ملخص
بنى جيمس بليث أول توربين هوائي لإنتاج الكهرباء في اسكتلندا عام 1887، لتزويد منزله الريفي بالطاقة. وكان هذا العمل الفردي المبكر بداية التفكير العالمي في إطلاق فكرة الطاقة المتجددة.
يمكن أن نتساءل عن سبب عدم قيام كل شخص أو عائلة بتوليد الطاقة الكهربائية التي يحتاجها المنزل من مصادر الطاقة الطبيعية الكثيرة ومنها الرياح. خصوصاً أن المجتمعات البشرية في مناطق مختلفة من العالم استخدمت الرياح لتشغيل الطواحين لتأمين الطحين للمجتمع الزراعي، واستخدمتها مع طاقة مياه الأنهار في رفع المياه والري الزراعي. ولكن هل يمكن في المجتمعات الحديثة أن يقوم رب عائلة مثلاً بتوليد الطاقة من الرياح لتأمين حاجته الخاصة منها، خصوصاً بوجود جميع الآلات الحديثة والبسيطة والتي يمكن استخدامها في توليد الطاقة من الرياح؟
بإمكان العائلة استخدام الرياح
لو افترضنا أن عائلة تعيش في منزل وسط الغابة أو في منطقة نائية حيث لا تصل الكهرباء العمومية، يمكنها توليد الطاقة من الرياح، وللقيام بهذا الأمر سيحتاج إلى مجموعة من المعدات الموجودة في المتاجر لبناء نظام آلي أو ميكانيكي لتوليد الطاقة من الرياح، ومن هذه المعدات، توربينات الرياح الصغيرة أو المراوح بقوة 400–5000 واط التي قد تكفي لتأمين حاجات منزل كامل من الطاقة، بحسب المواقع الإلكترونية التي أجرت مثل هذه التجارب. ويمكن لهذه التوربينات الصغيرة أن تنتج من 1 إلى 3 كيلوواط من الكهرباء وهي كافية لتلبية حاجات منزل صغير.
وسيحتاج أيضاً إلى تثبيت برج بارتفاع 20 متراً على الأكثر، للوصول إلى الرياح الأقوى والأكثر استقراراً، وتصميم هذه الأبراج بسيط جداً وغير مكلف، ويمكن استخدام برج خشبي أو غصن مرتفع من شجرة متينة، أو سقالة متينة فوق السطح.
بهذه المعدات البسيطة يمكن تأمين الطاقة للمنزل طالما أن الرياح جارية وقوية، ولكن بسبب تغير حالة الرياح والمناخ فلا بد من تخزين الطاقة، ولهذه المهمة لا بد من تجهيز بطاريات مخصصة لتخزين الكهرباء، يتم توصيلها إلى منظم الشحن لتحديد كمية الطاقة التي تتدفق من التوربين إلى البطاريات، لمنع الشحن الزائد وتنظيمه. ولإنتاج هذه الكمية من الكهرباء لا تحتاج إلى أكثر من رياح سرعتها ما بين 16 إلى 24 كيلومتراً في الساعة، وهي كافية لتدوير التوربينات الصغيرة.
الرياح تنتج الطاقة منذ القدم
منذ آلاف السنين تنبه الإنسان إلى إمكانية إنتاج الطاقة من الرياح. وبحسب الحفريات وعلم الأركيولوجيا فإن أقدم طاحونة تعمل بقوة الرياح تعود إلى نحو 200 عام قبل الميلاد، وتم اكتشافها في إيران أي بلاد فارس القديمة، وكانت هذه الطواحين تستخدم لطحن الحبوب وضخ المياه. ثم انتشرت هذه الطواحين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكان تصميمها بسيطاً ولكنها أدت أدواراً هائلة في تطور المجتمعات البشرية واستقرارها.
انتقلت آلات الطاقة العاملة بقوة الرياح أو طواحين الهواء إلى أوروبا في القرن الـ12. واستخدمت هذه الطواحين بشكل واسع وبخاصة في هولندا وإنجلترا وإسبانيا، لتجفيف الأراضي الرطبة. وقد أثرت هذه الطواحين بأحد أهم رسامي العالم الهولندي فان غوغ الذي أبرزها في كثير من لوحاته التي تصور حقول القمح الهولندية. وكانت الطواحين الهولندية متطورة للغاية، ولعبت دوراً رئيسياً في استصلاح أراضي البحر في تلك البلاد المنخفضة.
وكان لهذه الطواحين مكان بارز في الرواية الإسبانية المصنفة الأكثر قراءة عبر التاريخ، "دون كيخوتي" للكاتب الإسباني سرفانتس، الذي جعل من بطل روايته محارباً للطواحين، كمثال عمن يبني بطولاته في مخيلته بينما في الحقيقة لا يستطيع القيام بأمر فعلي.
في القرن الـ19 توصلت الثورة الصناعية إلى اختراعات كثيرة مع التحول إلى المحركات البخارية. وعلى رغم هذا التطور، بقيت الطواحين الهوائية تقوم بعملها في المناطق الريفية، بخاصة في الولايات المتحدة، حيث تم تصميمها لضخ المياه في المزارع الريفية.
وأدى تطوير المراوح وتخفيف وزنها مع توسيع دائرتها إلى ضخ المياه وتوليد الكهرباء على نطاق صغير في المناطق النائية في الولايات المتحدة الأميركية وفي ألمانيا وبريطانيا.
ثم ظهرت فكرة استخدام الرياح لتوليد الكهرباء في أوائل القرن الـ20. وبني أول توربين هوائي لإنتاج الكهرباء في اسكتلندا عام 1887، بواسطة كهربائي هاوي اسمه جيمس بليث كان يعمل على تزويد منزله الريفي بالطاقة. وكان هذا العمل الفردي المبكر بداية التفكير العالمي في إطلاق فكرة الطاقة المتجددة، أو إنتاج الطاقة من قوة الطبيعة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأنهار والأمواج، لحماية البيئة من التلوث الناتج من حرق الوقود الأحفوري. وحين بدأت بعض الشركات في العمل على هذه الأفكار الجديدة ظهرت في ثلاثينيات القرن الـ20 التوربينات الهوائية المتطورة والتي يمكنها توفير الكهرباء في المناطق الريفية، بخاصة في أوروبا وأميركا الشمالية.
وعلى إثر حرب 1973 بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي وتوقف الدول العربية عن ضخ النفط كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة لوقف الحرب، وما تسبب بأزمة طاقة عالمية سميت بأزمة السبعينيات، راح الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة يصبح أكثر جدية وواقعية، وبدأت الحكومات بالعمل على مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة، وساعد تطوير الآلات العاملة على ديناميكيات الهواء إلى ظهور مزارع الرياح الكبيرة، وأصبحت طاقة الرياح مصدراً رئيسياً للطاقة المتجددة على مستوى العالم، فتحولت هذه الطاقة الطبيعية من المساهمة في طحن الحبوب إلى توليد الكهرباء النظيفة لعشرات ملايين الناس خصوصاً في المناطق الباردة.
قامت الحكومات الأوروبية بتشجيع الاعتماد على الطاقة المتجددة ودعمت المشاريع الفردية، وكذلك الأمر في بريطانيا وكندا وأستراليا وفي المناطق الريفية والبلدات الصغيرة في الولايات المتحدة الأميركية حيث قامت مجموعات بتشكيل ما سمي "مشاريع الرياح المجتمعية" حيث يستثمر الجيران أو المجتمعات الأكبر بصورة جماعية في شراء توربين هوائي أو إنشاء مزرعة رياح، ثم يقومون بتوزيع الطاقة التي ينتجونها في ما بينهم لوقف اعتمادهم على الكهرباء العامة غالية الثمن، ومساهمة في تخفيف الأثر البيئي السلبي لهذا النوع من الطاقة.
وقدمت العديد من هذه الدول المتقدمة حوافز ضريبية ودعماً مالياً لتشجيع إنتاج طاقة الرياح على المستوى المنزلي والمجتمعي، وسمحت بعضها للمنازل بيع الفائض من الطاقة التي ينتجها إلى الشبكة العامة، وقد اعتمد كثير من المواطنين الأوروبيين هذه الوسيلة لتحقيق دخل إضافي تؤمنه قوة الطبيعة عند استخدامها بصورة فعالة، خصوصاً أن التطور التكنولوجي جعل التوربينات المنزلية صغيرة الحجم أكثر هدوءاً وكفاءة وديمومة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدول الرائدة في طاقة الرياح
لجأت العديد من دول العالم إلى استخدام طاقة الرياح على نطاق واسع وتمكنت من تلبية جزء كبير من حاجاتها من الكهرباء. وتعتبر الصين أكبر منتج لهذه الطاقة عالمياً بعدما أنشأت مزارع الرياح على مساحات واسعة فوق اليابسة وفي البحر. وبحسب الناشطين البيئيين في الصين، فإن دعم الحكومة لهذه المشاريع جاء نتيجة التزام الصين بتقليل تلوث الهواء وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحسب اتفاقات المناخ العالمية، وآخرها اتفاق المناخ في باريس الذي هدف إلى خفض الانبعاثات لدرجة تسمح بتخفيض الحرارة العالمية درجة ونصف مع حلول عام 2025.
وتعتبر الولايات المتحدة دولة متقدمة في مجالات إنتاج طاقة الرياح، وبخاصة في ولايات تكساس وأيوا وأوكلاهوما، حيث السهول المفتوحة والظروف المثالية لحركة الرياح ونوعية المناخ العام. وقد شجعت الحوافز الحكومية المزارعين الأميركيين وسكان الأرياف البعيدة على تنويع مصادر الطاقة وعلى رأسها طاقة الرياح.
واستثمرت ألمانيا في طاقة الرياح كجزء من سياسة الانتقال النهائي إلى الطاقة المتجددة للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري والطاقة النووية. وتتوزع أهم مزارع الرياح الألمانية في بحر الشمال. واستغلت الدنمارك بدورها رياح بحر الشمال لتنتج قسماً كبيراً من الكهرباء، والدنمارك معروفة بتصديرها تكنولوجيا التوربينات الهوائية. وجعل مناخها العاصف والالتزام السياسي بالطاقة المتجددة، منها دولة رائدة في الانتقال نحو الطاقة المتجددة بشكل كلي، كما تطمح معظم الحكومات الأوروبية.
في القارة الآسيوية برزت الهند التي تضم سواحل وسهولاً شاسعة في مشاريع طاقة الرياح. وبات قطاع طاقة الرياح في الهند من الأكبر في آسيا. مع العلم أن دول خط الاستواء التي تعاني من الرياح القوية والأعاصير والمناخ غير المستقر لا تتمكن من اعتماد هذه السياسة أو يصبح إنتاج الطاقة من الرياح أقل جدوى فيها، خصوصاً أن إنشاء مزارع الرياح يحتاج إلى قدرات مالية كبيرة لبناء البنى التحتية وتكنولوجيا التوربينات وربط الشبكة الكهربائية. ولهذا السبب تتمكن الدول ذات الاقتصادات القوية أو التي تمتلك إمكانية الوصول إلى التمويل الدولي، من إقامة مثل هذه المشاريع وهذه الاستثمارات البيئية، بينما يصبح الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً في الدول الفقيرة والنامية وفي معظم دول العالم الثالث.