ملخص
على رغم كثرة المحاذير ومعارضة أكثر من جهة مؤثرة، أعيد أخيراً طرح فكرة تأسيس حكومة موازية بمناطق سيطرة قوات "الدعم السريع" في السودان في مقابل الحكومة في بورتسودان التي تتبع لسلطة الجيش.
بينما تتواصل المشاورات والاتصالات بين القوى المناهضة للحرب بغرض تشكيل حكومة موازية، ونزع الشرعية من الحكومة الراهنة، تبرز تحفظات ومحاذير من بعض القوى السياسية المؤثرة داخل "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" (تقدم)، خشية أن تكون مدخلاً لتقسيم البلاد وتفتيتها، مما دفع المجلس القيادي للتنسيقية إلى إحالة المقترح إلى آلية سياسية لمزيد من الدراسة وبحث الخيارات المتاحة كافة، فهل تنزوي الفكرة تحت وطأة الخلافات والمخاوف الماثلة، أم يشهد هذا العام ميلاد حكومة موازية بمناطق سيطرة الدعم السريع" بالسودان؟"
بين الرفض والتأييد
على رغم الدعم الذي حظى به الاتجاه العام لتشكيل حكومة موازية تحت مسمى "حكومة السلام" تضم في تشكيلها من مجموعة مقدرة من القوى السياسية، إلا أن عدداً آخر من الأحزاب السياسية والأجسام المدنية والمهنية ما زالت تناهض الفكرة خوفاً من مساهمتها في تعزيز أسباب الانقسام في السودان.
وحول تباين المواقف داخل مكونات "تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية" (تقدم) وغموض الموقف النهائي في شأن الحكومة المقترحة، أوضح نائب رئيس "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" (تقدم) الهادي إدريس، العضو السابق بمجلس السيادة الانتقالي رئيس مجموعة الجبهة الثورية الموقعة "اتفاق سلام جوبا"، أن "النقاشات ما زالت تجري مع قوى سياسية مقدرة من خارج مظلة (تقدم) تدعم توجه الحكومة الموازية، كما أن تحركات ولقاءات تمت من جانب بعض سفراء الدول التي لا تظهر اعترافاً بحكومة البرهان وسمت مبعوثين لها إلى السودان بدلاً من السفراء، منها دول أوروبية وأفريقية تأخذ علينا التأخير في تحمل المسؤولية وانتزاع الشرعية".
شرط التراجع
وأكد إدريس، وهو أحد أبرز المتحمسين لطرح الحكومة الموازية، في تصريحات صحافية، أنهم ماضون في "تشكيل الحكومة من دون تراجع، بوصفها خطوة مهمة لقطع الطريق أمام خطط الإسلاميين الرامية إلى تقسيم البلاد، ولن يتخلى عنها إلا إذا قرر طرفا الحرب الذهاب إلى المفاوضات لإنهاء القتال".
ولفت رئيس الجبهة الثورية إلى أن "مسألة الاعتراف الدولي بالحكومة المقترحة خطوة تالية ستأتي لاحقاً عقب إعلانها"، مرجحاً أنه "لو توجهت ’تقدم‘ بكامل مكوناتها في هذا الاتجاه فإنها ستحصل على الاعتراف المطلوب"، وأضاف أنه "لو كانت التنسيقية خاطبت الأمم المتحدة منذ مارس (آذار) من العام الماضي باسم الحكومة لكانت لجنة المعايير داخل المؤسسة الأممية قبلت بها أو جمدت عضوية حكومة السودان الحالية، ولكان تشكيل الحكومة قطع خطوات كبيرة".
آلية وتحذير
تابع "الجميع متفقون على تشكيل الحكومة، لكن الاختلاف كان فقط حول طبيعة الحكومة وهل تكون ’حكومة منفى‘ لنزع الشرعية أم حكومة جديدة ليس لها علاقة بمرجعية ثورة ديسمبر والوثيقة الدستورية وتصبح حكومة لجميع السودان؟"، مشدداً على أن "المطلوب هو تأسيس سلطة حقيقية تمثل كل أنحاء السودان وليس مجرد حكومة منفى".
بدوره اكتفى المتحدث باسم التنسيقية بكري الجاك بتوضيح أن "الأمر أحيل برمته إلى آلية سياسية، انقسمت بدورها إلى ثلاث لجان لدراسة الموضوع من جوانبه كافة وكل الخيارات المتاحة".
ومن داخل تنسيقية "تقدم" نفسها، حذر رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير من أن فكرة الحكومة الموازية قد تقود إلى انقسامات داخل صفوف التنسيقية والقوى المدنية المنادية بوقف الحرب"، مبيناً أن "ما نحتاج إليه فعلاً هو إجماع مدني ينقلنا من مربع الحرب إلى مربع السلام.
وأكد الدقير، في تصريحات صحافية، ـنهم لن يعترفوا بحكومة في مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع"، ولا بأية شرعية أخرى.
ممارسة الشرعية
في السياق أوضح مستشار قائد قوات "الدعم السريع" إبراهيم مخير لـ"اندبندنت عربية" أن الحكومة المرتقبة ينبغي أن تكون السلطة الشرعية القومية في ممارسة سلطاتها على الأراضي السودانية كافة المحررة منها وغير المحررة بما فيها بورتسودان نفسها، أما دور قوات الدعم السريع فسيكون حمايتها ورعايتها".
وفي أن الخلاف حول الخرطوم كمقر المقترح للحكومة، قال مخير "نذكر الأصوات التي تنتقد اختيار الخرطوم بسبب القصف الجوي والعمليات العسكرية، أن هناك نماذج تاريخية عالمية، فالحكومة البريطانية ظلت تدير البلاد من العاصمة لندن أثناء الحرب العالمية الثانية على رغم القصف الجوي العنيف حينها، وكذلك الحكومة الأوكرانية ما تزال تعمل من داخل العاصمة كييف على رغم الحرب".
وتابع "التضحيات التي قدمها السودانيون وعلى رأسهم قوات الدعم السريع تفرض أن يكون الوزراء الذين سيديرون أمر البلاد من داخل الخرطوم وليس من غيرها، جاهزين أيضاً للتضحية".
تمثيل جهوي
وكشف المستشار عن أن "الحكومة المقترحة ستضم ممثلين من المناطق غير المحررة (أي تحت سيطرة الجيش) في شرق وشمال السودان، كما أنها لن تتأثر بغياب جزء من القوى السياسية المكونة لـ(تقدم) فهناك عدد معتبر من القوى السياسية ستكون مشاركة مثل تحالف القوى المدنية المتحدة (قمم) الذي يمثل حواضن ’الدعم السريع‘، وحركة تحرير السودان - عبدالواحد محمد نور، الجبهة الثورية وممثلين من ولايات البلاد كافة بما في ذلك الولايات المحررة، ولا بأس من أن تلعب القوى المعترضة دور المعارضة الوطنية ضمن النظام الديمقراطي المرتقب".
واستطرد مخير "الحكومة المرتقبة لا تحتاج إلى نزع الشرعية من حكومة بورتسودان لأنها أساساً غير شرعية ولا دستورية بحكم انقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، الذي ألغى الوثيقة الدستورية والحكومة وجمد المجلس السيادي، فضلاً عن أنها تمارس سلطاتها بالكاد على سبع ولايات فقط، ويعكس قرارها بإجراء امتحانات الشهادة الثانوية تخليها تماماً عن 11 ولاية تعتبر جميعها تحت سيطرة الدعم السريع".
الجبهة العريضة
في المقابل اعتبر الأمين العام لتنسيقية القوى الوطنية الداعمة للجيش محمد سيد أحمد الجاكومي، ما وصفها بـ"دعاوى القوى السياسية المساندة لميليشيات الدعم السريع المتمردة بإعلان حكومة موازية، دليل فشل ومخطط للانقلاب على السلطة القائمة عبر بندقية الدعم السريع - الجنجويد، ودليل يأس وفشل مشروعهم في كسب الحرب".
أوضح الجاكومي إن ما سماه "الحاضنة السياسية للميليشيات في تنسيقية (تقدم) وصلت بمجرد التفكير في إعلان مثل تلك الحكومة إلى مرحلة الانتحار، وهم يفتقرون إلى أدنى دعم أو سند شعبي حتى من داخل عائلاتهم التي اكتوت بنيران انتهاكات الميليشيات".
على الصعيد ذاته ترى حركة جيش تحرير السودان برئاسة عبدالواحد محمد نور أن "الأولوية في الوقت الراهن ينبغي أو تتجه نحو تكوين جبهة مدنية عريضة لوقف الحرب وتوحيد السودانيين، ومن ثم يمكن الحديث عن تكوين حكومة تتمتع بدعم شعبي مقدر، باعتبار أن الشعب السوداني هو الصاحب الأصيل للشرعية والتفويض".
وأوضح المتحدث الرسمي باسم الحركة محمد عبدالرحمن الناير أن "الحركة أوضحت موقفها ورؤيتها للقوى السياسية كافة التي التقت بها في هذا الخصوص، بضرورة تشكيل تلك الجبهة التي تضم كل السودانيين باستثناء المؤتمر الوطني، قبل التفكير في تكوين حكومة موازية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل فات الأوان؟
في السياق يوضح أستاذ العلوم السياسية عبدالغفار يوسف مكي أنه "على رغم أن المجتمع الدولي ينظر إلى الحكومة السودانية الحالية بصفة سلطة الأمر الواقع، وكونه غير راض عن سلوكها المتمسك بالحسم العسكري، إلا أن الحديث عن إسقاط الشرعية عنها ربما جاء متأخراً، مما يهدد بخسارة القوى السياسية المناهضة للحرب لمعركتها حول الشرعية منذ البداية"، محذراً من أن "التورط في إعلان حكومة موازية من دون ضمانات حصولها على الاعتراف الدولي والإقليمي يعني موتها قبل ولادتها، وسيشكل فشلاً سياسياً لا يمكن تعويضه في مسيرة تلك القوى نحو وقف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي".
ويرى مكي أن "الحديث عن حكومة بديلة أو رديفة تقصي طرف الجيش سيعطل كل الجهود والمبادرات الهادفة لوقف الحرب، لأن كل الوساطات كانت تخاطب الأطراف المتحاربة (الجيش وقوات الدعم السريع) وليس الحكومة، مما يعقد وضع التفاوض مستقبلاً".
النموذج الليبي
ويعتبر مكي أن "مشاركة قوات الدعم السريع في الحكومة المقترحة بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها في حق المدنيين تبدو فكرة أقرب للمخاطرة، لأن ذلك سيضعف التجاوب الشعبي معها ويهدد بالتالي فرص نجاحها، وربما تواجه الحكومة المقترحة مصيراً مماثلاً لتجربة الإدارات المدنية في مناطق سيطرة تلك القوات التي فشلت في الإدارة وتقديم الخدمات للسبب ذاته".
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن "المضي في اتجاه النموذج الليبي بحسب ما تشير ملامح المقترح سيزيد من تعقيدات معاجلة الوضع الداخلي بذات طريقة تجربة ليبيا غير المثمرة، فضلاً عن أن بناء المقترح على أساس مناطق السيطرة العسكرية، قد يشكل أولى لبنات التقسيم الجغرافي للبلاد.
إلى ذلك جدد قائد قوات "الدعم السريع" الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) التزامه الثابت بوحدة السودان أرضاً وشعباً من دون مساومة، وتمسكه "بالحكم المدني وبناء سودان جديد قائم على قيم الحرية والعدالة والسلام، في ظل نظام ديمقراطي حقيقي".
وشدد دقلو في كلمة مسجلة بمناسبة ذكرى الاستقلال الأربعاء الأول من يناير (كانون الثاني) الجاري، على عدم رغبته في أن تكون قواته بديلاً للجيش السوداني، متمسكاً بتأسيس جيش جديد مهني وقومي، يخضع لرقابة المدنيين.
تواصل المشاورات
وطرحت فكرة تشكيل حكومة موازية في المؤتمر التأسيسي لتنسيقية "تقدم" بأديس أبابا في مايو (أيار) الماضي، غير أنها لم تحظ بالتأييد الكافي، وأعيد طرحها مرة أخرى في الاجتماع الثالث للهيئة القيادية للتنسيقية في مدينة عنتيبي الأوغندية في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتمت إحالة مقترح إلى آلية سياسية شكلها الاجتماع.
وانطلقت الأسبوع الماضي مشاورات بالعاصمة الكينية نيروبي ضمت عدداً من القوى السياسية السودانية، بينها شخصيات من تنسيقية "تقدم"، بمشاركة ممثلين لقوات "الدعم السريع"، لبحث تشكيل ما سمته بـ"حكومة سلام"، واعتماد الوثيقة الدستورية التي أسست لشراكة الحكم بين العسكريين والمدنيين في قوى الحرية والتغيير في الـ17 من أغسطس (آب) 2019، دستوراً ينظم العلاقات بين مكوناتها.
وتبنت فصائل داخل تنظيم الجبهة الثورية تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع"، على رأسها "حركة تحرير السودان / المجلس الانتقالي" بقيادة الهادي إدريس، و"تجمع قوى تحرير السودان"، و"حركة العدل والمساواة – فصيل سليمان صندل"، ومؤتمر البجا المعارض، وأسامة سعيد، وشخصيات مدنية، بينما رفضت قوى سياسية مؤثرة في تنسيقية "تقدم" تشكيل حكومة منفى أو أي من أشكالها، أبرزها أحزاب "المؤتمر السوداني" و"التجمع الاتحادي" و"تجمع المهنيين"، وقوى مدنية ولجان المقاومة.