ملخص
-على رغم بعض الإنجازات السابقة القليلة من قبل مجلس الأمن، فإن الأمم المتحدة أصيبت منذ تأسيسها بالشلل بسبب حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
-تظل قضية توسيع مجلس الأمن من أكثر القضايا الدبلوماسية تعقيداً، إذ تقف الدول الأعضاء في طريق مسدود في شأن ما إذا كان التوسع ينبغي أن يشمل أعضاء دائمين جدداً أو أعضاء منتخبين فحسب، وما إذا كان ينبغي لأي أعضاء دائمين جدد أن يتمتعوا بحق النقض.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، تحتفل الأمم المتحدة بعيد تأسيسها الـ80، لكن المنظمة الدولية التي تضم حالياً 193 دولة، لا تزال تعاني من أجل تحقيق هدفها الذي تأسست من أجله وهو الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، ودعم القانون الدولي. ولعل عام 2024 هو أحد أبرز الأمثلة على ذلك، إذ تعرضت الأمم المتحدة لانتقادات عنيفة بسبب فشلها في إحداث تأثير ذي مغزى على الصراعات في غزة ولبنان وسوريا والسودان وأوكرانيا وميانمار وهايتي ومناطق أخرى، فما أسباب هذا الفشل، وهل يمكن إصلاحه، أم إن الأمم المتحدة شاخت كما البشر في سن الـ80، ولا سبيل لاستعادتها شبابها؟
مع انتهاء عام 2024 تواجه الأمم المتحدة مجدداً عدداً من التحديات، بما في ذلك فشل المنظمة الدولية في الحفاظ على الأمن والسلام في حرب غزة، وعدم قدرتها على منع الإبادة الجماعية، وضعف نفوذ الأمم المتحدة وتراجع مواردها الاقتصادية وتآكل العلاقات الجيوسياسية، واستمرار عدد من الصراعات الأخرى لأمد طويل مثل الصراع في سوريا الذي لا تزال تتكشف تفاصيل نهايته.
هل الأمم المتحدة مهمة؟
كانت أهمية الأمم المتحدة موضع تساؤل منذ تأسيسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكن القوى الكبرى قررت في نهاية المطاف أن العمل مع المنظمة الدولية يصب في مصلحتها، وأن تنسيق السياسات من خلال مؤسسة ذات نطاق عالمي يمكن أن يكون أكثر كفاءة من العمل على المستوى الثنائي.
ومع ذلك، يبدو أن الثقة بين الحكومات الآن وصلت بعد ثمانية عقود إلى نقطة الانهيار، وأن شرعية الدول مثل الولايات المتحدة التي ساعدت في تأسيس النظام العالمي أصبحت موضع تساؤل جدي في وقت تشتد الحاجة إلى التعاون العالمي. ولم يبدأ هذا التساؤل عام 2024 بسبب الحرب في غزة التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين واستخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة، لكنه يعود إلى أكثر من عقدين حينما اصطدم الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان مع الولايات المتحدة حينما أعلن أن حرب العراق لم تكن متوافقة مع ميثاق المنظمة الدولية من ثم فهي غير قانونية.
ومع احتدام الخلاف بين أقوى دولة عضو في الأمم المتحدة (الولايات المتحدة) وأعلى مسؤول فيها يعمل بناء على طلب أعضائها، أدى هذا إلى إجراء عدد من التحقيقات في الكونغرس الأميركي، وتصاعدت التهديدات بحجب التمويل الأميركي عن الأمم المتحدة، وأسفر ذلك كله عن التوصل إلى اتفاق في شأن مبدأ المسؤولية عن الحماية، والتغييرات المؤسساتية المهمة في مجال حقوق الإنسان وبناء السلام، والتدابير اللازمة لتحسين الإدارة والعمليات.
ومع ذلك، لا يزال الأمين العام للأمم المتحدة والأمانة العامة ككل، لا تملك أي سلطة ولا تتمتع إلا بقدر ضئيل للغاية من النفوذ، ولهذا فإن كل ما تفعله الأمم المتحدة يتشكل وفقاً للديناميكيات بين الدول الأعضاء وخصوصاً القوى العظمى التي تمتلك حق النقض (الفيتو)، ويعتمد نجاح جهودها في نهاية المطاف على ما إذا كانت هذه الدول تتفق مع بعضها بعضاً أم لا، وهي لا تفعل ذلك سوى عندما ترى أن من مصلحتها التعاون.
ولهذا يعكس ظهور وتوسع بعض التجمعات الدولية البديلة والتحالفات المنبثقة من مجموعة "البريكس"، نوعاً من البحث عن نفوذ بديل على رغم فائدتها لأغراض معينة، ومن الممكن أن يؤدي توسع مجموعة الـ"بريكس" إلى منح هذه البلدان نفوذاً أكبر في الأمم المتحدة، كونها المنتدى الوحيد الذي يمَثَل فيه جزء مهم من العالم النامي إلى جانب الدول الأكثر قوة.
ما فائدة مجلس الأمن؟
في الماضي، كان مجلس الأمن الدولي الذي يضم خمسة أعضاء دائمين لديهم حق النقض الـ"فيتو" وهم (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا)، و10 أعضاء منتخبين، قادراً على الفعل، وعلى سبيل المثال عندما اندلعت أعمال العنف في تيمور الشرقية عام 1999، ضغط أعضاء المجلس من أجل التوصل إلى حل قانوني يحترم الحقوق ونجح في وقف العنف، وفي نيبال وبوروندي وليبيريا، توحد مجلس الأمن، وبعد أعوام من عمليات حفظ السلام في كل من هذه الدول، لم تعد هذه البلدان إلى الحرب.
لكن خلال الأعوام الأخيرة، أصبح هناك اتفاق أقل بكثير في مجلس الأمن يحدد المسار السياسي للخروج من الصراعات، والواقع أن البلدان التي تمر بأزمات تجتذب الآن بسرعة مشاركة الدول التي ترى سبلاً للاستفادة من هذه الفوضى، وغالباً ما تضم هذه الدول أعضاء في المجلس ممن يمتلكون حق النقض الـ(فيتو) الذي يعطل اتخاذ قرارات من المجلس.
وعلى رغم بعض الإنجازات السابقة القليلة من قبل مجلس الأمن، فإن الأمم المتحدة أصيبت منذ تأسيسها بالشلل بسبب حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فقد كانت القوى الاستعمارية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، تريد الاحتفاظ بإمبراطورياتها، وكانت الدولة الأكثر قوة، الولايات المتحدة، تريد الحفاظ على هيمنتها العسكرية والاقتصادية.
وأصرت هذه الدول الخمس على حق النقض في مجلس الأمن، وهو الهيئة الوحيدة للأمم المتحدة التي تتمتع بسلطة تفويض استخدام القوة العسكرية، وإذا اعترضت دولة واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية على قرار، فإن الأمم المتحدة لا تستطيع أن تفوض التدخل العسكري في أي مكان في العالم، وهو خلل قاتل في ميثاق الأمم المتحدة، يرى البعض ومنهم الرئيس المؤسس لمنظمة مراقبة الإبادة الجماعية غريغوري ستانتون أن الوقت حان لتغييره.
ويعود ذلك إلى الحقيقة المروعة بالنسبة لعدد من الخبراء الدوليين، بأن المنظمة الدولية تعمل بكفاءة وسرعة عندما تريد الدول الأعضاء ذلك، ولا تعمل عندما لا تتوافق الدول الأعضاء. على سبيل المثال، كان العالم في حال دفاع عن النظام الدولي عام 1990 عندما اجتمعت دول العالم عبر الأمم المتحدة لمواجهة هجوم الرئيس العراقي صدام حسين واحتلاله الكويت، ولكن أثبتت حرب الخليج أنها الاستثناء الوحيد لأسباب تتعلق بالنظام الدولي آنذاك، فقد كانت العلاقات جيدة نسبياً بين الولايات المتحدة وكل من الصين والاتحاد السوفياتي الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة وقتذاك، ولم يكن صدام حسين محبوباً بعد أن انتهك قاعدة أساسية هي عدم شرعية تغيير الحدود بالقوة.
لكن، منذ ذلك الوقت، لم تتكرر هذه الظروف، فقد تدهورت علاقات القوى الكبرى بصورة كبيرة، وأصبحت الأمم المتحدة منقطعة الصلة بما يجري بصورة متزايدة. ففي حرب البلقان منعت روسيا التي ورثت مقعد الاتحاد السوفياتي في مجلس الأمن، أي عمل موحد تحت مظلة الأمم المتحدة لوقف إراقة الدماء في البلقان، كما أدى الـ"فيتو" الروسي إلى منع أي تحرك للأمم المتحدة عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم إلى روسيا بصورة غير قانونية عام 2014، وهو ما تكرر بعد الهجوم على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي.
نموذج غزة
كما فشلت الأمم المتحدة أيضاً في منع حرب إسرائيل على غزة بسبب الـ"فيتو" الأميركي المتكرر، التي يرى كثير من المتخصصين أنها ترقى إلى الإبادة الجماعية، كما عجز النظام الدولي عن تفعيل آلياته الجماعية لوقف صراعات داخلية وحروب دموية أزهقت أرواح مئات الآلاف في سوريا وليبيا وغيرهما من المناطق الملتهبة حول العالم.
ويبدو أن ما سماه الأمين العام للأمم المتحدة أزمة إنسانية هو أيضاً أزمة قانونية، لأن حرب غزة وتاريخها يعكسان فشل نظام الأمم المتحدة في منع ومعاقبة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، ومع ذلك فإن مسؤولية منع أخطر الجرائم لا تقع على عاتق الأمم المتحدة فحسب، بل والمجتمع الدولي بأكمله، من الدول الفردية إلى المجتمع المدني من أجل مقاضاة ومعاقبة مثل هذه الجرائم عندما تفشل الأمم المتحدة في القيام بذلك.
قواعد حرب قوية وآليات إنفاذ ضعيفة
تحظر اتفاقات جنيف لعام 1949 في شأن القانون الإنساني الدولي وهي القواعد العالمية للحرب، الحصار العقابي والعقاب الجماعي واحتجاز الرهائن والتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية واستهداف المدنيين والبنية الأساسية المدنية والتشريد القسري للسكان المدنيين، وتتطلب هذه الاتفاقات من جميع الأطراف ضمان حصول المدنيين على الغذاء والماء والضرورات اللازمة للبقاء على قيد الحياة أثناء الصراع وضمان قدرتهم على مغادرة مناطق الصراع بأمان والعودة إلى ديارهم. ولهذا فإن انتهاك هذه المحظورات والالتزامات يشكل جرائم حرب ويشكل بحسب كثير من فقهاء القانون جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية، اعتماداً على خطورتها ونيات مرتكبيها.
ولا تميز القواعد بين الفئات السياسية للأطراف المختلفة، فالقانون الإنساني لا يسمي مجموعة بعينها إرهابية، ومجموعة أخرى مقاتلين شرعيين، وتنطبق القواعد نفسها على الجميع، القوات المسلحة لأي دولة أو أي جماعة مسلحة غير تابعة لدولة، بما في ذلك "حماس" أو "الجهاد الإسلامي" وفقاً للمديرة التنفيذية السابقة لتقرير مجلس الأمن كارين لاندغرين.
وبينما يعترف القانون الإنساني بحق الشعوب المحتلة في استخدام المقاومة المسلحة ضد محتليها لتحقيق تقرير المصير والسيادة على أراضيها، فإن القواعد نفسها تنطبق على الذين يستخدمون القوة المسلحة لمقاومة الاحتلال كما تنطبق على القوات المسلحة للدول. وعلى هذا فإن هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر 2023 (تشرين الأول) على إسرائيل، التي تسببت في أضرار للمدنيين مقارنة بالقوات العسكرية والشرطية، وتضمنت أخذ الرهائن، تشكل جرائم حرب تماماً كما لو كانت تلك الجرائم ناجمة عن قوات عسكرية تابعة لدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولهذا اشتمل قرار المحكمة الجنائية الدولية على طلب اعتقال محمد الضيف القائد العسكري لـ"حماس" إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت على أساس أنهما أمرا بالقصف الإسرائيلي الحالي لغزة والهجمات على المرافق الصحية التي تسببت في سقوط آلاف الضحايا، واستهداف مدارس الـ"أونروا" التي تؤوي المدنيين، والتدمير الهائل للمنازل والوحدات السكنية.
وفي ظل هذا الوضع، بدت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عاجزين عن الحد من أساليب الحرب، أو تنفيذ وقف إطلاق النار، أو استدعاء قوات الأمم المتحدة لحماية المدنيين في غزة، أو ضمان المساءلة. كما يظهر الصراع الحالي فشلاً بنيوياً للأمم المتحدة يتمثل في اختلال التوازن في القوة بين مجموعة صغيرة من الدول وغالبية الدول والشعوب في العالم.
هل يمكن إصلاح المجلس؟
تظل قضية توسيع مجلس الأمن من أكثر القضايا الدبلوماسية تعقيداً، إذ تقف الدول الأعضاء في طريق مسدود في شأن ما إذا كان التوسع ينبغي أن يشمل أعضاء دائمين جدداً أو أعضاء منتخبين فحسب، وما إذا كان ينبغي لأي أعضاء دائمين جدد أن يتمتعوا بحق النقض، إذ لا يقطع مشروع الاتفاق هذه العقدة، ولكنه يبدأ في تخفيفها، من خلال الاعتراف بالحاجة إلى جعل المجلس أكثر تمثيلاً وشمولاً وشفافية، وكفاءة وديمقراطية ومساءلة.
ويطرح مجموعة من المبادئ التوجيهية للإصلاح، بما في ذلك أن أي توسع ينبغي أن يصحح الظلم التاريخي ضد أفريقيا وغيرها من المناطق غير الممثلة في المجلس، ويوازن بين أهداف التمثيل والفعالية، ويدعو مشروع الاتفاق أيضاً إلى التوافق على فئات عضوية مجلس الأمن وعلى نطاق وحدود حق النقض في المستقبل، ويتضمن شرطاً لمراجعة دورية لما إذا كان المجلس ينفذ ولايته ويظل لائقاً بالغرض أم لا.
غير أن الاتفاق على هذا المشروع لم يجد طريقه إلى النور وقد لا يراه أبداً بسبب خشية الدول الخمس الكبرى التي تتمتع بالـ"فيتو" من تقليص نفوذها في الأمم المتحدة، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي تشهد علاقتها بالمنظمة الدولية مزيداً من التوتر. فقد ساعدت الولايات المتحدة في إنشاء النظام العالمي القائم، بما في ذلك المعايير والمبادئ التي تشكل سلوك الدول والمؤسسات التي تدعمها، وتلتزم واشنطن بهذه المعايير، في كثير من الأوقات، لأن من مصلحتها أن يرى الآخرون أنها تلتزمها، وأنه ينبغي للآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه.
"لكن الولايات المتحدة تلجأ إلى الأمم المتحدة إذا كان ذلك سيحقق أهدافها، عندما لا تلجأ إلى الأمم المتحدة، فهناك مقايضة أو صفقة تسعى إليها، وهي بذلك تقوض شرعيتها باعتبارها الضامن للنظام العالمي، وهذا أحد أسباب الأزمة التي نعيشها"، بحسب وصف المديرة التنفيذية السابقة لتقرير مجلس الأمن كارين لاندغرين.
فرصة للتغيير
ومع ذلك، تظل هناك مجالات حيث التغيير نحو الأفضل يبدو في متناول اليد، منها ما يتعلق بدور الأعضاء الـ10 المنتخبين في مجلس الأمن، الذين عززوا إلى حد كبير هويتهم الجماعية وغالباً ما يقودون الطريق في الدعوة إلى احترام القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان، وعملوا بجد لإيجاد مواقف مشتركة بين المجموعات الفرعية وخلق زخم سياسي، والتنسيق بين الرئاسيات المتعاقبة، واستقطاب بعض الأعضاء الدائمين.
وتعكس القيادة الناشئة من قبل الأعضاء المنتخبين قدرة على ممارسة نفوذ يستغل انقسام الأعضاء الدائمين وكذلك أوجه القصور لديهم كأوصياء على ميثاق الأمم المتحدة، مما يمثل تغييراً حقيقياً.
ومن مجالات التغيير المحتملة أيضاً، الإمكانات التي توفرها مجموعة كبيرة من العناصر غير المستغلة في ميثاق الأمم المتحدة، وفي أساليب عمل المجلس، وفي دور الأمين العام ويشمل ذلك المادة 99 من الميثاق التي استشهد بها الأمين العام صراحة في ديسمبر (كانون الأول) 2023 لتحذير المجلس من كارثة إنسانية وشيكة في غزة، والفصل الثامن في شأن الترتيبات الإقليمية، التي تبنى المجلس بموجبها القرار 2719 في شأن تمويل الأمم المتحدة لعمليات دعم السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي، والمادة 27 (3) في شأن الامتناع عن التصويت، والمادة 33 في شأن الخطوات الأولى في التسوية السلمية للنزاعات، والمادة 34 في شأن حق المجلس في التحقيق في أي موقف أو نزاع قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو يثير نزاعاً.
وفي تاريخه بالكامل، لم يستخدم المجلس المادة 96 (1) إلا مرة واحدة، التي تمكنه من طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية في شأن أي مسألة قانونية، وهناك أيضاً المادة 94 (2)، التي تسمح للمجلس بتقديم توصيات أو تقرير كيفية تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية، إذا طلب ذلك أحد أطراف النزاع.
وإضافة إلى ذلك، يدخل اختيار الجمعية العامة للعب دور أقوى في مسائل السلام والأمن الدوليين، من خلال مبادرة النقض لعام 2022 ضمن سلة القضايا هذه، ومن الممكن القول إن عملية تعيين الأمين العام للأمم المتحدة، التي أصبحت أكثر شفافية بصورة ملحوظة عام 2016 بعد حملة مكثفة من المجتمع المدني، ستكون أكثر أهمية من أي وقت مضى في المرة المقبلة، عام 2026.
تراجع دور مجلس الأمن
يعكس تراجع استخدام المجلس لأقوى أدواته، وهي حفظ السلام والعقوبات، انحسار دوره عبر عدم استخدام الأدوات الممنوحة له بصورة كافية، فقد شهد عام 2024 مرور 10 أعوام منذ أطلق المجلس آخر عملية لحفظ السلام للأمم المتحدة، في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما أن انسحابه المستمر من فرض العقوبات واضح أيضاً، إذ أنشأ المجلس بين عامي 1990 و2015، في المتوسط نظام عقوبات جديداً واحداً سنوياً، ومنذ نظام العقوبات على مالي عام 2017 الذي ألغي بحق النقض الروسي عام 2023، تم فرض العقوبات على هايتي فقط عام 2022، وكان من الصعب إضافة قوائم جديدة، أو معايير جديدة، إلى أنظمة العقوبات القائمة.
الفوضى المطلقة تعم العالم
في كلمته الافتتاحية للجمعية العامة التي عقدت الخريف الماضي، وصف الأمين العام الإفلات من العقاب بأنه المحرك الأعظم لعدم الاستدامة العالمية، وقال إن الإفلات من العقاب أمر لا يمكن الدفاع عنه سياسياً ولا يمكن تحمله أخلاقياً، ولكن ليس من المتصور أن القانون الدولي سينهار، وأن الإفلات من العقاب سيسود، ذلك أن السلام واحترام القانون الدولي مشروعان مستمران، ويعتمد إبقاء المشروع حياً على الناس في مختلف أنحاء العالم، لأن السماح بانهيار المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي، التي حصل عليها بشق الأنفس، هو أمر يقع على عاتق الجميع.