ملخص
على رغم ألمها، لا تزال فخورة بابنها الذي قتل بينما كان عمره 22 سنة، بعد تمديد خدمته الإجبارية وقتاله ضد فصائل المعارضة التي أصبحت الآن في الحك،. لكنها لا تعلق صورة له بزيه العسكري، ولا تبكيه باعتباره قتيل حرب، وتفضل بدل ذلك أن تتذكره مراهقاً سعيداً يستعد لبدء عمله الخاص.
في القرى المشرفة على مدينة طرطوس الساحلية، لطالما احتفى الأهالي بأبنائهم الذين قضوا أثناء القتال في صفوف الجيش السوري، لكن الأمهات يترددن اليوم بعرض صور أولادهن ولا يخفين مرارتهن تجاه بشار الأسد الذي ضحين من أجله بأغلى ما يملكن.
وتقول جميلة جبر (60 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية "صحيح، خسرت ابني همام الذي قتل خلال المعارك عام 2012، لكن المهم أن بشار الأسد رحل بعدما قضى علينا وعلى مستقبل أولادنا، وجوّعنا".
مراهق سعيد يتأهب
وتعيش الأم الثكلى التي تبدو ملامح الإرهاق على عينيها في قرية بيت المرج، الواقعة على قمة تلة في محافظة طرطوس غرب سوريا، وهي قرية فقيرة محاطة ببساتين واسعة مزروعة بالفاكهة وأشجار الزيتون.
ويقطن القرية علويّون، وهي الأقلية الدينية التي ينتمي إليها بشار الأسد وعائلته، التي حكمت سوريا لأكثر من 50 عاماً قبل هربه الأسبوع الماضي إلى موسكو، بعد سيطرة فصائل معارضة على الحكم في دمشق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن في هذه المنطقة التي كانت تعتبر معقلاً لداعميه، لم يعد للعلويين، الذين فقدوا أبناءهم وهم يقاتلون لحماية العائلة الحاكمة المترفة، أية ذكريات طيبة عنه.
لكنهم في الوقت نفسه، يشعرون بالقلق من أن تحاول السلطة الجديدة فرض الشريعة الإسلامية السنية على قراهم الهادئة.
على رغم ألمها، لا تزال جبر فخورة بابنها الذي قتل بينما كان عمره 22 سنة، بعد تمديد خدمته الإجبارية وقتاله ضد فصائل المعارضة التي أصبحت الآن في الحكم.
لكنها لا تعلق صورة له بزيه العسكري، ولا تبكيه باعتباره قتيل حرب، وتفضل بدل ذلك أن تتذكره مراهقاً سعيداً يستعد لبدء عمله الخاص.
حزن شجرة برتقال
تقول الأم الثكلى، "كنت أدخل إلى صالة الجلوس، أنظر إلى صورته وأتكلم معه، لكن ذلك يفطر قلبي الآن"، على حد تعبيرها.
وتتوسط صورته مرتدياً قميصاً مدنياً جداراً داخل منزلها المتواضع، الذي نمت قربه شجرة برتقال أوشكت ثمارها على النضوج.
وخلال 13 عاماً من النزاع، لم تتعرض قرية "بيت المرج" لضرر مادي ملحوظ.
لكن هذا الأسبوع، وبعد سقوط الأسد، قصفت الطائرات الإسرائيلية موقعاً عسكرياً قريباً، مما أدى إلى اهتزاز نوافذ منازل الأقليات التي تقطن في القرى المجاورة من علويين ومسيحيين وإسماعيليين، من دون أن تحدث ضرراً.
لكن الكلفة البشرية أشد قسوة على أبناء هذه القرى، فمعظم الأسر تعرف شخصاً فقد حياته في القتال، وكثر منها فقدوا أبناء.
أما المجندون العلويون الذين نجوا من الموت في القتال، فلا يخفون حال الاستياء التي يعيشونها اليوم.
في مدينة طرطوس، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، حيث حامية بحرية لروسيا، حليفة الأسد، تبدلت الأوضاع بين ليلة وضحاها.
يجلس مقاتلون سابقون من فصائل المعارضة بلحى طويلة ومن دون شوارب خلف طاولات في مبنى المحافظة، بينما يصدرون بطاقات هوية موقتة للمئات من عناصر الجيش والشرطة السابقين وأعضاء حزب البعث الحاكم الذين يقفون في طوابير.
ويحتاج الجنود المسرّحون من الجيش الذين تخلوا عن بزاتهم العسكرية، إلى تلك البطاقات للحفاظ على سلامتهم والتنقل أو البحث عن عمل في سوريا الجديدة، ويتسلمون من مسؤولين في "هيئة تحرير الشام" بطاقات جديدة.
ويأمل بعضهم في الحصول على وظائف جديدة مع الحكومة الموقتة، التي تقودها الآن "هيئة تحرير الشام"، المجموعة نفسها التي كانوا يتصدون لها في الأسابيع الأخيرة، ويتساءل بعضهم عما إذا كان سيتم الإيفاء بمعاشات التقاعد للعسكريين السابقين.
لا نساوي شيئاً
وقال المسؤول في الهيئة خالد موسى (44 سنة) للصحافة الفرنسية إن الأمور تسير بصورة جيدة، والهويات الجديدة ستدوم ثلاثة أشهر في وقت يجري فيه التأسيس للمرحلة الجديدة والحكومة الجديدة.
وعلى رغم أن الأمور تسير بسلاسة، لكن العلويين في طرطوس يشعرون بالقلق من قادة البلاد الجدد الذين يسيّرون شؤونهم اليوم والوافدين من محافظة إدلب (شمال غرب) ذات الغالبية السنية.
وتشعر عايدة علي (41 سنة) بخيبة أمل بعد خسارة وظيفتها، وتقول المرأة التي كانت إدارية في الجيش "في النهاية، نحن موجودون في سوريا من أجل أن نخدم الوطن لا لنخدم شخصاً معيناً".
يشاطرها محمّد بدر (30 سنة) شعور خيبة الأمل، ويقول "شباب ذهب عمرهم هكذا، قدموا أرواحهم سدى، من أجل شخص لم يكن يستحق هذا الأمر، ولا حقّ له في أن يحكم البلد".
ويضيف الشاب بينما جلس خارج مركز التسريح بملابسه المدنية، أنه علم بهرب بشار الأسد من الأخبار.
ويروي أنه استقل مع رفاق آخرين له سيارة عابرة من ثكناتهم في دمشق إلى طرطوس، ليكتشفوا أن حكم عائلة الأسد قد انهار في كل أنحاء البلاد.
ويقول للصحافة الفرنسية "منذ بداية الأزمة نشاهد الشباب يُقتلون، لكن لا تستطيع أن تقول شيئاً فالجدران لها آذان".
ويكمل "بالنهاية تبيّن لنا أننا لا نساوي شيئاً، دمنا كله ذهب هدراً، سدى، وكأن هذا الشعب لم يقدم شيئاً".