ملخص
- رغم أن الأردن تجنب في سياسته الخارجية طوال الأعوام الماضية الخوض في المسألة الكردية عموماً، فإن مراقبين يرون أنه هذه المرة حاول مغازلة أنقرة بموقفه الجديد على اعتبار أن تركيا مفتاح الوضع الجديد في سوريا وأن التوافق والتنسيق معها كفيل بالحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأردنية.
-شراكة أمنية لمواجهة "داعش" وضمان عدم عودة ميليشيات إيران للجنوب السوري والأردن يستغل ثقله في السويداء ودرعا.
في زيارة حملت دلالات كثيرة أهمها التوافق على الموقف من سوريا الجديدة، حطت رحال وفد أردني رسمي ضم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى جانب قائد الجيش ومدير الاستخبارات، في أنقرة قبل يومين، في واحدة من المفارقات النادرة على صعيد العلاقة بين الأردن وتركيا.
إذ تشهد العلاقة بين البلدين منذ أعوام انفتاحاً ملحوظاً وانسجاماً في كثير من المواقف الإقليمية، لكن هذه العلاقة تطورت على ما يبدو إلى مستويات أفضل ودفعت وزير الخارجية أيمن الصفدي لإدانة "حزب العمال الكردستاني"، الـ"بي كي كي"، والقول إن ما يشكل تهديداً لأمن تركيا واستقرارها يعد تهديداً للأردن والمنطقة برمتها، فيما أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بدوره أن بلاده نسقت مع الأردن منذ اليوم الأول لسقوط نظام بشار الأسد.
تحول استراتيجي
ورغم أن الأردن تجنب في سياسته الخارجية طوال الأعوام الماضية الخوض في المسألة الكردية عموماً، فإن مراقبين يرون أن هذه المرة حاول مغازلة أنقرة بموقفه الجديد على اعتبار أن تركيا هي مفتاح الوضع الجديد في سوريا وأن التوافق والتنسيق معها كفيل بالحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأردنية.
ويمثل هذا الموقف تغييراً ملحوظاً في سياسة الأردن، التي كانت تعتمد قاعدة النأي بالنفس والحياد، لكن الأمر اليوم يبدو أقرب إلى التنسيق والتعاون بين البلدين في القضايا الأمنية والسياسية المرتبطة بسوريا.
كما يرى مراقبون أن الأردن يسعى إلى إعادة تعريف الدور الإقليمي له بعيداً من الصورة التقليدية، وتبني سياسات أكثر ديناميكية وانخراطاً في الملفات الإقليمية الحساسة ومواجهة تحديات اقتصادية وأمنية متزايدة، تجعل من الضروري تعزيز علاقاته مع قوى إقليمية مثل تركيا.
اشتباك سياسي حذر
ويصف المحلل السياسي حسين رواشدة ما يحدث على صعيد التقارب بين الأردن وتركيا في الملف السوري تحديداً، بأنه يأتي في سياق الاشتباك المرحلي الممزوج بالحذر وتقدير المواقف والحسابات.
ويؤكد رواشدة أن سوريا بالنسبة للأردن عمق استراتيجي، إذ ترتبط بها جغرافياً عند حدود يصل طولها إلى 375كلم، لكن المشهد السوري في رأيه بانتظار الاعتراف الدولي بالنظام السياسي الجديد، وإزالة صفة الإرهاب التي أدرج على قوائمها، ورفع العقوبات الاقتصادية.
ويضيف رواشدة "التحرك الأردني ارتكز على توافقات عربية وإقليمية ودولية، وزيارة وزير الخارجية ورئيس هيئة الأركان، ومدير الاستخبارات إلى تركيا، جاءت في سياق فتح الملفات السياسية والأمنية المتعلقة بما جرى في سوريا، وتم التوافق بين الطرفين على ملف مكافحة الإرهاب وإنجاح عملية الانتقال السياسي، والتعامل مع التنظيمات المسلحة، بخاصة مع توقعات بانتعاش "داعش" من جديد، وبروز صراعات بين التنظيمات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مصالح مشتركة
ويؤكد الناشط والمحلل السياسي محمد الزواهرة أن اللقاء الأردني- التركي الأخير، خطوة استراتيجية تكشف عن تحول واضح في الدور الإقليمي للأردن، ورسالة واضحة مفادها بأن سياسته الخارجية لم تعد تقتصر على ردود الفعل، بل أصبحت مبادرة، تسعى لخلق مساحة جديدة له بوصفه لاعباً إقليمياً فاعلاً.
ويرى الزواهرة أن "الأردن وتركيا لديهما مصالح مشتركة في سوريا، خصوصاً في ما يتعلق بمواجهة فلول الأذرع الإيرانية، وكذلك في إدارة ملف اللاجئين".
في حين يعتقد المتخصص الأمني والاستراتيجي عمر الرداد أن مشاركة رئيس هيئة الأركان الأردنية المشتركة اللواء الركن يوسف الحنيطي، ومدير الاستخبارات الأردنية العامة اللواء أحمد حسني، في زيارة رسمية إلى تركيا برفقة وزير الخارجية أيمن الصفدي، تأتي في توقيت دقيق يعكس أهمية استثنائية، لا سيما في ضوء التحولات العميقة التي تشهدها سوريا والمنطقة.
ووفقاً للرداد فإن الأردن وتركيا أكثر الدول ارتباطاً بمستقبل سوريا الجديدة بحكم الجغرافيا المتشابكة والدور الإقليمي، كما أنهما تتشاركان هدفاً واحداً وهو ضمان وجود نظام سوري مستقر قادر على تأمين حدوده.
ملفات عسكرية وأمنية
وبحسب مصادر مطلعة على زيارة الوفد الأردني إلى أنقرة، ناقش الجانبان بإسهاب ملفات عسكرية وأمنية من قبيل الشكل المفترض للجيش السوري الجديد الذي سيقوم على دمج الفصائل المسلحة، إضافة إلى التعاون في مواجهة أي ظهور جديد لـ"داعش" في المنطقة، الذي قد يستغل أي انفلات أمني، وضمان عدم عودة المجموعات المدعومة من إيران في جنوب سوريا.
وتقول المصادر ذاتها، إن الأردن منح الإدارة الجديدة في سوريا جرعة كبيرة من الدعم والثقة، وإن عمان استغلت نفوذها العشائري والاجتماعي في مدينتي السويداء ودرعا، لضمان انضمام بعض الفصائل في هاتين المدينتين إلى مظلة الحكم الجديد في سوريا من دون مناوشات.
علاقات قديمة
يشار إلى أن آخر زيارة قام بها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى تركيا كانت في عام 2019، في حين قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى الأردن عام 2017.
ويعود تاريخ العلاقات الأردنية - التركية إلى حقبة الدولة العثمانية التي انتهت عام 1918 بعد قيام الثورة العربية الكبرى، تلا ذلك فترة تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية التركية في الأعوام من (1921-1946). وعلى رغم محدودية العلاقات بين الطرفين في ذلك الوقت، شهد منتصف القرن الـ20، تطوير علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين وتحالفات ضمن سياق الحرب الباردة، إذ كانت تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي "ناتو".
وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي تطورت العلاقات بين البلدين على خلفية القضايا الإقليمية مثل الصراع العربي - الإسرائيلي.
أما في التسعينيات ومع نهاية الحرب الباردة، بدأت العلاقات تأخذ طابعاً أكثر إيجابية، إذ تبادل مسؤولون من كلا البلدين الزيارات، وبدأ التعاون الاقتصادي بين الأردن وتركيا.
وفي الألفية الجديدة دخلت العلاقات الأردنية - التركية مرحلة جديدة من التعاون مع صعود حزب "لعدالة والتنمية في تركيا عام 2002، وفي مرحلة ما بعد الربيع العربي كانت الأحداث الإقليمية، بخاصة الأزمة السورية، محوراً رئيساً في العلاقات بين البلدين.