ملخص
حذر مختصون من اقتراض الحكومة مباشرة من البنك المركزي ما يضع ضغوطاً على العملة المحلية ويرفع التضخم
مع اقتراب نهاية عام 2024 وفي ظل مشهد اقتصادي قاتم غلبت عليه المؤشرات السلبية لا سيما نسبة نمو هشة وارتفاع مستويات البطالة إلى نحو 16 في المئة ووضع مالي مهزوز، خرج الدينار التونسي من بوتقة المشهد الاقتصادي والمالي الصعب.
وللسنة الخامسة على التوالي تسجل العملة التونسية استقراراً إزاء أهم سلات العملات الأجنبية في مقدمتها اليورو والدولار، فعلى عكس التوقعات حقق الدينار صموداً أسهم في التخفيف من وطأة وتداعيات الظرف الاقتصادي لكنه يظل محفوفاً بالأخطار التي لا تزال تحدق باقتصاد تونس.
وأفصحت بيانات البنك المركزي التونسي أن الدينار واصل صموده أمام الهزات المتتالية للاقتصاد بعد سنوات صعبة عصفت به قبل عام 2019.
واصل سعر صرف الدينار التونسي تحسنه أمام أهم العملات العالمية منذ بداية العام وإلى أواخر في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ تحسن بأكثر من 1.63 في المئة إزاء الدولار مقابل تراجعه بنحو 1.98 في المئة أمام اليورو.
وبحسب موقع البنك المركزي التونسي يتداول حالياً الدينار أمام اليورو بـ3.3315 دينار، و3.1476 دينار مقابل الدولار الواحد إلى حدود 29 نوفمبر الماضي.
وتحسن سعر صرف الدينار أمام العملة الصينية اليوان بنسبة 0.9 في المئة منذ بداية 2024 و0.3 في المئة على مدار عام كامل، وفي المقابل تراجع سعر صرفه أمام العملة المغربية الدرهم 0.6 في المئة إلى حدود منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، وتراجع أيضاً أمام الدينار الجزائري 0.7 في المئة إلى أواخر سبتمبر الماضي.
سلاح نسبة الفائدة
ويرى البنك المركزي التونسي في مختلف تحاليله الصادرة عن بيانات مجالس إدارته أن "الانخفاض الكبير للمخزون من العملة الأجنبية خلال عامي 2017 و2018 (من 112 إلى 70 يوم توريد) تزامن مع انخفاض سريع لقيمة الدينار التونسي بنسبة 40 في المئة".
وتزامن الارتفاع الملحوظ لحجم إعادة التمويل للسوق المالية خلال عامي 2017 و2018 من زهاء 6 مليارات دينار (1935 مليون دولار) إلى 17 مليار دينار (5.4 مليار دولار)، مع تسارع انخفاض مخزون العملة الأجنبية إلى أقل من 70 يوم توريد.
في المقابل تزامن التقليص التدريجي في حجم إعادة التمويل للسوق الذي انطلق في عام 2019 مع ارتفاع المخزون من العملة الأجنبية إلى مستوى 160 يوم توريد نهاية عام 2020.
وترى مؤسسة الإصدار أن الترفيع في سعر الفائدة الرئيسة والتقليص من حجم إعادة التمويل هما العاملان الأساسيان وراء نجاح البنك المركزي في السيطرة على انخفاض الدينار وتأمين استقراره منذ عام 2019.
وقلص الارتفاع الملحوظ في نسب الفائدة على الدولار واليورو منذ عام 2022 (5.50 في المئة بالنسبة إلى الدولار حالياً و4 في المئة على اليورو) مستوى فارق نسب الفائدة مقارنة بالدينار مما خفض في كلفة التغطية وشجع على المضاربة في ظل تراكم التوقعات السلبية للمتعاملين الاقتصاديين.
دور مهم في تقلص العجز الجاري
ويعتقد المتخصص في الأسواق المالية معز حديدان أن عديداً من العوامل الموضوعية أسهم بشكل هام في استقرار الدينار التونسي، مثل تقلص عجز الميزان التجاري إلى أقل من 2 في المئة في عام 2024.
وقال لـ"اندبندنت عربية" إن جانباً كبيراً من تماسك العملة المحلية التونسية إزاء أهم العملات العالمية يعود إلى أهمية تحويلات المغتربين التونسيين وإلى عائدات السياحة بالعملة الأجنبية. وأردف أن تونس في السنوات الماضية كانت تحصل على قروض أجنبية خارجية بالعملات الأجنبية أسهم بدوره في تماسك العملة المحلية وتعزيز رصيد احتياط العملة الأجنبية. وأوضح أنه منذ بداية العام إلى حدود 29 نوفمبر الماضي تراجع الدينار أمام الدولار بنسبة 2.6 في المئة، وارتفع إزاء العملة الأوروبية بـ 1.8 في المئة.
وعلى امتداد عام 2023 ارتفع الدينار أمام اليورو بنحو 1.5 في المئة مع انخفاضه أمام الدولار 2.4 في المئة، يضيف حديدان متسائلاً عن مصير الدينار التونسي العام المقبل في ظل شح القروض الخارجية، وما قد يتسبب في تسجيل ضغوطات على العملة المحلية، تزامناً مع قرار وزارة المالية الوارد في قانون المالية للسنة المقبلة بالحصول على تسهيلات خزينة من البنك المركزي بقيمة 7 مليارات دينار.
من المهم أن يكون الدينار قوياً
وفسر هذه النقطة بأن عملية حصول الحكومة على قروض مباشرة من البنك المركزي التونسي، قد تؤثر سلباً في قيمة الدينار التونسي لا سيماً أن الحكومة ستلجأ إلى الحصول على العملة الأجنبية من البنك المركزي لسداد ديونها الخارجية، على أن تعيد مقابل ذلك بالدينار.
ومن شأن هذه الوضعية أن تؤثر في مخزون احتياط العملة الأجنبية بما سيزيد لاحقاً الضغط على العملة المحلية، من وجهة نظر المتحدث.
وعد معز حديدان أنه من المهم للدينار أن يكون قوياً أمام الدولار، من منطلق أن جل المعاملات التجارية على مستوى توريد المواد النفطية والمواد الأساسية وخلاص القروض تنفذ عبر الدولار، ومقابل ذلك شدد على أهمية تحسين مستوى علاقة الدينار باليورو من منطلق أن جل صادرات تونس تتوجه نحو منطقة اليورو.
منحى سلبي
وانطلق المنحى السلبي للدينار التونسي منذ 2011، بعدما كان سعره لا يتجاوز 1.33 دينار مقابل الدولار في يناير (كانون الثاني) 2010 وتراجع إلى 1.51 دينار في مارس (آذار) 2012، ثم إلى 1.66 دينار في ديسمبر (كانون الأول) 2013، وصولاً إلى 1.72 دينار في يوليو (تموز) 2014، ليأخذ منعرجاً لافتاً منذ عام 2015، إذ تهاوى إلى 1.93 دينار في فبراير (شباط)، ثم 2.2 دينار في أغسطس (آب) 2016، و2.42 دينار في يوليو 2017، ليصل إلى السعر الأدنى التاريخي، وهو 3.02 دينار في أبريل (نيسان) 2019، ما مثل دافعاً للمخاوف الحالية 3.1 دينار مقابل الدولار في الوقت الراهن.
وخضعت تونس لضغوط من جانب المانحين بهدف تعويم الدينار من أجل تصحيح الاختلالات في ميزان المدفوعات، ويتمثل ذلك في إخضاع سعر الصرف لآليات السوق، ومنها العرض والطلب، غير أن هذه المسألة ستؤدي آلياً إلى تهاوي العملة المحلية، لأن الطلب على العملة الأجنبية يفوق العرض في سوق الصرف التونسية، في حين أن عرض الدينار التونسي يفوق الطلب، ما أدى إلى انخفاض سعر الصرف.
استرجاع التوازن
من جانبه، رأى المتخصص المالي بسام النيفر أن الدينار التونسي عرف انحداراً لافتاً في عامي 2017 و2018 إثر تصريحات وزيرة المالية آنذاك لمياء الزريبي ببلوغه مستوى 3 دنانير مقابل واحد يورو. وقال لـ"اندبندنت عربية" إنه على رغم الظرف الاقتصادي الصعب، تماسك الدينار التونسي بعد لجوء البنك المركزي إلى الرفع في نسبة الفائدة الرئيسة، باستثناء فترة جائحة "كوفيد 19"، موضحاً أن نسبة الفائدة لها علاقة عضوية بسعر صرف العملة والحفاظ على مخزون العملة الأجنبية.
وسيلة تقنية مهمة
وتابع المتحدث تحليله في علاقة بتماسك الدينار بلجوء البنك المركزي إلى الوسيلة التقنية الممكنة، وهي الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة التي ولئن فرضت نوعاً من الضغوط على المستوى الداخلي للمتعامل بالدينار، لكنها بالمقابل توفر هامش تحرك مريحاً نسبياً على المستوى الخارجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم الوضع الصعب فإن سعر صرف الدينار التونسي حافظ على استقراره وتجاوز أزمة عام 2018 حين شهدت تلك الفترة مضاربة كبيرة في شراء العملة الأجنبية مقابل الدينار بعد فقدان الثقة في العملة المحلية، واستباق التوقعات بإمكانية بلوغ واحد يورو 4 دنانير.
وزاد في تحليله بالتأكيد على أن الدينار التونسي يسير تقريباً في نفس مستوى اليورو/ دولار، وأنه تحسن أمام العملة الأميركية خصوصاً في عام 2023، وأن الطلب للعملة اقتصر على العمليات الاقتصادية والمالية.
تماسك ملحوظ
وقال النيفر إن الدينار التونسي عرف على مدار عام كامل تماسكاً ملحوظاً على من الظروف الاقتصادية العالمية المؤثرة بشكل كبير في الوضع الداخلي للبلاد. وأبرز أن من أهم عوامل تماسك العملة المحلية بتحسن عجز الميزان الجاري بشكل لافت، مشيراً إلى تلافي العجز الفادح في السنوات الماضية، إذ كان هذا العجز في حدود 11.1 في المئة من الناتج الداخلي الخام في 2018 ليمر إلى مستوى 1.4 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لافتاً إلى أن هذا التحسن جاء على حساب النمو الاقتصادي. وأضاف أن نسبة التضخم على رغم كونها في مستويات عالية، فإن الدينار التونسي ظل متماسكاً ما يظهر وجود تحكم في المسألة، وأن البنك المركزي استطاع أن يجعل الدينار قريباً من سعر صرف مع اليورو والدولار.
وتدعم نسبة الفائدة الرئيسة بـ8 في المئة الدينار، فيما أكثر عامل يؤثر في قيمة العملة المحلية نسبة الفائدة المديرية التي طالما تكون عالية يظل الدينار متماسكاً.
ورجح بسام النيفر أن جل التوقعات والتحاليل تؤكد على تواصل استقرار الدينار التونسي في عام 2025، وخلص بالدعوة إلى وجوب الحفاظ على سعر صرف العملة المحلية الذي يعد أمراً ضرورياً، مضيفاً "في حال تراجع نسبة التضخم لن يُراجع البنك المركزي في نسبة الفائدة الرئيسة في إطار حرصه على سعر صرف الدينار".