Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعتمد إثيوبيا الرز بديلا من خبزها الشعبي؟  

 سجل نجاحاً مشجعاً في إنتاجية الفدان مما حدا بالدولة إلى تبني زراعته ضماناً للأمن الغذائي والنقد الأجنبي

كانت البلاد بدأت زراعته في مرحلة تجريبية عام 2020 على مساحة 3 آلاف هكتار من الأراضي بالإقليم الصومالي (أ ف ب)

ملخص

ظل محصول الطيف منتجاً إثيوبياً منذ آلاف السنين، وارتبط بالتراث المتداول في المناسبات الدينية والأعياد.

يمثل خبز "الإنجيرا" مقدم الطعام الإثيوبي الذي تعتمده قومياتها المختلفة، لكن ضمن الانفتاح الذي تشهده البلاد حالياً بدأ تحول جديد نحو الرز الذي احتل موقعاً دائماً على المائدة الإثيوبية، بعد أن بدأت زراعته في بعض الأقاليم ليسجل نجاحاً مشجعاً لإنتاجية الفدان، مما حدا بالدولة إلى تبني إنتاجه اقتصادياً.

فما انعكاسات إنتاج الرز على المحاصيل التقليدية الأخرى في إثيوبيا، وهل يصبح بديلاً غذائياً ونقدياً معتمداً في إثيوبيا، ومنافساً حقيقياً لعادات الخبز الشعبي؟

توسع تدريجي

وصف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إنتاج إثيوبيا للرز عام 2024 بالأكبر، وكانت البلاد بدأت زراعته في مرحلة تجريبية عام 2020 على مساحة 3 آلاف هكتار من الأراضي بالإقليم الصومالي لإنتاج 45 قنطاراً للهكتار كمحصول استراتيجي ضمن خطة الرز الوطنية الموضوعة حتى عام 2030.

وأوضح رئيس إدارة منطقة شبيلي بالإقليم الصومالي عبدي فرح "أنه يتم زراعة الرز على مساحة 2000 هكتار في ثلاث مناطق كمرحلة تجريبية، مع دعم من الجهات الفيدرالية والإقليمية من خلال توفير البذور والتقنيات الزراعية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته أكد حاكم الإقليم الصومالي مصطفى محمد "أن الإقليم يشهد تقدماً كبيراً في القطاع الزراعي، إذ تستمر الجهود لتغطية 3 آلاف هكتار بالرز في منطقتي شبيلي وستي، مع خطط زراعة الرز لتشمل 30 ألف هكتار بالتدرج".

ويعد المشروع التجريبي في الإقليم الصومالي خطوة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز القدرة التصديرية للبلاد، وفقاً لوكالة الأنباء الإثيوبية.

وعلى رغم أن الرز لا يشكل ثقافة محلية على المائدة الإثيوبية تستورد البلاد منه آلاف الأطنان سنوياً، ومثلت نجاحات الإنتاجية التي حققها في بعض الأقاليم مؤشراً مشجعاً للدولة للتوسع في زراعته وزيادة الأراضي الخاصة باستثماره في كل من أقاليم أمهرا، وبني شنقول- غمز، وأوروميا.

المائدة الإثيوبية

تعتمد المائدة الإثيوبية على خبز "الإنجيرا" الذي يصنع من غلة الطيف، وهو المحصول التقليدي الذي يزرعه الإثيوبيون على مساحات شاسعة بمعظم أقاليم البلاد، وبخاصة في أمهرا وأروميا على مساحات متصاعدة.

يقول الباحث الاجتماعي عباس محمد كوركي، "على رغم أن الرز يعد ثقافة غذائية عالمية في عديد من الدول وبخاصة الآسيوية، لم تعرف إثيوبيا زراعته بصورة شعبية، ولم يمثل غذاء رئيساً لها وبخاصة في الأقاليم ذات النسب السكانية العالية في أوروميا وأمهرا وتيغراي. لذا فإن اعتماد الشعب الإثيوبي على (الإنجيرا) يجعلنا نستبعد أن يحل محله أي بديل غذائي آخر".

يشير كوركي إلى أنه "على المستوى الإثيوبي بعامة هناك توجهات جديدة نحو الانفتاح على ثقافة استهلاك الرز بدأت بصورة ملاحظة في المدن الكبيرة عبر تناوله في المطاعم. وفي ظروف طبيعية غير مواتية أدت إلى قلة إنتاج حبوب الطيف صار بعض الإثيوبيين يتجه إلى استخدام نسب معينة من الرز بعد طحنه كدقيق لتعويض النقص في صناعة الخبز الإثيوبي (الإنجيرا)، مما يعطى مؤشراً مهماً على الاهتمام بالرز كغذاء، لكنه لا يمثل في كل الأحوال بديلاً للإثيوبيين عن غذائهم الشعبي".

نتائج واعدة

المعهد الإثيوبي للبحوث الزراعية يقول "إن إثيوبيا تسعى جاهدة إلى توسيع إنتاج الرز لضمان الأمن الغذائي وجلب العملات الأجنبية"، ويؤكد مدير أبحاث المحاصيل بالمعهد تاي تاديسي أن "إنتاج الرز في إثيوبيا يظهر نتائج واعدة نحو ضمان الأمن الغذائي وجلب النقد الأجنبي لتعزيز الاقتصاد".

وفي إشارة إلى الأموال التي تنفق على استيراد المحاصيل أضاف أن "البلاد أولت التركيز اللازم للتوسع في زراعة المحاصيل وبخاصة الرز منذ السنوات الثلاث الماضية. كما زاد ارتفاع الطلب على استهلاك الرز بنسبة تراوح ما بين 70 و80 في المئة".

وأكد أن هناك حاجة إلى جهود مشتركة لاستبدال واردات الرز على المستوى الوطني، وتوفير المدخلات الضرورية بما في ذلك آلات الحصاد والمتطلبات الأخرى، وإنشاء روابط الأسواق من خلال دمج سلسلة القيمة لمصلحة المجتمع الزراعي.

من جانبه، أوضح مدرس كلية الزراعة بجامعة "بحر دار" ألايو ياليو، أن البلاد في حاجة إلى إعطاء الأولوية لمحاصيل مثل الرز لضمان سلامة الغذاء أكثر من أي وقت مضى، إذ إن الظروف الجوية والتربة في إثيوبيا مواتية لزراعة هذا المحصول.

الرز في إثيوبيا

وفق الإحصاءات الرسمية تمثل الزراعة 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و80 في المئة من الصادرات، وبلغ حجم سوق الزراعة في إثيوبيا 5.09 مليار دولار أميركي عام 2024.

ويقول مدير مركز "فوجيرا" لأبحاث الرز فيسها وردا "إن من المتوقع جمع كمية كبيرة من محصول الرز في موسم الحصاد لوفرة الأمطار في البلاد، مما سيكون له أهمية قصوى في دعم صناعة الأغذية وتعزيز اقتصاد البلاد بصورة عامة". مشيراً إلى "ارتفاع كمية الغلة التي حصل عليها إلى 65 قنطاراً في المتوسط، مما يظهر أن البلاد لديها القدرة على تصدير هذا المحصول في أقرب وقت ممكن".

وتشير صحيفة إثيوبية إلى "أن من بين أعمال تنمية المحاصيل الزراعية التي تقوم بها إثيوبيا لضمان أمنها الغذائي تنمية زراعة الرز. وتشير البيانات إلى أن 5.6 مليون هكتار من الأراضي صالحة لإنتاج الرز، بينما لا تزال البلاد تنفق كثيراً من العملات الأجنبية كل عام لشراء واستيراد الرز من الخارج".

وفقاً لبيانات وزارة التجارة والعلاقات الإقليمية، استوردت إثيوبيا أكثر من 1421517 طناً من الرز منذ بداية عام 2012 وحتى 2016، وأنفقت أكثر من 37 ملياراً و473 مليون بر (334.580 مليون دولار). ومن المتوقع أن يؤدي التوسع في زراعة الرز في إثيوبيا، الذي بدأ قبل ثلاث سنوات إلى دعم الاقتصاد من خلال إبقاء العملات الأجنبية التي يتم إنفاقها على استيراد الرز في خزانة الدولة، إلى جانب ضمان الأمن الغذائي للبلاد.

غذاء تراثي

المؤرخ الإثيوبي آدم كامل يصف "الإنجيرا" الذي اعتاده غالبية الإثيوبيين كغذاء شعبي "بكونه غذاءً تراثياً أيضاً وجزءاً أصيلاً في تكوين الإنسان الإثيوبي لا يمكن التأثير فيه، بخاصة مع رسوخ عادات وثقافات ومعتقدات ظلت متوارثة منذ آلاف السنين".

ويشير إلى أن "تاريخ (الإنجيرا) في إثيوبيا غير معروف، لكن المؤكد أن محصول الطيف ظل منتجاً إثيوبيا منذ آلاف السنين وارتبط بالتراث الإثيوبي المتداول في المناسبات الدينية والأعياد. وحتى في مناسبات الأفراح كالزواج يقدم العريس ضمن هداياه طبق (الإنجيرا) أو (المسو) كدلالة شعبية على الوفاء لعروسه بالعيش الآمن والرغد. مما يدلل على عمق التأثر بالثقافة الغذائية التي يمثلها الخبز الإثيوبي التقليدي".

وفي حيثيات الظروف التي تحمل الشعوب على اختيارات غذائية جديدة يقول المحلل الاقتصادي محمد حسب الرسول إن "من الصعب تغيير الثقافات الغذائية وبخاصة للشعوب ذات الإرث الحضاري كشعوب آسيا وأفريقيا، لكن يمكن أن يحدث تغير في نمط الاعتماد على الغذاء المعين، سواء كان غلة أو أياً من أنواع الطعام في حالات الندرة، وسرعان ما يرجع الناس إلى ما اعتادوه من غذاء مهما طال الزمن، للارتباط الوثيق بالبيئة أولاً، إلى جانب العادات المتوارثة التي يمثل فيها الطعام نفوذاً مسيطراً على غالبية الناس".

ويشير إلى أن "عديداً من الدول اعتمدت توجهات اقتصادية في الإنتاج ضمن المتوافر لديها من مقومات الأرض والمناخ والأيدي العاملة والخبرة المكتسبة، وفي هذه الحال يكون الكسب المادي دافعاً أساساً للإنتاج كما تفعل إثيوبيا حالياً في توجهها نحو إنتاج الرز والقمح، ومهما كان الإنتاج مشجعاً تأتي حاجات الدولة متغلبة في الكسب المادي ليتوازن مع بنود الإنفاق والاستثمار، وفي هذه الحالات لا يمثل إنتاج السلع مهما كان فائضها بديلاً لما اعتاده الشعب من غذاء".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير