ملخص
حول السوريون مأساتهم في النزوح والتهجير، طوال الـ13 عاماً الماضية إلى قصص سينمائية وتلفزيونية، سُردت بطريقة فنية ملهمة أهلتها لأن تحجز مكانتها الجماهيرية والنقدية، إضافة إلى الاحتفاء في المهرجانات العربية والعالمية، واللافت أن المأساة السورية كانت ملهمة أيضاً لصناع آخرين في المحيط العربي أثرت الاضطرابات السياسية التي عمت البلاد في أوطانهم.
"سينما النزوح" تسمية مختصرة لموجة الأفلام التي أبدعها صناع سوريون منذ موجة التهجير قبل 13 عاماً، قبل سقوط نظام بشار الأسد، فعلى رغم تنوع أنماطها ما بين الوثائقي والتسجيلي والروائي، فإنها اشتركت في أساسات تتعلق عادة بقصص مجتمعية، الحرب طرف أساس فيها، لأنها مستلهمة من بقعة واحدة مضطربة حتى لو تغيرت عناوين الأشخاص المشتتين بين القارات.
والمؤكد أيضاً أن هذه الموجة نفسها مرت بمراحل ما بين الأفلام العالية الصوت الشديدة المباشرة، إلى أخرى فنية تماماً، انتصرت للحكاية وجاء السياسي في المرتبة الأخيرة، لتحصد جوائز وإشادات، وتنال تمثيلاً عالمياً رفيعاً في الأوسكار و"بافتا" و"فينسيا" و"كان"، إضافة إلى المشاركات في أكبر المهرجانات العربية.
سينما راسخة مثل السينما في سوريا كان من الطبيعي أن تحاول أن تجد فضاءً آخر لها، بعد التهجير والنزوح الذي طاول نحو 15 ألف سوري منذ اندلاع الثورة المطالبة برحيل نظام الأسد البعثي في 2011، فحتى المؤسسة العامة التي أشرفت عليها الدولة الرسمية منذ ستينيات القرن الماضي قدمت أعمالاً لم تخل من النقد السياسي المبطن والاجتماعي اللاذع على مدى أعوام بتوقيع مجموعة من أبرز المخرجين مثل نبيل المالح ومحمد ملص وعبداللطيف عبدالحميد وغيرهم.
المميز في تجربة السوريين المهجرين والمنفيين قسراً أنهم يمثلون أجيالاً متباينة، بينهم من هاجر من بلاده وهو طفل، ولكن هويته لا تزال تتحكم بصراعاته الإنسانية وتصبغ تجربته الفنية، وهناك أيضاً صناع مخضرمون ذاقوا أهوال النظام السابق، ليحاول الجميع إيصال الصوت السوري من طريق التقاطعات الدرامية.
هذه التجارب كثير منها فجر مواهب على كل المستويات، وعلى رغم التحقق والنجاح فإن الاتهامات الجاهزة والمعتادة ظلت توجه للقائمين عليها، وبالطبع كان أبرزها أن تلك الأعمال تقدم بشروط ومقاييس جهات التمويل العالمية التي تنفق أموالها على محتوى يحمل توجهاً سياسياً بعينه للصراع.
السياسة تحاصر السينما
وعلى ما يبدو أن السياسة ستظل تحاصر الإنتاجات الفنية السورية بصورة عامة، فقبل أيام حاول بعضهم منع عرض فيلم "سلمى" بطولة سلاف فواخرجي وإخراج جود سعيد في مهرجان قرطاج السينمائي بتونس بحجة أن كليهما من المحسوبين على نظام الأسد، وعلى رغم تصدي إدارة المهرجان لهذا الفكر الإقصائي والانتقامي، والانتصار لقيمة العمل الفنية وتتويجه بجائزتين بينهما أفضل ممثلة لبطلة العمل الذي تناول قصة امرأة تعيش ظرفاً إنسانياً مريراً عقب اختفاء زوجها عقب الزلزال المدمر، فإن ما حدث يشير إلى أن التعافي من الحقبة الأسدية لن يحدث بسهولة.
على الجانب الآخر، حصل فيلمان سوريان آخران هما "فقدان" و"أثر الأشباح" أخيراً على أكثر من جائزة، الأول قبل أيام بتنويه خاص من لجنة التحكيم من مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير، والثاني حاز الجائزة الكبرى لمهرجان الجونة السينمائي، إذ تناولت أحداثه محاولة ملاحقة رموز نظام الأسد المتورطين في جرائم حرب، وهو إنتاج بريطاني - ألماني.
واستعرض "فقدان" رحلة مجموعة من السوريين للهرب من بطش السلطة من طريق التمركز في صندوق سيارة متجهة إلى مصر، مخرج الفيلم رامي قصاب يرى أن فيلمه إضافة إلى القائمة الطويلة من أفلام زملائه التي استعرضت المأساة السورية أسهم في إيصال صوت المهاجرين، لافتاً إلى أن وصول الأعمال السورية التي تتناول المعاناة الإنسانية إلى المهرجانات العالمية والدولية يتيح نشر ما يحدث للمواطن السوري المتضرر من الصراع، إذ إن بعض هذه الأفلام، في رأيه، وثقت قصصاً لم تُرَ من قبل.
وتابع قصاب "في الأعوام الماضية صُنع كثير من الأفلام التي تعبر عن النزوح واللجوء والهجرة، وقد علم العالم بكل ما يجري عبر السينما".
صراع مزمن ودراما ثرية
يختلف أمر الثورة السورية جذرياً عن أوضاع مثيلاتها في دول الربيع العربي، إذ إن الأهوال التي عاناها الشعب كانت مزمنة بخلاف دول أخرى شهدت اضطراباً قصير المدى لم يتجاوز الأشهر، وبعدها وُضع السلاح جانباً، وتعرض الأبرياء في المحافظات السورية تقريباً من كل الطوائف والأعمار للبطش، وفق شهادات موثقة وكأنه سباق للموت.
هذا الوضع الطويل المدى كان له أثره المباشر في صناع الأفلام، بينهم من كانوا متحققين بالفعل جماهيرياً ولديهم رصيد فني كبير قبل الأزمة، ومنهم أيضاً من تبلورت موهبته ومسيرته الحقيقية بعيداً من أرض بلاده التي حرم منها بسبب سياسة التهجير والمطاردة، ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة هناك ما يقارب 14 مليون سوري في أنحاء العالم.
الإلهام الفني هنا كان حتماً يستقي رصيده من القصص الحياتية الشديدة الثراء على رغم قتامتها، كما كان يفلت بعض الصناع من حين لآخر بقصة من هنا أو هناك تعبر عن الأمل والصمود، وخلال الأعوام القليلة الماضية برزت على الساحة أفلام سورية الهوى ما بين الوثائقي والروائي وصلت إلى محافل سينمائية كبيرة، بينها "يوم أضعت ظلي" الذي حصد جائزة تصويت الجمهور في مهرجان فينيسيا، وأيضاً جائزة أفضل فيلم روائي بمهرجان الشارقة السينمائي للشباب والأطفال، وكان سبق وحققت مخرجته سؤدد كعدان جائزة أفضل فيلم في مسابقة آفاق بمهرجان فينيسيا أيضاً عن فيلم يدور في الفلك نفسه أيضاً هو "يوم أضعت ظلي".
ووصل فيلم "السباحتان" للمخرجة المصرية سالي الحسيني لقائمة جوائز "بافتا" البريطانية، وكان يتناول واقع لاجئتين سوريتين هما يسرى وسارة مارديني الموهوبتان في السباحة، ويستعرض رحلة لجوئهما وحتى الوصول للأولمبياد، ووصفته وكيلة الأمين العام للتواصل العالمي ميليسا فليمنغ بأنه بمثابة "جرس تنبيه" و"الخطوة المرحب بها للغاية" لكي يتضامن الجميع مع اللاجئين.
آفاق عالمية
فيما شهد عام 2020 سابقة تتمثل في وصول فيلمين وثائقيين لمخرجين سوريين إلى القائمة القصيرة لترشيحات الأوسكار، هما "الكهف" لفراس فياض، الذي جسد معاناة واقعية ظلت أعواماً لطاقم مستشفى بمنطقة الغوطة الشرقية، حيث يعملون في ظروف شديدة الصعوبة ويحاولون إنقاذ المصابين جراء القصف الروسي السوري، وقد حصد الفيلم نحو 10 جوائز دولية أخرى.
العمل الثاني هو "من أجل سما"، الذي أخرجته وعد الخطيب، وتناول قصتها الشخصية في حلب المحاصرة، حيث أنجبت صغيرتها تحت الهجمات أيضاً، كما نال الفيلم نحو 45 جائزة عالمية، بينها العين الذهبية بمهرجان كان السينمائي، وأفضل وثائقي في "بافتا" البريطانية، كذلك تمكن المخرج طلال ديركي بفيلمه "العودة إلى حمص" من تحقيق صدى عالمي ملحوظ، إذ استعرض جانباً من وقائع تخص بعض قادة الثورة السورية، ومنح الفيلم أكثر من 30 جائزة، بينها الجائزة الكبرى بمهرجان سندانس.
أيضاً، كان النازح السوري إلى لبنان زين الرافعي ممثلاً بالصدفة في فيلم "كفر ناحوم" الذي دخل قائمة الأوسكار القصيرة أيضاً، إذ اكتشفته مخرجة العمل نادين لبكي وهو يعمل في شوارع لبنان بعدما نزحت عائلته من درعا السورية، وقد غير الفيلم، الذي أنتج عام 2018، حياة الصبي الذي كان لا يزال في الـ14 من عمره، وهو الآن يعيش في النرويج وأصبح مطلوباً في أعمال عالمية، ودخل عالم مارفل بفيلم مع سلمى حايك وأنجلينا جولي.
دائرة النزوح
كثير من المواهب السورية أثبتت جدارتها، واستغلت المساحة لاستعراض وجهات نظر عدة، بل إن بعض الأعمال اتهمت بمحاولات التغطية على جرائم نظام الأسد ما بعد الثورة، وبينها "السباحتان"، بسبب تجهيل الفيلم الجهات التي تطلق النيران على المدنيين.
كذلك، كان عدد من الأعمال ينتصر للحبكة والقصة الإنسانية التي تتماس مع البشر في أي مكان بالعالم، بخاصة تلك التي تكشف الظلم والأوضاع البائسة لأشخاص وجدوا أنفسهم وسط الخراب من دون أن يكون لهم يد، مبتعدين بذكاء فني عن الخطاب السياسي المباشر ذي النزعة الانتقامية، لكن في المقابل، كانت غالبية إنتاجات السينما السورية بعد الثورة، لا سيما التي قدمها مبدعون مهاجرون، تحمل أجواء واحدة وعناصر مشتركة: دخان متصاعد، وأزيز صواريخ، وبيوت مهدمة، وعلامات تعذيب، ومحاولات متعثرة للهرب، وقصص مرعبة عن المختفين والمعتقلين، فعلى رغم هامش الحرية الكبير الذي استفاد منه الصناع، فإنهم رغماً عنهم داروا في الإطار نفسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الباحثة الأكاديمية في جامعة رادباود الهولندية والمؤلفة الدرامية، آراء الجرماني، تعزو السبب في ذلك أولاً إلى أن الواقع مؤثر بطبيعة الحال ولا يمكن التملص من وجوده في صورة الفن المنتج، وسوريا كانت تعيش زمن الحرب والآن ما بعد الحرب، مضيفة "الطفولة والحب وأزمة السكن والأزمات النفسية وقضايا البيئة ومآزق الأخلاق في زمن اللامبالاة والفوضى، وانتهاك حقوق المرأة وأحلام البطولات الرياضية وحقوق الحيوان وغيرها، هي مواضيع يمكن أن يكون أحدها أو أكثر مادة الفيلم السينمائي الأساس، وفي زمن الحرب وما بعدها ستكون تلك المواد أيضاً أحد مواد الفيلم الأساس، وفي سوريا ستتقاطع خلفية الحرب مع هذه المواد بصورة جزئية أو كلية، ليجد المشاهد نفسه يتابع ألماً مركباً، يواجه أزمات متباينة أو متشابكة أو متحالفة ذات أبعاد سياسية وعسكرية وتحالفات دولية."
وترى الجرماني أن سقف الحرية في الداخل السوري وقتها كان يستلزم مناورات لتقديم القصص المتعلقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية التي لا يمكن نكرانها، إذ توضح أن النظام السياسي القمعي في سوريا استمد صيغة حكمه بصورة عامة من النمط السوفياتي، من خلال خطاب مزيف لحرية التعبير، وهو خطاب يفهمه الشعب والمثقفون والكتاب ويناورون خلاله الدولة الأمنية ضمن حدود من التفاهمات المتواطأ عليها، لافتة إلى أن مواضيع مثل النزوح والتهجير والحنين كانت مواد من الممكن الحديث عنها في السينما السورية أثناء الحرب، شرط ألا يُسمى بشار الأسد وزوجته وأخوه وابن خالته مثلاً بالاسم، لأنهم كانوا ما زالوا في الحكم حينها، ليبقى، وفقاً لقولها، سبب النزوح مفتوحاً على احتمالات مثل "داعش" أو جبهة النصرة، أو رصاص طائش، أو ربما أزمة اقتصادية، وبذلك تمكنت السينما السورية أثناء وجود النظام الأسدي الأمني من المرواغة داخل المسموح به من حريات التعبير الأسدي المزيف.
هل هناك شروط؟
لكن على رغم هذه الانطلاقة العابرة للحدود للسينما السورية بعد الثورة، ووفقاً لأن غالبيتها هي إنتاجات مشتركة بين جهات دولية عدة، فإن اتهامات وجهت إلى بعض صناعها بأنهم لم يكونوا مستقلين تماماً، بخاصة أن من حق جهة التمويل أن تكون لديها شروط معينة لوجهة النظر التي سيخرج بها العمل، وأنها قد تمارس ضغوطاً في هذا الشأن، في حين ذهب آخرون إلى أن السينما الخارجة من رحم الحرب دائماً ما تجد مكاناً لها على خريطة العرض والحفاوة بغض النظر عن مستواها الفني.
ويرد المخرج رامي القصاب قائلاً "لا يوجد صانع أفلام ناجح لم يواجه تلك الضغوط، إن كانت من الصناعة والقائمين عليها أو الجمهور الذي قد يتقبل أو يرفض المواضيع المطروحة"، وتابع "أعتقد أن علينا كصناع سينما سورية أن نتقدم في المشهد العربي والعالمي لصناعة السينما والدراما وتقديمها للجمهور مجدداً، لدينا كثير من الإمكانات والطاقات والمواهب والمواضيع التي لم تستهلك أو تطرح بعد، وأتمنى أن تتولد حركة فنية وسينمائية جديدة مع ولادة سوريا الجديدة، وأن نستطيع حكي قصصنا كسوريين كما نحب وكما نريد".
الأزمة السورية على الشاشات العربية
التأثير الكبير لما حدث في سوريا على مدى الـ13 عاماً أثر أيضاً في الإنتاجات الفنية العربية، لا سيما في ما يتعلق بالجبهات الكثيرة التي ظهرت على السطح، فإضافة إلى قوى المجتمع المدني التي حاولت بكل قوتها الحشد والتظاهر السلمي والمطالبة بنظام ديمقراطي، كانت هناك فرق مسلحة أخرى، بعضها يديره النظام والموالون له، والأخرى تتولاها جماعات إسلامية متشددة، إلا أن القوى المسلحة طغت على المشهد بقوة، وهو ما شاهدناه في الفيلم التونسي "زهرة حلب" 2016 للمخرج رضا الباهي وبطولة هند صبري، التي جسدت من خلاله دور ممرضة تعرض نفسها للخطر من أجل إنقاذ ابنها الذي انضم لتنظيم إرهابي في سوريا استجابة لدعوات "الجهاد" هناك، وهي قضية عانت منها بلدان عربية كثيرة على مدى الأعوام الماضية.
واختارت تونس العمل ليمثلها في الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، فيما وصل فيلم تونسي آخر للقائمة القصيرة للمسابقة وهو "الرجل الذي باع ظهره" 2020 لكوثر بن هنية، وشاركت في بطولته مونيكا بيلوتشي، واستعرض الفيلم بأسى لم يخل من الدهشة قصة نازح سوري يبيع ظهره لفنانة تشكيلية لتعرض عليه عملها التشكيلي مقابل مبلغ مالي وتحقيق هدفه بالانتقال إلى دولة أوروبية والحصول على ملاذ آمن.
الدراما التلفزيونية العربية تأثرت بصورة واضحة من ارتباك المشهد السوري، إذ عرضت المحطات العربية مسلسل "السهام المارقة" عام 2018، الذي كان يسرد ما يدور في واقع التنظيمات التكفيرية الإرهابية وبينها "داعش" الذي ارتبط بصورة وثيقة بالحرب السورية على رغم أن ظهوره الرسمي كان في العراق.
واستعرض المسلسل المصري "بطلوع الروح" 2022 محنة إنسانية لزوجة وأم تجد نفسها في معقل "داعش" بسوريا بعد أن يخدعها زوجها المنخرط في التنظيم، بينما يرى بعضهم أن شخصية الإرهابي المتلون سياف، التي قدمها الممثل السوري أحمد الأحمد في مسلسل "العائدون" في العام نفسه هي محاكاة لشخصية أبو محمد الجولاني، الذي انشق عن "داعش" ليؤسس جبهة جديدة هي "هيئة تحرير الشام"، والجولاني هو من يتولى القيادة السياسية في سوريا الآن بعدما أسقطت الهيئة المسلحة نظام الأسد، إذ غير الجولاني اسمه إلى أحمد الشرع.
وبالطبع، كانت الدراما السورية على قدر الحدث، وقدم صناعها أعمالاً كثيرة تناولت الأوضاع الشديدة الوطأة وتأثيراتها السياسية والمجتمعية، فلدى سوريا، من الأساس، تاريخ تلفزيوني وسينمائي حافل، حتى في ظل نظام الأسدين، وحتى بإشراف المؤسسة العامة للسينما نفسها، إذ كانت تنتج أعمالاً جيدة للغاية، وبعضها كان يحمل نقداً سياسياً، وارتفع السقف بصورة ملحوظة في الإنتاجات التي قدمت خارج حدود البلاد، إذ نجد قضايا المعتقلات والفساد السياسي أكثر وضوحاً ومباشرة.
الرقابة والحريات
في تعليقها، تشير الكاتبة والأكاديمية آراء الجرماني، التي عانت كغيرها من المبدعين العداء الذي شنته السلطات عليها، إلى ضرورة التفريق بين الشعب والحاكم، وتقول إن الحاكم لم يلد الشعب من رحمه حتى يصبح اسمه ملتصقاً بإبداع السينما، لذا فالدولة السورية كشعب عريقة ثقافياً وفنياً وسينمائياً، وهذه العراقة لا بد من أنها خميرة طيبة لإنتاج مزيد من السينما الخلاقة، لكن الإنتاجات الجيدة في الماضي لا تعني أن التضييق الأسدي على الفن والسينما من خلال الرقابة الفنية كان هو السبب فيها.
وتضيف "القيود ترفع الوعي بأهمية الحريات ولكنها لا تصنع الفن، الذي يدرك أهمية الحريات ويسعى إلى بث رسائله حول قيمها، ويضيء بصورة حذرة في ظل هذه القيود على كل المظالم التي تحصل بسببها، وهو ما كانت تناور لإيصاله السينما والدراما السورية وحتى الكوميدية في ظل وجود النظام الأسدي الأمني. ومنه مسلسل (سوق الورق) الذي كتبته في عام 2010، فأنا ككاتبة درامية كنت أدرك حدود الكتابة ولذا قُبل المسلسل من قبل مؤسسة الإنتاج التلفزيوني الحكومي، إلا أن بثه في بداية الثورة السورية في رمضان 2011 هو ما أجج العداء ضدي شخصياً حينها".
وترى الجرماني أن التاريخ التلفزيوني والسينمائي السوري سيكون، في ظل الحريات المأمولة حالياً في البلاد، مادة ثرية للإنتاج الفني عامة.