ملخص
السبب وراء تشديد السياسة النقدية في روسيا هو ووقف تدهور الروبل خصوصاً أمام اليوان الصيني
تبدو قصة "المقاومة الاقتصادية" لروسيا في مواجهة العقوبات غير المسبوقة وكلفة الحرب المستمرة في أوكرانيا مبالغاً فيها إلى حد كبير.
على رغم المؤشرات حول تمكن الاقتصاد الروسي حتى الآن من تفادي الأضرار الكارثية للعقوبات الأميركية والغربية بسبب حرب أوكرانيا، فإن ذلك يبدو وضعاً "غير قابل للاستمرار"، بحسب ما يخلص تحليل مطول لمجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير.
وشهد الاقتصاد الروسي أفضل نمو له منذ 10 سنوات على رغم العقوبات المشددة على موسكو، إذ حقق الناتج المحلي الإجمالي الروسي نمواً العام الماضي بنسبة 3.6 في المئة، أي أعلى من متوسط معدل النمو العالمي، وأفضل بكثير من غالب الاقتصادات الغربية الكبرى، وسط توقعات بنمو مماثل هذا العام أيضاً.
وتضمنت الموازنة الروسية الجديدة التي أعلنتها الحكومة في سبتمبر (أيلول) الماضي زيادة في الإنفاق العسكري بنحو الربع. ويشير التقرير إلى تقديرات بوصول الإنفاق على الدفاع والأمن إلى 17 تريليون روبل (170 مليار دولار)، وتشكل موازنة الدفاع والأمن معاً ما يصل إلى نسبة 40 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي، ونسبة ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويشكل الإنفاق الدفاعي وحده نسبة ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هي الأعلى منذ أيام الحرب الباردة.
التشديد النقدي
من المؤشرات إلى توسع الاقتصاد الروسي بقوة أن البنك المركزي الروسي يواصل سياسة التشديد النقدي في الوقت بدأ غالب البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى سياسة تيسير نقدي بخفض أسعار الفائدة. في الشهر الماضي قرر مسؤولو السياسة النقدية في البنك المركزي رفع سعر الفائدة إلى نسبة 21 في المئة، وهي نسبة غير مسبوقة منذ 20 عاماً، ويتوقع المحللون في الأسواق أن يواصل البنك رفع سعر الفائدة لتصل إلى نسبة 23 في المئة.
واتخذت السلطات الروسية إجراءات منذ فترة لتقليل تأثير سياسة التشديد النقدي على الاقتصاد نتيجة ارتفاع كلفة الاقتراض، ومن بين تلك الإجراءات برامج حكومية للأسر الروسية بتعليق مدفوعات الديون وتسهيل الاقتراض للشركات بكلفة أقل، مع دعم الحكومة لها بتعويض البنوك عن فارق سعر الفائدة، ومن بين تلك البرامج، دعم قروض الرهن العقاري الذي جعل الأسر تقترض بنسبة ثمانية في المئة، بينما نسبة الفائدة الأساسية أضعاف ذلك. وانتهى هذا البرنامج مطلع يوليو (تموز) الماضي، وعلى الفور انخفض حجم القروض العقارية بمقدار النصف (نسبة 50 في المئة تقريباً) في أغسطس (آب) التالي.
ويبدو هذا التوسع في الاقتصاد نتيجة الدعم الحكومي غير مستدام، حتى على رغم تمكن روسيا من الالتفاف على العقوبات، وليست الزيادة في الإنفاق العسكري هي المشكلة، إذ إن ذلك أمر متوقع في حال الحرب، والأمثلة القريبة والبعيدة تشير إلى أن ما يحدث في روسيا ليس استثناءً.
الاعتماد على الصين
في حرب فيتنام وصل الإنفاق الدفاعي لأميركا إلى نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقارب النسبة في روسيا الآن، وفي الحرب العالمية الثانية خصصت القوى الكبرى ما يصل إلى 60 في المئة من ناتجها الاقتصادي للمجهود الحربي، لكنها لم تلجأ إلى سياسة التشديد النقدي التي تتبعها روسيا حالياً.
في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي تمكن المسؤولون في بريطانيا من الالتزام بما وصفته "حرب نسبة ثلاثة في المئة"، وأبقت على سعر الفائدة عند هذه النسبة تقريباً، أما "الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) فأبقى نسبة الفائدة عند 2.5 في المئة خلال الحرب، ونتيجة انخفاض سعر الفائدة كانت كلفة الاقتراض محتملة مما مكن بريطانيا وأميركا من مواجهة مشكلة العجز، أما في روسيا فإن العائد على سندات الدين السيادي متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات ارتفع من نسبة ستة في المئة قبل الحرب إلى 16 في المئة حالياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السبب وراء تشديد السياسة النقدية في روسيا هو ووقف تدهور العملة المحلية، الروبل، خصوصاً أمام اليوان الصيني في ظل اعتماد روسيا على الصين كشريك أساس حالياً، والفارق بين روسيا ودول المحور في الحرب العالمية الثانية هو أن الصين لا تقدم معروفاً مجانياً من دون مقابل.
في الحرب العالمية استفاد الدولار الأميركي من اعتباره "ملاذاً آمناً"، ووفرت أميركا لبريطانيا عبر برنامج مساعدات معدات عسكرية وموارد أساسية من النفط إلى الغذاء، كل ذلك مجاناً من دون مقابل. ولو لم تجد بريطانيا حليفاً مثل أميركا يوفر لها نحو ثلثي حاجاتها مجاناً لانهارت قيمة الجنيه الاسترليني في فترة الحرب.
أما في حال روسيا، فإن حليفتها الصين أصبحت تورد لها تقريباً ثلث حاجاتها، وما يصل إلى نسبة 90 في المئة من الإلكترونيات الدقيقة التي تستخدم في صناعة الصواريخ والمسيرات والدبابات، لكن الصين لا تقدم ذلك مجاناً كما فعلت أميركا مع بريطانيا في الحرب العالمية.
ومن شأن ارتفاع أسعار الفائدة أن يضغط نزولاً على إنفاق الشركات والمستهلكين، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ نمو الاقتصاد الروسي بشدة العام المقبل ليكون عند نسبة 1.3 في المئة فقط. حتى بنك التنمية الروسي، وهو بنك رسمي، خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العام المقبل إلى نسبة اثنين في المئة، بالتالي تحتاج روسيا إلى الحفاظ على قيمة الروبل من دون التراجع أكثر أمام اليوان وغيره من عملات الشركاء التجاريين لتتمكن موسكو من دفع مقابل وارداتها منهم.