Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تجار الشنطة" والسوق الموازية يلتفون على قرار تسقيف العملة بالجزائر

يشير صرافون إلى أن السوق السوداء لا يمكن التنبؤ بها ويتحكم بها العرض والطلب ومواسم العطل

مقر بنك الجزائر المركزي وسط العاصمة (موقع بنك الجزائر)

ملخص

لا تسمح السلطات الجزائرية لمواطنيها بشراء إلا ما يناهز 100 دولار سنوياً من العملة من البنوك الرسمية، وهو مبلغ يعتبره جزائريون زهيداً ولم تتم مراجعته منذ نحو ثلاثة عقود، لذلك يلجأ السياح والطلبة والمرضى الباحثون عن العلاج بمستشفيات أجنبية إلى السوق الموازية لتلبية حاجتهم من الأوراق النقدية.

اعتمدت السلطات الجزائرية تغييراً لافتاً في لوائحها المتعلقة باستيراد وتصدير الأوراق النقدية، عن طريق تحديد قيمة العملة الصعبة المسموح للمسافرين المقيمين وغير المقيمين بإخراجها سنوياً، في خطوة جريئة تستهدف ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، بدءاً بالحد من نزيف الأموال إلى الخارج، واحتواء السوق الموازية لصرف العملة، وتقليص نشاط "تجار الشنطة".

ومنذ صدور قرار البنك المركزي الجزائري في الجريدة الرسمية في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يسمح بإخراج 7500 يورو فقط أو ما يعادلها مرة واحدة في السنة مع إظهار وثيقة سحبها من البنك، احتدم الجدل، خصوصاً في أوساط صغار التجار والمواطنين العاديين، حول ارتدادات خطوة كهذه على رحلاتهم إلى خارج البلاد، إذ كان القرار السابق الصادر في 21 أبريل (نيسان) 2016، يرخّص إخراج المبلغ نفسه في كل سفرية مع إشعار السحب من المصرف.

السوق الموازية

ولمعرفة انعكاسات القرار الرسمي بشكل مباشر، يقدم النزول إلى السوق الموازية لصرف العملة الأجنبية أو ما يعرف بـ"السكوار" في العاصمة الجزائرية، إجابة جزئية على السؤال، فلا يبدو أن هذا الإجراء له تأثير كبير في أسعار العملات الرئيسة. فبعد انخفاضهما الأسبوع الماضي، بدأ اليورو والدولار بالارتفاع مرة أخرى وفق ما أوضح صرافون للعملة لـ"اندبندنت عربية".
وقفز سعر اليورو الواحد في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إلى 258.5 دينار جزائري، والدولار إلى 245 ديناراً، على رغم أنه فور الإعلان عن قرار "بنك الجزائر"، تراجع سعر العملة الأوروبية الموحدة يوم الاثنين 25 نوفمبر إلى 253 ديناراً، ليخسر 6 دنانير في يومين بعدما تجاوز سعر الصرف في سبتمبر (أيلول) الماضي 260 ديناراً لليورو.

قيمة العملة

ويشير صرافون إلى أن السوق السوداء لا يمكن التنبؤ بها ويتحكم بها العرض والطلب ومواسم العطل والحج والعمرة، وحالياً لم يستشعر هؤلاء فرقاً كبيراً بعدما توقع كثيرون أيضاً انخفاض قيمة العملات الأجنبية عقب سن قرار إداري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يقتضي تجميد تسليم بطاقات الترقيم للمركبات أقل من 3 سنوات المستوردة من طرف المقيمين حتى إشعار آخر، لكن الأمر لم يكن كذلك.
وسبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن أعلن في ديسمبر (كانون الأول) 2021 أن الكتلة المالية المتداولة في السوق الموازية بكل أنواعها تعادل 90 مليار دولار.


أكثر من سعر للصرف

وواقع السوق الجزائرية أن هناك سعر صرف رسمياً يحدده البنك المركزي، ففي حين يتم صرف اليورو في المصارف بـ 140 ديناراً، فإنه يكلف في السوق الموازية ما يزيد على 250 ديناراً.
ولا تسمح السلطات للمواطنين بشراء إلا ما يناهز 100 دولار سنوياً من العملة من البنوك الرسمية، وهو مبلغ يعتبره جزائريون زهيداً ولم تتم مراجعته منذ نحو ثلاثة عقود، لذلك يلجأ السياح والطلبة والمرضى الباحثون عن العلاج بمستشفيات أجنبية إلى السوق الموازية لتلبية حاجتهم من الأوراق النقدية. وجاء النظام التنظيمي الجديد ليؤثر في بعض الفئات حيث من المقرر أن يستفيدوا من إجراء استثنائي، فيما يتساءل آخرون كيف سيتصرف الأشخاص الميسورون الذين يفضلون الصرف ببذخ خلال رحلاتهم إلى الخارج وهي من الفروقات التي يطالبون بإعادة النظر فيها.

"تجار الشنطة"

وبشكل عام فإن "تجار الشنطة" الذين اعتادوا القيام برحلات عدة في السنة لشراء سلع مختلفة من تركيا والإمارات، وإسبانيا، على وجه الخصوص، لإعادة بيعها في الأسواق الجزائرية، كانوا أول المتضررين بعدما كان الآلاف يغذون نشاطهم عبر اقتناء العملات الأجنبية من السوق السوداء. وبعدما عانى هؤلاء المستوردون غير القانونيين منذ أشهر، من حملة تشديد رقابة السلطات على كل من يشتبه في إدخاله سلعاً موجهة للبيع، جاء الإجراء ليفرض عليهم اتباع أساليب أخرى "احتيالية" في إخراج العملة، كأن يقوم تاجر يحمل 3000 يورو بتكليف مسافر آخر بحمل مبلغ معين نيابة عنه بشكل قانوني مقابل أرباح من العملية لإخراجه بعيداً من أعين الرقابة، في خطوة تحمل أخطاراً لا تختلف عن اعتماد آخرين على شبكة معقدة من العلاقات في داخل وخارج الجزائر تمكنهم من استقبال أموالهم بعيداً من الأطر المعمول بها رسمياً.

وبقدر ما تحاصر الدولة الجزائرية بهذه التدابير، مهربي العملة الصعبة، إلا أن مواد مستوردة غير منتَجة محلياً وأدوية سيصعب إيجادها في السوق الجزائرية بأسعار منخفضة بسبب صعوبة قدرة "تجار الشنطة" في الاستمرار بنشاطهم، ما يتعين عليهم فتح أبواب الاستيراد.

وبالنسبة للخبير الاقتصادي الجزائري البروفيسور مراد كواشي، فإن مبلغ 7500 يورو لا يحصل عليها تجار الشنطة من القنوات الرسمية في الغالب، لذلك يعتقد بلجوئهم إلى طرق أخرى مثل "استخدام وسائل الدفع الإلكتروني والبطاقات الدولية، حيث قد يعملون على شراء العملة الصعبة من السوق الموازية، وبعدها صب المبالغ هنا بالجزائر ثم استخدام تلك الأموال في الخارج".

وقال كواشي لـ"اندبندنت عربية"، إنه "لا يمكن الحديث عن نهاية وشيكة لهذه السوق نتيجة تراكم نشاطه لسنوات منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حيث أن إجراء التسقيف له تأثير نسبي"، مشيراً إلى "قرارات حكومية سابقة تم اتخاذها بفتح وكالات صرافة رسمية ولم يتم تفعيله بعد".
وكانت الحكومة الجزائرية أصدرت في 21 سبتمبر (أيلول) 2023 نصاً قانونياً يتعلق بـ"شروط الترخيص بتأسيس مكاتب الصرف واعتمادها ونشاطها"، ومن وقتها لم يعلن بنك الجزائر بعد فتح مكاتب رسمية، الأمر الذي زاد من استمرار هيمنة السوق السوداء للعملة الصعبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ردود من الطبقة السياسية

واستوقف تسقيف الحد المسموح للجزائريين بتحويل العملات الأجنبية إلى الخارج، الطبقة السياسية في الجزائر، وكتب رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان مقالاً عبر موقعه الإلكتروني، حذر من خلاله من أولى نتائج هذا الإجراء من "انتقال السوق الموازية تدريجاً إلى الخارج، حيث ستُشترى العملات الأجنبية مباشرة خارج البلاد ما قد يوسع قنوات السوق الموازية إلى خارج الحدود".
ودعا إلى استعادة قيمة الدينار، مرجحاً "سعي كل شخص يمتلك رأس مال جاهزاً لتحويله إلى عملة أجنبية وتخزينه بانتظار فرصة سانحة لإخراجه".
وتعليقاً على هذا التغيير الكبير الذي يحد بشكل كبير من كميات العملات الأجنبية المسموح بتصديرها للمسافرين، دعا النائب بالبرلمان الجزائري عبد الوهاب اليعقوبي، إلى "تنظيم فعال للتدفقات، من دون الإضرار بالمواطنين". وقال إنه "لتنظيم تدفقات العملة الأجنبية بشكل فعال، يتطلب الأمر إصلاحات هيكلية تعزز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الإيرادات بالعملات الأجنبية عن طريق دعم القطاعات غير النفطية، وتعزيز الاستثمارات الأجنبية، وتوفير آليات أكثر شفافية للمعاملات المالية الدولية"، متسائلاً ما إذا كانت هناك بالفعل دراسة مسبقة لتأثيرات هذا القرار في الاقتصاد والمواطن وبيئة الاستثمار.

اقرأ المزيد