ملخص
يعكس واقع آلاف السجناء صورة مظلمة لنظامها القضائي، إذ ترجح تقارير أميركية أن 100 ألف شخص يقبعون خلف القضبان بسبب الإدانة الظالمة مما دفع الصحافي الاستقصائي دان سليبيان إلى رصد نبش قضايا بعض السجناء، فساهمت تقاريره في إطلاق سراح ستة أشخاص.
تكرس الولايات المتحدة صورتها كدولة حقوق ومؤسسات، إلا أن واقع آلاف السجناء يعكس صورة مظلمة لنظامها القضائي، إذ ترجح تقارير أميركية أن 100 ألف شخص يقبعون خلف القضبان بسبب الإدانة الظالمة. وعلى رغم مساعي تسليط الضوء على هذه القضية خلال ثلاثة عقود، فلم تُصحح إلا أحكام 3500 شخص فحسب.
هذه الحال دفعت الصحافي الاستقصائي دان سليبيان من شبكة "أن بي سي نيوز" إلى التخصص في رصد مشكلات النظام القضائي ونبش قضايا بعض السجناء، فساهمت تقاريره على مدار أكثر من عقدين في إطلاق سراح ستة رجال أبرياء قضى بعضهم ما لا يقل عن 20 عاماً في السجن.
نقطة تحول
يستذكر الصحافي الأميركي أن تجربته الاستقصائية في الأحكام القانونية بدأت بعدما شاركه محقق داخل مدينة برونكس في نيويورك اعترافاً صادماً، مفاده أنه يعرف رجلين يقبعان في السجن بسبب جريمة قتل داخل مانهاتن عام 1990 ويدرك أنهما بريئان لأنه يعرف من ارتكبها.
ويقول إن تلك المحادثة كانت "نقطة تحول" في حياته ومنحته غاية جديدة كصحافي، واتجه بعدها لتعميق فهمه للنظام القضائي داخل بلاده، إذ عمل منتجاً لبرنامج Dateline الإخباري الذي يستعرض ويناقش قضايا قانونية واقعية على قناة "أن بي سي". وأمضى سليبيان لأغراض العمل مئات الأيام داخل السجون والتقى محققين ومدعين عامين ومحامي دفاع، وأجرى مقابلات مع قضاة ومحلفين وسجناء محكوم عليهم بالإعدام.
كيف تحدث الإدانات الخاطئة؟
ما عده سليبيان عملاً صحافياً استقصائياً بحتاً قاد إلى إطلاق سراح رجال أبرياء، مشيراً إلى أن أهم العوامل المسببة للإدانات الخاطئة تتنوع بين شهادات شهود العيان غير الموثوقة أو المزيفة عمداً والاعترافات الكاذبة نتيجة الإكراه، وضعف التمثيل القانوني للمدعى عليه إضافة إلى الأدلة الجنائية الخاطئة وسوء السلوك من جانب الشرطة والادعاء. ويضيف أن هذه العوامل تحتل "مكانة بارزة في محنة الرجال الستة المحررين" الذين حقق في قضاياهم على مدى عقدين، كما يوضح في كتابه الأخير "ملفات سينغ سينغ" وفي المسلسل الوثائقي "سجلات سينغ سينغ" الذي أنتجته استوديوهات "أن بي سي نيوز".
الاعتراف بالإكراه
من هؤلاء جون أدريان فيلاسكويز الذي قضى نحو 24 عاماً من عقوبة السجن (25 عاماً) بتهمة قتل شرطي متقاعد في هارلم عام 1998. واستندت القضية ضده إلى شهادة شهود عيان. ولم يكن هناك أي دليل مادي أو جنائي يربطه بمسرح الجريمة، بل امتلك شاهدين على غيابه. وكشف تحقيق سليبيان طوال عقدين عن نمط من الممارسات المشكوك فيها من قبل الشرطة والمدعين، إضافة إلى شهود رئيسين تراجعوا عن شهاداتهم وأدلة لم يرها محاموه قبل محاكمته.
محرر آخر هو جوني هينكابي حكم عليه بالسجن 25 عاماً قضاها كاملة بتهمة سرقة وقتل سائح في محطة المترو داخل مانهاتن عام 1990. واستندت إدانته إلى اعتراف زائف قدم تحت الإكراه عندما كان يبلغ من العمر 17 سنة.
هذان مثالان يكشفان بحسب سليبيان الظلم الذي يعيشه آلاف السجناء الأبرياء في أميركا إضافة إلى تأثير البيئة في مستقبلهم، لافتاً إلى أن "نحو 70 في المئة من الأشخاص الذين يطلق سراحهم من السجن يعاد اعتقالهم خلال ثلاثة أعوام، وفقاً لإحصاءات وزارة العدل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أنه على رغم أن الدراسات أظهرت أن برامج التعليم في السجون تقلل من عودة المفرج عنهم للسجن بنحو 45 في المئة، فإن تمويل هذه البرامج غير كاف إلى حد كبير، وبعض المرافق لا تقدم أية فرص تعليمية على الإطلاق.
العفو لا يعني الحرية التامة
ولا يزال عشرات الآلاف من الأشخاص داخل الولايات المتحدة يتعرضون للحبس الانفرادي يومياً وفقاً لـ"معهد فيرا للعدالة"، وهو منظمة غير ربحية تركز على إصلاحات العدالة الجنائية. وغالباً ما يبرر استخدام الحبس الانفرادي كأداة ضرورية للانضباط والسلامة، فقد أظهرت الدراسات أن العزل المطول يزيد من معدلات العنف والأمراض النفسية، مما يؤثر بصورة كبيرة على إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع.
ويقول سليبيان إن حتى المتهمين بجرائم بسيطة يسلب النظام حياتهم ويدمرها، إذ يفقدون وظائفهم ومنازلهم وأطفالهم. وحتى في الحالات النادرة عندما يفرج عنهم فإن ذلك لا يعني الحرية التامة.
على سبيل المثال، خلال أغسطس (آب) 2021 منح حاكم نيويورك فيلازكويز عفواً مما قلل من عقوبته وسمح له بالعودة إلى المنزل بعد ربع قرن داخل الزنزانة. ومع ذلك فإن إدانته لم تلغ وكان خاضعاً لشروط الإفراج المشروط الصارمة، مثل الالتزام بحظر التجول عند الساعة التاسعة مساء والتقرير المنتظم لضابط الإفراج المشروط، والحصول على خطاب إذن إذا أراد السفر خارج الولاية.
وعانى فيلازكويز من هذه الاشتراطات حتى سبتمبر (أيلول) الماضي عندما تمت تبرئته بناء على اختبار الحمض النووي الذي كان يمكن أن يبرئه قبل أعوام طويلة، وقال عند خروجه من قاعة المحكمة "هذا ليس احتفالاً إنما إدانة للنظام".
ولطالما أثير الجدل حول أوضاع السجون الأميركية، إذ قدرت "رويترز" أن الوفيات في السجون ارتفعت بنسبة 35 في المائة بين عامي 2009 و2019 على الرغم من انخفاض عدد السجناء خلال تلك الفترة.
ويشير "معهد فيرا" إلى تملص بعض المدن من الإبلاغ عن الوفيات في سجونها، إذ كشف تحقيق استقصائي لصحفيين من بنسلفانيا العام الماضي عن وفاة ما لا يقل عن 25 شخصا على مستوى الولاية في عام 2022، وهو لم تتضمنه السجلات الرسمية لإدارات السجون المسؤولة عن الإبلاغ عنها.