

ويقول "إذا لم ينجح العالم في تحقيق سلام حقيقي في المناطق والدول التي تشهد صراعات متجددة، فلن يكون هناك طريق معبد لتحقيق واقع غذائي عادل تختفي فيه مآسي الجوع والمجاعات المتكررة. ومن ثم يظل شبح الجوع ماثلاً في كثير من المجتمعات، متربصاً بالشرائح الضعيفة من أطفال وكبار سن".

تقرير الجوع

وذكرت تقارير حديثة أصدرتها في يوليو (تموز) الماضي خمس وكالات متخصصة تابعة للأمم المتحدة، معاناة نحو 733 مليون شخص من الجوع عام 2023، مما يعادل واحداً من بين 11 شخصاً في العالم، (واحد من بين خمسة أشخاص في أفريقيا).

ويحذر التقرير السنوي الذي أطلقته الأمم المتحدة هذا العام في سياق الاجتماع الوزاري لفريق المهمات التابع للتحالف العالمي لـ"مجموعة الـ20" لمكافحة الجوع والفقر في البرازيل، "من أن العالم لا يزال بعيداً جداً من تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة وهو القضاء على الجوع بحلول عام 2030".

ويظهر التقرير أن العالم تراجع 15 عاماً إلى الوراء، إذ بلغت مستويات النقص في الغذاء معدلات قريبة مما كانت عليه خلال الفترة ما بين عامي 2008-2009.

ويشير التقرير الأممي إلى أنه "على رغم إحراز بعض التقدم في مجالات معينة مثل الحد من التقزم وزيادة معدلات الرضاعة الطبيعية الحصرية، فإن عدداً هائلاً من الأشخاص لا يزال يعاني انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية مع ثبات مستويات الجوع العالمية للعام الثالث على التوالي".

وسلط التقرير الضوء على أن الحصول على غذاء كافٍ لا يزال أمراً صعب المنال لمليارات الأشخاص، ويقول "عام 2023، عانى 2.33 مليار شخص حول العالم انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، ومن بين هؤلاء عانى أكثر من 864 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الشديد، أي إنهم أمضوا يوماً كاملاً، أو أكثر في بعض الأحيان، من دون تناول أي طعام".

الحرمان

وفي ما يتعلق بالحرمان الذي تعانيه مجتمعات عدة وعدم توافر الأمن الغذائي ومدة الجوع التي يمكن أن يتحملها الإنسان، يقول الطبيب السوداني محمد محمود أبو عزة إن "الجوع بالنسبة إلى الإنسان المعافى، أي الانسان العادي الذي لا يعاني أمراض سكري أو مشكلات في الكلى وغير ذلك، يمكنه أن يتحمل الجوع لفترة تراوح ما بين ثمانية و20 يوماً، وستكون هناك حالات وفاة عند تخطي هذه المدة الزمنية، لكن الوضع يختلف من شخص لآخر، فهناك أشخاص يمكن أن يعيشوا من دون طعام لمدة ثلاثة أسابيع أي 21 يوماً".

ويشرح أن "الطعام هو عبارة عن وقود لجسم الإنسان يحوي ثلاثة عناصر رئيسة الكاربوهيدرات والبروتين والدهون. فالكاربوهيدرات تؤمن الطاقة والبروتين يمثل عنصر البناء والدهون يذهب جزء منها إلى الطاقة وجزء منها يستخدم في كثير من العمليات داخل جسم الإنسان".

ويتابع أن "هذه العناصر الثلاثة يضاف إليها الماء والمعادن والفيتامينات التي تشكل العناصر الرئيسة في الغذاء. فالإنسان يمكن أن يقاوم العطش وفقدان الماء من ثلاثة إلى خمسة أيام وبعض الناس أقل من ذلك. لكن مقاومة الجسم عند فقد الوجبات تمتد لأكثر من ذلك لأن هناك احتياطاً للطاقة، فالكبد فيه مخزون للطاقة، وعندما يتوقف الإنسان عن تناول الطعام الذي يمده بالطاقة لأي سبب (الطاقة تحرك عمل الدماغ والقلب والعضلات والرئة…)، يلجأ الجسم إلى استخدام مخزونه في الكبد من الغلايكوجين (GLYCOGEN)  وهو عبارة عن مخزون للطاقة، فيبدأ الجسم بتكسير الغلايكوجين وتحويله إلى غلوكوز من أجل مقابلة حركة القلب ونشاط الدماغ والعضلات والرئتين، وفي حالة ثانية عند فقدان الغذاء يلجأ الجسم إلى تحويل الدهون إلى غلوكوز، كذلك هناك طريقة ثالثة لمقاومة الجسم فقدان الغذاء تقوم على إنتاج الغلوكوز من البروتينات. وهذه جميعها عبارة عن احتياطات في حركة ومقاومة جسم الإنسان ليبقى على قيد الحياة".

ويقول أبو عزة "ولكن بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع تكون كل مصادر الطاقة استنفدت، وهناك خطر إضافي وهو أن استهلاك البروتين والدهون في الطاقة يولد مواد جانبية ضارة بالجسم"، موضحاً أنه "إذا استهلك الشخص الغلوكوز فلن يحدث أي ضرر، ولكن إذا استهلك الدهون كعنصر للطاقة، سيولد ذلك أحماضاً تؤدي إلى الوفاة لأنها تغير حمضية الجسم، والخلايا لا تقوم بدورها الطبيعي، وأهم خلايا هي خلايا الدماغ والقلب والكليتين... فاستهلاك البروتين أو الدهون في حال انعدام الغلوكوز الذي يوفره الطعام والوجبات، يؤدي إلى تصنيع مواد ضارة بالجسم تتسبب بالوفاة".

 ويردف أن "الجسم لكي يؤدي وظائفه يحتاج إلى الطاقة، والطاقة مصدرها الطعام، وإذا حرم الإنسان من الطعام فستحدث الوفاة خلال مدة أقصاها ثلاثة أسابيع".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات