Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النموذج السوري الصالح لانتظام المرأة في المجتمع والدولة يثير الجدل

تصريحات لعاملين في حكومة تصريف الأعمال بدت وكأنها آراء شخصية

جدل في سوريا حول دور المرأة في الحياة السياسية الجديدة (أ ف ب)

ملخص

هناك من يعتبر أن تسلم المرأة بعض المناصب مثل وزارة الدفاع وتأديتها المهام والمسؤوليات المنوطة بهذا المنصب أمر غير متناسب مع كينونتها وطبيعتها البيولوجية والنفسية

في الطريق نحو بناء سوريا الجديدة المتفق عليها بين السوريين بجميع أطيافهم يسود الساحة اليوم مشهد أحادي اللون يفسره القائد العام لإدارة العمليات العسكرية وزعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع بأنه ضروري لضمان تحقيق التناغم في العمل. ورافق هذا النهج بعض الاعتراضات المتأنية، ليظل الوضع على هذه الوتيرة حتى دخول المرأة المشهد العام ليخرج معها تصريحان يتيمان لعاملين في حكومة تصريف الأعمال السورية حول مكانة المرأة ودورها، الأول للمتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية عبيدة أرناؤوط الذي يجد في تسلم المرأة بعض المناصب مثل وزارة الدفاع وتأديتها المهام والمسؤوليات المنوطة بهذا المنصب أمراً غير متناسب مع كينونتها وطبيعتها البيولوجية والنفسية، أما الثاني فكان لقاءً تلفزيونياً لرئيسة مكتب شؤون المرأة في حكومة التصريف الأعمال السورية عائشة دبس الذي أصبح حديث الساعة، إذ بدت هذه الآراء "شخصية" وبعيدة من الدور الأساس لموظفين في حكومة موقتة.

نموذج جديد للمرأة

جدل واسع أثارته تصريحات عائشة الدبس أول سيدة في حكومة تصريف الأعمال تحدثت فيها عن رؤيتها لدور المرأة السورية، واستهلت الدبس اللقاء بالحديث عن الانتهاكات تجاه المرأة السورية، وبصورة خاصة النساء المعتقلات، واعتبرت الملف يقع على رأس أولوياتها، مؤكدة أنها تتابع انتهاكات ما تعرضت له المرأة من اعتداءات جسدية واجتماعية، إضافة إلى الضغط النفسي، وعدتها جروحاً ستبقى آثارها على مدى عقود، وأشارت إلى حاجتهن لدعم يجب أن يبدأ من تحت الصفر لترميم وتصليح ما هدم، وناشدت كل الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان المساعدة في المطالبة بحقوق النساء المعتقلات وتعويضهن.

ولكن الدبس تحدثت في الوقت ذاته عن الخذلان الذي تعرضت له النساء في سوريا، قائلة "إن المجتمع الدولي ومجلس الأمن وجميع دول العالم خذلت السوريين والمرأة السورية أكثر". واعتبرت القرار 2254 أكبر خذلان لسوريا وإجحاف كبير في حق المظلومين، في حين تعده الأمم المتحدة قراراً عادلاً ويجب الرجوع إليه.

وعن مسار تمكين المرأة والنموذج الصالح لانتظامها في المجتمع والدولة أبدت الدبس استغرابها أثناء إجابتها عن سؤال: هل يمكن استيراد نموذج من الخارج أم لا بد من إنشاء نموذج سوري يرتكز على ثقة السوريين وعاداتهم وتقاليدهم ومجتمعهم؟ وتقول متسائلة، "لماذا لا نصنع نحن النموذج الخاص بنا الذي يناسب بلدنا وواقعنا وعاداتنا وتقاليدنا وأصالتنا وحضارتنا؟"، لافتة إلى جذور السوريين التاريخية العميقة. وتابعت، "لماذا نتبنى نموذجاً كالنموذج العلماني أو المدني ونحن أصحاب عقيدة ثابتة وراسخة؟"، مشيرة إلى رؤية القيادة التي تتطلع لبناء نموذج متفرد خاص بالمجتمع السوري ويناسب واقعه، ويليق بسوريا الحضارة والأصالة.

السيدات "المتمكنات"

وعن مشاركة المرأة السورية في الانتفاضة عام 2011 وإلى أي مدى يمكن أن تكون نقطة ارتكاز لصناعة النموذج وتطبيقه على أرض الواقع في المستقبل، أكدت الدبس أن ذلك ممكن من خلال الدستور والقوانين الملزم والرقابة والشفافية والحوكمة، وأن المرأة السورية هي من ستصنع النموذج وأن من أحد أهم مهام مكتب شؤون المرأة تحشيد السيدات "المتمكنات" في الخارج أو الداخل، وهنا قالت صراحة، "أنا لا أدَّعي أن النساء السوريات متمكنات الآن، سواء في الخارج أم في الداخل، لكن السورية بطبيعتها تملك المؤهلات وإذا وفرنا لها الدورات التدريبية والمهارات ودورات القيادة ستصل لتشارك في السلطة التشريعية والتنفيذية، أما فيما يخص السلطة القضائية قالت الدبس، "لن أتكلم عن هذا لأن الدستور هو الذي سيحدد".

وعن سؤال هل يمكن أن تكون المرأة السورية التي قدمت على مدار أعوام الانتفاضة منذ عام 2011 نموذجاً أو صورة لما يمكن أن تفعله المرأة؟ وهل سيكون هذا مرتكزاً لبناء نموذج التمكين؟ دعت الدبس نساء سوريا في الخارج والداخل إلى الاجتماع حول طاولة واحدة ودراسة الرؤية والنموذج معها، وأن شكل النموذج النهائي سيحدد بمساعدة نساء سوريا.

الدعم مشروط

وعن موضوع إفساح مساحة لمنظمات خارج إطار المكتب للعمل بحرية، اشترطت الدبس أن تكون الجهة متوافقة حصراً مع النموذج، مرحبة بالطروحات التي تدعم هذا النموذج الذي هم بصدد بنائه، قائلة "في حال كان يتبنى النموذج الذي نحن بصدد بنائه فأهلاً وسهلاً ومرحباً... ولكن في النهاية لن أفتح المجال لمن يختلف معي في الفكر". وتتابع السيدة عائشة، "عانينا في الفترة الماضية من بعض المنظمات ذات أهداف قد تكون نتائجها كارثية، على سبيل المثال ارتفع معدل الطلاق بصورة كبيرة عام 2018 في المناطق التي نشطت فيها منظمات لا تراعي كيفية تمكين المرأة وإفهامها حقوقها وواجباتها ومسؤولياتها".

واختتمت رئيسة مكتب شؤون المرأة حديثها بدعوة المرأة كي لا تتجاوز أولويات فطرتها التي فطرها الله عليها، وهي دورها التربوي في أسرتها، فالمرأة معنية بالعناية بنفسها أولاً، والانتباه لعقيدتها وأسرتها وزوجها والحرص على سلم أولوياتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التصريحات والخطاب الحكومي المعلن

وعلى طريقة المثل الشائع، "المحترق من الحليب ينفخ على اللبن"، بدأ الناشطون يعبرون عن آرائهم بتصريحات عائشة الدبس، واتفقت مجموعة كبيرة من هذه الآراء على "سطحية هذه التصريحات وعلى أن وجود السيدة عائشة في منصب كهذا يسيء إلى صورة المرأة السورية". وخرجت بعض الأصوات مطالبة بأن تتولى منصب كهذا سيدة مطلعة أكثر على شأن المرأة كالفنانة يارا صبري التي أصبحت لديها من خلال عملها المجتمعي معلومات وافية عن واقع المرأة السورية وكل ما مرت به، لتعلق يارا على تصريحات الدبس من خلال منشور محمل بنكهة تهكمية، "يا صبايا ويا نساء سوريا العظيمة: يلي ضايع منها السلم... قصدي السيبة تبع أولوياتها ترفع إيدها، لأنه في حدا ممكن يلاقيلك ياها لأولوياتك ويساعدك تطلعي وتعزلي سقفك الجديد وحيطانك. وبيقلك هاد الحدا، إذا عندك اعتراض اضربي رأسك بالحيط الجديد عزيزتي المرأة السورية".

وكذلك وجدت الناشطة والممثلة علياء سعيد في هذا التصريح، "قلة احترام للمرأة السورية وضحالة في المعلومات حول ما قدمته وقامت به في الداخل والخارج خلال الفترة الماضية". وتوجهت للدبس بالسؤال التالي، "لقد اعتقلنا وتهجرنا وتهدمت بيوتنا من أجل قول الرأي، لكي تأتي أنت وتسمحين أو لا تسمحين للمرأة السورية، من أعطاك هذا الحق؟".

أما الصحافي إياد شربجي فعلق قائلاً، "كيف تسمى مسؤولة لشؤون المرأة في بلد أنتج زنوبيا التي حكمت مملكة امتدت من آسيا الوسطى حتى مصر، وثريا الحافظ أول برلمانية سورية عام 1953، ولوريس ماهر أول طبيبة تتخرج في جامعة دمشق عام 1930، وماري عجمي التي أطلقت أول مجلة نسائية سورية عام 1910. إلى أحمد الشرع، هذه المرأة متأخرة جداً حتى عن خطابك المعلن. وهي لا تفيدك، بل ستضعك بصدام مباشر مع المرأة السورية بجميع أطيافها، والمسلمة قبل غيرها".

محاولة لرأب الصدع

الدبس لم تتجاهل هذا الجدل الذي أثير على منصات التواصل الاجتماعي، بل حاولت إعادة صياغة خطابها مغردة لنساء "سوريا الحرة" بأن "همنا الوحيد هو العمل مع المرأة ولأجلها، ومهمتنا صناعة نموذج لامرأة سورية استباقية، بناءة، ومعطاءة"، وبأن العمل سيجري على قدم وساق لصناعة هذا النموذج الخاص، والإلهام هنا سيكون "عقيدتنا وحضارتنا وتاريخنا وتنوعنا. دمشقنا الأموية، أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، ستظل رمز عزتنا ومجدنا".

وفي السياق ذاته صرح وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال أسعد الشيباني قائلاً، "ناضلت المرأة السورية عبر سنين طويلة لأجل وطن حر تحفظ فيه كرامتها ومكانتها، سنعمل على الوقوف إلى جانب قضايا المرأة وندعم حقوقها كاملة، كما نؤمن بدور المرأة السورية الفاعل بالمجتمع ونثق بقدراتها ومهاراتها، فالمرأة امتداد لأجيال من البذل والعطاء".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير