Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريا الجديدة "حمراء" بلون الانتقام

فلتان أمني وتعذيب وإعدامات شعبية وحقوقيون يحذرون من "حرب أهلية" محتملة بسبب الوحشية ضد الأقليات

جزء من الانتهاكات يندرج في إطار التصفية بوشايات كيدية ويشمل عمليات تطهير، وفق متابعين (أ ف ب)

ملخص

تركت هذه الانتهاكات قلقاً بالغاً لدى السوريين الذين تخلصوا لتوهم من عقود طويلة من الديكتاتورية والظلم، بينما الحقوقيون يطالبون بالإسراع بتطبيق العدالة.

غزارة المقاطع المصورة التي تزدحم بها وسائل التواصل الاجتماعي تشي بكارثة في سوريا بعهدها الجديد، فقد أضاع حجم العنف الحاصل من قبل مجموعات مسلحة مع حجم الفلتان الأمني الذي يظهر جلياً بريق وفرحة انتصار الثورة السورية، بينما الثوار ومن شارك بالحراك السلمي "يضع يده على قلبه" خوفاً من أن يضيع اتجاه البوصلة.

مطلوبون للعدالة

نشرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أسماء وصور 18 شخصاً من أبرز المتورطين في الجرائم المرتكبة من قبل النظام السوري السابق، على رأس القائمة الرئيس المخلوع بشار الأسد وقادة أمنيون وعسكريون أبرزهم جميل حسن وسهيل الحسن وعلي عبدالله أيوب وأديب سلامة.

وعلقت الشبكة في تقرير لها بأن لديها أكثر من 16 ألف شخص تورطوا في جرائم بحق السوريين، وتشمل قادة في أجهزة الأمن والقوات المسلحة ومعها القوات الرديفة التي تسمى بالدفاع الوطني، وهي عبارة عن ميليشيات عسكرية من المدنيين كانت تساند القوات الحكومية منذ اندلاع الصراع المسلح عام 2013 مع أدلة تثبت تورط استخدام السلاح الكيماوي.

في الأثناء تتصاعد وتيرة المداهمات التي تشنها حملة إدارة العمليات العسكرية في محافظات الساحل السوري إضافة إلى مدن وسط البلاد بحثاً عمن وصفتهم بـ "فلول النظام" من قوات الجيش والأمن أو ما يطلق عليهم بـ "الشبيحة" بعد كمائن عدة نفذها أفراد من الفلول كان آخرها كمين مسلح في قرية خربة معزة بريف طرطوس، واستهدفت مجموعة من أفراد إدارة العمليات العسكرية ولقي 12 شخصاً مصرعهم على إثرها.

 

بالمقابل أعرب ناشطون حقوقيون عن خشيتهم من تزايد حجم الانتهاكات التي كثرت في الأيام القليلة الماضية من قبل جماعات مسلحة خارجة عن القانون تستهدف الأقليات، وآخرها بحسب "المركز الوطني لتوثيق الانتهاكات في سوريا" في بلدة حلفايا بريف حماة، حيث تم الاعتداء على شاب بوحشية، وفي حلب بمنطقة العظمية أطلق النار على ثلاثة مدنيين لقي واحد منهم مصرعه، واشتكى أهالي معلولا (ذات غالبية مسيحية) في ريف دمشق من تصاعد الاعتداءات والسرقة.

من جهته" كشف "المرصد السوري لحقوق الإنسان" تصفية 14 مواطناً يوم السبت الماضي، 28 ديسمبر (كانون الأول)، في مناطق بانياس وجبلة وريف حماة الغربي وحدها. وشدد المرصد على ضرورة ضبط السلاح وحصره بيد الدولة، ودعا إلى إجراء عمليات التفتيش وفق إذن مكتوب من القيادة العسكرية لأن هناك مجموعات مجهولة عمدت إلى خطف المواطنين وقتلهم، وحذر أيضاً في تقرير له من حدوث كارثة حقيقية في حال استمر دخول المحافظات بهذه الطريقة.

ويعتبر المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد أن الانتهاكات تشمل فلول النظام، لكن هناك جزءاً منها يندرج ضمن تصفيات جاءت على إثر وشايات كيدية، وتشمل عمليات تطهير.

وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "اليوم قبل غد يجب التدخل ومنع حدوث أي انتهاك بحق أي شخص خلال عمليات الاعتقال، ويجب أن يكون هناك مسار عدالة انتقالي حقيقي، لأنه لا القوانين السورية ولا القضاء السوري قادر على التعامل مع هذا الكم من الانتهاكات والضرب والتعذيب".

من سيقضي فيهم؟

تركت هذه الانتهاكات قلقاً بالغاً لدى السوريين الذين تخلصوا لتوهم من عقود طويلة من الديكتاتورية والظلم، بينما الحقوقيون يطالبون بالإسراع بتطبيق العدالة، في هذا الصدد يفسر السياسي السوري المعارض لنظام الأسد والمقيم بالولايات المتحدة أيمن عبد النور، عدم وجود محاكمات عادلة في الوقت الراهن بأنها تأخذ وقتاً طويلاً، فلا يوجد دولة في العالم تستطيع محاكمة 50 ألفاً، ويتساءل "من سيحاكمهم من القضاة؟ لا يوجد ثقة بالقضاة في زمن النظام السابق، فمنهم 60 في المئة بحاجة إلى طرد، والباقون نحتاج من 30 إلى 40 سنة لمحاكمتهم، وحين تأتي بقضاة من المحاكم الشرعية هنا ستقوم الدنيا ولن تقعد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقترح عبد النور حلولاً سريعة وجذرية عبر تشكيل لجان مصالحة كبرى كما حدث في تجارب متعددة، منها على سبيل المثال راوندا وجنوب أفريقيا والمغرب، ويعتبر كل الانتقادات صحيحة في شأن الانتهاكات وتحتاج إلى متابعة، لكن في الوقت ذاته يوجد تصعيد إعلامي وتضخيم للحالات الفردية التي لا تمثل إدارة العمليات العسكرية.

وكانت "هيئة تحرير الشام" تمكنت من إنشاء غرفة عمليات عسكرية بعد تدريبات لسنوات تمهيداً لدخول مدينة حلب من مناطق محافظة إدلب شمال غربي سوريا في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ونجحت بكسر خطوط التماس والدفاعات في ظل تخبط الفصائل الموالية لإيران ومنها "حزب الله" اللبناني وضآلة الدعم الروسي بسبب انشغاله بالحرب الأوكرانية، واجتاحت مدناً رئيسة مثل حلب وحماة وحمص وصولاً إلى العاصمة دمشق.

في معرض تعقيبها على إطاحة بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) قالت الأمين العام لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار، إنه بأعقاب ما يزيد على خمسة عقود من الوحشية والقمع تسنح الفرصة أمام الشعب السوري أخيراً للعيش متحرراً من الخوف في ظل حكم الأسد ووالده من قبله، حيث تعرض السوريون لسلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان التي تسببت بمعاناة إنسانية لا توصف وعلى نطاق هائل شملت هجمات بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة وغيرها من جرائم الحرب، فضلاً عن أعمال القتل والتعذيب والاختفاء القسري والقتل الجماعي التي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانية.

وأضافت "يجب الآن اغتنام هذه الفرصة التاريخية والتعويض عن عقود من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتدعو منظمة العفو الدولية قوات المعارضة إلى التحرر من عنف الماضي، والخطوة الأهم هي العدالة وليس الانتقام".

وحضت كالامار جميع أطراف النزاع الراهن على إبداء الاحترام التام لقوانين النزاع المسلح، وهذا يشمل واجب عدم مهاجمة أي شخص يعبر بوضوح عن نيته الاستسلام بما يشمل القوات الحكومية، ومعاملة أي شخص يحتجز معاملة حسنة.

 

إزاء ذلك يرى المختص بشؤون السياسة الخارجية محمد هويدي، كثيراً من التناقض بين ما يصدر عن القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، وما يحدث من تطبيق على الأرض. موضحاً "لا شك أن هذه الحال ستؤدي إلى الفوضى وعدم الثقة، وستكون الشعرة التي ستكسر ظهر سوريا الجديدة، لأنه على رغم الوعود والتطمينات التي رحب بها الشارع السوري من كل المكونات فإن الإعدامات والخطابات الطائفية أمر خطر جداً، وينذر بإشعال شرارة حرب أهلية".

ويعتقد هويدي أن واحدة من إشكاليات الإدارة الجديدة إعطاءها الأمان والوعود لمن يقوم بتسليم السلاح لتعكف في ما بعد على اعتقالهم وارتكاب انتهاكات بحقهم، وهذا سيدفع السوريين الذين كانوا منضوين بالأمن والجيش ويطلق عليهم اليوم "الفلول" إلى الحذر بالتعاطي مع إدارة العمليات العسكرية، وإذا استمر الأمر سيفقد الشرع شعبيته في سوريا من قبل كافة الأطياف ويمهد للتدخل الأجنبي.

عدالة المنتصر

بالحديث عن التصفيات الحاصلة والمصحوبة بفلتان أمني واسع في كثير من المحافظات لأسباب غياب الأكواد والأعداد الكافية من رجال الأمن والشرطة، مع خروج الآلاف من أصحاب السوابق من السجون أثناء عمليات تحرير المدن، بات الواقع الأمني الهاجس الأول لكل السوريين حيث التصفية والقتل من دون أي رادع.

ويشدد المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل العدالة والحقيقة" بسام الأحمد على ضرورة عدم إعادة طريقة النظام السابق بالمحاكمات غير العادلة، وطالب بأسلوب واضح في توقيف الشخصيات (ضابط، شبيحة، مهما كانت صفتهم) إذ لا بد من الاحتفاظ عليه بطريقة اعتقال قانونية، "صحيح أن الوضع استثنائي، لكن لا بد من الابتعاد من الانتهاكات في حمص وحماة والساحل".

كما طالب الإدارة العسكرية بوقف الانتهاكات والاعتقالات لفترة محددة على ذمة التحقيق بشكل قانوني، "فلا بد من معرفة التهم الموجهة إليهم، وبعد ذلك تقديمهم إلى محاكمات عادلة، فالعدالة المحصورة بطرف واحد ليست عدالة بالمعنى المطلق، بل يمكن تسميتها عدالة انتقامية أو عدالة منتصر، ولا بد أن تكون شاملة، وأي شخص ارتكب جرائم إنسانية لا بد من محاسبته بالطريقة المناسبة والقانونية".

 

ورداً على أساليب المحاكمة العادلة يشرح الباحث السياسي هويدي، أن ما يحدث لا يتعدى تصفيات بالشارع، فالمحاكمات تحتاج إلى آلية وقوانين عادلة ومعالجة من قبل مختصين، وما يجري على الأرض حال فوضوية، وفق رأيه.

ويضيف "لسنا بالمرحلة الانتقالية بل المرحلة الانتقامية، والمقاطع المصورة تؤكد ما يحدث من انتقام، علماً أن أحمد الشرع وصل إلى سدة الحكم عبر استلام وتسليم وليس بحرب وصراع في المدن واقتتال، وكنا قد نعذر أي خطأ فردي يحصل، لكن على رغم ذلك نشاهد انتقامات ترقى إلى جرائم حرب.

ويلفت هويدي إلى أنه لا بد من تعريف فلول النظام، فكل شخص لا يرضى عنه يمكن نعته بسهولة بـ"فلول" في حين لدينا مليونا موظف في مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية، ولا بد من إحداث محاكم بلجان دولية لشخصيات متورطة بجرائم صريحة وتقديمهم للعدالة الدولية.

وتسارع الدول العربية والغربية إلى زيارة دمشق لمعرفة ما يفكر به قائد المرحلة المقبلة في البلاد، بخاصة أنه زعيم أكثر الفصائل الإسلامية تشدداً بعد تنظيم "داعش"، وكان موضوعاً على لوائح الإرهاب مع قياديين من "هيئة تحرير الشام"، وسرعان ما أعاد ترتيب بيته الداخلي وظهر بشكل أكثر قرباً للاعتدال.

مقابل ذلك يعتقد المختص بالشأن السوري هويدي أن الأحداث الجارية هذه ستدفع كثيراً من الدول إلى الحذر من التعاطي مع الملف السوري، بخاصة تلك الدول الأجنبية التي تراقب المشهد وتتواصل مع الأقليات في سوريا، وهذه الانتهاكات ستؤثر على البلاد، وقد يكون هناك تدخل دولي لحماية الأقليات.

ودقت المنظمات الدولية ناقوس الخطر بعد هذه الممارسات، مما يؤثر على صورة سوريا الجديدة، التي كان يلزمها فقط إدارة حكيمة وعقلانية، وفق هويدي، بالتعاطي مع ما يجري من دون الذهاب إلى المشهد الدموي الذي نراه الآن، والذي سيؤدي إلى تغيير الموقف الدولي، ولا سيما لدى الوفود الأجنبية التي أتت فقط لجس النبض.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات