Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحديات أمام كشف مصير الأميركيين المختفين في سوريا

تتحدث "اندبندنت" إلى أشخاص يبحثون في دمشق ومواقع أخرى من البلاد عن الصحافي أوستن تايس وغيره من المواطنين الأميركيين الذين فقد أثرهم أثناء حكم بشار الأسد الوحشي

 الطبيب النفسي الأميركي مجد كم ألماز (اندبندنت)

ملخص

سقوط الأسد أعطى دفعاً لجهود البحث عن المفقودين الأميركيين في سوريا، لكن التاريخ الوحشي للنظام في طمس الأدلة يخلق تحديات أمام الأسر والمنظمات الإنسانية والحكومة الأميركية خلال عملهم للكشف عن مصير أحبائهم.

خرق استخدمت لعصب العيون موقتاً، وأصفاد يعلوها الصدأ ورسائل يائسة خُطت على جدران زنازين الحبس الانفرادي، حفرها المساجين باستخدام نواة حبات الزيتون.

هذه هي المؤشرات على الحياة التي تُركت داخل الأروقة المسكونة داخل سجن المجمع العسكري للحرس الجمهوري في دمشق، ذلك الموقع سيئ السمعة الذي كان في السابق منطقة مغلقة داخل العاصمة السورية.

ويعتقد الدبلوماسيون ومسؤولو الاستخبارات الأميركيين أن هذا المجمع والسجن المترامي الأطراف المعلق على طرف تلة تشرف على المدينة، هو أحد المواقع التي يرجح أن نظام بشار الأسد احتجز فيها أوستن تايس، صاحب أطول مدة اعتقال في تاريخ الصحافيين الأميركيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خُطف الجندي السابق في البحرية الأميركية في منطقة خاضعة لسيطرة النظام فيما كان ينقل أحداث الحرب الأهلية في سوريا عام 2012، وهو واحد من بين حفنة من الأميركيين الذين لا يزالون مفقودين، وأحدهم الطبيب النفسي الأميركي مجد كم ألماز الذي اختفى عام 2017.

وتعتقد الولايات المتحدة أن تايس كان قيد الحياة وقت الإطاحة بالأسد الذي قضى نظامه عشرات الأعوام في إخفاء الناس قسراً وتعذيبهم وقتلهم، وفي حالات عدة أُتلفت الأدلة على هذه الأفعال، ويقول مسؤولون أميركيون إن بعضها أُذيب في أحواض الأسيد فيما أُحرقت بعض الجثامين.

ولذلك من الضروري جداً إجراء عمليات تفتيش دقيقة وسريعة للمواقع كافة التي قد يكون تايس وآخرون موجودين فيها الآن أو اُعتقلوا فيها في وقت من الأوقات.

زار فريق من الباحثين الجنائيين التابعين لمكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (أف بي آي) مقر المجمع العسكري للحرس الجمهوري للبحث عن أدلة، وقد وثقوا في هذا الإطار العبارات الإنجليزية المحفورة على الجدران، بحسب تصريح المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن روجر كارستنز الذي انضم إلى فرق البحث خلال زيارة أخيرة إلى دمشق وصفها بالـ "معمقة إنما غير الشاملة".

ويقول بعد عودته لمكتبه في واشنطن وهو يحمل خريطة تُظهر 11 موقعاً في الأقل يتعين إجراء بحث دقيق فيها، "يجب بذل جهد إضافي في ذلك الموقع وحده [المجمع العسكري للحرس الجمهوري] ويجب البحث في عدد أكبر بكثير من المواقع الموجودة في مختلف المناطق".

إنها مهمة صعبة في ظل الفوضى الحالية عقب سقوط الأسد، إذ قصد آلاف الأشخاص هذه المواقع بحثاً عن أية معلومات تتعلق بأحبائهم، وقد يكون من بين هؤلاء أيضاً فلول النظام الذين يسعون إلى سحب ملفاتهم.

وفي إطار هذه العمليات تتلقى الولايات المتحدة مساعدة "هيئة تحرير الشام"، الجماعة الإسلاموية المتمردة التي قادت العملية المذهلة التي أطاحت بالأسد.

ويضيف كارستنز "أحد أكثر الأمور التي تشغلني هي أن الأدلة تختفي أو تُتلف أو تُفقد كل يوم، وبالتالي سيتعذر استخدامها إما من أجل الكشف عن مكان أوستن أو محاكمة المسؤولين المحتملين عن اعتقاله".

ويكمل "حتى خلال الوقت القصير الذي قضيته داخل منشأة الاحتجاز رأيت ما يشبه مئات الآلاف من مقصوصات الأوراق وغيرها من الوثائق التي كان من المفيد الاطلاع عليها".

ويقول إن أقراص الحواسيب الصلبة وتسجيلات كاميرات المراقبة كانت مفقودة على ما يبدو.

في الوقت الحالي يخضع المجمع كما غيره من المباني الحساسة للحراسة من قبل ثوار يحملون أسلحة كلاشينكوف يرافقوننا في الجولة، ومهمتهم الأساس حماية غرف الملفات التي كُدست فيها أكوام من الأوراق وبطاقات الهوية وجوازات السفر من الأرض حتى السقف، وهي أدلة فيها إشارات إلى الأفراد الذين اختفوا، والأهم إلى المسؤولين عن اختفائهم.

ويقول أحد الثوار وقد رفض الإفصاح عن اسمه "من الغريب أن نكون هنا، أن نشعر بالفرح في مكان خيم عليه الرعب"، فيما تدوي أصوات رشقات نارية وانفجارات في الخلفية، وهكذا يعمل الثوار على ردع السارقين.

قضى المقاتل أعواماً وهو يحارب نظام الأسد قبل أن تكلفه الحكومة الموقتة الجديدة بحراسة الملفات الثمينة، وهي مهمة شخصية بالنسبة إليه، فقريبه أحد هؤلاء المفقودين.

ويوضح "إنها مهمة فائقة الأهمية ونحن بحاجة إلى مساعدة دولية من أجل إيجاد المفقودين وتوضيح طبيعة الجرائم التي ارتُكبت هنا، ونحتاج إلى محاكم دولية لمحاكمة المسؤولين الذين فروا، ونحتاج إلى إعادتهم كي يجيبوا عن كل التساؤلات، فنحن بحاجة إلى إجابات".

بعد 12 عاماً أصبح أوستن تايس الصحافي الأميركي الذي قضى أطول مدة اعتقال في تاريخ بلاده.

اُعتقل تايس مثل كثيرين غيره في سوريا من دون أن يُعرف عنه أي خبر، واختفى بلا أثر تقريباً، ففي أواخر مايو (أيار) 2012 تسلل الملازم السابق في البحرية الأميركية وخريج كلية الحقوق في جامعة جورج تاون الذي كان في بداية مسيرته المهنية كصحافي مستقل، من تحت سياج على الحدود التركية - السورية والتحق بمجموعة من ثوار الجيش السوري الحر، وسرعان ما بدأ بإرسال التقارير الصحافية لـ "مؤسسة ماكلاتشي" McClatchy الإعلامية ثم لصحيفة "واشنطن بوست"، كما شارك في تقارير على إذاعة "بي بي سي" وقناة "سي بي إس" الإخبارية.

وبعدما قضى ثلاثة أشهر في البلاد تقريباً توجه إلى العاصمة اللبنانية بيروت لأخذ قسط من الراحة، لكن بينما كانت مركبته تسير نحو الحدود اللبنانية تعرض تايس للاعتقال في منطقة خاضعة لسيطرة النظام، وبعد فقدانه لـ 12 عاماً أصبح تايس اليوم صاحب أطول مدة اعتقال في تاريخ الصحافيين الأميركيين.

ولم يظهر سوى مؤشر واحد قوي على وجوده على قيد الحياة وهو فيديو نشر عام 2012، ومنذ ذلك الوقت يقول كارستنز إن الولايات المتحدة تلقت تقارير موثوقة تفيد بأن تايس لا يزال حياً وقد اُحتجز داخل سجون النظام وفروع أجهزة الاستخبارات العسكرية والجوية ومنازل خاصة ومديريات أمنية، وقد جالت "اندبندنت" في سبعة من المواقع المعروفة ومن بينها المجمع العسكري للحرس الجمهوري.

وفي هذه المجمعات مجموعة متنوعة وصادمة من الأدلة التي تشير إلى اعتقال أجانب في المكان، ومنها ملفات مفصلة عن معتقلين وشهادات لمعتقلين سابقين تحدثوا عن وجود سجناء من الغرب ودروس لغة إنجليزية مكتوبة على الجدران ورسوم لمشاهد من أوروبا والولايات المتحدة.

وتجد في شعبة الاستخبارات العسكرية في دمشق أيضاً زنزانة تضم جدارية ضخمة لباص محدد في لندن يصل إلى شارع إدغوير ومنظر يبدو أنه لنيويورك، لكن لا وجود لدليل محدد مرتبط بتايس.

ومع ذلك تعتقد جهات كثيرة أنه لا يزال على قيد الحياة، ومنها منظمة "إغاثة الرهائن العالمية" Hostage Aid Worldwide التي تحدث رئيسها نزار زكا عن عدم وجود أي دليل على وفاة تايس، بل أشار إلى وجود دليل على أنه كان حياً يرزق في يناير (كانون الثاني) 2024.  

ورجح زكا أن يكون الأسد قد أبقى تايس في سوريا باعتباره ورقة تفاوض محتملة، وفي هذا الإطار قال الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي إن إدارته تعتقد بأن تايس حي يُرزق، معرباً عن التزامها بإعادته لوطنه، ومقراً في الآن ذاته بـ "أننا لا نمتلك دليلاً مباشراً" عن وضعه، وقد حاولت "اندبندنت" التواصل مع عائلة تايس لكنها لم تتلق رداً منها بعد.

وساد بعض القلق من احتمال إخراج تايس من سوريا إما إلى طهران أو روسيا من طريق اللاذقية، لكن المحققين لا يمتلكون أي دليل ملموس على ذلك.

والمشكلة التي يحذر منها كارستنز هي أن سوريا أشبه بـ "صندوق أسود" نظراً إلى طبيعة نظام الأسد المُحاط بالسرية، وقد عُين الرجل في منصب مبعوث عام 2020 وهو أحد التعيينات السياسية القليلة التي اختار الرئيس بايدن الإبقاء عليها في منصبها.

ويقول كارستنز "كان من الشاق علينا أن نعرف إن كانت التقارير التي وصلتنا كاذبة وأُرسلت بدافع الحصول على المال، أو تحوي أسماء أشخاص أو مواقع جغرافية خاطئة، مما جعل المشكلة محبطة جداً".

ويضيف، "كانت سوريا في المحصلة أشبه بصندوق أسود، وهو ما كان يزعج مسؤولي الاستخبارات وضباط الأمن، إضافة إلى أفراد المجتمع الدبلوماسي".

وتقع في صلب هذا الموضوع، كما يقول كارستنز، ازدواجية نظام وحشي كان يحرص من جهة على توثيق دقيق للفظائع التي يرتكبها، مثل تلك التي رأيناها في صور التقطها المصور في الجيش والمنشق عن النظام والمعروف باسمه المستعار قيصر، الذي صور 11 ألف جثة لمعتقلين تظهر عليهم آثار التعذيب والمرض والتجويع، لكن من جهة أخرى كانت بعض الجثث تختفي من دون أي أثر.

ويتابع كارستنز بقوله "احتجز النظام بعض الشخصيات التي ربما كانت مهمة أو أنه أُحرج لدرجة كبيرة بعدما ساء وضعها بشكل من الأشكال، لدرجة أنه كان مستعداً للتغاضي عن حاجته القهرية إلى توثيق شكل التخلص من جثمان ذلك الشخص، وهو الحال مثلاً مع شخص توفي بسكتة قلبية تحت التعذيب، وعندها تختفي تلك الجثة ويختفي ذلك الملف".

وفي الحقيقة هناك تسلسل زمني لطريقة إخفائهم الجثث، ويقدم شرحاً تقشعر له الأبدان إذ يقول إن نظام الأسد بدأ بحرق الجثث في نهاية عام 2014 قبل أن يتجه نحو وضع الجثامين في أحواض الأسيد منذ عام 2015 تقريباً.

ما تخشاه عائلة مجد كم ألماز هو أن يكون اختفى بلا أثر

وعملية محو الآثار المأسوية هذه أمر مألوف بالنسبة إلى مريم كم ألماز، ابنة مجد كم ألماز، فقد اُعتقل مجد كم ألماز الطبيب النفسي الذي يحمل الجنسيتين السورية والأميركية والمنحدر من فرجينيا عند نقطة تفتيش موقتة في دمشق عام 2017، وكان الرجل يقوم بزيارة قريب له مصاب بالسرطان ويبحث إمكان تأسيس منظمة خيرية تقدم الدعم للأشخاص الذين عانوا الصدمات.

وفي المحصلة جلس مسؤولون أميركيون من ثماني منظمات مختلفة مع أفراد عائلته وأخبروهم بترجيحهم موته خلال فترة اعتقاله، لكنهم لا يملكون أي دليل على ما حدث له ولا عن سبب اعتقاله ولا مكان اعتقاله.

وتقول مريم "قد يكون من بين الأشخاص الذي حُرقت جثثهم، هذا ما فهمته، وهذا يجعل مهمة إيجاد أي أثر له مستحيلة".

تتحدث الابنة عن وجع عدم اليقين، وهو ألم تفاقمه مشاعر الأمل العابرة، فقد ألهمتها صور العائلات التي تقتحم السجون وتجد أقاربها الذين اُعتقد أنهم أموات منذ أعوام بعيدة لكنهم لا يزالون أحياء، كي تكمل بحثها، ثم رأت معتقلاً سابقاً يشبه والدها قبل أن يتبين أنه ليس هو.

وتقول مريم "جدد ذلك أملنا بحصول بعض الالتباس وبأنه لا يزال ربما على قيد الحياة، لذلك تأججت مشاعرنا".

وتضيف، "دققت في كل الفيديوهات والصور وقوائم الأسماء محاولة العثور عليه في أي مكان، وتوجه بعض أفراد العائلة إلى مواقع السجون وظلوا خارجها يحاولون أن يجدوه لكنها جهود لم تثمر للأسف".

إن أساليب الإخفاء ومحو الآثار التي تبناها نظام الأسد تجعل من شبه المستحيل بالنسبة إلى عائلات مثل كم ألماز أن تعرف ما الذي حدث مع أحبتها، وأخبر مسؤول هارب منشق من الاستخبارات السورية العائلة بأن اسم الوالد وُضع تحته خط أحمر، وهي إشارة خاصة تقول مريم إنها علمت لاحقاً بمعناها الحقيقي، وهو "تخلصوا من هذا الشخص من دون أن تتركوا أي أثر أو دليل وراءكم".

لم يخضع والدها لأية محاكمة ولا وجود لأي معلومات عن الاتهامات الموجهة إليه ولا عن مكانه، وتضيف "من الواضح أنهم تخلصوا من أي دليل يؤكد وجوده بحوزتهم، وطمس الأدلة بهذه الطريقة يعني أنه لا نحن ولا الحكومة الأميركية قادرين على تحميلهم أية مسؤولية".

"الخوذ البيضاء" في سوريا تبحث عن زنازين سرية تحت الأرض

على عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض داخل أقبية شعبة الاستخبارات العامة في إحدى ضواحي دمشق، يبحث أفراد "الخوذ البيضاء"، وهم فرق إنقاذ وطوارئ سورية، عن زنازين مخفية، وقد تسلحوا في بحثهم عن أي مؤشر على وجود زنازين لم تُفتح بعد، بكلاب تقفي الأثر ومصابيح وكاميرات.

يعد هذا المجمع الذي يحوي مبان عدة واحداً من الأماكن الأخرى التي ربما اُحتجز فيها تايس أو حتى كم ألماز، لكن غرف الملفات تعرضت للنهب والأوراق تملأ الأرض مثل الغبار.

تتزاحم كتابات أشبه بالوشم على جدران الزنازين وهي تحمل إشارات على اعتقال أشخاص من جنسيات عدة في هذا المكان، وتراوح بين دروس في اللغة التركية والروسية وكلمات أغان بالإنجليزية.

ويقول أحد المنقذين في "الخوذ البيضاء"، "شكلنا فرق بحث وإنقاذ عدة بعدما وصلتنا مناشدات من العائلات التي تطلب منا العثور على أشخاص في أماكن مثل [السجن سيئ السمعة] صيدنايا"، ثم شرح كيف قضوا ثلاثة أيام يفتشون "كل زاوية من السجن" بدءاً بالأسلاك الكهربائية ووصولاً إلى شبكات الصرف الصحي من دون أن يعثروا على أي شيء.

ويضيف، "منذ ساعتين تلقينا خبراً بوجود سجن لم يُفتح بعد داخل جهاز الاستخبارات العامة، وأرسلنا فرقنا على عجل ومن بينها وحدات الكلاب البوليسية وفرق البحث والإنقاذ إلى ذلك الموقع".

وتدور هذه الأحداث في كل أرجاء العاصمة وغيرها من المدن عبر عمليات بحث محموم عن مفقودين، بما فيها داخل فرع فلسطين المشؤوم على بعد كيلومترات قليلة، وقد كان الفرع في السابق مجمع سجون سيئ السمعة.

وفي عتمة السجن الذي التهمت النيران أجزاء منه فيما أغرقت المياه أجزاء أخرى، نلتقي بأحمد، 24 سنة، الفلسطيني الذي اُعتقل سابقاً هنا عندما كان مراهقاً وقضى أربعة أعوام وراء القضبان في زنزانة مليئة بأجانب، من بينهم عامل إغاثة ألماني.

ويصف تعرضه للتعذيب من طريق الصعق بالكهرباء والضرب بخراطيم المياه وضربه بعد تقييده في وضعية الدولاب (تقييد اليدين إلى الرجلين كالدولاب)، ثم تقييده في وضعية يسمونها "بساط الريح"، يوضع المعتقل فيها على ظهره على لوح خشبي من قسمين يمكن طيه قبل أن يُطوى طرفا اللوح على بعضهما.

ويقول "كانوا يذبحون السجناء في هذا الرواق وكان الدم يسيل هنا"، ويشير إلى جدار في أسفله بقع وقرب الجدار زنزانة "كان السجناء الأجانب معتقلين هنا".

اُعتقل أحمد في هذا المكان ثم في فرع الأمن الذي يفتشه "الخوذ البيضاء" الآن، وأخيراً في صيدنايا على بُعد 20 ميلاً (30 كيلومتراً) شمال دمشق، وتصف منظمة العفو الدولية سجن صيدنايا الذي غالباً ما يُلقب بـ "المسلخ" على أنه "المرقد الأخير" لعدد كبير من المعتقلين السياسيين.

وشرح أحمد كيف كان من المستحيل على العائلات أن تحدد مكان المعتقلين بسبب نقلهم المستمر من مكان إلى آخر، أما الذين لم ينجوا فيدفنون في مقابر جماعية لم يُكتشف عدد كبير منها سوى الآن، كما يقول.

"على العالم مساعدتنا في توثيق جرائم الحرب هذه" - مريم

في موقع أحد المقابر الجماعية في القطيفة خارج العاصمة، يُطلق رئيس المنظمة السورية للطوارئ معاذ مصطفى الذي قضى أعواماً في تقصي أماكن وجود المفقودين والموتى، مناشدة للمجتمع الدولي لمضاعفة جهوده ومساعدة السلطات الانتقالية في فحص هذه المقابر والبدء بعملية شاقة للعثور على إجابات، ليس عن مصير الأميركيين المفقودين وحسب، بل السوريين أيضاً.

ويسأل الرجل وهو يلقي نظرة يأس إلى الحقل الذي قد ربما دُفنت فيه عشرات آلاف الجثث، "كيف يمكن أخذ عينات سريعة للحمض النووي كي يتسنى للناس الذين يجوبون شوارع دمشق بحثاً عن أمهاتهم وآبائهم وأبنائهم وبناتهم أن يعرفوا خاتمة هذه القضية ويغلقوها بسلام بعد اكتشافهم أن أحبتهم قد رحلوا عن الدنيا؟".

ويضيف، "أنا أبحث عن عمي ولذلك فهذه القصة هي قصتي، وهي قصة الجميع وقضية كل إنسان لديه قلب نابض، لأننا لو سمحنا بحدوث هذه الأمور فالموضوع لا يقتصر على سوريا بل يعني أنه يمكن للمرء أن يكون دكتاتوراً ويستخدم السلاح الكيماوي والقنابل العنقودية والتعذيب حتى الموت لكي يتمسك بالسلطة".

وهي مناشدة تتردد أيضاً على لسان مريم التي علقت عائلتها في أسوأ أشكال الضياع، وتحث السيدة العالم على إرسال فرق وأفراد محترفين إلى سوريا بينما لا تزال الأدلة موجودة هناك.  

وتقول، "أعتقد أنه من المهم جداً أن يعي المجتمع الدولي مدى ضخامة هذا الموضوع وأهمية إرسال أشخاص محترفين إلى سوريا لتقديم كل أشكال المساعدة الممكنة، من الحفاظ على هذه الوثائق إلى اكتشاف ما حدث مع أفراد العائلات الذين اختفوا"، ومن شأن ذلك أن يسمح للأُسر بإغلاق هذا الموضوع إلى حد ما ومحاسبة المسؤولين عنه.

ويقر كارستنز أنه يجب بذل مزيد من الجهود متعهداً بمواصلة الحكومة الأميركية مساعي البحث عن تايس وأميركيين آخرين، جنباً إلى جنب مع الإدارة الإسلاموية الجديدة في سوريا.

وليس أمام أسر المفقودين، ومنها أسرة تايس وعائلة كم ألماز، سوى الاستمرار في "البحث اليائس" لأعوام وأعوام.  

وتقول مريم "إنه تصرف شديد القسوة وبلا رحمة تجاه العائلات، عدم الاعتراف بأحبتنا وإخفائهم قسراً وإقحامنا في دوامة المشاعر التي نعيشها بسبب غياب المعلومات".

وتعاني عائلة مريم "ألماُ لا يوصف" بسبب حال عدم اليقين وعدم وجود خاتمة للقضية، وتقول "عشنا فترة صعبة جداً ومشحونة بالعواطف، ورفعت طلباً بسيطاً إلى المسؤولين الأميركيين: اكتشفوا ما حدث وحاولوا إعادته للديار مهما كان".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات