ملخص
أورد التقرير الأممي جملة من الأرقام التي يجب الوقوف عندها، من بينها ارتفاع معدل البطالة ثلاث مرات، ليصبح واحد من كل أربعة سوريين عاطلاً عن العمل.
قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن 14 عاماً من الصراع السوري أدى إلى تدمير نحو 40 عاماً من التقدم الاقتصادي والاجتماعي ورأس المال البشري.
وأوضح البرنامج في تقرير موسع حول سوريا بعنوان "تأثير الصراع في سوريا: اقتصاد مدمر وفقر مستشر وطريق صعب إلى الأمام نحو التعافي الاجتماعي والاقتصادي"، أنه بناء على معطيات النمو الحالية فإن الاقتصاد السوري لن يستعيد عافيته قبل أقل من 50 عاماً قادماً إلا في حال ارتفع معدل النمو السنوي لنحو ستة أضعاف عما هو عليه الآن، وبذلك يمكن تقصير مدة التعافي إلى 10 سنوات، مع الحاجة الملحة إلى أن يرتفع بمقدار 10 أضعاف على مدار 15 سنة مقبلة لإعادة الحال الاقتصادية إلى ما كانت عليه عشية الحرب مع بداية عام 2011.
وأورد التقرير الأممي جملة من الأرقام التي يجب الوقوف عندها، من بينها ارتفاع معدل البطالة ثلاث مرات، ليصبح واحد من كل أربعة سوريين عاطلاً عن العمل.
وعلى رغم حداثة موعد نشر التقرير (جرى نشره قبل أيام) فإنه لم يراع الحال المستجدة في سوريا من الناحية الإحصائية في ما يتعلق بمعدلات البطالة الشعبية، خصوصاً مع فصل 400 ألف موظف حكومي من وظائفهم بصورة تعسفية، وإيقاف رواتب أكثر من 500 ألف آخرين بين عسكريين ومدنيين مسرحين قبل الحرب، مما يعني أن نسبة البطالة أعلى بكثير مما أورده التقرير.
كلمة السر في أميركا
في هذا الصدد يقول الاقتصادي رائد سلمون، إن "ثمة عوامل رئيسة أغفلها تقرير الأمم المتحدة، وعلى رأسها التبدل الديناميكي في حياة العائلات السورية بعيد سقوط النظام السابق، وعمليات الفصل التعسفي بحق الموظفين، والمجاعة شبه التامة التي ضربت أركان البلاد، مع غياب أفق اقتصادي توافقي جامع وشامل لم تتوفر حتى الآن أي من مؤشراته الإيجابية على الأرض، مما يعكس فقر التخطيط وبعد النظر في هذا الملف".
ويرى أنه لما كان القطاع الخاص أصبح شبه معطل، والقطاع الحكومي في حال سبات، فإن هذا يعني ارتفاع مؤشر البطالة إلى حدود غير مسبوقة في سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي، مستدلاً بأن الذي يملك بسطة، وهو الحال الطاغي في شوارع سوريا اليوم، لا يمكن اعتباره غير عاطل عن العمل لأنه لا يملك مورداً ثابتاً ورأسماله شبه صفري.
ويضيف "هناك كوارث اقتصادية تحصل، والفرح الذي لف الناس برفع العقوبات الجزئي أوروبياً عن سوريا لا يعني كثيراً، فلا يزال المركزي والبنك التجاري المعني بالمعاملات الخارجية في النقد الأجنبي محاصرين، وكلمة السر الاقتصادية في سوريا ضمن هذه الحال هي في الولايات المتحدة، وتحديداً في "قانون قيصر"، وأميركا التي لم توقع على "اتفاق باريس" لا تزال تنتظر وتترقب وتبدي مطالبها بحكومة سورية شاملة حتى تتبلور الصورة لديها".
بدوره يرى المتخصص في علوم الاقتصاد نائل النوري أنه لا يمكن القول إن كل سوري من أربعة لا يعملون، فقد يكون الرقم الحقيقي اثنان أو ثلاثة من أربعة، لأنه من شروط انتفاء البطالة استدامة العمل، ومع سقوط النظام السوري تبدى الحال بصورة جلية أكثر حول مفاهيم البطالة المقنعة، وعلى رغم ذلك كانت تكفي للحفاظ على مؤشر البطالة ضمن الحدود المقبولة.
ويتابع "ذلك لا يعني أن نظام الأسد كان تمكن من جعل شعبه مرفهاً، لكنه كان يدور العملية البيروقراطية الحكومية في سبل التوظيف بما يضمن تحقيق أرقام إحصائية تصب في صالحه، وهو الذي فوجئت به القيادة الجديدة التي لم تتوقع أن ترى هذه الكمية المخيفة من الترهل الإداري والمؤسساتي والوظيفي في البلد، كما أنها لا شك أبدت استغرابها كيف كان البلد يسير في ظل واقع مشابه، لذا حاولت أن تجتهد لتصوب وتقوم المشهد، لكنها قوبلت بصرخات المتضررين، وهذا أمر كان لابد منه، لأن الناس تريد أن تعيش، لا أن تناظر في السياسات الاقتصادية".
يعتقد النوري أن جوانب أخرى جاءت في التقرير الأممي حاكت الصواب لناحية حاجة سوريا حتى عام 2080 إلى استعادة عافيتها الاقتصادية إذا لم تتوفر حلول سريعة وفورية، وفي هذا الإطار يرى أن الحل الأمثل والأسرع هو مساعدة الدول الأخرى لسوريا وانضمامها لمنتديات وقروض مانحين عالميين، والعمل بشتى السبل للابتعاد من شبح قانوني "قيصر" و"كبتاغون". وكذلك التعويل على النوايا الحسنة للدول الإقليمية والعالمية في رفد الاقتصاد السوري بعد توفير بيئة استثمارية آمنة وموثوقة تدفع بالشركات الأجنبية لخوض غمار التجارب الصناعية والتجارية في سوريا ومعها، وهو أمر يتطلب كثيراً من العمل الحثيث والجدي وسط تجاذبات داخلية يلفها مشهد معقد من الفساد والتشابك اللذين تركهما الأسد خلفه، وهو الذي قطع دابر أية إمكانية اقتصادية نظيفة داخل أراضيه باعتماده على موارد غير شرعية كالجباية وتجارة المخدرات، وهو ما لن يكون مقبولاً بأي شكل في العهد الجديد.
استثمار طويل الأجل
من جهته قال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر في تصريح صحافي إنه، إلى جانب المساعدات الإنسانية الفورية، يتطلب تعافي سوريا استثماراً طويل الأجل في التنمية لبناء الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لشعبها.
وأضاف أن "استعادة الإنتاجية من أجل خلق فرص العمل وتخفيف حدة الفقر، وتنشيط الزراعة من أجل تحقيق الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنية التحتية للخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والطاقة، كلها عوامل أساسية لتحقيق مستقبل مستدام".
ومن بين الأرقام التي وردت في التقرير، أن سوريا خسرت من ناتج إجمالها المحلي خلال الحرب نحو 800 مليار دولار أميركي خلال أقل من عقد ونصف عقد، وأن كل ثلاثة من أربعة أشخاص يعتمدون على المساعدات الإنسانية ويحتاجون إلى دعم التنمية في المجالات الأساسية للصحة والتعليم نتيجة فقر الدخل والبطالة وانعدام الأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والطاقة والإسكان.
وورد في التقرير أن نسبة قد تصل إلى 50 في المئة من الأطفال لا يذهبون إلى المدارس، مع دمار نحو ثلث الوحدات السكنية تاركة خلفها نحو 6 ملايين سوري بلا مأوى، كما تضرر أكثر من نصف محطات معالجة المياه وأنظمة الصرف الصحي أو أصبحت غير صالحة للعمل، مما ترك ما يقرب من 14 مليون شخص – أي نصف السكان – من دون مياه نظيفة وصرف صحي ونظافة.
وإلى ذلك – بحسب التقرير - انخفض إنتاج الطاقة بنسبة 80 في المئة، مع تضرر أكثر من 70 في المئة من محطات الطاقة وخطوط النقل، مما أدى إلى تقليص قدرة الشبكة الوطنية بأكثر من ثلاثة أرباع.
إحصاءات منقوصة
ومن ضمن ما جاء في التقرير أن الصراع أسفر عن وقوع نحو 600 ألف قتيل واختفاء 113 ألفاً آخرين، وحول هذا يعقب الحقوقي ظافر سيناري بأن هذه الأرقام لا يمكن أن تكون دقيقة تماماً، مبيناً أن المختفين قسراً في السجون وجثامين المقابر الجماعية تشير إلى أرقام أكبر، وموضحاً أن مرارة الصراع وتعقيد حيثياته وانتفاء وجود مراكز حيادية موثوقة تعمل بشفافية ويد مطلقة جعل أمر الإحصاء أكثر صعوبة بكثير.
ويسجل الحقوقي اعتراضه على تعداد المباني الصالحة للسكن، بقوله إن "نصف حمص وحلب وريف دمشق وغيرهم مدمر، عملية الإحصاء والمسح لا تتم على عجل، فقد تستغرق أشهراً وفي بعض الأحيان سنوات لتتمكن من دخول كل قطاع على حدة، ومحاورة أكبر عدد من الناس على الأرض، والاطلاع على السجلات الرسمية والأمنية والتالفة حتى، لتتمكن من الخروج بأرقام دقيقة تحاكي الصواب الذي يعرفه السوريون جيداً".
بالعودة لصلب التقرير وما تضمنه من ملفات اقتصادية، فإن الأكاديمي في العلوم التجارية حسين زاهر يرى أن ثمة كثيراً ليفعل من ضمن الخطوات السريعة الإنقاذية للواقع الاقتصادي السوري، وأولها تثبيت سعر صرف العمل، والتوقف عن المضاربة وحبس السيولة.
يقول زاهر إن "حجم الفساد والمشكلات الاقتصادية كان دون المتوقع بكثير بالنسبة إلى الإدارة السورية الجديدة التي اصطدمت بواقع مرير تمت فيه قوننة الفساد وهيكلته ليوائم شكل حكم آل الأسد، وهو ما يتطلب إعادة تقييم شاملة لكل جوانب الملف الاقتصادي، والعمل على ترميمه وبنائه من الصفر، وهذا أصعب تحد يواجه أية دولة أو ثورة انتصرت".
ويضيف "كان الاقتصاد السوري اشتراكياً في مفهومه العام، لكنه أصبح مع الوقت شمولياً مرتبطاً برأس الدولة، والآن يجب العمل على تحويله باتجاه رأس المال الحر، كما يمكن الاستفادة من التجربة الفرنسية المذهلة في مبدأ الاقتصاد الحر الذي يختصر بمقولة ’دعه يعمل.. دعه يمر‘، مع ضرورة إزالة العقوبات والعقبات التي تحول دون إعادة الإعمار، وذلك من شأنه تحريك عجلة التبادل التجاري وإدخال الشركات والشراكات الخارجية وإعادة بناء وترميم البنى التحتية في قطاعات المياه والكهرباء والنقل والصناعات المتقدمة، إلى جانب العمل الدؤوب على استعادة موارد سوريا النفطية والقمحية والغذائية التي تتركز في منطقة الجزيرة شرق سوريا، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية الكردية".