ملخص
التصميم الشامل هو عملية تصميم مبان أو منتجات أو بيئات تكون في متناول البشر من جميع القدرات، بغض النظر عن الأعمار أو طبيعة الأجساد أو عوامل أخرى
يعد الفهم العميق للمحيطة ومتطلباتها الشرط الأكثر أهمية قبل البدء في عملية التصميم، مع الأخذ بالاعتبار حاجات المستخدمين وتطلعاتهم واعتماداً على المعايير والقواعد الأساسية والمبادئ التوجيهية في الهندسة المعمارية، لكن عندما نتحدث عن البيئات الأوسع والأكثر شمولية لأنواع متفاوتة القدرات من البشر، علينا اللجوء إلى مبادئ التصميم الشامل، لضمان عدم استبعاد الأفراد ذوي الأجسام أو القدرات أو الظروف المغايرة.
تصميم خال من العوائق
والتصميم الشامل هو عملية تصميم مبان أو منتجات أو بيئات تكون في متناول البشر من جميع القدرات، بغض النظر عن الأعمار أو طبيعة الأجساد أو عوامل أخرى، إذ نشأ التصميم الشامل كإجراء قائم على الحقوق ومناهضة التمييز، مشتقاً من مفاهيم سابقة تعود لستينيات القرن الماضي مثل التصميم الخالي من العوائق، وسهولة الوصول، وإمكانية الوصول الأوسع، والتكنولوجيا التكيفية والمساعدة، فهو يعالج العوائق المفترضة أمام تحقيق المشاركة من خلال إنشاء أشياء وبيئات يمكن استخدامها من قبل أكبر عدد ممكن من الأشخاص، إذ يعمل على الزيادة من إمكانية تطوير نوعية حياة أفضل لمجموعة واسعة من الأفراد.
وصاغ المهندس المعماري رونالد ماس مصطلح "التصميم الشامل" Universal Design لوصف مفهوم تصميم المنتجات والبيئات لتكون جمالية وقابلة للاستخدام إلى أقصى حد ممكن من قبل الجميع، بغض النظر عن أعمارهم أو قدراتهم أو مكانتهم في الحياة.
المشاركة الاجتماعية والصحة والعافية
وتم تطوير المبادئ السبعة للتصميم الشامل عام 1997 من قبل مجموعة من المهندسين المعماريين ومصممي المنتجات والمهندسين وباحثي التصميم البيئي، بقيادة رونالد ماس في جامعة "ولاية كارولاينا الشمالية"، التي تعرفه بأنه "تصميم المنتجات والبيئات كي تكون قابلة للاستخدام من قبل جميع الناس إلى أقصى حد ممكن، من دون الحاجة إلى تصميم مخصص لفئة محددة".
وفي عام 2012، وسع مركز التصميم الشامل والوصول البيئي بجامعة "بافالو" تعريف مبادئ التصميم الشامل لتشمل المشاركة الاجتماعية والصحة والعافية، وأهدافاً ثمانية تقصد لياقة الجسم والراحة والوعي والفهم والعافية والتكامل الاجتماعي والتخصيص والملاءمة الثقافية.
والغرض من المبادئ هو توجيه تصميم البيئات والمنتجات والاتصالات، وتقييم التصميمات الحالية وتوجيه عملية التصميم وتثقيف كل من المصممين والمستهلكين حول خصائص المنتجات والبيئات الأكثر قابلية للاستخدام.
ويطبق التصميم الشامل في مجالات تصميم التكنولوجيا والتعليمات والخدمات والمنتجات والبيئات على أنواعها، إذ تتعاون مجالات عدة، مثل الهندسة والعمارة والطب، من أجل إنشاء بيئات يمكن الوصول إليها بصورة فعالة ويمكنها أن تساعد في دمج مجموعة متنوعة من الإعاقات.
المبادئ الأساسية
وتقدم مبادئ التصميم الشامل منظوراً تحولياً لقدرتها على التأثير في مجالات التصميم المختلفة، بما في ذلك بناء البيئات والمنتجات وشبكات الطرق والاتصال، وعند تطبيقها على الهندسة المعمارية، فإنها تراعي إنشاء مساحات تناسب الجميع مما يقلل من الحاجة إلى التكيف والتأقلم أو الحاجة إلى التصميم المخصص.
أول المبادئ هو التصميم مع توفير الاستخدام العادل أو المنصف، أي أن يكون التصميم مفيداً وقابلاً للاستخدام من قبل الفئات المختلفة من الأشخاص بغض النظر عن تفاوت قدراتهم الجسدية والذهنية، كتوفير وسائل متماثلة لجميع المستخدمين قدر الإمكان، وإتاحة أحكام الخصوصية والأمان والسلامة بالتساوي للجميع، وجعله جذاباً للجميع، أيضاً، والمهم تجنب عزل أي مستخدم أو وصمه بأي صفة، والهدف هو ضمان الوصول المتساوي إلى جميع الموارد، مثل مناطق العمل والمراحيض والقاعات، وتجنب التمييز لضمان توفير مختلف وسائل الرؤية والاتصال والخصوصية والحماية على قدم المساواة.
والمبدأ الثاني التصميم مع مراعاة المرونة في الاستخدام، بتقديم استخدامات متعددة واستيعاب التفضيلات الفردية، إذ يستوعب التصميم طيفاً واسعاً من القدرات والتباينات الفردية، وهنا توفر طرق استخدام تضمن حرية الاختيار وتوفير إمكانية الوصول والاستخدام باليد اليمنى أو اليسرى، والقدرة على التكيف مع اختلاف سرعات المستخدمين، إذ يجب أن تسمح المساحات المصممة للناس بالتفاعل بطرق تناسب حاجاتهم ووتيرتهم، مما يسهم في تعزيز قدراتهم وتحسين تجاربهم اليومية.
مراعاة البساطة والحدس
ويستند المبدأ الثالث على مراعاة البساطة والحدس، إذ تكون البيئة سهلة الفهم على المستوى المكاني، بغض النظر عن خبرة المستخدم أو معرفته أو مهاراته اللغوية أو مستوى تركيزه الحالي، من خلال التخلص من التعقيد غير الضروري واستيعاب مجموعة واسعة من مهارات القراءة والكتابة واللغة وترتيب المعلومات بما يتفق مع أهميتها، والتوافق مع توقعات المستخدم وتقديم التوجيهات والملاحظات الفعالة أثناء وبعد إكمال المهمة، وبذلك يعمل هذا المفهوم على تعزيز التفاعل السلس مع البيئة، بخاصة للأفراد ذوي الإعاقات الذهنية.
أما المبدأ الرابع فيرتبط ارتباطاً وثيقاً بسابقه، إذ يتعلق بتوفير المعلومات الملموسة التي تسهم في فهم المساحة، ويهتم بمدى قدرة التصميم على توصيل المعلومات الضرورية بصورة فعالة للمستخدم من خلال التصميم الحدسي، بتقديم التعليمات واستخدام التنبيهات والإشارات المسموعة والأرصفة الملموسة والصور التوضيحية والألوان والخطوط العريضة، لتوجيه المستخدم. وبذلك يعزز هذا المبدأ استخدام طرق مختلفة للتواصل، اللفظية واللمسية والتصويرية، والحرص على وصول هذه المعلومات إلى الحواس بصورة متكررة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مبدأ التسامح
والخامس هو مبدأ التسامح مع الخطأ، أي تقليل الأخطار والعواقب السلبية للأفعال غير المقصودة، من خلال توفير تحذيرات من الأخطار والأخطاء وترتيب العناصر لتقليلها، إذ نجعل العناصر الأكثر استخداماً هي الأكثر سهولة في الوصول مع عزل الخطرة منها، وينطبق هذا النهج خصوصاً على مناطق الحركة المفتوحة مثل الممرات والمتحدرات وحمامات السباحة وسلالم الوصول والمواقع المرتفعة مثل الشرفات وحتى مفاتيح الإضاءة.
والمبدأ السادس هو الجهد البدني المنخفض، أي ضمان استخدام التصميم بكفاءة وراحة وبأقل قدر من الإجهاد لتسهيل التفاعلات الأكثر سلاسة، من خلال استخدام الحد الأدنى من قوى تشغيل وتقليل الأفعال المتكررة والسماح للمستخدم بالحفاظ على وضعية جسم محايدة والتقليل من الجهد البدني المستمر، ويضمن هذا النهج أداء الأنشطة بأقل اصطدام، مما يعزز صحة ورفاهية المستخدم، فالطريقة التي نتفاعل بها مع بيئتنا تعتمد بصورة كبيرة على قدراتنا البدنية، لذا فإن التصميم الذي يصعب استخدامه يمكن أن يتحول من أداة مساعدة إلى عائق.
التحدي الحقيقي
ويراعي المبدأ الأخير، مبدأ الحجم والمساحة للاقتراب والاستخدام، تفاوت خصائص وحاجات الأفراد لضمان تفاعل فعال، عبر توفير حجم ومساحة مناسبين للوصول والاقتراب والمناورة والاستخدام بغض النظر عن حجم جسم المستخدم أو وضعه أو قدرته الحركية، على سبيل المثال ضمان الوصول إلى جميع المكونات بطريقة مريحة وتوفير خط رؤية واضح لجميع المستخدمين سواء كانوا جالسين وواقفين واستيعاب الاختلافات في حجم اليد والقبضة.
ويمكن لهذه المبادئ، التي تراعي نتائج المشاركة الاجتماعية والأداء البشري، الأنثروبومترية (القياسات البشرية)، والميكانيكا الحيوية، والإدراك والمعرفة، وتغيير العلاقات الاجتماعية المادية التي تربط الأشخاص بالمساحات والبيئات، وخلق تجارب إيجابية لمختلف أنواع القدرات، وتوفير بيئة ترحيبية وشاملة للجميع، مما يضمن المشاركة الاجتماعية الهادفة.
والتحدي الحقيقي الذي يواجه المصممين هو دمج هذه المبادئ في التصميم العام في وقت واحد وبطريقة سلسلة.