ملخص
انخفضت الأسعار العالمية مدفوعة بوفرة الإنتاج في تونس وإسبانيا وتركيا واليونان
أعلن المدير التجاري لديوان الزيت في تونس عن ارتفاع صادرات زيت الزيتون بتصدير 15 ألف طن خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقابل 10 آلاف طن في الشهر نفسه من العام المنقضي بنسبة زيادة 47 في المئة، مبيناً "أن التصدير لم يتوقف وحلقته متماسكة وكذلك الترويج" وفق عبارته التي وردت رداً واضحاً على التململ الذي تشهده حلقة إنتاج زيت الزيتون تأثراً ببطء التصدير، إذ نبه مهنيون في سلسلة الإنتاج من أصحاب المعاصر وزراعيين وممثلين لمنظمات من النسق الحالي للتصدير الذي يؤثر بصفة مباشرة في عملية جني المحاصيل، ويهدد بكساد الأسواق وانهيار الأسعار، علاوة على التأثير المباشر في مداخيل العملات والميزان التجاري الغذائي بحكم عائداته المهمة التي بلغت العام الحالي حتى سبتمبر (أيلول) الماضي 5.025 مليار دينار (1.6 مليار دولار) بتطور قدر بنحو 58 في المئة، مستفيداً من ارتفاع الأسعار في السوق العالمية على رغم عدم وفرة المحاصيل خلال موسم 2023.
وسجل الميزان التجاري الغذائي خلال الأشهر الـ10 الأولى من العام الحالي فائضاً بقيمة 1.4 مليار دينار (451 مليون دولار)، مقابل عجز بقيمة 915.7 مليون دينار (295.3 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من العام المنقضي، بفضل ارتفاع قيمة صادرات زيت الزيتون.
وصدرت تونس خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 190.2 ألف طن من زيت الزيتون، منها 26.5 ألف طن معلب بقيمة 765 مليون دينار (246.7 مليون دولار) أي بزيادة قدرها 45 في المئة، في حين بلغ سعر الطن من الزيت غير المعلب المصدر 26.4 ألف دينار (8.4 ألف دولار) مقابل 28.9 ألف دينار (9.3 ألف دولار) للطن المعلب.
وفرة محفوفة بأخطار الانهيار
ذكر المدير التجاري لديوان الزيت معز بن عمر أن الترويج في الأسواق العالمية للموسم الحالي يجرى بصفة عادية، لكن شهدت أسعار زيت الزيتون هذا العام انخفاضاً ملحوظاً مدفوعة بوفرة الإنتاج في تونس وبلدان البحر المتوسط المنافسة.
وبلغ إنتاج العام الحالي في تونس 340 ألف طن ما يفوق بنسبة 55 في المئة إنتاج العام المنقضي الذي لم يزد على 210 آلاف طن، وتزامن مع إنتاج عالمي وفير في إسبانيا وتركيا واليونان والبرتغال، وبلغت مستويات الإنتاج مجتمعة 3.3 مليون طن مرتفعة مقارنة بنحو 2.5 مليون طن في الموسم المنقضي. وانبثقت الأسعار الحالية عن وفرة العرض وتراجعت بعدما سجلت خلال الموسم الماضي مستويات قياسية بصعودها إلى ثمانية يوروات (8.4 دولار) وتسعة يوروات (9.4 دولار).
وأضاف بن عمر أن تونس تسعى إلى التعامل مع الظروف الحالية في السوق العالمية والمحلية، إذ اتخذ ديوان الزيت تدابير لضمان نجاح الموسم وضبط السوق على غرار اقتناء كميات من الزيت من الفلاحين والمعاصر لضمان استقرار الأسعار وحماية حقوق المنتجين.
وفي المقابل دعا رئيس الحكومة كمال المدوري منذ يومين هياكل الدولة كافة إلى الانخراط في ترويج الزيت داخلياً، ومعاضدة مجهود إنجاحه بالتنسيق مع الديوان الوطني للزيت لبرمجة شراءات لفائدة منخرطيها وتوفير تسهيلات في الدفع.
خمول نشاط المعاصر
تعرف سلسلة الإنتاج تعطلاً غير مسبوق بالنظر للفترة الحالية التي تمثل ذروة الإنتاج، ويتصف نشاط معاصر الزيت بالخمول الذي يصل إلى التوقف لفترات طويلة في انتظار استئناف استقبال كميات الزيتون وترويج الزيت، والحال أنها تشهد إقبالاً منقطع النظير خلال هذه الفترات من هذه العام في الظروف الاعتيادية.
ولاحظ كاتب عام الجامعة الوطنية لمنتجي الزيتون محمد نصراوي في تصريحه إلى "اندبندنت عربية" الوتيرة المتعثرة لتصدير الزيت واصفاً إياها بغير المأمولة، مقابل ارتفاع إنتاج الزيتون والذي سيؤدي إلى تصاعد إنتاج الزيت ببلوغه 340 ألف طن مقارنة بـ210 آلاف طن خلال الموسم المنقضي.
واجتمعت عوامل وفرة الإنتاج مع انخفاض في الإقبال وبطء نشاط التصدير لتهدد منظومة الإنتاج برمتها.
ونبه النصراوي من خطورة انهيار أسعار الزيت، إذ يشهد موسم الجني بعض العزوف وقد تقدم بنسبة 15 في المئة فحسب في جمع المحاصيل على خلفية انخفاض الأسعار، ولم يغير تدخل ديوان الزيت الوضع بشرائه كميات لإنقاذ السوق من الكساد.
وفي السياق نفسه، كشف عضو الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري جمال الزيادي عن عجز ديوان الزيت على تغطية حاجات معاصر الزيت في الترويج بسبب انخفاض قدرات التخزين لديه وتراجع مقدراته المالية، كذلك نقص الطلب من السوق الخارجية، وتكفل في فترات ماضية بعملية التصدير بمفرده مما وفر الضمانات للمعاصر لمواصلة نشاطها من دون انقطاع بحكم ارتفاع الطلب الخارجي علاوة على السوق الداخلية، قبل أن تتخذ السوق المنحى التنافسي بدخول القطاع الخاص الذي أضحى المصدر للجزء الأوفر من المحاصيل.
وأشار سامي بلاج المستثمر في قطاع الزيت وصاحب معصرة إلى أنه بتراجع طلب القطاع الخاص للكميات المخصصة للتصدير هذا الموسم تواجه المعاصر مصيرها بمفردها، بفقدان أهم سوق لديها وهي السوق الخارجية علاوة على انهيار في السوق الداخلية، إذ انطلق الموسم بأسعار جيدة وصلت إلى 20 ديناراً (6.4 دولار) للتر الواحد ثم تهاوت إلى 12 ديناراً (3.8 دولار)، مما أدى إلى إيقاف المعاصر لقبول كميات الزيتون من المزارعين، من ثم عمليات العصر لفترات متكررة.
ودأبت سلسلة الإنتاج في الماضي على العمل بالتوازي وبنسق سريع من دون توقف نزولاً عند طلب الأسواق الخارجية عكس الموسم الحالي.
وعن ديوان الزيت قال إن نشاطه انخفض لمصلحة القطاع الخاص منذ عام 2006 بعدما كان المكلف الوحيد بعملية تصدير زيت الزيتون التونسي، مما يعسر عملية تدخله الآن لإنقاذ المنتجين بعدما تهالكت طاقة التخزين لديه إلى 80 ألف طن، في حين تطورت لدى القطاع الخاص والمقدر بـ10 شركات مصدرة إلى 320 ألف طن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويفتقر الديوان إلى التمويلات اللازمة لتأمين عملية اقتناء الكميات من المنتجين مباشرة قبل تصديرها.
وعن كلفة الإنتاج كشف عن أن سعر الكيلوغرام من الزيتون لدى المزارع يقارب دينارين (0.6 دولار) ولتر زيته الواحد يحتاج عصر سبعة كيلوغرامات من الزيتون، مما يؤدي إلى تكبد الخسائر لدى جميع الأطراف وتهديد جدي بالعزوف عن مواصلة عملية جني المحصول.
في حين كشف مراد التوهامي وهو مستثمر ومالك لمعصرة زيت أنه يتوقف عن قبول كميات الزيتون من المزارعين حال عدم الحصول على طلبيات جديدة لاقتناء كميات زيت معدة للتصدير من قبل الشركات المصدرة، بحكم أنها تمثل أهم العملاء للمعاصر. وواجهت المعاصر منذ بداية الموسم الحالي نقصاً في إقبال الشركات المصدرة على الإنتاج، مرجحاً أن إيقاف أحد مالكي هذه الشركات بل أضخمها من قبل القضاء على خلفية قضية فساد ألقى بظلاله على نسق التصدير بحكم تغطيته لنحو نصف السوق.
ويراوح عدد معاصر زيت الزيتون في تونس ما بين 1600 و1750 معصرة إضافة إلى 35 وحدة للتعبئة والتعليب، وتحتل تونس المرتبة الثانية عالمياً من حيث الإنتاج بعد إسبانيا والمرتبة الأولى من حيث جودة الزيت.