ملخص
يروي الفيلم قصة "شيخة" شابة تواجه التحديات الاجتماعية والنفسية لتحقيق حلمها في الغناء والحفاظ على كرامتها وهويتها الفنية.
بعد تألق فيلم "الجميع يحب تودة" في مهرجان كان في خطف الأضواء مجدداً في مهرجان مراكش السينمائي. يروي العمل قصة تودة، الشيخة الشابة والأم العزباء التي تعشق فن "العيطة" [لون غنائي يعتمد على أشعار تحمل معاني مرمزة لا يفهمها إلا أصحاب الأرض كنوع من شفرة سرية بين المقاومين المغاربة من النساء والرجال ضد العدو] وتحلم بمشاركة هذا الفن العريق مع العالم. تحت وطأة الفقر ونقص الفرص، تضطر تودة لترك قريتها والتوجه إلى مدينة الدار البيضاء، حيث تصطدم بواقع قاسٍ؛ إذ يُنظر إلى فنها على أنه ليس سوى تراث قديم، وتواجه تحديات متكررة تمس نزاهتها الشخصية. الفيلم مستوحى من أسطورة الشيخة خربوشة التي قاومت القائد عيسى بن عمر بصوتها، وهو من إخراج نبيل عيوش الذي أشار إلى أن قصص الشيخات لطالما ألهمته، حيث تعكس إعجابه بالنساء القويات، وهو ما يعود بجذوره إلى علاقته بوالدته التي ربته بمفردها.
في لقاء مع "اندبندنت" سئل عيوش عن سبب اختياره لهذه القصة الآن، حيث أوضح أن شخصيات الشيخات ظهرت في عديد من أعماله السابقة مثل فيلم "يا خيل الله" و"رَزيا"، لكنها كانت دائماً شخصيات ثانوية. ومع ذلك، يرى أن الإعجاب الذي يكنه لأولئك النسوة، إلى جانب تجربة عمله مع الممثلة نسرين الراضي التي لعبت دور البطولة في فيلم زوجته مريم التوزاني بعنوان "آدم"، أسهم في تعزيز رغبته في تقديم فيلم تكون فيه الشيخة البطلة الرئيسة.
وفي ما يتعلق بمشاركة زوجته مريم التوزاني في كتابة الفيلم، أكد عيوش أن العمل المشترك بينهما يجعل من الصعب التمييز بين ما يأتي منه وما يأتي منها. لكنه أشار إلى أن العلاقة التي جمعت تودة بابنها ضعيف السمع في الفيلم مستوحاة جزئياً من علاقته بوالدته التي كانت تعشق الغناء، إذ كان الغناء متنفساً لها وكان يستمع إليها بصمت.
وحول النظرة المجتمعية التي تواجهها الشيخات، أوضح عيوش أنهن كن يعتبرن رموزاً وطنية ومصدر إلهام خلال القرن الـ19، عندما كن يمثلن صوت المقاومة في مجتمع يهيمن عليه الرجال. ومع ذلك، تغيرت هذه النظرة عندما اضطرت العديد منهن لمغادرة مناطقهن الريفية في الستينيات والسبعينيات بسبب الفقر، مما أجبرهن على الغناء في مقاهي المدن وكباريهاتها. هذا التحول أدى إلى تغيير مكانتهن الاجتماعية من بطلات إلى شخصيات مثيرة للجدل، وأصبحت كلمة "شيخة" إهانة لدى البعض. أشار عيوش إلى أن أحد أهداف الفيلم هو إعادة الاعتبار لأولئك النسوة وتكريم مكانتهن الحقيقية في الثقافة المغربية.
كما يتطرق الفيلم إلى صراعات أخرى، حيث تواجه تودة صعوبات في العثور على مدرسة تقبل ابنها ضعيف السمع، مما يعكس كفاحها الدائم لإيجاد مكان لهما في المجتمع. وأوضح عيوش أن ابن تودة يرمز إلى فكرة الإقصاء، سواء بحكم إعاقته السمعية أو نتيجة الأحكام المسبقة التي تواجهها والدته بسبب فنها.
وعند الحديث عن المشهد الأخير للفيلم، وصف عيوش هذه اللحظة بأنها خلاصة رحلة تودة العاطفية. تظهر لأول مرة بملابس متألقة ومكياج، مما يوحي بأنها وصلت إلى حلمها بالغناء وممارسة فنها بحرية. لكن سرعان ما تصطدم بالواقع المرير، وتعود من المسرح بنفس السرعة التي صعدت بها، ومع ذلك تبتسم. يرى عيوش أن هذا المشهد يعكس مزيجاً من الأمل واليأس، لكنه قبل كل شيء يظهر استعادتها لكرامتها وسيطرتها على مصيرها.
في مشهد استمر لمدة ثماني دقائق من التصوير، استطاع عيوش أن يلتقط التحولات العاطفية المعقدة التي تمر بها تودة، من البهجة إلى الحزن، ومن الأمل إلى الإصرار. المشهد، الذي تطلب تحضيرات استمرت ثلاثة أشهر، يمثل لحظة ذروة تجمع كل رسائل الفيلم، ليترك المشاهدين مع إحساس عميق بقوة الإرادة والكرامة.