Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

ضحايا التعذيب في السجون التونسية يبحثون عن "رد اعتبار معنوي"

هيئة "الحقيقة والكرامة" قدمت إلى القضاء نحو 200 ملف فتحت من قبل 13 دائرة قضائية متخصصة

رفع مكتب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس شكوى إلى الأمم المتحدة (أ ف ب)

ملخص

من غير الواضح متى ستنظر اللجنة الأممية في الشكوى المقدمة ضد الدولة التونسية، لكن التساؤلات التي تثار تتمحور حول ما إذا كانت السلطات ستنفذ الأحكام التي ستصدر.

في وقت تسود فيه المخاوف من تراجع البلاد عن مكاسب الحقوق والحريات السياسية التي حققتها في أعقاب انتفاضة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011، يسعى ضحايا التعذيب في تونس خلال عهدي الرئيسين الراحلين زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، إلى إنصافهم من الخارج بعدما رفع مكتب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في البلاد شكوى إلى الأمم المتحدة في هذا الشأن.

وقالت مديرة المنظمة إيلين لوجي إن "الشكوى التي رفعت إلى الأمم المتحدة هي الملاذ الأخير لضحايا التعذيب في تونس من أجل إدانة البلاد وإجبارها على منحهم العدالة وتعويضهم". وأوضحت لوجي أن "الشكوى تحظى بفرصة القبول من طرف لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لأن تونس وقعت على معاهدات دولية، لكن استنفدت جميع سبل إنصاف هؤلاء الضحايا في تونس".

والشكوى التي رفعت إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب تهم ستة من ضحايا التعذيب في تونس خلال عهدي بورقيبة وبن علي، وهما حقبتان عانت فيهما البلاد تضييق الخناق على الحريات السياسية.

تعثر العدالة الانتقالية

هذا التطور يأتي في وقت كانت سعت فيه تونس إلى معالجة إرث طويل نسبياً من الانتهاكات التي طاولت نشطاء سياسيين وحقوقيين، لكن مساعيها تلك قوضت لعديد من الأسباب.

وشهد عام 2018 كغيره جلسات محاكمة لأمنيين سابقين يشتبه في تورطهم بتعذيب سجناء رأي وسياسيين. ولعل من أبرز الملفات التي هزت الرأي العام في تونس ملف القيادي في حزب "العمال الشيوعي" نبيل البركاتي الذي تعرض للتعذيب عام 1987 إلى أن قضى بسجنه في مدينة قعفور شمال غربي تونس، وذلك إبان حكم بن علي.

ويكتنف الغموض العدد الإجمال لضحايا التعذيب إبان عهدي بورقيبة وبن علي على رغم أن عديداً من الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية حاولت معالجة هذا الملف على غرار هيئة "الحقيقة والكرامة" (حكومية).

وقالت نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نجاة الزموري إن "المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب كانت عضواً في الائتلاف الوطني للعدالة الانتقالية منذ 2011 وداعماً لهيئة (الحقيقة والكرامة) بالتالي عند تعطل مسار العدالة الانتقالية في تونس لعديد من الأسباب واصلت المنظمة عملها وأعادت إلى السطح الملفات التي كان من المفترض أن يتم الحسم فيها من قبل هيئة (الحقيقة والكرامة)".

وأضافت الزموري في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "المنظمة طلبت إعادة فتح هذه الملفات الآن، إذ لم يقع النظر فيها، ولم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية لفتحها أصلاً، بالتالي المنظمة العالمية لم تتوقف عن فتح الملفات". وشددت على أن "هذه الملفات أغلقت بسبب تعثر العدالة الانتقالية وغياب الإرادة السياسية".

رد اعتبار معنوي

وعند إطلاقه قبل أعوام كان من المفترض أن يقود مسار العدالة الانتقالية في تونس إلى فرض عقوبات على مرتكبي تجاوزات وانتهاكات في حق الضحايا وتقديم تعويضات لهؤلاء.

وبحسب ما ذكرته تقارير محلية فإن هيئة "الحقيقة والكرامة"، التي كانت تشرف على معالجة هذا الإرث من التعذيب، قد "قدمت إلى القضاء نحو 200 ملف تعذيب تم فتحها من قبل 13 دائرة قضائية متخصصة".

ومنذ رحيل بن علي في 2011 أوكلت إلى هيئة "الحقيقة والكرامة" التي كانت تترأسها سهام بن سدرين، وهي مسجونة حالياً، عملية التحقيق في الانتهاكات التي مورست في حق نشطاء تونسيين منذ عام 1955 حتى 2011.

وقال نائب رئيس المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب مختار الطريفي إنه "لم تسفر أي محاكمة عن حكم، ولم يحدث أي تقدم في هذه القضايا".

من جانبه اعتبر الباحث السياسي التونسي هشام الحاجي أن "ھناك مسائل مبدئية يتعين الانطلاق منھا، وتتمثل أساساً في أن التعذيب ممارسة مرفوضة ولا يمكن تبريرھا علاوة على أن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم ويضاف إلى ذلك أن اللجوء للقضاء، متى استوفت الدعوى شروطھا الشكلية والإجرائية ھو حق مكفول دستورياً".

وفي رأي الحاجي، "وبعد تأكيد ھذه المسائل الشكلية لا بد من الإشارة إلى أن ھذه الشكوى قد تكون غير منتجة قانونياً وسياسياً، بخاصة أن مسار العدالة الانتقالية قد وصل إلى نھايته ولم يكن مثمراً بدوره". وشدد على أن "الأشخاص الذين يمكن توجيه التھم لھم قد غادروا الحياة، مما يعني أن الأمر لا يمكن أن يتجاوز عملية رد اعتبار معنوي، ولكن لن تكون لھا انعكاسات سياسية ولا يمكن في تقديري أن توظفھا السلطة السياسية أو المعارضة لأن المرحلة ھي حالياً مرحلة قطيعة شاملة مع نظام ما قبل يناير 2011".

اقرأ المزيد

اختلاف

ومن غير الواضح متى ستنظر اللجنة الأممية في الشكوى المقدمة ضد الدولة التونسية، لكن التساؤلات التي تثار تتمحور حول ما إذا كانت السلطات ستنفذ الأحكام التي ستصدر.

ويسود خلاف إزاء ذلك، إذ تقول الزموري، "لا أعتقد أن الدولة التونسية ستلتزم بالقرارات إذا أصدرت لمصلحة الضحايا، لأن السلطة الحالية لا تلتزم بالقرارات الأممية والدولية، وهي قالت هذا علناً، والرئيس قيس سعيد قال إنه ليس من الضروري أن تلتزم البلاد بقرارات كهذه وإن لديها سيادة وطنية وغير ذلك". وتابعت، "نذكر قرار المحكمة الأفريقية ضد تونس لإيقاف المراسيم التي تم إصدارها عقب التدابير الاستثنائية لكن السلطة السياسية لم تنفذ ذلك القرار".

وشددت الزموري على أنه "كان على السلطة أن تلتزم لأن التعذيب المعني تم في عهد بورقيبة أو بن علي، مما يعني أن السلطة الحالية ليست ضالعة في هذه الانتهاكات، بالتالي من مصلحتها فتح هذه الملفات".

لكن هشام الحاجي توقع أن "تلتزم الدولة التونسي بأي حكم قد يصدر عن لجنة الأمم لمصلحة الضحايا".

وفي ظل توقف قطار العدالة الانتقالية في تونس فإنه من غير الواضح ما إذا ستفلح هذه المساعي الجديدة في إعطاء زخم جديد لإنصاف ضحايا التعذيب والسجن من نشطاء سياسيين وحقوقيين وغيرهم.

المزيد من تقارير