Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

سياسة ترمب تحتم على بريطانيا تعزيز علاقتها بالاتحاد الأوروبي

بعد مرور عقد من الزمن ستكون القارة العجوز مختلفة عما كانت عليه وقت مغادرة المملكة المتحدة لها عام 2020

الشراكة البريطانية - الأوروبية المتجددة بعيون الذكاء الاصطناعي (تشات جي بي تي)

ملخص

تواجه بريطانيا وأوروبا تحديات عالمية متزايدة مما يستدعي تعزيز التعاون المشترك، وفي ظل عودة ترمب تبرز الحاجة إلى إعادة بناء العلاقات عبر شراكات اقتصادية وأمنية وبيئية مع التركيز على حرية التنقل والتكامل التدريجي ضمن الاتحاد الأوروبي.

 

إن عودة الرئيس دونالد ترمب للبيت الأبيض تؤشر إلى فصل جديد يفتقد اليقين في الشؤون الدولية، فالعالم يجابه أساساً تحديات عميقة مثل الحرب الروسية في أوكرانيا ونمو الحركات اليمينية المتطرفة في مختلف أرجاء أوروبا ونزوح الملايين والتهديدات الوجودية لأزمة المناخ، وإن من شأن عهد ترمب الرئاسي الثاني تعميق حال عدم القدرة على التنبؤ في بيئة عالمية هشة أصلاً.

وبالنسبة إلى القارة الأوروبية فإن اللحظة الآنية هي محورية بامتياز، وكل ذلك يحتم على الديمقراطيات في جميع أرجاء القارة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي نفسه، الاستجابة إلى هذه الديناميكيات المتغيرة وإيجاد طرق أكثر فعالية للعمل معاً.

وبصفتنا رئيسين مشاركين للـ "حركة الأوروبية في المملكة المتحدة" فنحن نعتقد أن هذه لحظة حيوية لبريطانيا لإعادة الدخول مع أوروبا وإعادة بناء تصور لعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي.

وفي حين أن جهود الحكومة البريطانية لإعادة ضبط العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي هي خطوة في الاتجاه الصحيح إلا أنها تقل عن المطلوب، فمن دون نهج أوسع وأكثر اتساقاً، أي نهج يتمتع بطموح أكبر ورؤية إستراتيجية، فإن المملكة المتحدة تخاطر بأن تجد نفسها متروكة على هامش اتحاد أوروبي متغير بسرعة.

لا تستطيع بريطانيا الوقوف بمفردها، فمصيرنا لا يزال متشابكاً بعمق ومرتبط بنجاح أوروبا، وإن تجارة الطرفين تستفيد من وتعتمد على سلاسل التوريد والتجارة المتكاملة التي تحافظ على الوظائف وتدفع عجلة الاستثمار، ومعالجة أزمة المناخ تتطلب تعاوننا لتحقيق هدف خفض مستوى الانبعاثات ونجاح التحول للاعتماد على الطاقة النظيفة.

أما التهديدات الأمنية فتتطلب منا ضرورة العمل معا بصورة أوثق ومن ضمن ذلك تنسيق أفضل في مجالات تبادل المعلومات الاستخباراتية وتحقيق شراكات متينة أكثر، والهجرة أيضاً تتطلب مقاربة مشتركة والعمل إلى جانب الشركاء الأوروبيين لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة وإدارة تدفقات الناس بصورة إنسانية وفعالة.

علاقة أوثق مع المملكة المتحدة تصب في مصلحة أوروبا أيضاً بوصفها عضوة دائمة في مجلس الأمن الدولي، تبقى بريطانيا لاعباً رئيساً في مجال الأمن والدفاع، بوسعها تقديم خبرات ثمينة وقدرات قيمة لدعم مبادرات السلام الأوروبية، كما أن المملكة المتحدة دولة رائدة على المستوى العالمي في مجال التكنولوجيا الخضراء [الصديقة للبيئة] وخصوصاً عملية توليد الطاقة من الرياح البحرية مما يجعلها شريكاً حيوياً على مستوى عملية التحول في مجال الطاقة على المستوى الأوروبي، هذا وتوفر قطاعات العلوم والتكنولوجيا البريطانية الرائدة عالمياً من مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تكنولوجيا العلوم الحيوية، فرصاً للتعاون يمكن أن يدفع بعجلة الابتكار والتنافسية قدماً، ولن يؤدي تعزيز العلاقات مع المملكة المتحدة إلى تحسين موقع الاستقلالية الإستراتيجية لأوروبا وحسب، بل سيعزز أيضاً نفوذها في الساحة العالمية.

إن الاتحاد الأوروبي في طور التغيير ومع الأخطار التي يمثلها دونالد ترمب إن كان لجهة تقوية تيار اليمين المتطرف أو لجهة الحروب التجارية المضرة وصولاً إلى التراجع عن الالتزامات المناخية وتقويض العمل الدولي على مستوى المؤسسات الدولية التعددية، فإن الحاجة الملحة إلى تسريع عملية التحول هذه لم تكن مهمة كما هي اليوم، وتحدد المقترحات الفرنسية الألمانية لإصلاح وتوسيع الاتحاد الأوروبي بنية مرنة متعددة المستويات مع "دوائر تكامل متحدة المركز" في جوهرها.

إن مشروع الإصلاح والتوسعة ذلك يتوخى مستويات إضافية للبلدان المرشحة مثل أوكرانيا ودول غرب البلقان، والسماح بعضوية جزئية لشركاء [عضوية بحقوق وامتيازات أقل] بما فيها للوقت الحالي المملكة المتحدة، وهذا يوفر لبريطانيا فرصة لإعادة بناء الثقة وتعزيز التعاون الوثيق وإعادة تعريف مكانتها ضمن القارة.

لكن ماذا ستعني العضوية الجزئية عملياً؟ وكيف يمكن للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تطوير شراكة تعكس قيمهما ومصالحهما المشتركة، وفي الوقت نفسه تجهيز الجانبين لمواجهة التحديات الملحة لهما في عالم اليوم.

وغالباً ما كانت علاقات المملكة المتحدة على مستويات السياسات الخارجية والأمن مع الاتحاد الأوروبي أضعف من علاقة كثير من حلفائنا من الدول الأعضاء في الـ "ناتو"، بما في ذلك الولايات المتحدة وتركيا وكندا، وهناك نماذج قائمة يمكن الاستفادة منها مثل "اتفاق الشراكة الإستراتيجية" بين الاتحاد الأوروبي وكندا والتي قد تكون إطاراً يُحتذى لتعزيز التعاون في هذا المجال.

إن الشراكات الأمنية المعززة أساس في التصدي للجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب البشر، ولقد أدى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى تقييد الوصول إلى قواعد البيانات الحيوية لأجهزة انفاذ القانون، مثل نظام معلومات "شنغن" ونظام سجلات المعلومات الجنائية الأوروبية، ومن شأن استئناف وصول المملكة المتحدة إليها تعزيز عمليات مشاركة المعلومات الاستخباراتية، مما يحسن عمليات إرساء الأمن العابرة للحدود وتعزيز الأمن العام في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويفترض بمجالي الطاقة والتعاون المناخي أن يشكلا حجر الزاوية في العلاقة الجديدة، مما يعكس الالتزامات المشتركة لمعالجة الحوادث المناخية الطارئة وضمان أمن الطاقة، وتوفر طاقة الرياح البحرية فرصاً للتطوير المشترك من خلال مبادرات مثل التعاون في مجال طاقة بحر الشمال، مما يعزز الاستثمارات ويقوي أمن الطاقة في أوروبا.

ومن شأن إعادة الاندماج الجزئي في سوق الطاقة الداخلية الأوروبية أن يضمن التدفق السلس للكهرباء والغاز عبر خطوط الربط القائمة مع كل من فرنسا وبلجيكا وهولندا، والتي تعتبر أمراً بالغ الأهمية حيث تصل واردات الكهرباء من أوروبا إلى مستويات قياسية ومعظم الغاز المستورد بريطانياً يأتي أيضاً من أوروبا، واستعادة العمل بمواءمة الإجراءات التنظيمية سيؤدي إلى استقرار الأسعار ويدعم ذلك عدم تذبذب الإمدادات.

وسيؤدي ربط نظام تداول انبعاثات الكربون في المملكة المتحدة بسوق الكربون في الاتحاد الأوروبي إلى منع تسرب الكربون وتوفير اليقين الاستثماري للعمليات الأكثر استدامة، كما أن الوصول إلى تمويل مرفق الربط الأوروبي قد يدعم تطوير الشبكات الذكية وتخزين الطاقة عبر الحدود والبنية التحتية للمركبات الكهربائية.

وفيما يبقى الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة فإن تعميق التكامل الاقتصادي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أمر بالغ الأهمية من أجل جذب الاستثمارات وتعزيز القدرات التنافسية، ومن شأن المشاركة في السوق الأوروبية الموحدة للاتحاد الأوروبي سواء بصورة كاملة أم اختيارياً بمجالات أساسية محددة، أن يمنح الشركات التجارية البريطانية وصولاً سلساً إلى السوق الموحدة، وينزع الحواجز غير الجمركية ومن ضمنها المعايير المتباينة وعمليات التصديق المعقدة، ومن شأن السماح بحرية حركة البضائع والأموال والخدمات وربما الأشخاص أن تبسط العمليات وتقلل من التكاليف وتعزز فرص الابتكار على كافة المستويات.

ومن شأن إقامة اتحاد جمركي وإلغاء التعرفات الجمركية ونظام المحاصصة وعمليات التفتيش عند النقاط الحدودية أن يضمن تدفقات تجارية أكثر سلاسة، ويدعم سلاسل التوريد في القطاعات الحيوية مثل صناعة السيارات والأدوية والزراعة، والمواءمة بين الاجراءات البريطانية ونظام الاتحاد الأوروبي للتعرفة الجمركية الخارجية سيؤدي إلى تبسيط عمليات التصدير وإزالة التعقيدات المرتبطة بقواعد المنشأ وتقليل الكُلف الإدارية مما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات البريطانية في السوق الأوروبية.

وقد توفر العضوية الجزئية للمملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي إطاراً منظماً لتحسين التنقل من أجل العمل والدراسة والتطوير المهني، وإضافة إلى الفوائد الاقتصادية فإن تجويد التعاون في مجال التنقل من شأنه أن يعزز مكانة المملكة المتحدة كدولة منفتحة ومتصلة عالمياً، مما يقوي الروابط الثقافية والتماسك الاجتماعي في جميع أنحاء أوروبا.

كان الشباب من بين الفئات الأكثر تأثراً بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ومن شأن شراكة تتمحور حول التنقل الشبابي أن تمنحهم فرصاً جديدة، مما يسهم في سد نقص العمالة في القطاعات الحيوية وتعزيز الروابط طويلة الأمد بين الأجيال المقبلة، كما أن استعادة إمكان الوصول إلى برامج التبادل التعليمي والتدريبي، بما في ذلك "إيراسموس+" [برنامج تبادل جامعي] فسيمكن الطلاب والباحثين من الاستفادة من فرص التعاون الأكاديمي والابتكار.

ومنذ "بريكست" واجه المهنيون قيوداً تتعلق بالتأشيرات وتصاريح الإقامة واللوائح الوطنية المختلفة مما عقد فرص العمل العابرة للحدود، ويمكن أن يساعد تعزيز الشراكة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في تبسيط هذه الإجراءات أو إلغائها، مما يضمن الاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية ويجعل من السهل على المهنيين البريطانيين العمل في الاتحاد الأوروبي والعكس صحيح.

وسيستفيد قطاع صناعة الابداع الفني والذي تصل قيمته إلى أكثر من 110 مليارات جنيه إسترليني (136 مليار دولار أميركي) سنوياً، من إجراءات تنقل أفضل مما يتيح للفنانين والموسيقيين والممثلين القيام بجولات فنية، والتعاون مع الشركاء الأوروبيين من دون تقييدات متعلقة بالتأشيرات وتصريحات العمل، وعلاوة على ذلك فإن استعادة الوصول إلى برامج التمويل الثقافي مثل "أوروبا المبدعة" سيوفر دعماً مالياً مهماً ويعزز الشراكات الدولية في قطاع الفنون.

وبالنظر إلى عمق العلاقة بين الجانبين فمن المنطقي أن تحصل المملكة المتحدة على وضع المراقب في المؤسسات الأوروبية الرئيسة ومجموعات العمل، وعلى رغم أن ذلك لن يمنحها حقوق التصويت لكنه سيتيح لها مشاركة حيوية في المناقشات، مما يمكنها من التأثير في عملية صنع القرار من خلال الحوار المنظم والمشاورات، وبالتالي ضمان تمثيل مصالحها على أعلى المستويات.

ومن المرجح أن تكون أوروبا عام 2035 مختلفة على حد كبير عن الاتحاد الأوروبي الذي غادرته بريطانيا عام 2020، والتحديات المقبلة تتطلب مزيداً من الوحدة والتعاون، كما أن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض تعزز الحاجة إلى توطيد أوروبا قدرتها على الصمود واستقلالها الإستراتيجي في عالم يزداد اضطراباً.

إن التواصل الجديد يجب أن يتخطى الاتفاقات المتعلقة بالتعاملات وحسب، بل عليه أن يبنى على أساس احترام القيم المشتركة مثل دعم سيادة القانون وحماية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان وتعزيز الرخاء الاقتصادي وضمان الأمن الجماعي، فبريطانيا وأوروبا شريكان طبيعيان في مواجهة هذه التحديات، ويجب على المملكة المتحدة أن تتبنى هذا الدور بطموح ورؤية.

نحن ملتزمون بالدعوة إلى علاقة أوثق وأكثر تعاوناً بين بريطانيا وبقية أوروبا بفضل القيادة والإصرار، وتستطيع بريطانيا استعادة مكانتها كشريك رئيس في تشكيل مستقبل أوروبا، مستقبل أكثر صديقاً للبيئة وازدهاراً واتحاداً لمصلحة جميع مواطنيها.

© The Independent

المزيد من آراء