Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رجال المال والتكنولوجيا دشنوا عصر الاستحواذ على الشأن السياسي

سطوة ماسك ورفاقه من عمالقة التكنولوجيا على الانتخابات الأميركية الأخيرة تثير القلق ومخاوف من احتمالات تحول المنظومة الرأسمالية الغربية بعيداً من الساسة المتمرسين وأصحاب الرؤى الإستراتيجية

يثير وجود ماسك على رأس وزارة الكفاءة الحكومية في إدارة ترمب مخاوف من احتمالات حصوله مكاسب خاصة، وجني واحدة من أكبر الإعفاءات الضريبية الشخصية في تاريخ أميركا (أ ف ب)

ملخص

تثير ظاهرة صعود رجال الأعمال وعمالقة التكنولوجيا إلى المشهد السياسي كثيراً من القلق والمخاوف بالنسبة إلى كثير من المراقبين وصناع السياسية، ليس فقط في الداخل الأميركي بل وحول العالم، فإضافة إلى الخوف من تضارب المصالح بين الاقتصاد والسياسية فإن تصدرهم المشهد يوحي بتغيرات كبيرة في طبيعة الرأسمالية الغربية ونموذجها المسيطر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.

"إن رأس المال السحابي من شأنه أن يؤدي إلى ظهور طبقة حاكمة جديدة، وإن هذه الطبقة الحاكمة سيتضح أنها ثورية، إذ ستستغل رأسمالها لجعل البشرية بأكملها تقريباً تعمل لمصلحتها، إما مجاناً أو في مقابل أجر زهيد، بما في ذلك كثير من الرأسماليين".

 في كتابه "الإقطاع التكنولوجي الذي قتل الرأسمالية"، ناقش وزير المال اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس كيف أصبحت المجموعة الصاعدة من الحالمين التكنولوجيين أمثال لاري بيغ وسيرغي برين ومارك زوكربيرغ وجاك دورسي وإيلون ماسك وآخرين، هي "الإقطاعين الجدد" في العالم، الذين بدأوا في إدارة "شكلهم الخاص من النجاح التجاري، وسرعان ما تحولت أحلامهم إلى سوق عالمية ضخمة".

وأوضح فاروفاكيس، وهو محاضر اقتصادي بارز، عبر كتابه الذي نشر في الربع الأخير من عام 2023 أن "الرأسمالية بشكلها الكلاسيكي انتهت، وأن العالم يعيش الآن عصر الإقطاع التكنولوجي"، مستدلاً في فرضيته على أنه "مثلما شهد القرن الـ 19 تحولاً كبيراً في نقل السلطة من أصحاب الأراضي الإقطاعيين إلى مالكي آلات السفن البخارية والشبكات الكهربائية، فتحول خلق الثروة من تراكم الريع إلى جني الأرباح، نشهد اليوم تحولاً مماثلاً من جني الأرباح إلى تراكم الريع مجدداً"، لكن الفارق حالياً هو أن الأراضي التي يملكها الإقطاعيون الجدد هي أراض رقمية نعرفها باسم "منصات".

وعلى رغم أن فاروفاكيس لم يكن الوحيد الذي حذر باكراً من سيطرة "الإقطاعيين الجدد" على الثروة ومن ثم السلطة حول العالم، إذ تنبأت كثير من القراءات والتحليلات باحتمالات أن تتحول هذه الطبقات الإقطاعية الجديدة وشركاتها من لعب "دور متزايد في حياتنا إلى السعي للسيطرة على تفضيلاتنا وسلوكنا، بعد أن باتت تتصرف مثل الدول القومية على نطاق عالمي، كما أن بنيتها ونفوذها باتت تتجاوز حكومات الدول الفعلية"، وقد جاء العام 2024 ليكون مثلاً عملياً لاتساع سطوة استحواذ رجال المال والتكنولوجيا على الشأن السياسي بدلاً من رجال السياسية والمتمرسين من أصحاب الرؤى الإستراتيجية، وجاءت الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة التي أعادت المرشح الجمهوري دونالد ترمب لسدة الحكم لتثير كثيراً من علامات الاستفهام في شأن مستقبل من باتوا يعرفون بـ "الإقطاعيين الجدد".

ظاهرة ماسك تخيم على السياسة العالمية

في خطاب النصر الذي ألقاه الرئيس الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترمب كان لافتاً كمّ الثناء والإشادة الذي تلقاه إيلون ماسك، أحد أبرز رجال الأعمال الداعمين له في حملته الانتخابية، لنحو أكثر من ربع ساعة، معلناً لأنصاره أن صعود مالك منصة "إكس" إلى المشهد يمثل "ميلاد نجم جديد في سماء السياسة الأميركية"، فضلاً عن ثنائه على رؤيته التكنولوجية التي لا مثيل لها لدى الصين أو روسيا.

وسريعاً تحولت علاقة ترمب وماسك التي ظهرت على السطح منذ إعلان الأخير دعمه الأول في الـ 13 من يوليو (تموز) الماضي، وهو اليوم الذي تعرض فيه ترمب لمحاولة اغتيال في بنسلفانيا، وما تبعها من تربع مالك منصة "إكس" على قائمة المانحين لحملته الانتخابية بأكثر من 130 مليون دولار أميركي، إلى أن يكون جزءاً في إدارته الجديدة موكلاً إليه وزارة جديدة حملت اسم "قسم الكفاءة الحكومية"، لتفتح أبواب الأسئلة في شأن مستقبل الرجل السياسي ودور رجال الأعمال والتكنولوجيا في السياسة الأميركية، ولا سيما في وقت كرر فيه ترمب خلال أكثر من مناسبه وصفه ماسك "بأنه قائد صناعي لا يتكرر إلا مرة واحدة في الجيل، ومن المؤكد أن بيروقراطيتنا الفيدرالية المكسورة يمكن أن تستفيد من أفكاره وكفاءته"، بحسب تصريح سابق له لمجلة "نيوزويك" الأميركية.

 

وزعم ماسك (53 سنة) في أكثر من مناسبة أن "القيود التنظيمية المفرطة تعوق الإبداع وتشل ما يراه تقدما نحو التحول إلى حضارة متعددة الكواكب" وهو هدف أساس لشركته، "سبيس إكس"، كما أعرب في منشورات سابقة عن مخاوفه في شأن تأثير "الإفراط في التنظيم" على مستقبل أميركا في الفضاء، قائلاً "ما لم نوقف الاختناق البطيء الناجم عن الإفراط في التنظيم الذي يحدث في أميركا، فلن نصبح أبداً حضارة متعددة الكواكب".

ووفق ما كتب في الصحافة الأميركية حينها فقد بدت الأسئلة الأكثر حيرة تتعلق بالدور الذي يسعى إليه ماسك ومن على شاكلته في السياسة الأميركية المستقبلية، ومدى تأثير ذلك في المؤسسات السياسية والنخب التقليدية بعد أن هيمن على المشهد الانتخابي الأميركي الأخير وما تبعه، على رغم أنه لم يكن يوماً متبرعاً رئيساً لحملة انتخابية في الماضي، لكنه استثمر هذه المرة في إعادة ترمب البيت الأبيض، وهو ما اعتبر أمراً نادراً بين نخبة المال والأعمال التي تفضل تقليدياً التأثير في السياسة من خلف الكواليس.

وفق أحد تقارير التلفزيون الألماني "دويتش فيلله" التي تحدثت عن ظاهرة ماسك في السياسة الأميركية، فإن الرجل الذي يتربع على قائمة أغنى رجل في العالم بامتلاكه أشهر شركات التكنولوجيا في العالم بما فيها شركة تصنيع السيارات "تيسلا" ومنصة التواصل الاجتماعي "إكس" وشركة الفضاء "سبيس إكس"، سلط دخوله الواسع في السياسة الأميركية الضوء على الطريقة التي يمارس بها عدد قليل من أصحاب الشركات التكنولوجية الخاصة سلطة متزايدة على القرارات التي كانت محفوظة تقليدياً للحكومات، مما أثار المخاوف في شأن "حساسية التقنيات التي يملكها الرجل وتأثير شركاته بصورة لا تصدق"، مشيرة إلى ما قالته الزميلة في مركز السياسة السيبرانية بجامعة ستانفورد ومؤلفة كتاب "الانقلاب التكنولوجي - كيف ننقذ الديمقراطية من وادي السيليكون"، مارييتجي شاكه، بأن "التقنيات التي يعمل بها ماسك حساسة للغاية وشركاته مؤثرة بشكل لا يصدق وتعمل في مراكز حاسمة خاصة بالوصول إلى المعلومات والجغرافيا السياسية".

وبغض النظر عن التقنيات والأدوات التي يملكها رجل التكنولوجيا الأول في العالم فقد تخوفت تقارير وكتابات عدة من أن يصبح مالك منصة "إكس" رئيس الظل في الولايات المتحدة، بعدما بدى من قوة تأثيره في السياسة الأميركية خلال الأشهر الأخير. وبحسب أحد تقارير صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية حول تلك الظاهرة فإن ماسك حين اشترى منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" قبل عامين والتي أصبحت "إكس" لاحقاً في مقابل مبلغ باهظ بلغ 44 مليار دولار، "بدا وكأنها نزوة لرجل لا يملك أكثر من المال سوى النرجسية"، لكن مع مرور الوقت تكشف أن ماسك كان يخطط لاستخدام هذه المنصة ليصبح المواطن الأكثر نفوذاً في تاريخ السياسة الأميركية"، على رغم أن علاقته بترمب حينها كانت باردة للغاية"، مشيرة إلى أن تأثيره بات واضحاً في السياسة الأميركية بصورة غير مسبوقة.

ووفق الصحيفة ذاتها فإن ترمب اختار نائبه في حملته الانتخابية جي دي فانس بضغط من ماسك والملياردير بيتر ثيل، موضحة أن الرئيس الأميركي الذي فاز في الانتخابات لم يكن ليختار شخصاً أطلق عليه قبل بضعة أعوام لقب "هتلر الأميركي" لولا الضغوط التي مورست عليه، منوهة كذلك إلى ظهور ماسك المستمر بجانب الرئيس الأميركي المنتخب، وحضوره غالبية الاتصالات التي جرت بين ترمب وزعماء العالم الخارجين إبان إعادة انتخابه في البيت الأبيض.

 

وهناك زاوية أخرى أثارت الأسئلة مع صعود ماسك السياسي داخل الولايات المتحدة وتأثير ذلك في مستقبل الديمقراطية الأميركية، فبحسب أحد تقارير صحيفة "اندبندنت" البريطانية فإنه في ضوء ما يملكه الثنائي ترمب - ماسك من بعض الأشياء المشتركة، فإن "اصطدام شخصيات واثقة للغاية ومهووسة بذاتها وأحياناً مختلة قد يتسبب في نوع من الانفجار في الظروف الطبيعية"، معتبرة أن كلا الرجلين "يفضل التغطية على حقائق غير مريحة عن سياسات ترمب الاقتصادية الحمائية والاقتطاعات الضريبية، وكذلك السياسات التوسعية التي ستزيد على الأرجح العجز وتؤدي إلى تضخم العملة، وربما تثير حرباً تجارية مع الصين".

وفي تحليله حول صعود ماسك السياسي في الولايات المتحدة كتب ويل دان في مجلة "نيو ستيتسمان" البريطانية أن ثروة مالك منصة "إكس" التي منحته نفوذاً هائلاً على الصعيد السياسي في الولايات المتحدة والعالم وتكللت بإعلان توليه وزارة الكفاءة الحكومية الأميركية إلى جانب رجل الأعمال فيفيك راماسوامي، تشير إلى أن القوة السياسية والاقتصادية في العالم اليوم أصبحت بيد شخصيات مثل ماسك، إذ استطاع باستخدام ثروته الطائلة التأثير في الانتخابات الأميركية ولعب دور محوري في دعم حملة دونالد ترمب الانتخابية وفوزه بالرئاسة.

ومنذ تأسيس شركته الأولى منتصف التسعينيات قام رجل الأعمال المولود في جنوب أفريقيا بتأسيس مجموعة من الشركات الناجحة وجمع ثروة تقدر بأكثر من 440 مليار دولار، كما أن موهبته في تحويل الشركات الناشئة إلى شركات تكنولوجية رائدة عالمياً جعلته يسيطر على البنية التحتية الرقمية الرئيسة، مما أسهم في زيادة نفوذه السياسي.

لكن وفق وكالة "بلومبيرغ" فقد أنفق إيلون ماسك ما لا يقل عن 274 مليون دولار على الجماعات السياسية خلال عام 2024، مما أطلق موجة من الإنفاق الذي ساعد دونالد ترمب في الفوز بالرئاسة ليضمن لنفسه لقباً جديداً، وهو "أكثر المتبرعين سخاء في الحملات الانتخابية"، مضيفة أن مجموع تبرعات ماسك جعلته متقدماً بفارق كبير على ثاني أكبر المتبرعين، المستثمر تيموثي ميلون، الذي تبرع بـ 197 مليون دولار للجمهوريين، وفقاً للمساهمين الذين تتتبعهم منظمة "أوبن سكرتس" غير الربحية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتركز الجزء الأكبر من تمويل ماسك على السباق الرئاسي، فتبرع بمبلغ 238.5 مليون دولار إلى لجنة العمل السياسي الأميركية (أميركا باك) التي أسسها، بما في ذلك ضخه 75 مليون دولار إضافية خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة، وفقاً لآخر إفصاح أودعته "أميركا باك" لدى لجنة الانتخابات الفيدرالية.

ويثير وجود ماسك على رأس وزارة الكفاءة الحكومية التي قد تؤدي إلى خفض الإنفاق الحكومي بمئات المليارات من الدولارات، بحسب وعوده، إضافة إلى تقليص اللوائح المفرطة وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية، مخاوف من احتمالات حصوله على إعفاءات ضريبية بعشرات مليارات الدولارات، وجني واحدة من أكبر الإعفاءات الضريبية الشخصية في تاريخ أميركا.

وربما تستفيد بعض شركات ماسك خلال ولاية ترمب الثانية، فقد عين الرئيس المنتخب جاريد أيزاكمان، وهو حليف لماسك ورائد فضاء في شركة "سبيس إكس"، ليكون مديراً جديداً لوكالة "ناسا"، إذ تعتبر "سبيس إكس" من أكبر شركاء "ناسا" وكثيراً ما تتقدم للمنافسة على عقود من الوكالة.

كما تسعى شركة "تيسلا" لصناعة السيارات الكهربائية إلى الحصول على موافقة الجهات التنظيمية على السيارات ذاتية القيادة، وهو أمر قال أعضاء الفريق الانتقالي لترمب إنه سيكون من أولويات وزارة النقل، إذ تواجه تلك السيارات عقبات كبيرة في ظل القواعد الفيدرالية الحالية.

راماسوامي وبيزوس وآخرون

وإضافة إلى وجود ماسك على رأس أحد المناصب الوزارية في إدارة ترمب الجديدة فقد أثارت بعض الأدوار التي لعبها أصحاب المال والأعمال في الانتخابات الأخيرة الجدل ذاته في شأن سعيهم الواسع إلى الدخول في السياسة بصورة غير مسبوقة، ولا سيما الملياردير فيفيك راماسوامي، شريك ماسك في منصب وزارة الكفاءات الحكومية، إضافة إلى رئيس شركة "أمازون" ومالك صحيفة "واشنطن بوست" جيف بيزوس، والرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان" جيمي ديمون، فبالنسبة إلى الملياردير الأميركي من أصول هندية فيفيك راماسوامي (39 سنة) فهو واحد من أصغر 20 مليارديراً في الولايات المتحدة، وكان ثاني أغنى شخص يتنافس في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري خلف دونالد ترمب، وقدرت "فوربس" صافي ثروته بنحو 2.5 مليار دولار.

 

وكان ترمب أعلن في بيان حول تعيين ماسك وراماسوامي في هذا المنصب أن "هذان الأميركيان الرائعان سيمهدان الطريق معاً أمام إدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية وتقليص الإجراءات التنظيمية المفرطة وخفض الهدر في النفقات وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية، وهو أمر ضروري لحركة إنقاذ أميركا"، إلا أن الاستعانة بالرجلين أثارت كثيراً من الجدل في السياسة الأميركية، إذ إن راماسوامي أعلن بعد تعيينه أنه وماسك سيبدآن "عمليات الترحيل الجماعي لملايين البيروقراطيين الفيدراليين غير المنتخبين من العاصمة، وتلك هي الطريقة التي سننقذ بها هذا البلد".

ودخل راماسوامي عالم السياسة ولفت الأنظار إليه، إذ عدته بعض الاستطلاعات ثاني أكثر المرشحين الجمهوريين شعبية بعد ترمب، وعلى رغم ديانته الهندوسية فهو يدعم "القيم المسيحية" ويهاجم العلمانية ويتبنى خطاباً معادياً للمثليين ومناهضاً للإجهاض وسياسات تغير المناخ، وله تجربة مثيرة خلال مرحلة باكرة من حياته في عدد من الأنشطة التجارية التي ساعدته في تشكيل ثروة تقدر بملايين الدولارات، وكانت البداية عام 2007 عندما شارك في تأسيس شبكة "كامبيوس فينتور نيتوورك" التي صممت موقعاً خاصاً للتواصل الاجتماعي لطلاب الجامعات الذين يطمحون إلى إطلاق مشروع تجاري.

وكذلك أنشأ راماسوامي كثيراً من الشركات التابعة لها، بما في ذلك "ديرمافانت" التي تركز على الأمراض الجلدية، و"يوروفانت" التي تركز على أمراض المسالك البولية، و"سينوفانت" و"سيتوفانت" ومقرهما الصين، واللتان تركزان على السوق الآسيوية، وفي عام 2015 ظهر راماسوامي على غلاف مجلة "فوربس" الشهيرة وقال إن شركته "ستحقق أعلى عائد للاستثمار على الإطلاق في صناعة الأدوية".

وقبل أعوام قليلة انضم إلى الحزب الجمهوري بعد نشره كتاباً عام 2021 انتقد فيه الشركات "التي تجعل إستراتيجياتها تتمحور حول قضايا العدالة الاجتماعية والتغير المناخي، إضافة لسعيها إلى إحباط قيم الرأسمالية والكفاح والمعتقد والوطنية"، ومذاك اعتبره كثيرون نسخة مصغرة عن ترمب، إذ يؤمن أن أميركا تعاني "أزمة هوية"، وهو الخطاب الذي يتشابه مع شعار ترمب "نحن في أمة تعيش حال انحدار".

ولراماسوامي آراء وأفكار مثيرة للجدل في السياسة الأميركية، إذ يعارض الإجهاض ويصفه بأنه جريمة قتل، ويدعم حظره على مستوى الولاية مع استثناءات الاغتصاب وسفاح القربى والخطر على حياة المرأة، لكنه يعارض الحظر الفيدرالي.

وقال إنه سيلغي حق المواطنة بالولادة إذا أصبح رئيساً، وتعهد وقت سعيه إلى نيل ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية بطرد 75 في المئة من الموظفين الفيدراليين وإلغاء ما لا يقل عن خمس وكالات فيدرالية، بما فيها وزارة التعليم ومكتب التحقيقات الفيدرالي و"إيه تي إف" ومصلحة الضرائب واللجنة التنظيمية النووية وخدمة الغذاء والتغذية التابعة لوزارة الزراعة الأميركية.

وفي السياسة الدولية يرى راماسوامي أهمية تقديم "تنازلات كبيرة لروسيا" في الحرب مع أوكرانيا، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لكييف، واستبعادها من حلف شمال الأطلسي (ناتو) والسماح لروسيا باحتلال مناطق أوكرانية في مقابل اتفاق يقضي بإنهاء موسكو تحالفها مع الصين، وكذلك أعرب عن دعمه لاستقلال تايوان وطرح فكرة "وضع سلاح في كل منزل تايواني" لردع غزو الصين، لكنه قال إن الولايات المتحدة ينبغي ألا تدافع عسكرياً عن تايوان ضد أي هجوم صيني.

 

وإضافة إلى ماسك وراماسوامي أظهرت الانتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة دوراً بارزاً لرجال أعمال آخرين، على رأسهم الملياردير جيف بيزوس الذي كان لاعباً أساساً في مسار الانتخابات عندما أعلنت هيئة تحرير صحيفة "واشنطن بوست" التي يملكها أنها تستعد للتوصية بدعم المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، إلا أن بيزوس ألغى التأييد في اللحظة الأخيرة وتحول باتجاه دعم ترمب، معلناً أنه سيتبرع بمليون دولار لصندوق تنصيب الرئيس المنتخب، في اصطفاف مع مليارديرات آخرين في صناعة التكنولوجيا يقدمون الأموال لخطب ود الرئيس المقبل قبل عودته للبيت الأبيض في الـ 20 من يناير (كانون الثاني) المقبل.

ومن جهة أخرى كان هناك دعم مقابل للمرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس من عدد من الشركات العابرة للقارات وعمالقة التكنولوجيا، فبحسب منصة "أوبن سيكرتس" فقد دعم هاريس في حملتها "ألفابت" المالكة لـ "غوغل" و"مايكروسوفت" و"أمازون" و"آبل" و"ميتا"، وكان من أبرز المتبرعين لها المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "نتفليكس" ريد هاستينغز، مما يعد أكبر تبرع يقدمه هاستينغر لسياسي واحد على الإطلاق، وأيضاً المؤسس المشارك لموقع "لينكدن" ريد هوفمان الذي تبرع بمبلغ 1.7 مليون دولار، و الزوجة السابقة لبيل غيتس، ميليندا فرينش غيتس التي اعترفت بأنها المرة الأولى التي تدعم فيها مرشحاً علناً.

أين يتجه الواقع الجديد؟

تثير ظاهرة صعود رجال الأعمال وعمالقة التكنولوجيا إلى المشهد السياسي كثيراً من القلق والمخاوف بالنسبة إلى كثير من المراقبين وصناع السياسية، ليس فقط في الداخل الأميركي بل وحول العالم، فإضافة إلى الخوف من تضارب المصالح بين الاقتصاد والسياسية فإن تصدرهم المشهد يوحي بتغيرات كبيرة في طبيعة الرأسمالية الغربية ونموذجها المسيطر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وفي كتابه "الإقطاع التكنولوجي الذي قتل الرأسمالية"، يبني وزير المال اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس فرضيته الأساس حول "أن الرأسمالية في طريقها إلى الزوال وليس فقط أنها تمر بواحدة من تحولاتها الكثيرة المثيرة للدهشة"، وذلك كنتيجة مباشرة لسيطرة عصر "الإقطاع التكنولوجي" حين يحكم عمالقة التكنولوجيا، مشيراً إلى أن الأعوام الأخيرة شهدت تحولاً تميز بأن أكبر اللاعبين التكنولوجيين أصبحوا يدفعون الناس نحو العمل لمصلحتهم، وبحسب فاروفاكيس فإن "عمالقة التكنولوجيا" أمثال "أمازون" و"فيسبوك" وغيرهما "ليسوا وسيلة إنتاج منتجة لكنها وسيلة منتجة لتعديل السلوك"، وأن "رأس المال السحابي يمنح المالك قوة هائلة وامتيازاً لتغيير سلوك الناس من أجل إنشاء بدائل للأسواق التي نعلق فيها جميعاً كمشترين وبائعين، ولكن ليس داخل سوق يمكننا فيها اختيار شركائنا، إذ تقوم الخوارزميات بالاختيار نيابة عنا وتختار بطريقة تزيد عوائد أصحاب رأس المال السحابي هذا".

واعتبر تحليل نشره موقع "فانيتي فير" حول صعود عمالقة التكنولوجيا إلى المشهد السياسي أن "كل هذا التغيير يتلخص في المال والسلطة بطبيعة الحال"، وقد ذكر تقرير لمجلة "إيكونيميست" البريطانية أنه وعلى رغم رهان ماسك وأمثاله على تغير معادلة الاقتصاد والقوة في العالم، لكن التاريخ الأميركي مليء بالعلاقات المعقدة بين قادة الأعمال والرؤساء الأميركيين، معتبرة أنها تبقى "مقامرة عالية الأخطار".

وبحسب المجلة ذاتها فإنه وعلى رغم أن نهج ماسك في السياسة الرئاسية فريد من نوعه ويُشعر بالفخر بقوته، مع الاعتقاد بأن الدعم الذي منحه لترمب أثناء الحملة الانتخابية سيسمح له بتحريك خيوط البيت الأبيض، "لكن التاريخ يشير إلى أن هذا لن يحدث أبداً"، إذ تنقل حوادث تاريخية مماثلة أوردها كتاب "القوة والمال" لتيفي تروي في بدايات القرن الـ 20، ومن بينها ما حدث بين هنري فورد وودرو ويلسون، فمع إعادة فورد اختراع السيارات، وقد كان له عدد كبير من المتابعين مع امتلاكه منصة تبث خطاب الكراهية وعدم إخفائه ازدراءه للسياسات اليسارية مع حب كثير من الرؤساء سياراته، لكن في عام 1915 طرده وودرو ويلسون من البيت الأبيض بعد أن اقترح إرسال سفينة سلام إلى أوروبا لوقف الحرب العالمية الأولى، موضحة أن "ماسك يشبه هنري فورد، وأن عليه التفكير في أخطار أن يصبح المرء أكبر من حجمه".

المزيد من تقارير