ملخص
"تواصل إسرائيل توغلها في الأراضي السورية، فيما انسحبت من بعض القرى، وعقدت اتفاقات مع أهالي قرى أخرى للسماح لهم بمواصلة الأعمال الزراعية، لكن مستقبل الوجود الإسرائيلي في سوريا ينحصر في ثلاثة احتمالات، أولها قيام حرب بين الطرفين، وهو مستبعد لأن دمشق لا تريد حرباً أخرى، والثاني التفاوض عبر الأمم المتحدة وهو الأرجح حالياً، وثالثها السلام مع إسرائيل، وهو غير مرجح حالياً لكنه ممكن في المدى المتوسط أو البعيد".
بعد أيام قليلة من سقوط نظام بشار الأسد، بدأ الجيش الإسرائيلي شن غارات واسعة النطاق في مختلف الأراضي السورية، مستهدفاً الأسلحة الإستراتيجية للجيش، فدمر مطارات بأكملها وقضى على الأسطول البحري في غارات جوية وصفت بأنها الأعنف على سوريا، بالتزامن مع توغل بري لكيلومترات عدة جنوب سوريا، والسيطرة على قمة جبل الشيخ الإستراتيجية، والدخول إلى قرى عدة في ريفي درعا والقنيطرة، مع أنباء عن وصول قوات إسرائيلية إلى بعض مناطق ريف دمشق ثم انسحابها.
في الـ20 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، اقتحم عشرات الجنود الإسرائيليين بلدتي جباتا الخشب والرفيد في ريف مدينة القنيطرة، وفق ما أفاد به موقع "تجمع أحرار حوران" المحلي، الذي أكد أن القوات الإسرائيلية نفذت عمليات تفتيش طاولت عدداً من المنازل، بالتزامن مع ذلك خرج أهالي قرى حوض اليرموك بريف درعا الغربي في تظاهرات حاشدة، توجهت إلى نقاط تمركز الجيش الإسرائيلي في ثكنة الجزيرة ومحيط قرية جملة، رافعين شعارات تطالب بانسحاب إسرائيل من أراضيهم، لكن القوات الإسرائيلية حاولت تفريق التظاهرات بالقوة مما أسفر عن إصابة شخصين بطلقات نارية.
الجيش الإسرائيلي لم يحتفظ بالسيطرة على جميع المناطق التي توغل بها، بل انسحبت قواته من قرى عدة، منها بلدة جبا بريف القنيطرة، لكن قبل انسحابه من هذه البلدة اعتقل شخصين اقتربا من نقطة تابعة لقوات الأمم المتحدة، دون معرفة مصيرهما حتى الآن، كما انسحبت أيضاً القوات الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الشهر من بلدة صيدا الحانوت بريف القنيطرة.
اتفاقية محلية
بعد التظاهرات والتوتر الذي حصل بين الأهالي والقوات الإسرائيلية في منطقة حوض اليرموك بريف درعا، تم التوصل إلى اتفاق يتضمن ترتيبات خاصة بزراعة الأراضي في المنطقة الحدودية، وفق ما أفادت به شبكة "درعا 24" المحلية، التي أوضحت أن لجنة محلية تضم ممثلين عن عشائر قرية معربا في حوض اليرموك اجتمعت مع القوات الإسرائيلية في ثكنة الجزيرة غرب البلدة لمناقشة ترتيبات الزراعة، حيث وافق الجيش الإسرائيلي على طلبات اللجنة لضمان استمرار الأنشطة الزراعية وتخفيف التوتر في المنطقة، ضمن اتفاق يشمل السماح للمزارعين بالعمل في المنطقة بحرية من دون التعرض لأية مضايقات، بما في ذلك الامتناع عن طلب هويات المزارعين أو تفتيشهم، تحت إشراف اللجنة المحلية، وخلال المحادثات أبلغ الجيش الإسرائيلي الأهالي بأن قواته موجودة في المنطقة لأسباب أمنية ولفترة موقتة فقط، لكنه لم يحدد موعداً للانسحاب.
مواقف إسرائيلية سلبية
سياسياً، منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، أكد قائد العمليات العسكرية السورية أحمد الشرع، أن بلاده ليست بصدد الدخول في أية حرب جديدة مع أي طرف، مشيراً إلى أن "السوريين تعبوا من الحروب"، وأن حكومته ستركز على التنمية وإعادة الإعمار، وكان هذا إشارة إلى أن سوريا لن تشكل جبهة تهديد لإسرائيل، إلا أن إذاعة الجيش الإسرائيلي أكدت أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجه الجيش بالاستعداد للبقاء في منطقة الحرمون السورية والمنطقة العازلة حتى نهاية عام 2025 على أقل تقدير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الـ27 من ديسمبر، وصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الإدارة السورية الجديدة بأنها "عصابة إرهابية كانت في إدلب وسيطرت على العاصمة دمشق"، وفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلي، دون أن يوضح الوزير الإسرائيلي المعروف بمواقفه المتطرفة، تفسيراً لانتقاده حكومة دمشق الجديدة على رغم التطمينات التي أرسلتها إلى تل أبيب.
إسرائيل لا تريد صداماً مع سوريا
الباحث والأكاديمي السوري الدكتور أحمد جاسم الحسين، يقول في تصريحاته لـ"اندبندنت عربية"، إن "التوغل الإسرائيلي جاء نتيجة وجود فراغ في الأراضي السورية، بعد انسحاب النظام من المنطقة، لكن بالطبع توجد هناك قوات حفظ السلام الأممية كانت تسيطر على المناطق الفاصلة بين البلدين عبر اتفاقية نزع السلاح الموقعة عام 1974، والتوغل الإسرائيلي غير مبرر ولم يكن له داعٍ، لكنه كان استغلالاً لحال الفوضى التي حدثت لأيام قليلة، وحال انشغال الفصائل السورية بتثبيت أركان الحكم، ومع ذلك أعتقد أن إسرائيل لا تريد أن تدخل في نزاع مع سوريا، بل تهدف فقط لتأمين حدودها، والتوغل ليس له أساس قانوني، وخاطئ من الناحية العسكرية، وكان حرياً بالجيش الإسرائيلي ألا يدخل بالأراضي السورية".
ويضيف جاسم الحسين، "بالنسبة إلى مستقبل هذا التوغل، فهناك بعض الأشخاص استطاعوا الدخول إلى القرى الحدودية حتى بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي، وأعتقد أن هذا التوغل هو توغل مرحلي، وسيتم تأكيد الاتفاقات مع الحكومة السورية الجديدة عبر القوى الكبرى والأمم المتحدة لتعود إسرائيل إلى الحدود المرسومة التي تم الاتفاق عليها عام 1974".
وبخصوص الجولان قال الحسين إنها "أرض عربية سورية بقرارات الأمم المتحدة، أما القرار الذي اتُخذ من جانب واحد من قبل إسرائيل وبدعم أميركي لا قيمة قانونية له، لكن السوريين حالياً يمرون بمرحلة يفضلون فيها الحصول على حقوقهم بالتفاوض، وكما قال السيد أحمد الشرع نحن كسوريين لا نريد الدخول في حروب جديدة، لأن الحروب لن تجلب إلا مزيداً من الدمار لبلدنا، وبعد الحروب التي جرت خلال الـ14 عاماً الماضية ليس لدينا ظروف نفسية ولا اجتماعية تساعدنا على خوض أية حرب جديدة".
الانسحاب الصعب
يشير الباحث السوري إلى أنه "من ناحية أخرى، الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي السورية التي توغلت بها لن يكون بالأمر السهل، ولن يكون انسحاباً عادياً، بل سيدخل في إطار مفاوضات وسيأخذ شيئاً من الوقت، أما بخصوص حجة الأمن الإسرائيلي، فقد صرح القائد الشرع أننا لا نريد الدخول في صدام مع الدول الأخرى، ولسنا في موضع إعادة النظر في الاتفاقات مع إسرائيل، وبالنتيجة سيحصل انسحاب إسرائيلي من الأراضي السورية عاجلاً أو آجلاً، وإن لم يحصل الانسحاب سيضطر السوريون إلى اتباع أساليب أخرى لاستعادة أراضيهم، لكن نأمل أن يكون الانسحاب طوعياً وتبعاً للاتفاقات الموقعة منذ أكثر من نصف قرن".
سيناريوهات ثلاثة
ليست هناك مؤشرات حول نية إسرائيل البقاء في الأراضي السورية على المدى الطويل، وبالمقابل لا يبدو أنها تنوي الانسحاب قريباً، فيما ينحصر مستقبل الوجود الإسرائيلي في سوريا باحتمالات ثلاثة:
الحرب: هو أن تصر الإدارة السورية الجديدة على إخراج إسرائيل ولو بالقوة، وهذا ما سيستدعي توجيه إسرائيل ضربات ضد دمشق، مما قد يؤدي إلى اشتعال حرب بين الطرفين كتلك التي اندلعت بين "حزب الله" وإسرائيل أخيراً، لكن هذا السيناريو مستبعد تماماً، نظراً إلى أن دمشق بحلتها الجديدة لا تحمل شعارات المقاومة، وتدرك عواقب الدخول في حروب أخرى بعد كل الذي حصل.
2- الوضع الحالي أو التفاوض مع الأمم المتحدة: وهذا السيناريو هو المرجح في المدى المتوسط، إذ تقوم سوريا عبر الأمم المتحدة بالتفاوض مع إسرائيل لبقاء الوضع الحالي كما هو عليه أو الانسحاب لحدود يتم الاتفاق عليها، أو إعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 التي أعلنت إسرائيل أخيرا الانسحاب منها.
3- السلام مع إسرائيل: ويتضمن هذا الاحتمال أن تقوم حكومة دمشق بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل تشمل الاعتراف المتبادل وتبادل السفراء والبعثات الدبلوماسية، وتنسحب إسرائيل من الأراضي السورية التي توغلت فيها، وهذا السيناريو على رغم أنه مستبعد حالياً، فإنه قد يحصل في المدى المتوسط أو البعيد.