ملخص
بعد وقف إطلاق النار في لبنان وأشهر من القصف العنيف، يُطرح موضوع خطر المباني المتصدعة بسبب القصف والتي عاد إليها آلاف المواطنين. أي معايير تسمح بتقييم دقيق لتجنب كوارث مقبلة؟
تسبب القصف الإسرائيلي العنيف على مناطق عدة في لبنان بدمار جزئي أو كلي لأكثر من 100 ألف وحدة سكنية. كما أظهر تقرير البنك الدولي أن نسبة 18 في المئة من هذه الوحدات السكنية دُمّرت بالكامل، بينما تعرّض القسم الباقي منها إلى تدمير جزئي وضرر ملحوظ، مباشر أو غير مباشر. أيضاً أظهر تقرير البنك الدولي الأخير أن المستوى الأعلى من الخسائر سُجّل في مباني المؤسسات في جنوب لبنان، خصوصاً في مناطق صيدا وصور والنبطية ومرجعيون وبنت جبيل. وقد أظهر الكشف الأولي على المباني المحيطة بالمباني المستهدفة التي تعرضت لهذا القصف العنيف في الضاحية الجنوبية وجود أضرار وتصدعات لا يمكن إهمالها تجنباً لتعريض حياة كثيرين للخطر.
الخطر في العودة العشوائية
من أولى لحظات الإعلان عن وقف إطلاق النار، سارعت نسبة كبيرة من المواطنين الذين كانوا قد غادروا منازلهم ومناطقهم مرغمين بسبب القصف، إلى العودة إليها لتفقدها أو للإقامة فيها من جديد. هذه اللهفة على العودة تعتبر طبيعية ومن الممكن تفهمهما بعد مشاعر الفقدان التي خالجت المواطنين في ظروف الحرب. إنما في الوقت نفسه، لا يعتبر التسرّع في العودة إلى الأقامة في هذه المنازل المحيطة بتلك التي استهدفت ودمّرت، مقبولاً كونه يكون محفوفاً بالأخطار.
لسان حال غالبية الأهالي الذين عادوا إلى مناطقهم التي تضرر جزء كبير منها، أن العودة إلى المنزل أهون الشرين من البقاء في مراكز الإيواء، وأن المنزل مهما كان وضعه يبقى المكان الأقرب إلى قلبهم وعقلهم وذاكرتهم وفيه يشعرون بالارتياح.
وعن خطر سقوط المبنى الذي يقطنون فيه، يؤكد هؤلاء أن الوضع سيء وصعب في كل مكان ولا خيارات كثيرة أمامهم.
وفي هذا الإطار يرجح الخبراء بأن يكون قسماً من هذه الأبنية متصدعاً وغير صالح للسكن ما لم تخضع إلى عملية ترميم شاملة، وفق المعايير الخاصة بالسلامة العامة التي يتم الاعتماد عليها في الكشف الفني عليها. حتى أنه نتيجة العصف العنيف وتأثيره الواسع النطاق في المناطق التي تعرّض فيها قسم كبير من المباني إلى التدمير الكامل، قد تكون هناك أضرار إنشائية في المباني المحيطة بشكل يستدعي تدميرها بالكامل بدلاً من ترميمها. وأحياناً قد لا تكون هذه الأضرار ظاهرة بوضوح، إلا أن وجودها يعرّض حياة قاطنيها للخطر سواء في المدى القريب أو البعيد. وهنا يكمن الخطر الأكبر، عندما يستبعد سكان هذه الأبنية احتمال وجود خطر في وجودهم فيها. وكانت الهيئة اللبنانية للعقارات قد حذرت من الخطر الكبير الذي يمكن أن تشكله هذه المباني المتصدعة والمتضررة بسبب القصف على ساكنيها ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة قبل إقامتهم فيها مجدداً. في حديثها مع "اندبندنت عربية" حذرت رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات المحامية أنديرا زهيري من الأضرار المحتملة، مشيرةً إلى غياب الصيانة للمباني أصلاً، بينما قسم منها متصدّع أصلاً بسبب هزات أرضية سابقة وزلازل ربما تكون قد تأثرت بها ولم تجرَ لها أي عمليات كشف وصيانة. لذلك، يعتبر المسح الشامل والكشف على المباني أولوية في المرحلة الحالية تجنباً لكوارث مستقبلية يمكن أن يتعرض لها ساكنوها، في حال عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة. وتلفت زهيري إلى أن الأبنية المتضررة قد تكون في مناطق تعتبر آمنة، وهذا ما يزيد الخطر بما أن السكان يعتبرون أنفسهم بأمان في مبانٍ لم تتعرض للقصف والأضرار المباشرة كتلك التي دُمّرت، بينما تكون الأضرار والتصدعات غير ظاهرة، ويمكن أن تؤدي إلى انهيار المباني على رؤوس ساكنيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انطلاقاً من ذلك من المفترض إجراء الكشوفات الفنية في المناطق المتضررة وتلك المحيطة بها، خصوصاً أن هناك مباني وضعت عليها علامات خطر تدل على احتمال انهيارها. فكونها آيلة للسقوط، قد يستدعي ذلك هدمها بالكامل بدلاً من ترميمها حتى لا تتعرض حياة السكان للخطر. وهنا تؤكد زهيري أنه "حفاظاً على السلامة العامة، من المفترض أن تتشكل لجان في المناطق بمبادرات فردية تضم مهندسين وخبراء في المجال لإجراء الكشوفات الخارجية، والتأكد ما إذا كانت التصدعات في المباني والتشققات الخارجية يمكن أن تشكل خطراً على سكانها، وذلك كخطوة أولى قبل عودتهم إليها ومن دون أي تأخير، تماماً كما حصل لدى انفجار مرفأ بيروت بدعم خارجي لإجراء عمليات المسح والصيانة. فتلك العائلات التي نجت من الحرب، يجب ألا تتعرض لخطر الموت بسبب انهيار المباني فوق رؤوسها".
ولا يقتصر الخطر الذي يواجهه الأهالي في المناطق التي تعرضت للقصف على المباني المتصدعة والمتضررة، بل تحذر زهيري أيضاً من الأخطار المرتبطة بالقنابل والمتفجرات ومخلفات القصف غير المتفجرة. فقبل أن يعود أهالي هذه المناطق، كان من المفترض إجراء كشف دقيق ومسح للتأكد من عدم وجود أي قنابل عنقودية غير متفجرة أو غيرها، مشيرة إلى نقص الوعي في هذا المجال وغياب الخطط التي تضمن السلامة العامة.
معايير دقيقة لتجنب الخطر
في حديثه مع "اندبندنت عربية" عن المعايير التي يتم الاستناد إليها في الكشف على المباني المتضررة جراء القصف، أوضح مديرعام إحدى شركات التدقيق الفني في الهندسة العمارية ألكسندر ريشا أنه في ما يتعلق بالمباني المتضررة جزئياً، يجرى تقييم نظري جزئي لتقدير الأضرار الهيكلية والإنشائية وتحديد الضرر الحاصل لكل مبنى على حدة من قبل مهندسين متخصصين في هذا المجال. أما المعايير المعتمدة في هذا التقييم فتستند إلى:
- تقييم الأضرار، سواء كان التدمير كاملاً أو جزئياً للمبنى، في العناصر الهيكلية الأساسية مثل عواميد الأساس والجدران والعارضة مع تصوّر لفرص الترميم أو الاستبدال لأي من هذه العناصر الأساسية.
- التحقق من سبل إعادة تدعيم العناصر الهيكلية والإنشائية
- التحقق من وجود تصدعات هيكلية أو غير هيكلية في كافة العناصر الأساسية في البناء الإسمنتي.
- التحقق من عدم وجود أي التواء أو تحرك في أساسات البناء أو ما إذا كانت أساساته قد تعرضت للأضرار.
- الهبوط التفاضلي لأساسات المبنى بحيث يتم التحقق من القواعد تحت المبنى تهبط بنسب مختلفة بسبب تفاوت في قواعد قوة التربة أو لأي أسباب أخرى.
-تقييم أي ترهل حاصل في الجسور والأسقف.
- التحقق من أي تغييرات في الظروف المحيطة للمبنى.
- تسرب المياه وتأثيره في العناصر البنيوية المتضررة.
ووفق ما يوضحه ريشا، نظراً لأنواع الأسلحة العنيفة والقذائف المستخدمة التي تسببت بتدمير هائل، من الضروري الحرص على إجراء كشف شامل لمحيط المباني المدمرة. أي أن المباني المجاورة معنية أيضاً بالكشف لأنه من الممكن أن تكون قد تعرضت لأضرار إنشائية. فعصف القصف وعنفه يمكن أن يكون قد أثر فيها. كما يمكن أن تكون هناك مواد كيماوية يجب أخذها في الاعتبار أو تصدعات أو تسرب مياه أو يمكن أن تكون دعائم وقواعد البناء قد تضررت. فكلها عناصر يمكن أن تؤثر في صلابة الأبنية وتهدد السلامة العامة ويجب أخذها في الاعتبار، سواء في ما يتعلق بالمباني المهدمة أو في تلك المحيطة بها.
أضرار في المدى القريب
بطبيعة الحال، ثمة أضرار يمكن أن يظهر أثرها للمدى القريب، وأخرى قد تظهر نتائجها في المدى البعيد، وفي الحالتين تكون هذه من التداعيات غير المباشرة للحرب. في هذا الإطار، يشير ريشا إلى أن هذا النوع من الأضرار، وما إذا كان له أثر بعيد المدى أو ما إذا كان قد يظهر في المدى القريب، قد يتحدد وفق معايير معينة يُجرى الكشف على أساسها. انطلاقاً من ذلك، يتم تحديد مستوى الضرر، وطبيعة العناصر الإنشائية المتضررة، وموقع البناء في المنطقة التي تعرضت للقصف، ومواقع المباني المدمرة بالنسبة لها. كما أنه من المهم التحقق ما إذا كانت هذه المباني قد أنشئت أصلاً وفق معايير معينة لتكون مقاومة للزلازل. على هذا الأساس، يجرى تصنيف للأضرار، فإما أن تكون بسيطة، أو خفيفة، أو معتدلة، أو كبيرة، أو أنها مهددة بالانهيار. وفي ما يتعلق بالأضرار البسيطة والخفيفة والمعتدلة، يمكن تقييم الخطر مباشرة، وإجراء عملية إعادة التأهيل والترميم بالاستناد إلى التصنيفات التي وضعت في الكشف. وفي معظم الحالات، تكون هناك حاجة لتدعيم البناء، وترميم العناصر الهيكلية وغير الهيكلية. أما عندما تكون الأضرار كبيرة، فيكون الخطر كبيراً على السكان على المدى البعيد وثمة احتمال بانهيار المبنى في أي وقت. في هذه الحالة، من الضروري إجراء تقييم دقيق وشامل مع مراجعة لتصميم البناء. وعلى هذا الأساس يُتخذ قرار إعادة الترميم أو التدمير الكامل للمبنى إذا كان خطر الانهيار كبيراً وعملية الترميم لن تكون مجدية أو أن كلفتها قد تتخطى كلفة الإنشاء.