ملخص
أطفأت آلة الحرب في ليبيا روح الفن منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، لتعود شموعه للتوهج من جديد بداية عام 2024 من خلال الدورة الـ12 لفعاليات المهرجان الوطني للفنون المسرحية.
مسرح العرائس أو الدمى فن عرفه العالم العربي في القرن الـ13 بعد سقوط الأندلس، وتعود تسميته لارتباط الإنسان منذ صغره بدميته، جاهزة كانت أم من إنجاز أنامله الصغيرة، واختزل الباحث جوزال عبدالرحیم مسرح الدمى بأنه "وسیلة من وسائل الاتصال الفعال التي لها أثر في تكوین اتجاهات الطفل ومیوله وقیمه وفي تحدید نمط شخصيته".
لكن آلة الحرب في ليبيا أطفأت روح الفن منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، لتعود شموعه للتوهج من جديد بداية عام 2024 من خلال الدورة الـ12 لفعاليات المهرجان الوطني للفنون المسرحية، ولتثبت أن المسرح قادر على تجاوز الانقسامات وتصويب ميول المجتمعات التي تأثرت بالأزمات والحروب.
في مستنقع الندوب
بقي مسرح الدمى غائباً منذ زمن حكم القذافي وفق تأكيدات الفنان المسرحي توفيق الفيتوري، الذي نوه بأن ليبيا بالأساس تعاني نقصاً فادحاً في المتخصصين بهذا النوع من الفن المسرحي الموجه للأطفال، لكن في ظل الطفرة التكنولوجية الحالية تبرز الحاجة الملحة لمسرح الدمى أكثر من أي وقت مضى، فهو بمثابة المنقذ للملكة الذهنية للأطفال التي أدمنت شاشات الهواتف الذكية وألعابها الإلكترونية، بخاصة أن مسرح العرائس أثبت عبر التجربة قدرته على إخراج مخيلة الطفل من مستنقع الندوب النفسية التي خلفتها الصراعات والحروب إلى رحاب الإبداع والتدبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الفيتوري أن "مسرح الدمى ليس مجرد وسيلة ترفيهية فحسب، بل يمكن توظيفه للدفع بالعملية التربوية في جميع المدارس الليبية وبخاصة المدارس المتمركزة في القرى، شرط توفير تدريب مناسب للعناصر المهتمة بهذا الفن".
وأبرز المتحدث ذاته أن ليبيا تفتقر إلى مختصين بهذا المجال، مقترحاً الاستنجاد بخبرات من تونس ومصر للإشراف على العملية التدريبية للمهتمين بمسرح الدمى.
وأكد الفيتوري أنه على عكس مصر وتونس والعراق وبعض دول الخليج، فشلت ليبيا في توريث هذا الفن، إذ لا يوجد حالياً سوى متخصص واحد بهذا الفن، لافتاً إلى أن الدورة الثانية من مهرجان مسرح الطفل التي احتضنتها مدينة بنغازي في الـ20 من الشهر الجاري كانت خالية تماماً من فن العرائس.
وأوضح أنه اقترحت عودة هذا الفن لخشبة المسرح في الدورات المقبلة، غير أن إحياءه في ليبيا مرتبط بتكثيف الدورات التدريبية وإقامة المهرجانات والعروض الخاصة بمسرح الدمي لتعليم أبجدياته.
وتساءل الفيتوري عن أسباب إهمال الجامعات في ليبيا لهذا التخصص، الذي يتعدى الترفيه إلى دور الوسيط في العملية التربوية، بخاصة أن بعض المواد التعليمية تحتاج إليه لتمرير المعلومة على غرار تجسيد أدوار القصص.
نحو عالم الابتكار
وتابع الفيتوري أن مسرح الدمى لا ينتهي دوره عند الترفيه فقط، بل يمتد إلى أعماق شخصية الطفل لصقلها، ويسمح للمواهب بالبزوغ ليكتسب الطفل مهارات التعبير وحسن التواصل وشجاعة التعبير عن رأيه، مبرزاً أن إفساح المجال للأطفال لصناعة العرائس وتحريك خيوطها يخرجهم من محيطهم الضيق إلى عالم الخلق والابتكار.
وقال إن عديداً من الدراسات أثبت نجاعة فن العرائس في علاج الصدمات التي تعرض لها الأطفال، سواء حروب أم صراعات أم كوارث طبيعية أم مشكلات أسرية، مستشهداً بقدرة هذا الفن على انتشال أطفال الحروب في كل من سوريا وغزة بإمكانات بسيطة من الصدمات النفسية التي خلفتها الصراعات المسلحة هناك، ومبيناً حاجة أطفال مدينة درنة إلى هذه العروض، بخاصة بعد كارثة الإعصار "دانيال" التي ضربت المدينة أواخر عام 2023.
يذكر أن ممثلين من السودان نجحوا عبر مبادرة عرفت بـ"فن العرائس" في تخفيف آثار الحرب لدى عدد من الأطفال، وذلك عبر رسم صورة مختلفة عن الواقع عبر مسرح الدمى الذي تجاوز تقديم العروض إلى الإشراف على ورش لصناعة الدمى وتلوينها وتحريك خيوطها في مرحلة لاحقة.