ملخص
كانت نتائج دورة 2023 للتقييم الدولي في الرياضيات والعلوم "تيمس" قد كشفت تذيل المغرب للترتيب العام، إما باحتلال المرتبة الأخيرة أو ما قبلها برتبتين بحسب المادة الدراسية المعنية أو المستوى الدراسي.
باعتراف حكومي صريح يعاني ثلثا تلاميذ الابتدائي في المدارس المغربية تدنياً في مستويات التعلم لثلاث مواد رئيسة هي اللغة العربية والفرنسية والرياضيات (الحساب)، وفق ما ورد على لسان وزير التعليم المغربي محمد سعد برادة أخيراً داخل مجلس النواب.
ويعزو مراقبون تدني مستوى تلاميذ الابتدائي في المواد الثلاث إلى عوامل عدة منها "التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، والمستوى التعليمي والثقافي للأسرة، وطريقة التلقين والحفظ بدل التحليل والنقد، مما تنجم عنه إشكالات عدة أبرزها ارتفاع نسب الهدر المدرسي، وتدني ترتيب البلاد في التقييمات الدولية.
مقاربة حكومية
وقال المسؤول الحكومي المغربي أمام مجلس النواب، مستدلاً بإحصاءات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، إن "ثلثي التلاميذ المغاربة لا يتقنون اللغة العربية، ولا يفهمون اللغة الفرنسية، ولا يعرفون كيفية الحساب".
وكشف وزير التعليم المغربي عن كون معدل تعثر التلاميذ في هذه المواد يرتفع عند وصولهم إلى مستوى الإعدادي (ما بعد مرحلة الابتدائي)، وأن 90 في المئة من التلاميذ لا يتقنون هذه المواد الثلاثة في نهاية مرحلة الإعدادي بالمدارس المغربية.
وتراهن وزارة التربية الوطنية المغربية في هذا السياق على مشروع "مدارس الريادة" لتكون الطريق نحو إصلاح محوري لمنظومة التعليم بالبلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق الوزير نفسه، تنهج "مدارس الريادة" مقاربة وطريقة جديدة في تلقين مواد اللغة العربية والفرنسية والرياضيات بواسطة الشرح المباشر واستخدام التقنيات الحديثة من خلال عروض تقدم عبر شاشة داخل الفصل الدراسي.
معطيات المسؤول الحكومي تفيد بأن "تعميم مؤسسات الريادة بلغ هذا العام 2000 مؤسسة جديدة، ومليون و300 ألف طفل في أفق البلوغ إلى أزيد من ثلاثة ملايين طفل".
وكانت نتائج دورة 2023 للتقييم الدولي في الرياضيات والعلوم "تيمس" قد كشفت تذيل المغرب للترتيب العام، إما باحتلال المرتبة الأخيرة أو ما قبلها برتبتين بحسب المادة الدراسية المعنية أو المستوى الدراسي.
تفاوتات اجتماعية
في السياق ترى حسنية حسيب، باحثة في سوسيولوجيا التربية، أن هذا الضعف يعكس تفاعلات معقدة بين عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية وسيكولوجية تؤثر جميعها في التحصيل الدراسي، وتسهم في تحديد مستوى التمكن المعرفي لدى التلميذ، بخاصة في المواد الأساسية كاللغات والرياضيات.
وعزت الباحثة مستوى التحصيل لدى التلاميذ المغاربة إلى عديد من العوامل، منها "التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في جودة التعليم الذي يتلقاه التلاميذ"، شارحة أن التلاميذ الذين ينتمون إلى أسر فقيرة أو هامشية غالباً ما يعانون من نقص الموارد التعليمية مثل الكتب والأجهزة الإلكترونية الضرورية للتعلم، فالأطفال مثلاً في المناطق القروية قلما يحظون بمدارس مجهزة أو يستفيدون من متابعة دروس إضافية لتحسين مستواهم".
وأضافت حسيب عاملاً آخر هو المستوى التعليمي والثقافي للأسرة، الذي يلعب دوراً كبيراً في دعم الأطفال بمسارهم التعليمي، فالأسر التي تعاني من الأمية أو ضعف الثقافة التعليمية تكون عاجزة على مساعدة أطفالها في مواد مثل الرياضيات أو اللغة الفرنسية.
ولفتت الباحثة إلى أن هذا النقص في الدعم المنزلي يضع الأطفال في موقف ضعف مقارنة بأقرانهم الذين ينتمون إلى أسر ذات مستوى تعليمي أعلى، بخاصة أن دعم الأسرة قد يرفع من التحصيل الدراسي لأبنائهم بنسبة تصل إلى 30 في المئة".
وذهبت حسيب إلى أن الثقافة المدرسية تشكل أيضاً عائقاً أمام التحصيل الدراسي، بخاصة إذا كانت تعتمد على التلقين والحفظ بدل الفهم والتطبيق، باعتبار أن التركيز على الحفظ يجعل التلاميذ قادرين على استظهار المعلومات من دون فهم السياق أو تطبيق المعرفة الملقنة، كما أن التلقين يخلق بيئة مدرسية تُركز على النتيجة النهائية (الامتحانات والنقاط) بدلاً من التعلم كعملية مستمرة.
نوم وصحة
ومن العوامل الأخرى المؤثرة في أداء وتحصيل التلاميذ المغاربة، وفق الباحثة، اضطراب النوم والأنماط الغذائية غير الصحية. موضحة أن اضطرابات النوم تؤثر بشكل كبير في القدرات الإدراكية والنفسية والجسدية للتلاميذ، مما يؤدي إلى تدنٍ ملحوظ في أدائهم الدراسي، إذ تقلل من القدرة على التركيز أثناء الحصص الدراسية.
وتردف، "التلاميذ الذين يفتقرون إلى النوم الكافي يجدون صعوبة في استرجاع المعلومات أثناء الاختبارات أو المهام الدراسية، إضافة إلى أن قلة النوم تؤدي إلى زيادة القلق والتوتر، مما يؤثر سلباً في الأداء المدرسي".
من جانب آخر، تكمل الباحثة، تؤدي الأنماط الغذائية غير الصحية إلى مشكلات تعليمية وسلوكية، فمثلاً تناول الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون يؤدي إلى انخفاض النشاط العقلي، كما أن الأطفال الذين لا يتناولون وجبة الفطور يومياً يعانون من انخفاض مضاعف في التحصيل الدراسي".
ومضت حسيب قائلة، "إذا اعتبرنا المدرسة مؤسسة اجتماعية تتفاعل مع قيم المجتمع، فإن النظام التعليمي المغربي في بعض جوانبه يعكس علاقات القوة داخل المجتمع، وتعد المدارس الخصوصية نموذجاً واضحاً لذلك، إذ تمنح للتلاميذ الذين يلتحقون بها فرصاً أكبر بفضل الجودة العالية للتعليم والموارد المتاحة لهم، بينما تُعاني المدارس العمومية من تحديات تتعلق بالاكتظاظ، ونقص الموارد، وضعف التكوين المستمر للمدرسين والمدرسات، مع محدودية تعاون الأسر.
تداعيات سلبية
وتنجم عن مستوى التلاميذ المغاربة في مواد أساسية مثل العربية والفرنسية والرياضيات، نتائج وتداعيات سلبية عدة على المستويات التربوية والتعليمية والاجتماعية، تتسبب فيها هذه التعثرات التعلمية منذ بداية مسار التلميذ.
ويعدد الباحث التربوي محمد الصدوقي بعض أبرز هذه التداعيات والنتائج السلبية من الناحية التربوية والتعليمية، إذ يؤدي تراكم التعثرات الدراسية للتلميذ إلى الفشل الدراسي، وعدم القدرة على إكمال مساره الدراسي"، مبيناً أن "أغلب المتعلمين الذين يعانون من تدني مستواهم الدراسي هم من يفتعلون ظواهر مدرسية سلبية مثل العنف والشغب والتنمر".
واستطرد الباحث أن "التدني الكبير لمستوى ونتائج التلاميذ المغاربة يجلب تداعيات سلبية على فعالية المنهج الدراسي، بالتالي المردودية الداخلية للنظام التعليمي الذي يجب إصلاحه، وهذا ما فعلته الوزارة الوصية أخيراً باعتماد المشروع الإصلاحي لمدارس الريادة".
وفي الجانب الاجتماعي أفاد الباحث نفسه بأن التلاميذ ذوي المستوى المتدني غالباً ما يتعرضون للفشل أو الطرد، بالتالي يكونون ضحية الهدر المدرسي مما يجعلهم يغادرون المدرسة من دون مستوى تعليمي أو شهادة تعليمية أو مهنية تمكنهم من الاندماج المجتمعي الإيجابي والمنتج".
وزاد الصدوقي بأن مصير هؤلاء التلاميذ غالباً يكون البطالة والجريمة وغيرها من المظاهر المجتمعية السلبية، بالتالي يخسر المجتمع كتلة كبيرة من الرأسمال البشري الذي كان من الممكن أن يشكل قيمة مضافة في سلم ومسار تقدم وتنمية ونهضة الوطن والدولة.
وخلص المتحدث إلى أن "تدني مستوى التلاميذ يرسخ صورة المدرسة العمومية سلبية لدى الأسر والمجتمع، بالتالي يفقدون الثقة في خدمتها ووظيفتها كرافعة للرقي الاجتماعي الفردي والأسري والمجتمعي بعامة".