Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة "بوكر" لهذا العام

كانت جائزة هذا العام من نصيب رواية "أوربيتال" التي تجري أحداثها خلال يوم واحد في الفضاء للكاتبة سامانثا هارفي، لكن هل تستطيع حقاً إحداث فرق ما في ما يتعلق بتعاملنا مع أزمة المناخ؟

الكاتبة سامانثا هارفي مع روايتها "مداري" الحائزة جائزة بوكر (أ ف ب/غيتي)

ملخص

أثارت رواية "أوربيتال" الفائزة بجائزة "بوكر" للكاتبة سامانثا هارفي جدلاً حول مدى تأثير الأدب في القضايا البيئية

من المعروف أن جائزة "بوكر" تعتبر "أهم جائزة عالمية تُمنح لعمل روائي واحد"، وهي اليوم تحظى باهتمام تجاري كبير، إذ يُروج لها عبر الفعاليات الإلكترونية والمناقشات وحفلات التوقيع والضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حساب على "تيك توك" يتابعه أكثر من 400 ألف شخص. يكاد المرء يتمنى لو كان المحلل الرياضي الشهير روي كين موجوداً في الحفل، ليعلّق ببروده المعتاد: "الكثير من العروض… الكثير من الضجيج… الكثير من الهراء. ما هذا، كتابة؟ وهي حقاً وظيفتهم".

أرجو ألا تخطئوا فهمي: فقد قدمت الروائية الفائزة بجائزة هذه السنة، سامانثا هارفي، عملاً رائعاً متمثلاً في روايتها "أوربيتال" (مداريّ) Orbital، والتي تجري أحداثها على مدار يوم واحد في الفضاء. الرواية تأملية وعميقة، تتناول الأرض والإنسانية بروح من الرقي، وتستحق الفوز بجائزة، على رغم أنها لم تكن الأوفر حظاً في توقعات المراهنين. فالموقع ذاك كان من نصيب رواية "جيمس" James، للكاتب الأميركي بيرسيفال إيفريت، والتي تركز على شخصية جيمس، الرق الهارب من رواية مارك توين "مغامرات هاكلبري فِن" Adventures of Huckleberry Finn الصادرة عام 1884. منحتُ الرواية تقييماً بأربع نجوم في مراجعتي للكتب الصادرة في أبريل (نيسان) الماضي، واستمتعت كثيراً بروحها الفكاهية وأسلوبها الذكي الذي لا يخلو من النقد اللاذع.

بعيداً من قرارات الجوائز، فإن المقارنة بين عملين أدبيين مختلفين بهذا الشكل تبدو غير مثمرة وشبه مستحيلة. ومع ذلك، من الصعب تصديق أن لجنة بوكر كانت ستغامر بتجاهل قائمة قصيرة تضم أكبر عدد من الكاتبات في تاريخ الجائزة الممتد لخمس وخمسين سنة، ثم تمنح الجائزة الوحيدة التي تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه استرليني (63 ألف دولار) للرجل الوحيد في القائمة، مع إدراكها أن الجائزة مُنحت لست نساء فقط وكانت المرة الأولى عام 2008. وعندما سُئل رئيس لجنة التحكيم، إدموند دي وال، عن مدى حظوظ الكاتب الرجل الوحيد، أصر على أن القرار لم يكن مجرد "تحقيق توازن شكلي"، مؤكداً أن اللجنة اتفقت بالإجماع على أن الخيار الأفضل تمثل في هارفي، وهي البريطانية الوحيدة بين المرشحين (مولودة في مقاطعة كِنت عام 1975).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المؤكد أنه لم تَبرز من بين الكتب الأربعة الأخرى المرشحة لجائزة هذا العام أي رواية تملك تألقاً استثنائياً، على رغم أن رواية "مُحتَجَز" Held الممتدة على مدار أربعة أجيال من تأليف الكاتبة الكندية آن مايكلز، كانت الأقرب لقلبي، فهي عمل يتمتع بجمال شعري حقيقي. كذلك استمتعت برواية "تأملات في ساحة ستون يارد" Stone Yard Devotional للأسترالية شارلوت وود، على رغم أن روايتها الرائعة "عطلة نهاية الأسبوع" The Weekend الصادرة عام 2019 كانت أفضل في رأيي. أما "بحيرة الخلق" Creation Lake لـ ريتشيل كوشنر و"الأمانات" The Safekeep، أول عمل للكاتبة يائيل فان در وودن، فكانتا بعيدتين كل البعد عن الفوز منذ البداية.

لكن ماذا عن رواية "أوربيتال"، أول رواية تنال الجائزة تدور أحداثها في الفضاء، والتي تُعد الأقصر بين الكتب المرشحة حيث تحتوي على 144 صفحة فقط، بفارق ثلاث صفحات فقط عن أقصر كتاب فاز بالجائزة على الإطلاق وهو "أوفشور" Offshore للكاتبة بينيلوبي فيتزجيرالد التي ربحت عام 1979؟ تُعد هارفي واحدة من أبرز الكُتّاب البريطانيين وأكثرهم ابتكاراً وطموحاً، وتأتي روايتها الخامسة "أوربيتال" لتستعرض حياة ستة من رواد ومستكشفي الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية. خلال فترة الـ 24 ساعة التي تغطيها الرواية، يشهدون 16 شروقاً و16 غروباً للشمس.

إلى جانب امرأتين وأربعة رجال في الفضاء، فإن الأرض تُعتبر إحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية. من خلال نوافذهم المطلة على كوكبهم، يشاهد رواد الفضاء انهيار المناخ بأعينهم، حيث يتابعون إعصاراً من الفئة الرابعة يضرب الفيليبين. تصف هارفي الطاقم بأنهم "منجمون يستطيعون رؤية المستقبل وإخبار الناس به، ولكنهم لا يفعلون شيئاً لتغييره أو إيقافه". يراقبون البحر وهو يغمر إحدى البلدات، ومياه الفيضانات تتدفق نحو البر، والجسور تنهار، والمأساة تحل بالبشر.

يأتي فوز هارفي في أعقاب الفيضانات المدمرة التي اجتاحت إسبانيا. وفي بيان صحافي من هيئة جائزة "بوكر"، وُصفت رواية "أوربيتال" بأنها "كتاب عن عالم جريح"، وأشير إلى أن فوزها يأتي في "عام يشهد أزمة جيوسياسية، ومن المحتمل أن يكون الأشد حرارة في تاريخ البشرية". ومع ذلك، قلل رئيس لجنة التحكيم من فكرة أن الجائزة ستؤثر في "طريقة تعامل القراء مع البيئة". وقال: "لا، لا أعتقد أن هناك تأثيراً عملياً للأدب الخيالي... أنا لست مهتماً بالكتب التي تتناول القضايا، ما يهمني هو الكتب التي تحيي الأفكار من خلال الخيال. هل سيغيّر الكتاب مسار اللقاء المقبل لمؤتمر كوب [للمناخ]؟ لا يعود الأمر لي كرئيس للجنة التحكيم للإجابة عن ذلك. لا أفهم العلاقة بين الأدب الخيالي والعمل السياسي. ما يمكنني قوله هو أن الأدب الاستثنائي يستطيع تغيير الناس وتجاربهم، كما يمكنه تغيير طريقة قراءتهم الجماعية. باستطاعته تغيير المحادثات الدائرة بين الناس الآن".

في الواقع، تنعقد دورة عام 2024 لمؤتمر الأطراف للأمم المتحدة [كوب 29] في العاصمة الأذرية باكو حالياً، لكنني أشكك جداً في أن تكون "أوربيتال" (أو أي كتاب آخر) قادرة على إحداث تغيير كبير في المناقشات حول إنقاذ كوكب الأرض. مرت عقود منذ أن لخص كيرت فونغَت هذا الواقع بعبارته الحزينة: "الأرض الطيبة - كان بإمكاننا إنقاذها، لكننا كنا بخلاء جداً وكسالى".

على أية حال، أشك في أن الهدف السياسي كان دافع هارفي وراء كتابة العمل، فـ "أوربيتال" بالنسبة لها هي "رواية ريفية تدور أحداثها في الفضاء... ذلك النوع من الكتابة الطبيعية حول جمال الفضاء، مع لمسة بسيطة من الحنين لما هو في طريقه للاختفاء".

تبذل الرواية جهداً فعالاً في استعراض الأبعاد المختلفة، حيث تتنقل بسلاسة بين الكون اللامتناهي والبشر العاديين، معتمدة على وصف دقيق وجميل لجمال الأرض الخالي من الزركشات. تكتب هارفي، التي عملت لفترة قصيرة في متحف للفلك: "تبدو أفريقيا من الفضاء مثل لوحة رسمها جوزيف تيرنر في أواخر مسيرته". كما تلتقط الكاتبة، التي درست الفلسفة في جامعة يورك، الهشاشة اليقظة للوجود المعاصر، معبرة عن رؤى قاتمة حول المصير الدائم للبشرية جمعاء، قائلة: "يمضي الزمن بنهجه العدمي المعتاد، يدهسنا جميعاً، متجاهلاً بطريقة مذهلة رغبتنا في الحياة".

على كل حال، فإن رواية "أوربيتال" التي اختيرت من بين 156 كتاباً أصلياً لتكون واحدة من الكتب المرشحة لجائزة "بوكر" لهذا العام بعيدة كل البعد عن كونها قراءة صعبة، وقد لاقت بالفعل إعجاباً واسعاً من قبل قراء الكتب. دخلت الرواية أسبوع الجوائز وهي "في قمة مبيعات" الكتب المرشحة، حيث تم بيع أكثر من 300 ألف نسخة منها منذ صدورها في يونيو (حزيران).

لكن، وعلى رغم وجود عديد من السمات التي يمكن للمرء أن يعجب بها في رواية "أوربيتال"، إلا أنني لا أستطيع مواكبة إعجاب رئيس لجنة التحكيم دي وال، الذي وصف الكتاب بأنه "معجزة"، مشيراً إلى أنه وزملاءه في لجنة التحكيم شعروا بأنهم "مجبورون على مشاركته". الرواية الوحيدة التي اقتربت من هذا الوصف كانت "شوغي بين" Shuggie Bain للكاتب دوغلاس ستيوارت، التي فازت بجائزة دورة عام 2020. على كل حال، فإن جوائز "بوكر" نفسها لطالما خضعت لعمليات اختيار عشوائية، حيث لا يمكن التكهن بالفائز في كل مرة. من بين الأمثلة على ذلك، يدهشني عدم فوز الكاتب ويليام تريفور بالجائزة على رغم ترشيحه خمس مرات، ولم يتمكن من ذلك حتى من خلال روايتيه "أطفال داينموث" The Children of Dynmouth (1976) أو "قراءة تورغينيف" Reading Turgenev (1991).

© The Independent

المزيد من ثقافة