ملخص
قال أستاذ تخطيط المدن في كلية لندن للاقتصاد إن القرار يعكس اللامبالاة لعديد من سكان لندن تجاه تاريخهم
طوال 22 عاماً، عمل جون بيرت في تقطيع اللحوم وتجهيز الاستيكات والشرائح في محل جزارة عبر الشارع من سميثفيلد، أقدم سوق لحوم في لندن، وخلال تلك الفترة قال إنه شهد التراجع البطيء للسوق، من مركز تجاري مزدحم لعشاق اللحوم إلى أثر ثقافي ضخم من لندن القديمة.
مع ذلك، فإن الأخبار التي انتشرت هذا الأسبوع حول إغلاق سميثفيلد بعدما ألغى مالكه، مجلس مدينة لندن، خطة لنقل السوق إلى موقع جديد في شرق لندن، شكلت صدمة له.
قال بيرت البالغ من العمر 64 سنة، الذي يعمل في محل جزارة مستقل عن السوق ولا يزال في عمله، لصحيفة "نيويورك تايمز"، "أنا حزين لذلك... لم يكن من الممكن أن تتخيل أن سوق سميثفيلد ستغلق لأنها منذ زمن الملك هنري الثامن".
في الواقع، استمرت السوق هناك لفترة أطول من ذلك، فقد كان سميثفيلد موقعاً للسوق منذ عام 1174 في الأقل، عندما كان التجار في العصور الوسطى يأتون لبيع الخيول والأبقار والثيران والخنازير. وفي عام 1327، منح الملك إدوارد الثالث الهيئة الحاكمة لمدينة لندن الحق في إدارة سميثفيلد والأسواق الغذائية الأخرى، أما السوق الحالية، التي اكتمل بناؤها في عام 1868، فهي معجزة من معجزات الهندسة الفيكتورية، مع سقف ضخم ومسارات قطارات تحتها (لنقل الماشية).
يقول الصحافي ومؤلف كتاب "تاريخ قصير عن لندن"، سايمون جنكينز "أصبحت السوق قديمة تماماً".
المنطقة أكثر قيمة كموقع للمكاتب أو الشقق
وفي عصر سلاسل الـ"سوبرماركت" التي تشتري المنتجات مباشرة من مصانع معالجة الطعام البعيدة، فإن وجود سوق جملة للحوم في قلب لندن يبدو غير منطقي، إذ جرى نقل سوق الفاكهة والخضراوات في كوفنت غاردن من وسط المدينة في السبعينيات، بينما انتقلت سوق الأسماك إلى كناري وارف في 1982.
وقال بيرت إنه يعتقد أن السلطات المحلية كانت تتطلع إلى إزالة شاحنات التوصيل الصاخبة من الأزقة المحيطة بسميثفيلد، التي تحيط بها الحانات والمطاعم الفاخرة. وفي كل الأحوال تعد العقارات في المنطقة أكثر قيمة كموقع للمكاتب أو الشقق أو الأعمال التجارية.
وقالت مدينة لندن، الهيئة الحاكمة القديمة، إنها ستسمح للتجار بمواصلة العمل في سميثفيلد حتى عام 2028 في الأقل. وأكدت أنهم سيحصلون على تعويضات عن كلفة نقل أعمالهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، قال جنكينز، الذي حمل لواء الحفاظ على التراث المعماري في لندن، للصحيفة، إنه يأمل في تحويل السوق إلى مركز ثقافي وتجاري ينافس كوفنت غاردن الذي جرى تجديده. وأضاف أن المبنى المجاور، الذي كان يضم سوقاً للدواجن، تحول ليصبح موطناً جديداً لمتحف لندن، إلا أن جنكينز قال إنه من "الفضيحة" أن سوق اللحوم ظلت قائمة طوال هذه المدة مما حال دون استحواذ المتحف على الموقع بالكامل.
خيبة أمل لأقدم جزء في لندن
بالنسبة إلى مدينة لندن يعد إغلاق سميثفيلد خيبة أمل نادرة، بالنظر إلى طموحاتها ومواردها في تطوير ما يعرف باسم الميل المربع، أقدم جزء من لندن. حولت ناطحات السحاب المنطقة إلى نوع من شيكاغو على ضفاف نهر التايمز، وكانت الخطة الأصلية للهيئة الحاكمة هي نقل سوق سميثفيلد وسوق بيليغسغيت للأسماك إلى موقع جديد ضخم في رصيف داجنهام بشرق لندن.
لكن الهيئة الحاكمة لمدينة لندن قالت إن التضخم وارتفاع كلفة البناء جعلا المشروع غير قابل للتحقيق، وجادل بعض النقاد بأن القرار كان معيباً لأنه فشل في حساب تأثير فقدان السوق في الأمن الغذائي في العاصمة البريطانية.
وفي بيان متفائل، قال رئيس لجنة السياسات في هيئة مدينة لندن، كريس هايوارد، إن القرار يمثل "فصلاً جديداً إيجابياً لأسواق سميثفيلد وبيليغسغيت لأنه يمكن التجار من بناء مستقبل مستدام في أماكن تتماشى مع أهدافهم التجارية على المدى الطويل."
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها مدينة لندن إلى تعليق مشروع طموح، ففي عام 2021، ألغي مشروع قاعة الحفلات الموسيقية الجديدة التي كانت ستكلف 288 مليون جنيه استرليني (365 مليون دولار) والتي كانت ستصبح مقراً جديداً لأوركسترا لندن السيمفوني، وألقي اللوم على جائحة كورونا.
حتى الآن، يحمل سميثفيلد هواءً من الحنين إلى الماضي، إذ تخبر اللافتات المارة عن تاريخ السوق، الذي هو أكثر دموية مما يُتخيل، ففي عام 1305، أعدم زعيم الاستقلال الاسكتلندي، ويليام والاس، وفي عهد الملكة ماري الأولى في القرن الـ16، أحرق البروتستانت أحياء كهرطقيين (زنادقة) هناك.
أما الفصل التالي من سميثفيلد فيكتب بلغة أكثر برودة، وقالت مدينة لندن إنها ستعمل مع التجار لمساعدتهم على "الانتقال بسلاسة ونجاح إلى مواقع جديدة"، لكنهم ليسوا ملزمين البقاء في العمل، وقال بيرت إنه يتوقع أن يتقاعد كثير منهم.
10 أبراج جديدة في المنطقة بحلول 2030
وقال المتخصص في مجال السياسة وتخطيط المدن في كلية لندن للاقتصاد، توني ترافيرس، إن القرار يعكس أيضاً اللامبالاة لعديد من سكان لندن تجاه تاريخهم، إذ كانت مدينة لندن تقاوم السماح ببناء ناطحات السحاب لفترة طويلة، لكن بعدما أقام كناري وارف مجموعة من الأبراج وهدد مركز المدينة المالي، تراجعت الهيئة عن قرارها بصورة مفاجئة، ومن المقرر بناء ما يقارب 10 أبراج جديدة في المنطقة بحلول عام 2030.
وأضاف ترافيرس "من المثير للاهتمام أنه في بلد قديم بتاريخه مثل بريطانيا، فإن الناس على استعداد غير مفاجئ للمضي قدماً."