ملخص
الجفاف الذي يضرب القارة السمراء أجبر الملايين من أفراد هذه القبائل على الترحال بحثاً عن المراعي، خصوصاً أن نشاطهم الاقتصادي يتركز على الزراعة والفلاحة، لكن معاناتهم لا تتوقف عند هذا الحد
يوصفون بـ"أكراد أفريقيا" نظراً إلى تشتتهم عبر دول عدة ووجودهم في مرمى نيران الجماعات المسلحة بمختلف تفرعاتها في هذه الدول، وأيضاً في ظل معاناتهم بسبب التغيرات المناخية، تواجه قبائل "الفولاني" مصيراً يكتنفه كثير من الغموض.
فالجفاف الذي يضرب القارة السمراء أجبر الملايين من أفراد هذه القبائل على الترحال بحثاً عن المراعي، خصوصاً أن نشاطهم الاقتصادي يتركز على الزراعة والفلاحة، لكن معاناتهم لا تتوقف عند هذا الحد.
ويوجد ملايين من أفراد هذه القبائل في دول غرب أفريقيا والساحل، وهي منطقة تتسم بتنامي الاضطرابات الأمنية والعسكرية، مما جعلهم عرضة لعديد من الانتهاكات التي لم تصدر عن الجماعات المسلحة فحسب، بل أيضاً عن الجيوش النظامية، بحسب تقارير حقوقية وأممية.
لا مراعي ولا أمن
من النيجر التي شهدت انقلاباً عسكرياً منذ أشهر، قال المواطن "الفولاني" حاليدو حامادو إن "واقع الشعب الفولاني يتأزم بصورة يومية، سواء في النيجر أو غينيا كوناكري أو جمهورية أفريقيا الوسطى بسبب التغيرات المناخية التي ضربت المناطق التي كنا نربي ماشيتنا فيها"، وتابع حامادو أن "هناك معطيات عدة تعرقل تطور قبائل الفولاني في القارة، من بينها انتشار الأمية التي لا نرى أي جهد من دولنا المركزية للحد منها، علاوة على استهدافنا، في عديد من المناطق، من قبل الجيوش النظامية والجماعات المسلحة، ولعل ما حدث في مالي قبل سنوات أبرز مثال".
بالفعل، اتهمت الأمم المتحدة عام 2020، الجيش المالي والمجموعات المسلحة بتصفية المئات من أفراد الشعب "الفولاني" محذرة من تحول النزاع في هذا البلد إلى مواجهات عرقية.
وقال حامادو "هذه ليست حلقة واحدة من سلسلة حلقات استهدفت الشعب الفولاني، ورأينا في وقت سابق تحريضاً واسعاً ضد أفراد شعبنا في دول مثل بوركينا فاسو، لكن الدول المركزية أضحت عاجزة عن توفير حماية لنا". وتابع أن "أفراد شعبنا يعانون أيضاً زحف المزارعين على أراضينا مما جعلنا مجبرين على التنقل والترحال من بلد إلى آخر بحثاً عن المراعي، وليست الهجمات ما تثير هواجس على مستقبلنا، بل أيضاً مورد رزقنا".
أزمة حادة
ويتألف الشعب "الفولاني" العابر للحدود في أفريقيا من نحو 40 مليون نسمة يتوزعون كالتالي: 16 مليوناً في نيجيريا، و5 ملايين في غينيا كوناكري، و3 ملايين في مالي، و4 ملايين في السنغال، و3 ملايين في الكاميرون، و1.2 مليون في بوركينا فاسو، و600 ألف في تشاد، ونصف مليون في موريتانيا، ومثلهم في ساحل العاج، و320 ألفاً يتوزعون على غينيا بيساو وغامبيا، وآلاف عدة في السودان وسيراليون.
اجتماعياً، يخضع أفراد قبائل "الفولاني" لتنظيم وطبقية محكمة للغاية، إذ نجد في أعلى هرمهم طبقة النبلاء، وهم الأثرياء وأصحاب النفوذ الديني والعسكري، وأيضاً النخب، ثم نجد البقية، وهم "العبيد" والفنانون والرعاة، وهي فئات توصف بالمهمشة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الباحث السياسي التشادي يامينغاي باتينباي أن "الشعب الفولاني يمر بأزمة حادة، سواء في منطقة الساحل الأفريقي أو غرب أفريقيا بسبب عديد من المعطيات والظروف". وأوضح باتينباي أن "تغير المناخ يبقى العامل الرئيس في أزمة الفولاني، ذلك أن الوضع الجديد للبيئة يجعل من الصعب جداً الوصول إلى الموارد الطبيعية، خصوصاً المياه والرعي، وهو أمر يؤثر سلباً في حياة الناس". ولفت إلى أن "أفراد الفولاني أصبحوا يضطرون إلى التنقل بانتظام، عبر مسافات طويلة، وبصورة متزايدة، بحثاً عن المياه والرعي، ويقودهم هذا التنقل إلى مناطق أكثر ملاءمة للنشاط الرعوي مثل المناطق السودانية، حيث الوصول إلى المراعي، ويظل الماء متاحاً نسبياً وأسهل، لكن هذا يطرح إشكالاً آخر، إذ إن هذه المناطق التي أصبحت مناطق رعوية جديدة، والتي يرتادها الناس بصورة متزايدة، هي مناطق زراعية تقليدياً، مما يعني أننا نجد أنفسنا في نوع من المنافسة بين الأنشطة الرعوية والأنشطة الزراعية للسكان المستقرين". وشدد على أن "هذه المنافسة المرتبطة بالحصول على الموارد، لا سيما المياه، وكذلك الرعي، تؤدي إلى صراعات بين هذين المجتمعين المهنيين الكبيرين، المزارعين من جهة، ورعاة الفولاني من جهة أخرى". وقال باتينباي "ليس تغير المناخ ما يزيد معاناة الفولاني ذلك أن الهجمات المسلحة تشكل أيضاً عاملاً مهماً يؤثر سلباً في حياة الناس الذين يضطرون إلى اللجوء إلى دول مثل نيجيريا ومناطق أخرى".
انتشار واسع مهدد
وعلى رغم انخراطهم في عديد من المنظمات والجمعيات الناشطة التي تدافع عن حقوقهم، فإنه لا توجد أحزاب سياسية محددة تتبنى قضايا "الفولاني" أو مؤسسات رسمية تعنى بهم.
وقال الباحث السياسي الموريتاني المتخصص في الشؤون الأفريقية سلطان ألبان إن "قومية الفولاني مكون اجتماعي له انتشار واسع في أفريقيا، بخاصة في غرب القارة، وقد استطاع بعض أبنائها الوصول إلى سدة الحكم في عديد من الدول، ويوجد معظم هذه القبائل في نهر السنغال على حدود موريتانيا باتجاه بوركينا فاسو".
وذكر ألبان أن "هذا الخط الجغرافي يعرف محلياً باسم ماسينا الوسط، وعرف عن قومية الفولاني ارتباطها بتربية الأبقار والمواشي، لكن التحول في حياتها كان في عام 2011 عندما تعرضت إلى ما يشبه الاضطهاد في دول مثل غينيا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، عندما ارتبطت أسماء منها بمجموعات أبرزها حركة (الجهاد الإسلامي)".
وكان عالم الأنثروبولوجيا المالي باكاري سانغاري قد كتب، في تقرير نشره في وقت سابق بعنوان "وسط مالي... مركز الجهادية"، "في رد على الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل الجيش، انضم عديد من أفراد الشعب الفولاني إلى صفوف جماعات مسلحة ومتطرفة، بما في ذلك حركة (التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا) و(تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)".
وتابع الباحث السياسي ألبان "اليوم تواجه هذه القومية تهديدات متعددة منها خطر المجموعات المتطرفة المنافسة، والتي تستهدفهم بغرض التجنيد والصراع على مناطق النفوذ، كما تواجه هذه القومية بعض المكونات الاجتماعية الأخرى لأسباب عرقية أو دينية، ونتذكر جيداً مقتل المئات من الفولاني من طريق الدوغون، وهي مكونة أخرى لها حضور قوي في جمهورية مالي".