Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أغنية سيما" يحكي نضال الأفغانيات بين الغزاة والمجاهدين

قصة الفيلم مستوحاة من أحداث حقيقية عام 1978 يوم تحولت أفغانستان إلى ساحة صراعات سياسية متشابكة وسط إسقاط لافت على عهد "طالبان" القديم والحالي

يسلط العمل الدرامي الضوء على حقوق المرأة الأفغانية في خضم الحرب السوفياتية (وسائل التواصل الاجتماعي) 

بينما تُخنق أصوات النساء في أفغانستان تحت وطأة قرارات حركة طالبان التي كان أحدها منعهن من الحديث بصوت عال في الأماكن العامة وتغطية وجوههن خارج المنازل، تعالت أصوات الافغانيات عبر شاشة السينما من خلال فيلم "أغنية سيما" الذي عرض ضمن مسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي المقام في مدينة جدة غرب السعودية.

ويبدأ الفيلم الدرامي التاريخي بمشهد افتتاحي يحكي معاناة النساء الأفغانيات وهن يهتفن مطالبات بـ "خبز، عمل، حرية" في شوارع العاصمة كابول، وعندما حاولت "طالبان" تفريقهن بإطلاق النار رفعت النساء أصواتهن بالغناء تقودهن ثريا، الجدّة الستينية، وإلى جانبها تسير حفيدتها سيما التي تحمل اسم صديقتها نفسه، ومع أنغام عزف آلة الربابة تستعيد ثريا ذكريات سبعينيات القرن الماضي وزمن الصراعات السياسية لتبدأ حينها أحداث الفيلم.

أحداث الفيلم

وتعود قصة الفيلم المستوحى من أحداث حقيقية، بحسب رؤية مخرجته رويا سادات، لعام 1978، يوم تحولت أفغانستان إلى ساحة صراعات سياسية متشابكة، إذ يروي في 95 دقيقة تاريخ أفغانستان إبان الحرب السوفياتية والنفوذ الروسي في البلاد، والتوترات بين الفصائل المختلفة في الحزب الحاكم الأفغاني وثورة المجاهدين.

وربطت المخرجة بين هذه الفترة من تاريخ البلاد والمحنة الحالية للمرأة الأفغانية تحت حكم "طالبان"، ولعبت كل من الأفغانيتين موزهدا جمالزاده دور "ثريا"، ونيلوفاركوخاني دور شخصية "سيما".

 

ويسلط العمل الدرامي الضوء على حقوق المرأة الأفغانية في خضم الحرب السوفياتية، متتبعاً مسار فتاتين تدخلان الأعمال السياسية في البلاد، إذ تنتمي ثريا لعائلة شيوعية سياسية ثرية بارزة، وتتولى دوراً محورياً داخل الفصيل الموالي لروسيا، وتترأس المنظمة النسائية للحزب الشيوعي معتقدة أن ذلك هو السبيل إلى تحقيق المساواة في الحقوق.

في المقابل تظل صديقتها سيما، المغنية الموهوبة، متشككة تجاه الأيديولوجيات السياسية، ومكرسة نفسها لفنها التقليدي ورومانسيته، وعلى رغم اختلاف وجهات نظرهما فإن الشابتين حافظتا على علاقتهما قوية خلال فترة دراستهما الجامعية، لكن الأمور تتغير عندما تتزوج سيما وتبدأ حضور اجتماعات نشاطات سياسية رفقه زوجها وتختار الانضمام إلى جماعات المجاهدين، ومع تصاعد الاضطرابات السياسية في  كابول على نحو متزايد واعتقالات الجيش للنشطاء، تساعد ثريا صديقتها سيما وزوجها في الهرب إلى الجبال خوفاً من الاعتقال لتبقى تحت حماية عناصر مسلحة، لكن الحرب تلاحقهم مما يؤدي إلى سلسلة من الأحداث المؤسفة، ليدركن لاحقاً أنهن استغللن من قبل جماعات سياسية متعطشة للسلطة وحسب.

المرأة الأفغانية

بعد نهاية العرض الأول للعمل على شاشة مهرجان البحر الأحمر السينمائي تحدثت بطلة الفيلم التي لعبت دور ثريا، موزاده جمال زاده، عن العمل السينمائي وقالت إن "هذا الفيلم يعني الكثير لنا، بخاصة لي أنا من أفغانستان، وكنت محظوظة بأني لم أعاني مثل ملايين النساء الأفغانيات حالياً للمرة الثانية خلال الـ 25 عاماً الماضية". 

 

وأشادت جمال زاده بمخرجة الفيلم رويا سادات قائلة إنها "تمثل المخرجة الأفغانية التي تعلمت ذاتياً من خلال كتب المسرح والسينما التي كان والدها يحتفظ بها في المنزل، وهي على مستوى دولي تعرض أصوات ملايين النساء والفتيات مما يعطيني الأمل، ويجب أن يعطي الأمل لكل النساء الأفغانيات بأن هناك إمكاناً لتجاوز الوضع الحالي". 

وأضافت موزاده أنها كانت مهووسة بتاريخ أفغانستان منذ صغرها وأنها أجرت أبحاثاً عدة اكتشفت من خلالها أن أفغانستان كانت بلداً متحضراً، إذ كانت النساء قادرات على الذهاب إلى المدرسة والعمل، "هذا الفيلم يعكس تلك الحقبة ويُظهر للعالم أهمية استعادة تلك الحقوق الأساس". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحدثت جمالزاده عن دورها في الفيلم، مشيرة إلى أن المخرجة سادات اختارتها لأنها تمثل نضالها الشخصي من أجل حقوق المرأة وتعليم الفتيات.

وتابعت، "بدأت الغناء منذ صغري، واعتقدت أن الموسيقى وسيلة قوية للتعبير، وعلى رغم خجلي قررت أن أغني وعندما عرضت عليّ رُويا الدور قالت هذا مثالي لك". 

وعن تأثير الفيلم قالت "أمي كانت موجودة هنا وبكت كثيراً أثناء مشاهدة الفيلم لأنها عاشت هذا الواقع، ورؤيتها تتأثر بهذا الشكل أعادت لذاكرتي وضع النساء الافغانيات".

وتطرقت جمالزاده لواقع أفغانستان قائلة إنه "من المؤلم أن أشاهد ملايين النساء حبيسات منازلهن، وكل يوم تصبح القيود أشد، وأشعر بالخجل من نفسي لعدم إدراكي في السابق كيف يدعى بأن هذه الممارسات تمثل الإسلام، بينما هي لا تمثله إطلاقاً"، مشيرة إلى أن تلك مشكلة ثقافية أو عرقية تواجه أفغانستان.

وأضافت، "عندما أتيت إلى السعودية، موطن الإسلام، رأيت الاحترام الذي يقدمه الجميع لبعضهم، إنه أجمل بلد زرته في حياتي"، موجهة شكرها لمهرجان البحر الأحمر السينمائي على دوره في دعم أصوات النساء الأفغانيات، "أشكر المهرجان على منح النساء الأفغانيات منصة للتعبير عن قضيتهن من خلال عرض هذا الفيلم".

تاريخ أفغانستان

في عهد ظاهر شاه منتصف القرن الـ 20 تغير حال المرأة إلى الأفضل بسبب المساعدات الأجنبية الضخمة ودعم الاتحاد السوفياتي المتكرر، وبحلول أواخر الخمسينيات أصبح ينظر إلى أهمية وجود المرأة في سوق العمل كضرورة اقتصادية لتحقيق الأهداف الإنمائية للبلاد، فتحسنت الحقوق الاجتماعية للمرأة وأصبح الحجاب خياراً طوعياً وزادت نسبة التعليم، وشهدت تلك الحقبة عدداً أكبر من الأفغانيات في مجالات مختلفة مثل الطب والتعليم حتى لقب ظاهر شاه بـ "أب الأمة الأفغانية".

وفي عام 1964 سمح الدستور للمرأة بالدخول إلى السياسة ومنحها حق التصويت والانتخاب، وشهد تعيين أول وزيرة في منصب وزارة الصحة كما انتخب عدد النساء في مجلس الشعب، وفي العام التالي جرى تشكيل مجموعة حقوقية للمرأة الأفغانية كانت أهدافها القضاء على الأميّة بين النساء وحظر الزواج القسري، والتخلص من تقاليد "مهر المرأة" عند الزواج.

قضايا المرأة الأفغانية

وفي حقبة السبعينيات التي تدور فيها أحداث فيلم "أغنية سيما"، شهدت جانباً من الإصلاح لتحسين بيئة المرأة بعد نفي ظاهر شاه، إذ أقيمت حكومة اشتراكية مدعومة من الاتحاد السوفياتي دعم فيها مجلس الشعب والحكومة قضايا المرأة بصورة أكبر من ذي قبل، مثل تحسين بيئة التعليم ودعم القوانين للمساواة بين الجنسين ورفع سن الزواج إلى 16 سنة للفتيات و18 سنة للفتيان، لكن في المقابل عاد قلق الملالي وزعماء القبائل في الأرياف من استقلال المرأة حتى سجلت بعض الاعتداءات وإطلاق النار على النساء المرتديات الملابس الغربية.

 

وسرعان ما غابت قضايا المرأة مع الاحتلال السوفياتي عام 1979 وظهر إثر ذلك أمراء الحرب والأحزاب الجهادية التي كان التدين عنصرها الأساس، في حرب امتدت لعقد من الزمن حتى نجحت في طرد الجيش السوفياتي عام 1989، واستمرت البلاد في حال من الفوضى وحرب أهلية إلى أن نجح المجاهدون عام 1992 في الاستيلاء على كابول، ومنذ ذلك الحين بدأ التضييق على المرأة وحركتها فجرى منعها من العمل والخدمة العامة في مناطق المجاهدين، وأعيد الحجاب إلزامياً.

وبالحديث عن الوضع الحالي وما تشهده المرأة في أفغانستان من حرمانها من أبسط الحقوق، قالت السياسية الأفغانية عادلة راز في تصريح سابق لـ "اندبندنت عربية" إن "وضع المرأة في أفغانستان الآن مؤسف وصعب، إذ تمنع النساء من أبسط حقوقهن، مثل الحصول على التعليم والعمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية"، مضيفة أنه يجب الوقوف أمام من يمنعون النساء ويحرمونهن حقوقهن باسم الإسلام، مثل "طالبان"، ويجب أن تجري توعيتهم وتثقيفهم وإجبارهم على فهم القيم الحقيقية التي يمنحها الإسلام للمرأة.

الطبيبات الافغانيات

في غضون ذلك منعت "طالبان" أخيراً آلافاً من خريجات الطب الشابات من أداء امتحان إلزامي، في وقت تعاني البلاد نقصاً في عدد الأطباء، وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إن "قرار منع النساء في أفغانستان من الدراسة في الكليات والمعاهد الطبية الخاصة ضربة أخرى من سلطات 'طالبان' لحقوق النساء والفتيات الأفغانيات".

وأضافت شامداساني أن "هذا الحظر جزء من سلسلة طويلة من تدابير تمييزية تدعمها الدولة وتستهدف النساء والفتيات في مجالات التعليم والعمل وتهدد مستقبل البلاد، وإن هذا الإجراء تمييزي وقصير النظر ويعرض حياة النساء والفتيات للخطر بصور عدة، ويحرمهن المسار الوحيد الباقي للوصول إلى التعليم العالي"، مشيرة إلى أن أفغانستان تشهد إحدى أعلى معدلات وفيات الأمومة في العالم.

بدوره حث المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك سلطات كابول على إلغاء هذه التعليمات الضارة، وشدد على أن الوقت قد حان لضمان حقوق النساء والفتيات بما يتماشى مع التزامات أفغانستان الدولية تجاه حقوق الإنسان.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما